الثلاثاء، 29 يناير 2013

مصطفى الصابونجي والوطنية الاقتصادية


مصطفى الصابونجي والوطنية الاقتصادية *
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث –جامعة الموصل
أقتبس مصطلح الوطنية الاقتصادية من الباحث روجر أوين استاذ التاريخ العربي الحديث في كلية سانت انطوني باكسفورد ، فلقد استخدم هذا المصطلح عند
حديثه عن الاقتصاد الوطني المصري المعروف (( طلعت حرب )) مؤسس بنك مصر ، والمشاريع الاقتصادية الرائدة والذي عد نضاله الاقتصادي مكملاً للنضال السياسي الذي قاده سعد زغلول ورفاقه . ومصطفى الصابونجي قـدم للموصل ما قدمه طلعت حرب للقاهرة وعبد الحميد شومان للاردن وفلسطين . والوطنيون الاقتصاديون هؤلاء اعتنقوا مجموعة معينة من الافكار عن الاقتصاد الوطني ، وقد اتاحت هذه الافكار وتطبيقاتها في مجال استثمار رؤوس الاموال في مشاريع نافعة للبلد ، قوة دافعة للكفاح الوطني ضد المحتلين الانكليز واعوانهم ، والسعي من اجل الاستقلال .
ولد مصطفى الصابونجي سنة 1888 في الموصل ، وهو ابن محمد باشا الصابونجي 1844- 1916 من عشيرة الخوالد ومن وجهاء الموصل الذين برزوا في ميدان التجارة والادارة والسياسة ، ومن ذلك دوره في تأسيس اول غرفة تجارية في العراق ، هي غرفة تجارة الموصل 1884 كما ارتبــط بالحركة العربية القومية التي ناوأت العثمانيين سراً . كما كان عضواً في مجلس ادارة ولاية الموصل بين 1895 و 1911 . ولمصطفى الصابونجي فضل ادخال الكهرباء الى الموصل لاول مرة وحدث ذلك سنة 1921 حينما اشترى بعض المولدات من الجيش البريطاني ونصب الاعمدة ومد الاسلاك التي انارت بعض الشوارع والبيوت وتعاقد مع البلدية . وقد عثرنا على وثائق تشير الى انه قدم في 8 أيلول 1921 طلباً الى رئيس بلدية الموصل قال فيه انه يريد نصب مولدات (( لاجل استحصال قوة الكتريكية في مقابل ماكنتنا المؤسسة في محلة الشيخ عمر )) واضاف انه يفعل ذلك لان الكهرباء ((من اسباب العمران والخدمة العمومية )). وقد وافقت البلدية ان تعطي (( مصابيح مجاناً الى تنوير الازقة وذلك بالمائة خمسة بالنسبة الى القوة التي يوزعها )) 0 وفي مجال التعليم ، كان له دور مهم في انشاء المدارس ومنها مدرسته الابتدائية (( مدرسة الصابونجي ))0 كما ارسل عدداً من شباب الموصل الى القاهرة سنة 1943 للدراسة في جامعة الازهر على نفقته . وقد حصل طلبة البعثة على شهادة العالمية وعادوا الى الموصل ليبرزوا في ميدان الوعظ والتدريس ومن هؤلاء الشيخ محمد محمود الصواف و الاستاذ محمد علي العدواني . وإتجه الصابونجي نحو الصحة ، عندما علم بان المستشفى الملكي قد ضاق واصبح لا يستوعب من المرضى الا 250 مريضاً ، وكثرت طلبات رئاسة الصحه بتوسيعه ، ولكن وزارة الصحة عجزت عن ذلك فتقدم مصطفى الصابونجي سنة 1949 بطلب توسيعه وانشاء ردهة على حسابه الخاص كما ورد في وثيقة محفوظة في ملفات محافظة نينوى وفي 9 شباط 1951 تم افتتاح الردهة ويبدو أن عمله شجع وزارة الصحة فانشأت سنة 1954 ردهتين للامراض الباطنية ولا تزال الردهه التي بناها الصابونجي في المستشفى الجمهوري الزهراوي حالياً تحمل اسمه .
إمتلك الصابونجي ثقافة متطورة ، وكان هاجسه خدمة مدينته ووطنه وكان لسفره الدائم واطلاعه على ما يجري في الدول المتقدمة اثر في اتجاهه نحو بناء صناعة وطنية فانشأ سنة 1928 معملاً باسم ( منتوجات معمل الصابونجي الوطنية ) وكان مخصصاً لانتاج المنسوجات والملابس الرجالية والنسائية . وفي سنة 1929 استورد معملاً لتقطير العطور واطلق على بعض عطوره اسماء عديدة منها ( عطر ياسمين ) واسس معملاً لانتاج السكائر من التبوغ العراقية وحملت سكائره اسماء منها سكائر عروسة ، سكائر فاطمة رشدي .
وقد نظم كاتبه ومحاسبه الشاعر المعروف (( بطرس أدمو )) قصائد في التغني بسكائر الصابونجي . وكان للصابونجي معمل للبسكويت وآخر للخزف الصيني وثالث للتريكو واسس معملاً لصداري طالبات وطلاب المدارس ، وانشأ محلجاً للاقطان ومعملاً لطحن الحبوب وآخر للدباغة وحين شعر بحاجة العراق الى مشروع صناعي لانتاج الزيوت النباتية التي كان يستوردها العراق وتستنزف اثمانها ثروات البلاد اتفق مع محمد حديد وجعفر ابو التمن وكامل الخضيري وآخرين علي انشاء شركة الزيوت النباتية العراقية المحدودة التي باشرت اعمالها سنة 1939 وكانت من المشاريع الرائدة التي تعرف اليوم بالمشاريع المختلطة ، حيث كان للمصرف الصناعي حصة في رأسمالها . وضع الصابونجي لنفسه اهدافاً وطنية اقتصادية سعى الى تحقيقها من خلال اقامة صناعة حديثة وتحسين انتاجها وحمايتها من منافسة المنتوجات الاجنبية ، وقد دعا الحكومة الى تشجيع الصناعة الوطنية ومنحها الاعفاءات والتسهيلات اللازمة وشجع الاهالي على الاستثمار في مشاريعه ورفع شعارات منها (( اخدموا انفسكم وبلادكم ، واحفظوا دراهمكم بشرائكم منتوجاتكم الوطنية )) ((ولاحياة لبلاد تذهب دراهمها للخارج ولا تعود )) 0 لقد اسهم مصطفى الصابونجي في النشاطات السياسية في الموصل ويشير تلميذي الذي اشرفت عليه الدكتور عبد الفتاح على يحيى في رسالته للماجستير الموسومة (( الحياة الحزبية في الموصل 1926- 1958 )) الى ان جمعية العلم السرية المؤسسة في الموصل سنة 1914 كانت تدعو الصابونجي الى حضور اجتماعات هيئتها الادارية للاخذ ببعض ارائه في المسائل الوطنية .
وبعد تشكيل الحكومة العربية في دمشق سنة 1918 تحرك الوطنيون في الموصل من اجل تشكيل حزب قومي عربي يناضل ضد المحتلين الانكليز وكان من هؤلاء سعيد الحاج ثابت وداؤد الجلبي ومصطفى الصابونجي . وبعد تشكيل الدولة العراقية اختير ليكون عضواً في لجنة انتخابات المجلس التأسيسي لمكانته ولقربه من القيادات الوطنية من جهة ولنفوذه الكبير لدى الحكومة . كما كان للصابونجي نشاطات كثيرة على الاصعدة العمرانية والانسانية فدعمه للعوائل المتعففة وتقديمه المساعدات الماليه للطلبة وتبرعاته السخيه لتعمير المساجد والمراقد والجوامع واسهامه في بناء مقر لجمعية الشبان المسلمين ، واقامته لمنائر الجامع الكبير ، كل هذه الاعمال ظاهرة للعيان وابناء الموصل لازالوا يتذكرون جهود هذا الرجل ويضربون المثل بها ويتمنون ان يحذوا اغنياء الموصل اليوم حذوه وقد ظل الصابونجي رحمه الله حتى وفاته يوم 17 آب سنة 1954 مخلصاً لوطنه ساعياً من اجل تقدمه ونهضته .
** نشرت في جريدة الاتحاد ( البغدادية ) 24 شباط 1998.كما نشرت في كتابي "شخصيات موصلية " مكتبة الجيل العربي –الموصل 2007

هناك تعليقان (2):

  1. فسوف يضهر يومه الرجل الذي يحمل اسم الصاروخي و يعمر الموصل من جديد

    ردحذف

فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية بقلم : الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف

  فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل أجا...