الخميس، 24 يناير 2013

مع المستشرق والعالم الاجتماعي الفرنسي جاك بيرك


  1. مع المستشرق والعالم الاجتماعي الفرنسي جاك بيرك
    بقلم الاستاذ المهندس سعد سعيد الديوه چي
    كلية الهندسة – جامعة الموصل
    Dewachi16@yahoo.com
    في عام 1968م ، زار المستشرق الفرنسي الكبير جاك بيرك (ت1995م) مدينة الموصل وكان والدي (رحمه الله) مديراً لمتحف الموصل قبل إحالته على التقاعد بعد 17تموز 1968 ، وكنت آنذاك في حوالي الخامسة عشر من العمر، حيث كان مقصد بيرك زيارة معبد لالش الواقع في منطقة الشيخان، التي تبعد حوالي 40كم للشمال من الموصل وفيها المعبد الرئيسي للطائفة اليزيدية وقبر الشيخ عدي بن مسافر الأموي (ت557ه) شيخ الطريقة الصوفية العدوية، وحسبما يعتقد الوالد في كتابه عن "اليزيدية " بأنهم كانوا أصلاً من أتباع هذه الطريقة!
    وكان بصحبة جاك بيرك المرحوم أكرم فاضل وهو موظف كبير في وزارة الثقافة والإرشاد آنذاك وشقيق الأديب الموصلي الكبير عبد الحق فاضل وإمرأة مسنة لا أدري إن كانت سكرتيرته الخاصة أم زوجته.
    دارت في غرفة والدي وقبل الإنطلاق نحو الشيخان أحاديث عديدة مع والدي حول نشوء الطائفة اليزيدية وتاريخها، وكذلك عن بعض تفاسير القرآن الكريم، حيث أن بيرك كرس سنوات حياته الأخيرة لتفسير القرآن الكريم، وكان مما دار بينهما عن تفسير بداية سورة الروم فقال بيرك بأنها يجب أن تقرأ: (غَلَبت الروم في أدنى الأرض –بالفتح)، فأجابه والدي (رحمه الله) بأن القراءة الصحيحة (غُلِبت الروم –بالضم) كما هو متعارف عليه، عندها سأل والدي بيرك عن عدد أولاده، فقال خمسة، فرد عليه والدي بأن لديه ثمانية أولاد، وعندها أدرك بيرك مغزى المحادثة، فقال إذاً (غُلِبت الروم)، وخيم على الجلسة نوع من المرح قبل الإنطلاق نحو لالش.
    طوال الطريق كان مستمعاً أكثر منه متكلماً مع أنه يجيد العربية بطلاقة، وقد إرتاح كثيراً للإستقبال الطيب من قبل سدنة المعبد والعاملين فيه هناك، حيث تناولنا الغداء معهم قبل الرجوع الى الموصل، وكان يسألهم بتحفظ والإمرأة التي معه تلتقط الصور.
    وأخيراً فإن جاك بيرك صاحب آراء جريئة في مسألة الأديان وإن كنا لا نتفق معه بها، فهو يعتقد بأن حيوية الإسلام بوصفه دين الفطرة ويتطابق مع الطبيعة الإنسانية، فإنه يستطيع أن يبث مبادءه في المسيحية التي تحترم الحرية الشخصية بدون أن يبين كيفية ذلك!.
    وجاك بيرك كان له باع طويل في إدخال بعض المصطلحات "كالإسلام المتوسطي"، وقد إستند في ذلك الى فترة حكم معاوية بن أبي سفيان () للشام وفترة خلافته التي أستمرت لأكثر من عقدين، وكان مركزها الشام، حيث الاحتكاك مع الأقوام المتوسطية، فأرسى في نفوس العرب المسلمين طريقة التعامل مع الأقوام الأخرى لم يتعودوها من قبل، ثم أثمرت هذه العلاقة بعد عهد طويل عندما أصبحت بغداد عاصمة الثقافة وساحة لقاء الحضارات، حيث كان العاملون في بيوت الحكمة من كافة الأجناس والأديان كما أشار المرحوم الوالد في كتابه : "بيت الحكمة"، وهذا الأمر إلتقيا عليه ولكن بطرق مختلفة!.
    وقد اجتمع في زمن المأمون ستة أخوة للكاتب ابي الجعد إثنان منهم شيعيان وإثنان مرجئيان وإثنان خارجيان، وكلهم تحت سقف واحد، وكان هو سنياً.
    لقد كان بيرك محباً للثقافة الإسلامية، حيث دعى لإقامة أندلس جديدة أو مجموعة أندلسيات لتكون ملتقى بين الحضارة العربية – الإسلامية، والحضارة الأوروبية – المسيحية، بدل التطاحن والحروب، وهي صرخة لم تجد لها صدىً إلى حد الآن.
    وأخيراً علينا أن نذكر بأنه أوصى بوضع تفسيره للقرآن مع رفاته عند دفنه ليلقى ربه وهو صاحب رسالة تفاهم وحوار.
    ...........................................................................
    *الصورة المرفقة من ارشيف الاستاذ سعد سعيد الديوه جي ويظهر فيها من اليمين كاتب المقال الاستاذ سعد وكان عمره 15 سنة ثم والده المؤرخ الكبير سعيد الديوه جي وبعده بابا جاويش المسؤول عن مرقد الشيخ عدي بن مسافر في وادي الالش في الشيخان والى جانبه المستشرق والعالم الاجتماعي الفرنسي جاك بيرك ثم خادم المعبد واخيرا الدكتور اكرم فاضل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية بقلم : الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف

  فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل أجا...