حقب التاريخ العربي الحديث وتطورات مشهده
السياسي والاقتصادي
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ ألحديث - العراق
منذ ان دخل العثمانيون العراق ومصر والشام والمناطق العربية الاخرى في مطلع
القرن السادس عشر ، ابتدأت الحقبة العثمانية التي قدر لها ان تطول لتصل الى اكثر من 450
سنة انتهت مع نهاية الحرب العالمية الاولى
سنة 1918 بدخول العرب حقبة جديدة هي الحقبة الهاشمية .ولعل ابرز ما تميزت به المنطقة في الحقبة العثمانية ان الولايات العربية كانت
تابعة لاستانبول ، وتدار مباشرة من قبلها
، وان الاقتصاد كان في البدء طبيعيا إلا ان ثمة متغيرات حدثت فيه ، اثر الاحتكاك
بالغرب والذي كان من ابرز نتائجه اندماج الاقتصاد العثماني والعربي من ضمنه بالاقتصاد
العالمي ونشوء طبقة جديدة هي " الطبقة البرجوازية " التي تطلعت لان يكون
لها دور فتبنت الافكار القومية العربية .
لقد اخذ الهاشميون يعملون من خلال
الشريف الحسين شريف مكة زمام المبادرة ،وتحالفوا
مع الاحزاب العربية القومية كالعهد والعربية الفتاة ،واتفقوا على مقاومة
العثمانيين ، والتخلص منهم ، وتحقيق الاستقلال ووقعوا بروتوكول أو ميثاق دمشق سنة
1916 وكان من نتائجه اعلان الثورة العربية سنة 1916 والتحالف مع بريطانيا التي
كافأتهم بمنحهم الفرصة للحكم في الحجاز
اولا 1916-1926 ثم سوريا 1918
-1920 ثانيا ثم العراق 1921-1958 وشرق
الاردن ثالثا .
وخلال
الفترة من 1921-1952 ، كان للهاشميين دور مهم في تحشيد الجهد العربي ، وإقامة
جامعة الدول العربية وقد انتهت هذه الحقبة بصعود الرئيس جمال عبد الناصر في مصر 1952-1970
، وطغيان افكاره السياسية في الحرية ، والاستقلال ، والوحدة .
كانت الحقبة الهاشمية حقبة بناء للدولة وللتعليم
وللإدارة وللجيش وللقضاء ولكل المؤسسات ..وإذا كانت الحقبة الهاشمية قد شهدت ظهور الاقتصاد الريعي
الاحادي المعتمد على النفط ، فأن الحقبة
الناصرية تميزت بظهور التوجهات الاشتراكية ، وتنامي الدعوة الى العدالة الاجتماعية
، وتفاقم دور العسكر ، وبروز ظاهرة العداء للغرب وتوجهاته السياسية والاقتصادية .
وهكذا بدأنا نشهد ملامح حقبة جديدة في تاريخ
العرب الحديث هي الحقبة الناصرية .وقد حقق الرئيس جمال عبد الناصر 1952- 1970
نجاحات كثيرة في مصر والعراق واليمن وسوريا والمغرب والخليج العربيين وارتفعت
راياته وسادت مفاهيمه واستمر الامر هكذا حتى وفاته
في 28 ايلول 1970.
وعندئذ حاولت المملكة العربية السعودية أن تٌعوض
دور مصر الاقليمي والعربي والدولي ، فتبوأت دبلوماسيتها وسياستها الخارجية وتوجهاتها الايديولوجية مركزا
مؤثرا على الاصعدة كافة . كما ادى انتشار الركائز الفكرية الوهابية الى سيادة
مفاهيم ورؤى سياسية ودينية جديدة انعكست
على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية العربية فوسمتها بالتشدد
والاحادية .
ودخل العرب قي حقبة جديدة هي الحقبة السعودية فكان للسعودية موقف مؤيد للعراق في حربه مع
ايران1980-1988 .وفي الوقت نفسه كان لها
دور في منع العراق من استثمار انتصاره وساعدها
على ذلك خطيئة العراق بدخوله الكويت في 2 اب 1991
وقد ساندت السعودية الغرب في اسقاط النظام في العراق ، وتسهيل احتلاله من
قبل الولايات المتحدة الاميركية .كما
تقدمت بمبادرة سلام في سنة 2002 تقضي بالاعتراف بإسرائيل مقابل انسحابها من
الاراضي العربية المحتلة سنة 1967 .هذا فضلا عن دعمها لحكومة اليمن في قتالها للحوثيين ودعمها
للبحرين ضد المعارضة وترحيبها بحركات التغيير
في تونس ومصر وليبيا وسوريا .
في
الحقبة السعودية كان الاعتماد كبيرا على ايرادات النفط ، وتعرضت اقتصاديات العالم
العربي للتشويه وكثرت تدخلات الدولة ، واخذ القطاع العام يعاني من الافلاس فأتجهت
الحكومات الى تصفيته واتسعت الشقة بين الاكثرية من الشعب والأقلية الحاكمة التي كانت تملك وتحكم في حين توارت
الطبقة الوسطى عن الانظار وتلاشت ، وارتفع صوت يقول ويردد فرحا "وداعا للطبقة
الوسطى !! " ورافق ذلك شراء ذمم الكتاب والصحفيين وظهور صحف ومجلات
وفضائيات تردد النغمة نفسها التي يريدها من يدفع للزُمار .هذا
فضلا عن السطحية والتفاهة والتجهيل فيما كان يقال ويكتب .
وبعد
انتهاء حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت
بدأت صيحات الاصلاح والتغيير تتعالى خاصة
وان ما افرزته الحقبة السعودية من تشدد في
التوجهات الاسلامية والتوجه نحو استثمار
الاعلام الاجوف ادى الى ادخال المنطقة
العربية في مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية انعكست سلبا على المنطقة .البطالة
تفاقمت ، والأمية ازدادت ، ونسبة من يقرأ اصبحت شبه معدومة ، وإسهام العرب في التجارة
الدولية لايكاد يذكر والاستبداد هو سيد الموقف والسجون مليئة بالمعارضين ، وقد
انتشرت ظاهرة الرشوة ، وعم الفساد في كل الميادين ، وصارت الجامعات ميدانا للتعليم
المشوه ، خاصة بعد ان صارت تدار من قبل الموظفين المرتبطين بالسلطة وليس من قبل العلماء
والاكاديميين ، وتدخلت الحكومات في تعيين رؤساء الجامعات والعمداء ورؤساء الاقسام
وترددت نغمة التوريث في الحكم وهو ما كان
يعمل عليه الحكام المستبدون الفاسدون وبطانتهم ومن التف حولهم ونسج على منوالهم .
وكان من ابرز ما تمخضت عنه صيحات الاصلاح والتغيير ان بدأت الاحتجاجات في
الكثير من الدول العربية بسبب الاستبداد
وتسلط الحزب الواحد والقائد الاوحد ، وكانت
تونس هي البؤرة الاولى التي اندلعت فيها الاحتجاجات ونجم عن حراكها الاجتماعي الشبابي هروب رئيس الدولة علي
زين العابدين وسرعان ما انتشر الهشيم فجاءت مصر التي تنحى رئيسها حسني مبارك ثم ليبيا التي حكمها
العقيد الفذافي قرابة اربعة عقود بالحديد والنار واليمن وسوريا ودول اخرى لحقتها او ستلحقها اجلا او عاجلا ، لتشهد
بداية لحقبة جديدة في التاريخ العربي الحديث هي ما يمكن ان نسميها ب " الحقبة الاسلامية الاخوانية " .
واتضح
هذا من زيادة مؤشرات صعود التيار الاسلامي المتأثر بأفكار جماعة الاخوان المسلمين
في مصر وتونس ومناطق اخرى . ومن المؤكد - انسجاما مع ماتميزت به الحقب السابقة - فأن
ذوي التوجهات الاسلامية يمكن ان يكون لهم تأثير كبير في المنطقة ، وقد يستغرق هذا
التغيير عقدين او ثلاثة على اقل تقدير لتتبلور الفرص مجددا امام ظهور الحقبة الليبرالية الديمقراطية التي قد يشتد عودها ، وتتصلب اعمدة تأثيراتها في الحياة السياسية والاقتصادية
والسياسية العربية المعاصرة اذا ما توفرت لها الظروف الذاتية والموضوعية وهي
بالضبط متوفرة .
تلك هي ابرز تحولات المشهد العربي منذ ان ابتدأ
العرب يضعون أقدامهم على عتبة العصور الحديثة وحتى يومنا هذا . ويقينا اننا اليوم
ننتظر ما ستتضح عليه الصورة الحقيقية
لمشهد التحولات السياسية والاقتصادية
والثقافية والاجتماعية التي تشهدها منطقتنا
وما يمكننا فعله في قابل الايام والسنوات ولسان حالنا يقول مع الاية الكريمة "لو كنت أعلم الغيب
لاستكثرت من الخير وما مسني السوء " . صدق الله العظيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق