حسين محمد القهواتي... مؤرخٌ عرفته*
بقلم : الدكتور إحسان الثامري
حسين بن محمد القهواتي، أبو عمار. العراقي أصلاً، الكربلائي مولداً ومنشأً، البصري نقلةً وعملاً، البغدادي داراً وسكناً، الأردني هجرةً واستقراراً.
وُلد في مدينة كربلاء الفراتية وسط العراق سنة 1934م ونشأ في كنف أسرته العراقية نشأة بسيطة كباقي أقرانه في تلك الحقبة من تاريخ العراق الحديث، في تلك البيئة الغنية، بيئة كربلاء المميزة، فهي مدينة تتميز عن غيرها من مدن العراق بكونها ذات بيئتين جغرافيتين مختلفتين: بيئة زراعية غنية بالنخيل والقمح والأرز والمياه العذبة، فهي تغفو على الفرات، ويغذوها نهر الحسينية بما يجعلها منطقة خضراء، وهي من ناحية أخرى تستريح على سيف البادية بما توفره من صفاء ونقاء، ووفّر لها موقعها القريب من المراكز المدنيّة المهمة بغداد والنجف والحلّة اتصالاً وتواصلاً كبيرين. حيث كانت هذه المدن ولا تزال ذات أهمية سياسية وثقافية وفكرية وأدبية. يضاف إلى ذلك كله اكتسبت كربلاء أهمية دينية خاصة جداً لاحتوائها مرقد الحسين بن علي بن أبي طالب سبط النبي صلى الله عليه وسلم، وما نتج عن ذلك من توافد آلاف الزوار من مختلف أصقاع الأرض عليها، وفق مواقيت معروفة على مدى العام، بما يسمى عرفاً المواسم والزيارات، كان لها الأثر الكبير على المدينة وسكانها في مختلف مناحي الحياة اليومية.
في هذه البيئة الجغرافية والثقافية والاجتماعية نشأ حسين القهواتي، ودرس كباقي أفراد جيله في مدارس الحكومة، وأكمل تعليمه الابتدائي والمتوسط والثانوي فيها سنة 1953م، ثم ذهب إلى العاصمة بغداد ليكمل دراسته بعد قبوله في دار المعلمين العالية، وهي مؤسسة تربوية راقية أسست في بغداد سنة 1923م، وكانت معهداً قائماً بذاته بمنهج خاص، مدة الدراسة فيه سنتان، ثم حُوّل نظامه ومنهجه سنة 1939م لتصبح الدراسة فيه أربع سنوات، يمنح الطالب بعدها شهادة الليسانس. وأدت تلك الدار دوراً مهماً في تاريخ العراق الحديث؛ إذ خرّجت عدداً كبيراً من عظماء التاريخ الثقافي العراقي، وكانت مصنعاً لنخبة واعية أنتجت فيما بعد نهضة ثقافية وتغييراً اجتماعياً إيجابياً في العراق.
حسين القهواتي في كربلاء
من الذكريات التي رواها لي الدكتور في إحدى الجلسات الهانئة عن طفولته الأولى: أيام دراسته، أذكر أنه قال: سجلني والدي في مدرسة الأحداث الأولية عام 1941، وهي مدرسة مختلطة تتكون من صفين. وهي قريبة من بيتنا في العباسية الشرقية، ولا تبعد عنا سوى أمتار. كانت مديرتها الست بدرية الخطيب، وهي شقيقة السيد هاشم الخطيب مدير المدرسة الفيصلية الابتدائية. أكملت في هذه المدرسة الصفين الأول والثاني، ثم انتقلت إلى المدرسة الفيصلية، وكانت تقع إلى شمال شرقي بيتنا على مسافة 300 متر في شارع الكمرك (الدخانية) في المدخل الجنوبي من باب طويريج (الهندية) وكانت تشغل خاناً واسعاً من طابقين. أكملت في هذه البناية الصفين الثالث والرابع فقط؛ لأن مدرستنا خصصتها الحكومة للمهجرين البرزانيين الذين قضت الحكومة على تمردهم، وانتقلنا نحن إلى بناية أخرى أصغر تقع على فرع من فروع نهر الحسينية يطلق عليه نهر الحلة، وكانت هذه البناية أصلاً مخصصة لتكون مخزناً للتمور. أكملت في هذه البناية الصفين الخامس السادس عام 1947م، وسجلت في العام الدراسي المقبل في مدرسة ثانوية كربلاء وكانت الثانوية الوحيدة يومذاك في كربلاء. ومن حسن الحظ أن بناية هذه المدرسة كانت أقرب إلى البيت من المدرسة الفيصلية أي مسافة 200 متر تقريباً. وكانت البناية من طابقين، مشيدة على شكل حرف L وفيها ساحة واسعة لكرة السلة والطائرة.
وفي العام الذي سجلت فيه في هذه المدرسة كان في الصف الخامس الأدبي سعدون حمادي الدكتور والوزير لاحقاً، وجواد أبو الحب المحامي الشهير ومدير مصرف الرافدين، ومحمد حسين الزبيدي أستاذ التاريخ في جامعة بغداد، وبدري حسون فريد الفنان المعروف، ومحمد جواد رضا (دعبل) الشاعر والتربوي، وقد زاملته مرة أخرى في جامعة آل البيت عام 1995م.
خلال سنوات الدراسة تناوب على إدارة هذه المدرسة كل من الأستاذ حسن موسى والأستاذ علي الطرفي. في هذه المدرسة أكملت الصفوف الثلاثة المتوسطة والصف الرابع الأدبي. ثم انتقلت المدرسة إلى بناية جديدة وحديثة تقع جنوب سراي الحكومة خارج المدينة يومذاك وتبعد عن بيتنا جنوباً أقل من الكيلومتر، كنا نقطع المسافة مشياً من غير عناء. أكملت في هذه المدرسة الصفين الخامس الأدبي بمعدل عال وكنت الأول على الدفعة؛ فأهلني المعدل للقبول في دار المعلمين العالية التي كانت لا تقبل إلا المعدلات العالية لما كان فيها من امتيازات.
أصدقاء طفولتي كانوا أولاد محلتي ومدرستي منهم: منذر الخطيب الذي شغل منصب عميد كلية التربية الرياضية في بغداد، وقحطان الخطيب الذي تخصص في أمراض الأذن والأنف والحنجرة، وشقيقهما الثالث غسان الخطيب الذي أكمل دراسته في الولايات المتحدة في تخصص علم الحياة. ومن الأصدقاء أيضاً: مصطفى مرتضى الذي درس في الولايات المتحدة علم المكتبات، ومحمد علي عزت البياتي جاري القريب قضيت معه طفولتي الأولى ومع هاشم الحكيم وصارا معلمين لاحقاً.
تخرج القهواتي من دار المعلمين العالية بشهادة الليسانس في الآداب سنة 1957م بمرتبة الشرف، وعاد إلى مدينته وقد عُيِّن مدرساً في ثانويتها، يسهم في نهضتها، وينشط في نقابة معلميها.
وكان قد تتلمذ على أيدي جيل الرواد الذين وضعوا مرتكزات المدرسة التاريخية العراقية الحديثة، وهم الأساتذة المؤرخون من جيل الأربعينيات والخمسينيات (حسب حروف المعجم، مع حفظ الألقاب والرتب العلمية): جعفر خصباك، جواد علي، زكي صالح، صالح أحمد العلي، طه باقر، عبد الأمير محمد أمين، عبد العزيز الدوري، عبد القادر أحمد اليوسف، عبد الله الفياض، فاضل حسين، فيصل السامر، محمد محمد صالح، محمد الهاشمي، مصطفى جواد، ناجي معروف، ياسين عبد الكريم. كما أفاد القهواتي ممن أخذ عن أولئك الأفذاذ من جيل الستينيات: بدري محمد فهد، جليلة الهاشمي، حسام الكليدار، حسن زعين، حسين أمين، حسين علي الداقوقي، حسين قاسم العزيز، حمدان الكبيسي، خاشع المعاضيدي، خالد العسلي، سامي سعيد الأحمد، سوادي عبد محمد، صبيحة الخطيب، عادل الآلوسي، عبد الجبار ناجي، عبد المنعم رشاد، عبد الأمير الأنباري، عبد الأمير دكسن، عواد الأعظمي، فاروق عمر فوزي، فاروق العمر، قحطان الحديثي، كمال مظهر أحمد، لبيد إبراهيم، محمد حسين الزبيدي، محمد حسين توفيق، محمد صالح القزاز، محمد سعيد رضا، محمد العكام، محمود علي الداود، مفيد محمد نوري، مليحة رحمة الله، نافع عبود، ناجي حسن، نوري السامرائي، هاشم صالح التكريتي، بحكم معاصرته لهم.
والحق أن تلك الأسماء قاماتٌ عظيمة، كل واحد منهم يشكل أهمية خاصة في حقل تخصصه. وقد زامل القهواتي تلك القامات وأفاد من بعضهم بصورة مباشرة وغير مباشرة، ما جعله -فيما بعد- مؤرخاً حصيفاً يعرف أسرار التعامل مع مصادره المتنوعة الكثيرة، ومدركاً لكل كلمة ولفظة وفكرة يكتبها، مؤمناً بأهمية ما يكتب، واعياً لثقل الأمانة التي حملها لحفظ تاريخ الأمة.
حسين القهواتي في البصرة
لإيمانه بأهمية تاريخ البصرة الحديث، اختاره موضوعاً ليبحث فيه ويكتب أطروحته لنيل درجة الدكتوراه.
وبعد بحث معمق في المصادر واختيار عنوان البحث قرر زيارة البصرة للاطلاع الميداني والبحث عن مصادر بصرية خاصة. ومن بين ما كان يحرص على الاطلاع عليه (جريدة البصرة) التي صدرت سنة 1890م، وكانت أعدادها محفوظة في المكتبة العباسية، وهي مكتبة السادة آل باش أعيان، ولا توجد في أي مكان آخر، ولم تكن تلك المكتبة العامرة تستقبل أحداً، إذ إنها مكتبة عائلية خاصة بأسرة آل باش أعيان العباسية، وتضم عدداً كبيراً من المطبوعات والمخطوطات والدوريات، وبلغات مختلفة، وتعد بعض مقتنياتها من أندر وأقدم المصادر، وبعضها الآخر فريد لا يوجد في أي مكان آخر غيرها.
بصعوبة، وبجهود بعض أنسبائه، استطاع القهواتي أن يحصل على موافقة الأسرة ويزور المكتبة ويطلع على ما فيها، وبشعور عاشق التاريخ روى لي في جلسة خاصة تفصيلات تلك المكتبة، وكيفية الوصول إلى الموافقة على زيارتها، وتعامل الموجودين في المكتبة معه. ثم ختم ذلك بعبارة بليغة عذبة ما نصها: «عشت أياماً جميلة جداً مع الأثاث القديم، وغبار الكتب المنعش». وقد حقق ما كان ينشد، فقد أفاد من أعداد تلك الجريدة وغيرها، ووظف مادتها في أطروحته.
وكان قد صاحب في البصرة أحد المهتمين بتاريخ البصرة وجغرافيتها هو المهندس الدكتور محمد طارق الكاتب، وكان موظفاً كبيراً في مصلحة الموانىء العراقية، وهو مؤلف عدة كتب عن البصرة منها (شط العرب وشط البصرة والتاريخ)، وورث عن والده الذي عينته الدولة العثمانية طبيباً لمدينة البصرة مكتبة كبيرة حوت بعض النوادر والفرائد، وقد أخبرني الدكتور القهواتي أنه شاهد في تلك المكتبة رسائل عديدة موجهة من بعض شيوخ الخليج العربي وأمرائه إلى والد الدكتور محمد الكاتب يرجون فيها تطبيب أولادهم الذين أرسلوهم إلى البصرة مع عبيدهم، وكانت في تلك الرسائل مادة مهمة وغنية تفيد في دراسة جوانب من تاريخ تلك الإمارات والمشيخات الاجتماعية والاقتصادية.
لقد عُيّن الدكتور القهواتي حال حصوله على درجة الدكتوراه - من جامعة بغداد سنة 1979 - في كلية الآداب بجامعة البصرة التي كانت آنذاك فتية في طور النمو (تأسست سنة 1964م)؛ فذهب إلى مدينة البصرة، وباشر العمل في قسم التاريخ/كلية الآداب بجامعة البصرة في نيسان 1979م، وصار يلقي محاضراته على طلبة قسم التاريخ بكلية الآداب (باب الزبير)، وقسم التاريخ بكلية التربية (العشّار). وكان يدرس تاريخ البصرة، وتاريخ الخليج العربي، وتاريخ أوربا الحديث، وغير ذلك من المواد المتعلقة بتخصصه، وكانت هناك مادة ثقافية إجبارية على كل طلبة الجامعة، فكان من نصيبه طلبة كلية الطب، فاختار لهم تاريخ الطب عند العرب والمسلمين يحاضر فيه؛ فكان الطلبة يحرصون على حضور محاضراته، فهي قريبة من تخصصهم وفيها فائدة لهم.
ومما حكاه لي أن قسم التاريخ في جامعة البصرة والذي كان يرأسه الدكتور عبد الجبار ناجي كان قد سن عرفاً وهو عقد ندوة أسبوعية (Seminar). وكان أساتذة قسمي التاريخ في كليتي الآداب والتربية يقدمون بحوثاً ومشاريع وأوراقاً وأفكاراً، كان لها أثر بالغ في خلق جو من النشاط العلمي، وفتح أبواب البحث، وكان للقهواتي حضور مميز في تلك الندوات بحثاً وإلقاءً ومناقشة واقتراحاً. وكان مما قدمه من بحوث في تلك الندوات وهي كثيرة (طريق البصرة - حلب التجاري).
وبالإضافة إلى مهمة التدريس الجامعي، اضطلع بمهام أخرى منها عضوية هيئة التحرير بمجلة (الآداب) التي تصدرها الجامعة، ومجلة (الخليج العربي) التي يصدرها مركز دراسات الخليج العربي في البصرة.
في أحد لقاءاتنا الكثيرة، باح لي الدكتور ببعض ذكرياته في البصرة، ومما قال: لم تكن البصرة غريبة عنا إذ كنا نزورها كل عام لوجود عديلين لي فيها أحدهما طبيب الميناء، والثاني مدير فندق شط العرب ومطار البصرة.
تعينت في البصرة في نيسان 1979 ونزلت ضيفاً في دار صديقي الأستاذ الدكتور صاحب جعفر أبو جناح وهو أخو الشاعر حسب الشيخ جعفر، ثم تعرفت على الدكتور عناد الكبيسي الذي قاسمني غرفته في بناية مستأجرة لحساب جامعة البصرة في العشّار كان يطلق عليها من قبل الظرفاء (تل الزعتر) لأنها كانت في الطابق الثاني وتحتها محلات تجارية. وفي السنة الثانية حجزنا شقة في البناية نفسها تتكون من ثلاث غرف ومنافعها. أنا والدكتور عناد الكبيسي وصديق لنا هو عبد الجبار شرارة. وفي السنة التي بعدها استأجرت الجامعة بناء أحدث في الشارع الوطني وانتقلنا نحن الثلاثة إلى شقة فيها حتى عام 1984م.
كان قسم التاريخ في جامعة البصرة ورؤساؤه: الدكتور عبد الجبار ناجي، والدكتور محمد سعيد رضا، والدكتور فاروق العمر ينظمون لأعضائه وعوائلهم رحلتين في العام، رحلة الشتاء إلى غابات الأثل في منطقة البرجسية الصحراوية، وفي الربيع وقبل الصيف إلى بساتين أبي الخصيب الخلابة في قصر أحد الموسرين على شط العرب العظيم وفروعه الكثيرة الجميلة ونخيله الشامخ وسفنه الغادية والآتية ونوارسه المرفرفة والمزقزقة وأسماكه الشهية. في هذه الرحلات الترفيهية كانت عائلات الأساتذة تتنافس في إعداد الأكلات اللذيذة ونحن (المغتربين) كنا حكاماً على الطبخة الأشهى.
كنا نتنزه عصر كل يوم على ضفاف شط العرب لقرب الشط من سكننا، وتأخذنا الأحاديث في اتجاهات شتى علمية وأدبية ونكات. ما أجمل تلك الأيام.
كانت عائلتي طيلة سنوات عملي في البصرة تعيش في بغداد لأن الأولاد كانوا يدرسون في الجامعة هناك، وكنت أسافر في نهاية الأسبوع، مساء الأربعاء من البصرة إلى بغداد، لأعود مساء الجمعة في القطار النازل الذي يصل محطة المعقل بين الساعة السابعة والثامنة صباحاً، سافرت طيلة السنوات الست في وسائل نقل مختلفة، في: الطائرة والقطار وسيارات (المنشأة).
من ذكرياته عن مدة وجوده في البصرة الطريق الطويل الذي كان يتحتم عليه الذهاب فيه أسبوعياً. قال لي ذات يوم: وأذكر انقلبت بي سيارة أحد الأصدقاء وأنا بجانبه سبع قلبات بشهادة أحد الجنود الذين شهدوا الحادث وأسعفنا في مستوصف ناحية شيخ سعد بمحافظة واسط. واصطدمت يوماً سيارة (المنشأة) ومات نصف الركاب وأصيب نصفهم الآخر وأنا منهم بجروح وكسور.
لقد عاش حسين القهواتي في البصرة التي احتضنته فأحبها وأحبته. وما يزال إلى الآن -كما أخبرني مشافهةً- يحتفظ بصداقاتٍ حميمةٍ مع كثيرٍ من البصريين.
قال لي في يوم من الأيام: في بندقية الشرق هذه قضيت أجمل أيام عمري ولي فيها ذكريات لا تحصى وأصدقاء أصلاء أوفياء لا مثيل لهم مثل فاروق العمر وأشقائه وعبد اللطيف الحميدان وغيرهم.
حسين القهواتي في لندن
بعد بحث معمق في المصادر، وزيارة البصرة والاطلاع على المصادر البصرية المتخصصة، قرر القهواتي السفر إلى بريطانيا للحصول على الوثائق الأصلية العائدة إلى حقبة دراسته، وحرص على التزود برسائل من جامعته تثبت أنه طالب علم، وأن الغرض من اطلاعه على الوثائق هو البحث العلمي، وهذا ما تفرضه معظم دور الوثائق والمخطوطات في العالم، فكتب له الدكتور صالح أحمد العلي رسالة إلى مكتبة المتحف البريطاني British museum وقد أفادته تلك الرسالة إذ منح هوية تسمح له دخول المكتبة والقراءة والاطلاع والتصوير وغير ذلك، وقد صور لي في يوم من أيام سنة 2014م مشهداً من مشاهد زيارته إلى مكتبة المتحف البريطاني، حيث اطلع على كثير من الوثائق وكتب الرحلات المخطوطة والمهمة والنادرة إلى العراق وبلدان الجزيرة العربية وإيران.
في إحدى قاعات المكتبة وقع نظره على مجلدات بحجم كبير، مصفوفة على أكثر من ستة طبقات من الرفوف إلى السقف، فسأل المسؤول عن القاعة: ما هذه المجلدات؟ فأجابه إنها أوراق برلمانية أي محاضر مجلس العموم البريطاني لسنوات طوال لكل سنة أكثر من مائة مجلد، ففكر: ألم يكن البرلمان يناقش المسائل الاقتصادية؟ فطلب من الموظف المسؤول أن يريه أحد المجلدات لعام 1869م، فاستجاب وقضى معه يوماً كاملاً، ولكنه كان يوماً عظيماً إذ وجد في آخره التقارير التجارية لموانىء الخليج العربي لذلك العام وبخاصة تقرير القنصل البريطاني في البصرة، حينها شعر بأنه أكمل رسالته للدكتوراه.
وفي كل يوم كان يحضر إلى هذه القاعة ويتناول عدداً من المجلدات ويضع الإشارات في الصفحات التي تقع فيها تقارير البصرة وعدد من موانىء الخليج العربي ويطلب تصويرها، وهكذا صور التقارير السنوية للأعوام 1864-1914م.
وكتب له الدكتور ياسين عبد الكريم رسالة توصية إلى المستر ملر مدير مكتبة مكتب الهند India office (وزارة شؤون الهند في الحكومة البريطانية) وتتضمن سجلات مكتب الهند الأرشيف الرسمي لمكتب الهند (1858- 1947م) وسابقاته، شركة الهند الشرقية (1600- 1858م) ومفوّضي البرلمان لشؤون الهند (1784 -1858م) وهذه هي الهيئة الحكومية التي تم تأسيسها للإشراف على الشركة في أعقاب المخاوف التي نشأت حول أنشطتها. ويحتوي هذا الأرشيف الضخم الذي يشغل ما يقرب من تسعة أميال من طول الأرفف في المكتبة على الوثائق التي تم إنشاؤها أو تلقيها في لندن من قبل هذه المنظمات. كما يشمل أيضًا الأوراق الخاصة بالهيئات ذات الصلة مثل مقيمية بوشهر ووكالة البحرين إلى جانب سجلات مكتب بورما (1937 -1948م). وتوثق تلك السجلات الرسمية الأنشطة التجارية لشركة الهند الشرقية، ونموها لتتحول إلى سلطة إقليمية.
وعلى الرغم من أن تركيز تلك السجلات ينصب بشكل رئيس على شبه القارة الهندية وجوارها، فإنها تتضمن أيضًا مصادر ثرية للغاية لدراسة مناطق مثل بعض الدول العربية وآسيا الوسطى والتي كانت تمثل أهمية استراتيجية كبرى لبريطانيا. تتضمن السجلات أيضاً العديد من المواد المتعلقة بجزيرة سانت هيلينا، ورأس الرجاء الصالح، وجنوب شرق وشرق آسيا، وإفريقيا، ودول الكاريبي.
اعتمدت شركة الهند الشرقية ومكتب الهند لاحقاً على المراسلات والتقارير المفصلة من مسؤوليها في دول الخارج حتى تتمكن من توجيه أعمالها. ويتضح ذلك جليًا من خلال الثراء الاستثنائي للأرشيف الذي يقدم توثيقًا للتاريخ العسكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي البريطاني والدولي، بل ويتضمن أيضًا أدق التفاصيل الخاصة بأنماط الحياة اليومية. [من مقال للقائمة على تلك السجلات السيدة بيني بروك، سجلات مكتب الهند].
وهنا أصف مشهداً آخر من مشاهد تلك الشهور اللندنية التي قضاها القهواتي بين الوثائق والسجلات من أجل الوصول إلى الحقائق، أذكر أنه وصف لي بعض تفصيلات ذلك اليوم الذي حمل رسالة أستاذه إلى السيد ملر، قال:
سلمت الرسالة إلى موظف الاستعلامات وانتظرت وبعد دقائق معدودات جاء رجل طويل وصافحني كأنه صديقي وقال: أنا ملر، ما طلبك؟ قلت له: أبحث عن وثائق الخليج، وبخاصة التجارية منها. قال: سأرسل لك من يرشدك، وبعد انتظار قليل جاءت فتاة فسألتني ماذا تريد أن تعرف؟ قلت عن البصرة وتجارتها، فأخذتني إلى رفوف الأدلة والفهارس وأخرجت من بينها مجلداً وقلبت صفحاته ثم قالت لي: انظر هنا واختر ما تريد، ودوّن أرقامها في هذه الاستمارات ثم ضعها على الكاونتر لكي يحضر لك الموظف الملف الذي تشاء، شعرت وكأنها منشغلة في واجب آخر لأنها قدمت لي المساعدة على عجل، ولكنني سررتُ بما قدمت لي من ملاحظات والتي بها مسكت رأس الخيط. هل تعلم أخي القارىء مَن هذه السيدة؟ إنها مدام بنلوب توسون Penlope Tuson وقد قضت معظم سني عمرها في ملفات الخليج؛ فأصبحت خبيرةً في شؤون الخليج، وأشرفت على إصدار عشرات المجلدات من الوثائق المهمة المخطوطة في وزارة الهند البريطانية وقد التقى الدكتور القهواتي بها لاحقاً في أبو ظبي حيث كانت تحضر جميع مؤتمرات الخليج بدعوة من مراكز الوثائق فيها، وتعاونت مع بعض تلك المراكز لتصوير ما يهمها من الوثائق.
ومما أذكر من ذكرياته التي سردها لي عن رحلته إلى لندن أنه قال:
كانت طاولتي في المكتبة تحمل رقم (11) أحد عشر، وبجانبي باحث من الدنمارك، وآخر من الهند. نحن الثلاثة كنا نحضر يومياً لنجد ما طلبنا من ملفات على مناضدنا من الساعة التاسعة حتى الواحدة موعد الاستراحة، ثم أخرج أنا وصديقي الدنماركي إلى مطعم قريب، صاحبه إيطالي تعاونه زوجته، وكانا يسكنان في الطابق العلوي، وهما حديثا العهد بالهجرة إلى بريطانيا. كانت مشكلتي أنني أحتاج إلى شاي عراقي بعد وجبة الغداء فأقول له رجاء شاي (tea) فيحضر لي شاياً ممزوجاً بالحليب، وفي اليوم الثاني أقول له (tea only) أي (شاي فقط)، فيحضر لي شاياً ممزوجاً بالحليب أيضاً. فكنت أشعر بالصداع من هذه المصيبة. وفي اليوم الثالث عند طلب الشاي صعدت معه إلى الأعلى، وعندما أراد أن يصب الحليب على الشاي مسكت يده! فقال لي قل: (Black tea). في ذلك اليوم «استعدل» المزاج لأني شربت (البلاك تي)، وهكذا في الأيام الأخر. بعد ساعة عند هذا الإيطالي نعود إلى الطاولة في المكتبة وحتى الخامسة مساء.
من الزميل الهندي أفدت يوماً عندما مر علي اسم سالدانا، وهو جامع ومصنف لوثائق الخليج، كان يعمل موظفاً عند حكومة الهند. قال الأخ الهندي: إن اسم سالدانا شائع في البنجاب.
في هذه المكتبة صورت ما أحتاج من التقارير السياسية والخرائط التاريخية على الورق وعلى (المايكروفيلم)، وكان موظف الاستعلامات يسميني مستر كلوك mister O'clock. لأني أحضر في تمام الساعة التاسعة صباحاً ولا أخرج إلا الساعة الخامسة مساء.
تجربته مع وثائق وزارة الخارجية البريطانية
قال لي الدكتور القهواتي ذات يوم: توجهت إلى دار الوثائق في (جانسري لين) وعرّفت نفسي لموظف الاستعلامات وحاجتي إلى الوثائق التجارية والسياسية للحقبة 1869-1914م، فأجابني: نأسف بشدة لأن وثائق هذه الحقبة نقلت إلى بنايتنا الجديدة في كيو كاردن (kew gardens)، ونحن منشغلون الآن بنقل بقية الوثائق استعداداً للانتقال إلى هناك نهائياً، وتستطيع الإفادة من الوثائق عند افتتاح المبنى الجديد. سألته: متى يكون الافتتاح؟ فأجاب: أكثر من شهر. قلت له: أنا من العراق، وزيارتي إلى لندن محدودة، ولا أستطيع الانتظار كل هذا الوقت، ألا يوجد حل آخر؟ قال: سأخبر المدير. ولكن يأسي كان شديداً جداً.
ذهب وعاد مبتسماً قال: هناك حل. إن إدارة دار الوثائق قد تعاقدت مع شركةٍ تنقل الملفات وتحافظ عليها بعد تغليفها ووضعها في صناديق وترتيبها وفق نظام حفظها هنا. واشترطت عليها ألا تتعرض أي ورقة منها إلى التلف، مع شروط قاسية أخرى، ووجد المدير شرطاً كان في بنود الاتفاق مع الشركة الناقلة كأنه مخصص لك، هو إذا جاء باحث مضطر وأراد الاطلاع على وثائق معينة نقلت إلى البناية الجديدة، فعلى الشركة الناقلة إحضار تلك الملفات ثانية إلى هذه الدار ريثما ينتهي الباحث من العمل عليها، ثم تعيدها ثانية إلى البناية الجديدة، لكن هذا الأمر يحتاج إلى يومين أو ثلاثة. ثم قال: انظر في الفهارس وحدد الملفات وسجل الاستمارة حتى يوقع عليها المدير ويخبر بها مسؤول الشركة، هذا هو الفرج؛ فصرت أكتب أرقام وعناوين عدد من الملفات وعلى نحو خاص تلك المتعلقة بتاريخ البصرة فأحضرت بعد يومين. وهكذا كنت أدون ما أحتاج من ملفات قبل أن أنتهي من الملفات التي بين يدي.
تصور يا إحسان أن الشركة كانت تفتح الصناديق هناك، وتبحث عن الملفات التي أطلبها! وقد تكون في صناديق متعددة، ثم تأتي بها مغلفة في صناديق أصغر، وتعود لتنقلها ثانية بعد انتهاء العمل والتصوير إلى البناية الجديدة، كانت أياماً عصيبة ومتعبة، ولكنها لذيذة.
في الأشهر التي كان فيها الدكتور القهواتي متنقلاً بين مكتبة المتحف البريطاني ومكتبتي وزارة الهند ووزارة الخارجية، كان البريطانيون يحتفلون باليوبيل الفضي للملكة إليزابيث الثانية، وهو احتفال بمرور 25 سنة على تولي الملكة إليزابيث العرش، وصادف وهو يتردد على المكتبة يومياً أن عرضت إدارة المكتبة بعض المخطوطات النادرة جداً والوثائق للجمهور كان بينها الماكنا كارتا The Magna carta أي العهد الأعظم، بنسختها الأصلية، الموقعة من الملك جون عام 1215م وهو أخو الملك ريتشارد قلب الأسد، استطاع النبلاء انتزاع حقوقهم من السلطة الملكية المطلقة، وبذلك غدت هذه الوثيقة أو العهد الأعظم أساس الدستور البريطاني، وهي وثيقة صدرت لأول مرة سنة 1215م، واعتمدت قانوناً بعد بعض التعديلات عام 1225م، وما تزال النسخة التي صدرت 1297م ضمن لوائح الأنظمة الداخلية لإنجلترا وويلز ويعمل بها حتى الآن. وتوصف هذه الوثيقة بأنها الميثاق العظيم للحريات في بريطانيا وتحتوي على عدة أمور منها: مطالبة الملك بأن يمنح حريات معينة، وأن يقبل بأن تكون سلطته غير مطلقة، ويوافق علناً على عدم معاقبة أي (رجل حر) إلا بموجب قانون الدولة، وغير ذلك من القوانين التي مهدت لتقليص السلطات المطلقة لملوك بريطانيا [Holt,Magna Carta, Cambridge, 1992]. وهذه فرصة تاريخية لا تتهيأ بسهولة. وقد لا تعرضها السلطات البريطانية للجمهور إلا بعد مدة طويلة من الزمن.
حينما عاد ذلك الباحث الجاد إلى بغداد، كتب أطروحته بصبر ومثابرة، فتخرج وقد كتب أطروحة أشاد بها كثير من أساتذته وتعين في الجامعة.
وفي سنة 1984 انتقل الدكتور القهواتي إلى بغداد وصار يحاضر في جامعتها وفي الجامعة المستنصرية، كما تولى قسم الوثائق والمخطوطات في معهد التاريخ العربي، وصار مستشاراً علمياً في اتحاد المؤرخين العرب، ومديراً لتحرير مجلة (المؤرخ العربي). كما تولى منصب نائب رئيس الهيئة الاستشارية في دار الكتب والوثائق يوم كان رئيسها الأستاذ الأديب عدنان الجبوري، وعمل في هذا المجال المهم فتحمل مسؤولية الحفاظ على الذاكرة الوطنية العراقية بمعية زملائه: عدنان الجبوري، وسالم عبود الآلوسي، وعماد عبد السلام رؤوف، وجاسم محمد جرجيس، ونعيمة حسين رزوقي، ونزار محمد علي، ونبيلة عبد المنعم.
حسين القهواتي في الأردن
ثم انتقل سنة 1994 إلى المملكة الأردنية الهاشمية وكان أحد المؤسسين لقسم التاريخ بجامعة آل البيت التي اضطلع بمهمة تأسيسها المؤرخ الأردني الكبير محمد عدنان البخيت.
من ذكرياته في الأردن، روى لي هذه الذكرى: في يوم من أيام صيف عام 1994م في جامعة آل البيت في المفرق وقبل بدء العام الدراسي، دخلت مبنى خصص لأن يكون مكتبة، جلبت انتباهي مجلدات أغلفتها صفراء مطروحة على الأرض إلى جوار أحد جدران المبنى الطويل، اقتربت منها وقرأت على غلاف أكثر من مجلد منها «الجغرافية الإسلامية» وهكذا كنت أتفقد بقية الموجودات من الكتب، كلما سنحت لي الفرصة التوجه إلى المكتبة التي سرعان ما نظمت وصار اسمها المكتبة الهاشمية، لم يكن رواد المكتبة يومذاك يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة، في إحدى الزيارات رأيت الأستاذ الدكتور سيد مقبول أحمد جالساً على إحدى المناضد يقلب كتاباً، هرعت إليه مسلماً ومستفسراً، أخبرني أنه منشغل في مراجعة مسودة كتابه عن الجغرافية عند المسلمين باللغة الإنجليزية وتنقصه بعض المصادر، قلت له: رأيت قبل أسابيع مجلدات كثيرة تحمل عنوان الجغرافية الإسلامية ربما فيها ضالتك، أخذنا نفتش في الرفوف وبسرعة وجدنا المجلدات مصفوفة على رفوف طويلة، قال السيد مقبول: ابحث عن الفهرس في آخر المجلدات ولكن مع الأسف لم نجد لها فهرساً وحاولنا أن نتناول لا على التعيين بعض المجلدات فوجدناها تارة باللغة العربية وأخرى بالفارسية وبالإنجليزية والألمانية والفرنسية والإيطالية.
ولكن الدكتور سيد مقبول لم يفد في ذلك الجرد العشوائي شيئاً، قلت له: ما رأيك أن أصنع لها فهرساً أولياً للتعريف بمحتويات المجلدات، ويكون عنواناً لندوة (سمينار) في القسم الذي كان يعقد أسبوعياً وبانتظام وعلى كل عضو هيئة تدريس أن يشارك فيه بمشروع بحث، استحسن السيد مقبول الفكرة وشرعت أنا بالجرد لأسابيع وقدمت ما جمعت من معلومات خام في موعد الندوة لاقى الاستحسان ثم تركت تنظيم ما جمعت ليكون بحثاً.
وغادرنا السيد مقبول أحمد إلى بريطانيا حيث تقيم زوجته الإنجليزية وابنته الطبيبة وبعدها توجه إلى الهند حيث كان يعمل أستاذاً في جامعة عليكرة ولكنا فجعنا بخبر وفاته هناك.
من مبادرات الدكتور محمد عدنان البخيت وحسناته الكثيرة أنه طلب من قسم التاريخ كان يترأسه يوم ذاك فاروق عمر فوزي إعداد بحوث لتنشر في كتاب في ذكرى وفاة العلامة السيد مقبول أحمد فما كان مني إلا أن أعود إلى أوراقي وإلى المكتبة ثانية وعندها وجدت مجلدات جديدة وصلت إلى المكتبة من سلسلة الجغرافية الإسلامية وقلت لنفسي ربما في هذه المجلدات أحد فهارسها ولكن خاب ظني وكتبت إلى محرر المجلدات فؤاد سزكين في ألمانيا مستفسراً ولكن لم أتلق منه جواباً، ولكني لم أترك الأمر وبادرت في العمل.
مجلدات الجغرافية الإسلامية المحفوظة في المكتبة الهاشمية/جامعة آل البيت هي إعادة نشر ما صدر من نصوص وبحوث وتحقيقات في المجلات الأوروبية منذ القرن التاسع عشر عن الجغرافية الإسلامية، اضطلع بمهمة إعادة النشر في عام 1992م استنساخاً وبخمسين نسخة فقط للأجزاء 2-41 (لم أعثر على المجلد الأول) وثمانين نسخة للأعداد 42-119 فؤاد سزكين الأستاذ والباحث التركي المعروف بالتعاون مع معهد تاريخ العلوم العربية الإسلامية التابع لجامعة فرانكفورت في ألمانيا.
استطاع القهواتي أن يعد للمجلدات من 2-119 فهرساً، ويكتب لها دراسة مركزة عن منهج الجغرافيين المسلمين، وينظم لها سبعة جداول.
الجدول الأول: المؤلفون وعددهم 55.
الجدول الثاني: عناوين الكتب وعددهم 82.
الجدول الثالث: المؤلفون وعناوين الكتب وعددهم 55.
الجدول الرابع: المشاركون في التحقيق والترجمة من المستشرقين وعددهم 63.
الجدول الخامس: الدراسات حول البلدانيين وعددهم 23.
الجدول السادس: الدراسات حول الموضوعات الجغرافية وعددهم 18.
الجدول السابع: الدراسات الموسعة حول الجغرافية والجغرافيين وعددهم 42 موضوعاً، 367 دراسة.
وفي أثناء إعداده للجداول أعلاه وردت إلى المكتبة مجلدات جديدة، أرقامها: 184، 194، 201، 202، 205، 223، 224، 230 عرّف محتوياتها على نحو مركز وواضح إتماماً للفائدة.
ولكن لم ترد إلى المكتبة الأعداد 120-184، ولا الأعداد الناقصة بين الأعداد أعلاه، ولا العدد الأول.
وعند إكمال العمل نُشر البحث في كتاب بحوث مهداة للأستاذ الدكتور سيد مقبول أحمد 1999م (ص441-468).
الدكتور القهواتي ما يزال يمارس نشاطه العلمي في الأردن وذلك في مركز الوثائق والمخطوطات ودراسات بلاد الشام في الجامعة الأردنية، ويسهم في تحرير (المجلة الأردنية للتاريخ والآثار)، ويشارك في أعمال مؤتمرات تاريخ بلاد الشام، وفي تحريرها، فضلاً عن مناقشة بعض الرسائل الجامعية التي تقع ضمن تخصصه، ويحاضر على طلبة الدراسات العليا في تاريخ العراق أحياناً.
حسين القهواتي المؤرخ
يرجع أصل فلسفة التاريخ إلى اهتمام الإنسان بتفسير أحداث الماضي، كيف، ولماذا. ولذلك صار يجتهد لإيجاد ما يفسر ذلك؛ فوضع قوانين -وفقاً لوعيه وإدراكه- حاول من خلالها تقديم تفسيرات مقنعة لسير أحداث التاريخ؛ فتعددت الاتجاهات التي اتخذها في سبيل ذلك، وظهر ما يعرف بالمدارس التاريخية، وهي تتراوح بين المشيئة الإلهية إلى المادية البحتة، وبينهما مدارس كثيرة، لكل منها سمات وقوانين.
تقترب تلك المدارس وتتباعد من علوم أخرى لطالما اعتمدت عليها، أو استندت إليها، أو عاضدتها، منها - على سبيل المثال - علم الاجتماع الذي اقترب جداً من الكتابة التاريخية منذ ابن خلدون إلى الآن. ولعل من ألطف ما جاء في تقارب هذين العلمين قول أحد الاجتماعيين الفرنسيين وهو إيميل دوركهايم Emile Durkheim (ت1917م) الذي انتقد مؤرخي عصره بعدم قدرتهم على تفسير التاريخ بصورة صحيحة، وطالبهم بجمع أدوات البحث التاريخي ومصادره، وترك التفسير والكتابة للاجتماعيين، فهم أقدر - في نظره - على إعطاء صورة حقيقية لأحداث التاريخ من خلال فهم المجتمع، وخاطبهم بقوله: إن على المؤرخين الاكتفاء بجمع الرحيق على حد تعبيره، وترك صناعة العسل لعلماء الاجتماع. لذلك ظهرت مدرسة تاريخية تهتم بدراسة البنى الاجتماعية وفئات المجتمع وطبقاته، وتفسر التاريخ بناء على ما يصدر من حراك اجتماعي يغير مسار التاريخ.
حسين القهواتي من المؤرخين الذين رفضوا هذا المنحى، واختار لنفسه أن يجمع الرحيق ويصنع العسل معاً، وهي مسؤولية كبيرة تحملها هو ومن آمن بهذه الفكرة من المؤرخين الجادين.
لقد جد القهواتي في جمع المصادر المعرفية لبحوثه ودراساته واجتهد في الإلمام بها، ولم يكتف بما هو متاح وسهل الوصول، بل تعنّى المصاعب للوصول إلى الحقيقة في أوعيتها ومظانها مهما كانت صعبة المنال.
وحينما بدأ بالكتابة التاريخية لم تنحصر اهتماماته بالأبعاد السياسية فقط، وإنما اهتم بدراسة تاريخ المجتمع، فهو يدرك أن سير التاريخ لا يقف عند أعمال الملوك والحكام والحروب والصراعات السياسية والعسكرية، وإنما امتد بحثه إلى أوسع من ذلك بكثير، حيث بدا اهتمامه واضحاً بحياة الإنسان ومعاشه ونشاطه وحياته اليومية من زراعة وتجارة وصيد اللؤلؤ وأنظمة زراعية وري، وتعامله الاقتصادي وتنظيماته التي حكمت علاقاته والأسواق.
واهتم بالبنى الاجتماعية وتركيبة السكان والأعراق والتنافس بين القوميات والصراع على السلطة.
واتسع أفقه ليبحث في تاريخ خدمات الاتصال وما لها من أهمية في حياة الناس.
وكرس بعض كتاباته للبحث في تاريخ الوقف، وهو جانب في غاية الأهمية في تاريخ المجتمع المسلم. وقد أدى دوراً كبيراً في التنمية الشاملة في النواحي الاجتماعية والثقافية والصحية وأسهم في تكوين ثقافة التراحم والتكافل ووثق عرى النسيج الاجتماعي، فأنتج حضارة حقيقية قائمة على سمو الأخلاق والخير والبر والرحمة والتعاون.
ولم يغفل شأن الوثائق وأهميتها؛ فسلط عليها أضواء ساطعة للتعريف بأهميتها في دراسة التاريخ، وأخذ هذا الاتجاه حيزاً كبيراً من كتاباته، مما يؤكد إيمانه الشديد بأهمية الوثيقة.
الدكتور القهواتي مهتم بالوثائق العثمانية والبريطانية ويدعو إلى اعتمادها في الدراسات التاريخية العربية. يقول: إن سبعة قرون من تاريخنا الوسيط والحديث لا تزال بحاجة إلى دراسات تكشف عن أحداثها التي يكتنفها الغموض، وهي زاخرة بالصراعات المريرة بين القوى المحلية والإقليمية والدولية، والمتخمة بالكوارث والويلات، والتي عانى منها العراق الذي استطاع بصبره وأصالة تراثه أن يتخطاها ويتجاوزها بل يفرض على الآخرين قيمه، وهي لا تقل روعة عن بطولاته في أيام الازدهار والبناء الحضاري. ولكن هناك عوائق كانت ولا تزال تقف في وجه الباحثين الراغبين في الخوض في مثل هذه الدراسات، تأتي في مقدمتها شحة المصادر والموارد التاريخية وخاصة في جانبها الوثائقي.كما أن بعضها متوافر بلغات فارسية وتركية وإنكليزية وفرنسية وبرتغالية وروسية وعلى الباحث أن يجيد أكثر من لغة ليقدم ما يجب أن يقدمه.
يأخذنا هذا الحديث إلى اهتمامه بالوثائق واعتمادها في كل كتاباته. وحض طلابه على التركيز على الوثائق؛ كي يخرج البحث رصيناً موثوق النتائج، محكماً بالحجج والبراهين، مما لا يدع مجالاً لتسرب الشك، فللوثيقة دورٌ كبير في حفظ التراث والنصوص التاريخية والروايات في العصر الحديث. وأصبحت الوثائق علماً يدرس، فالعلوم الوثائقية الأرشيفية تحتل اليوم مكانة رفيعة، فالوثائق والمستندات لها دور كبير في عملية البحث التاريخي، فعندما يقوم الباحث والدارس بجمع مادته العلمية ومصادر بحثه، ومن ضمن ذلك الوثائق ودراستها ومعرفة ما يرتبط بها مما يريد تحقيقه. إن دراسة الوثائق ليست بالأمر السهل كما قد يتصور البعض، فهي تحتاج إلى ثقافة وخبرة ومعرفة بالخطوط واللغة وكثيراً ما يحتار الباحث عندما يواجه مجموعة من الوثائق المختلفة المتفاوتة فيما بينها والمتباينة في أساليبها ومعانيها فيضطر لتمضية وقت طويل في التحقيق وبالمقارنة بين النسخ المتعددة للوثيقة والتدقيق والتمييز بينها لمعرفة الصحيح من غير الصحيح. إن الكثير من الوثائق يثار حول صحتها الكثير من الجدل والاعتراض من قبل الباحثين والمختصين وهذا ما يجعل الباحث يتحرى الدقة والتحقيق والتأمل لأن الوثيقة تعتبر من الأصول التاريخية التي يعتمد عليها كاتب التاريخ ولذا ينبغي إخضاعها للمنهج العلمي والبحث التاريخي.. ونشير في هذه المناسبة إلى أن أسلافنا قد سبقوا الأمم الأخرى إليه وقد برز ذلك في عالم مصطلح الحديث، حيث حددوا القواعد والضوابط التي تثبت صحة النصوص والأحاديث والأخبار المروية.
ومن هنا يتجلى دور الوثائق ولقد قيل (لا تاريخ بدون وثائق) ولذا فإن المؤرخ والباحث لا يستغنيان عن الوثائق ودراستها والاستعانة بها في مصادر بحثه. وأن خزائن المكتبات والمخطوطات في العالم اليوم لتزخر بالوثائق التي لها صلة بتاريخنا وكم نحن في حاجة إلى إعداد متخصصين للعمل في الوثائق وقراءتها وتصنيفها وفهرستها وفك رموزها وترجمتها والعناية بها، لما لذلك من أهمية وقيمة في الكتابة التاريخية وكل وثيقة مهما كانت مادتها فإنه يمكن أن تكون جزءاً من المادة التاريخية على مرور الأيام وبالجملة فإن جميع الوثائق على مختلف أنواعها لازمة للمؤرخ من أدواته فهي الشاهد على التاريخ وهي عنوان الشخصية الحضارية لأي أمة من الأمم. وتعتمد الدراسات التاريخية اليوم اعتماداً قوياً على الوثائق لكونها من المصادر التاريخية والأساسية للباحث والمؤرخ المعاصر تمكنه من كتابة التاريخ من مختلف جوانبه. [من مقال (الوثيقة وأهميتها التاريخية) لعبد الله الحقيل].
إن الدارس لتاريخ العرب الحديث، وتاريخ العثمانيين والصفويين على وجه الخصوص لا يمكن أن يستغني بحال من الأحوال عن كتابات حسين القهواتي، والتي من أهمها الكتاب سابق الذكر، وكتابه الآخر (العراق في عهد الاحتلالين الصفويين وما بين الاحتلالين العثمانيين 914-1048هـ/1508-1638م دراسة في الأحوال السياسية والاقتصادية). ففي هذا الكتاب معلومات مركزة وموثقة عن الأوضاع السياسية والاقتصادية التي كانت سائدةً في العراق وجواره في عهد الدولتين التركمانيتين (الخروف الأسود والخروف الأبيض) اللتين حكمتا العراق على التوالي (1410-1467م) و(1467-1508م)، وفيه بحث في نشأة الدولة الصفوية واستقرارها في أذربيجان واتخاذها تبريز عاصمة لها، ومنها بدأت دوافعها التوسعية صوب الغرب، فاحتلت العراق عام 1508م، وتزايد نشاطها المذهبي في الأناضول على حساب أملاك الدولة العثمانية، الأمر الذي أدى إلى بدء الصراع الطويل بين الدولتين، فكانت معركة جالديران عام 1514م التي اندحر فيها الشاه إسماعيل الصفوي أمام السلطان سليم الأول أولى حلقاته. واستمر هذا الصراع بينهما كراً وفراً أكثر من قرن، احتل السلطان سليمان القانوني خلاله بغداد عام 1534م، واحتلها الشاه عباس الأول الصفوي عام 1623م، ثم احتلها السلطان العثماني مراد الرابع عام 1638م. وفي ثنايا هذا الكتاب المشهد السياسي والصراع العسكري والظروف الاجتماعية والاقتصادية (زراعية وتجارية) في العراق خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، بتوثيق من مصادر أصلية يطّلع القارىء العربي على بعضها لأول مرة.
كما أنه حقّق كتاب (تاريخ ولاية البصرة) وهو مذكرات وضعها ميرزا حسن خان القنصل الإيراني في البصرة (1923م)، ترجمة الدكتور محمد وصفي أبو مغلي وفيه نبذٌ من تاريخ البصرة وجغرافيتها وأحوالها الإدارية والاقتصادية وسير بعض رجالها، وربما تكمن أهميته في الملاحظات الدقيقة التي أشار إليها ذلك القنصل عن المجتمع البصري. صدر هذا الكتاب عن مركز دراسات الخليج العربي، جامعة البصرة، البصرة، 1980م.
لقد فهم القهواتي أن التاريخ وحدة واحدة، لا يمكن فصلها أو فصل جزء منها، إلا لأغراض منهجية دراسية، وكيف يمكن أن نفهم حياة الإنسان إذا انتزعناه عن محيطه المكاني والزماني، أو اجتزأنا جانباً من جوانب حياته.
هذا الفهم جعله مؤرخاً شاملاً ينظر للتاريخ كوحدة واحدة، يهتم بماضي الإنسان في كافة جوانب حياته، ليس في مكان واحد، فهو وإن تركز اهتمامه وبحوثه في تاريخ العراق، إلا أنه كتب في تاريخ المحيط الطبيعي للعراق: إيران شرقاً، وتركيا شمالاً، وبلاد الشام غرباً، والجزيرة العربية جنوباً، إنه مدرك لمفهوم الأمة؛ مؤمن به، ينظر لتاريخها نظرة شمولية. وكان في كل ما كتب موضوعياً ومبدعاً.
فهو يتعامل مع التاريخ على أنه كائن حي نابض بالحياة، ولا ينقصه إلا تحري الحقيقة لإظهارها وتسليط الضوء عليها وعرضها بشكل جاد وموضوعي وبسيط، وهذا ما يميز كتاباته مثل كثيرين من مؤرخي المدرسة التاريخية العراقية الحديثة، إنها مدرسة الجدية والموضوعية والبعد عن الهوى الشخصي، مع الاهتمام بأدق التفصيلات. وهذا يتضح جلياً في كتابته عن العثمانيين والصفويين والبريطانيين.
ومعروف أن تاريخ العراق كتب بثلاثة أقلام، أولها القلم الاستعماري، وهو قلم المحتلين البريطانيين، ثم ظهر بعد ذلك وبعد الاستقلال القلم الوطني. ثم برز القلم الأكاديمي وأثبت نفسه، بسبب ما اتصف به من سمات علمية صارمة.
إلى أصحاب القلم الأكاديمي ينتمي الأستاذ القهواتي؛ فهو مؤرخ ثبت رصين تتسم كتاباته بالموضوعية والجدة والإضافة إلى المعرفة التاريخية في مجال تخصصه وهو التاريخ العثماني وتاريخ العرب الحديث.
بدأ القهواتي عمله بجد ونشاط ومثابرة ومزاولة أعمال -إضافة إلى التدريس- إدارية وعلمية في الجامعة ومراكزها ومؤسساتها.
وحينما جاء دوره ليكمل مسيرة أساتذته وأخذ يشرف على طلبة الدراسات العليا بدأ بتوجيههم الوجهة المثلى في دراسة التاريخ، فصار لبنةً مهمة لا يستغنى عنها في بناء المدرسة التاريخية العراقية الحديثة والمعاصرة.
لقد كوّن القهواتي مع زملائه وأبناء جيله من الأساتذة الذين تخرّجوا معه متعاصرين، من جيل السبعينيات: إبراهيم العبيدي، وإبراهيم خليل العلاف، وبشار عواد، وتحسين علي، وجعفر حميدي، وجهاد صالح العمر، وحسن الحكيم، وخليل إبراهيم الكبيسي، وخليل علي مراد، وخولة الدجيلي، ورجاء خطاب، وسامي القيسي، وصادق السوداني،وصالح العابد، وصباح الشيخلي، وطارق نافع الحمداني، وعباس عطية، وعبد الرحمن العاني، وعبد القادر المعاضيدي، وعبد اللطيف الحميدان، وعبد الواحد ذنون، وعلاء موسى كاظم نورس، وعلي شاكر، وعماد الجواهري، وعماد عبد السلام رؤوف، وفاضل بيات، ولطفي جعفر فرج، ومحسن محمد حسين، ومحمد جاسم المشهداني، ومحمد رضا الطريحي، ومحمد مظفر الأدهمي، ومحمد هليل، ومصطفى النجار، ونزار الحديثي، ونوري العاني، وهاشم الملاح، (مع الاعتذار عن السهو والنسيان إن فاتنا اسم أحد أولئك الأعلام) كوّنوا امتداداً طبيعياً لما بدأ به جيل الرواد في تثبيت أركان المدرسة التاريخية العراقية الحديثة، وذلك من خلال ما كتبوه وقدّموه من بحوث ومشاركات في المؤتمرات والندوات الدولية، وما وجّهوا به طلبتهم للكتابة في رسائلهم وأطروحاتهم.
للدكتور القهواتي بعض الاكتشافات التاريخية المهمة والمتناثرة في كتبه وبحوثه المنشورة وبعضها لم ينشرها وإنما شافهني بها مشافهةً. ومن اكتشافاته التاريخية الخط الصحيح لسير حملة السلطان سليمان القانوني التي توجهت إلى بغداد سنة 1534م، فقد كان كثير من المؤرخين والكتاب يرجحون سير الحملة عن طريق مدينة (السليمانية)، لكنه تنبّه إلى الوثائق والمصادر العثمانية والإنجليزية لم تورد هذا الاسم. ومع دأبه في البحث - كما أخبرني شخصياً - عرف أن مصدر هذه المعلومة هو كتاب Four centuries of modern Iraq للمؤرخ البريطاني Stephen Hemsley Longrigg والصادر سنة 1925، وكان قد قرأ ترجمته العربية التي صدرت في بغداد بعنوان (أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث)، فشك في الترجمة. لذلك قرر أن يرجع للنسخة الأصلية بلغتها الإنجليزية فوجد الخطأ نفسه. وصار يفكر ويعيد النظر ويبحث، خاصة وأن اسم (السليمانية) لم يظهر في النصوص التاريخية إلا بعد قرنين ونصف من تاريخ الحملة تقريباً، كما أن المؤرخ العثماني نصوح أفندي ابن عبد الله قره كوز السلاحي المعروف بمطراقي زاده والذي كان مرافقاً للحملة وكتب ورسم طريق محطات الحملة لم يذكر ذلك الاسم. ثم توصل أخيراً وبمنهج تاريخي دقيق إلى أن المقصود (السلطانية) وليس (السليمانية).
ولما كان يعرف أن الحملة موجهة أساساً إلى بلاد فارس وليس العراق، وذلك خلال الصراع العثماني الصفوي (1532-1555م) فإنه صار يبحث في كل موارد ذلك الصراع وجغرافيا المنطقة الفاصلة بين الدولتين العثمانية والصفوية؛ فتوصل أخيراً وبمنهج تاريخي دقيق إلى أن المقصود مدينة (السلطانية) وهي إحدى مدن زنجان الإيرانية، وليس مدينة (السليمانية) العراقية. وقد دخلت الحملة بعد ذلك إلى العراق عن طريق خانقين.
وتوصّل القهواتي إلى أن السلطان سليمان القانوني لم يحفر نهر الحسينية، كما شاع ذلك في المراجع، وإنما وسّع مدخله، وهو عمل مهم أيضاً.
وكذلك اكتشافه المهم والمفيد لحقيقة مؤلف كتاب (معدن الجواهر بتاريخ البصرة والجزائر)، إذ كان نشره لأول مرة الأستاذ محمد حميد الله وقال إنه لمؤلف مجهول، حيث لم يعرف مؤلفه الذي اكتشفه الأستاذ القهواتي، ووضع له ترجمة معتبرة. وهو نعمان بن محمد بن عراق (ت970هـ/1562م)، وكان قاضياً في البصرة. وهو كتاب وضعه مؤلفه بعد وصول السلطان سليمان القانوني البصرة سنة 953هـ وفيه بعض التفصيلات المهمة عن تاريخ البصرة وجزرها (البطائح). [القهواتي، العراق في عهد الاحتلالين الصفويين وما بين الاحتلالين العثمانيين. وانظر مقدمة حميد التميمي لكتاب (المدينة - جزائر البصرة - في العهد العثماني) تأليف حسام ناصر ومشتاق اعبيد].
ولعلّ من أهم بحوثه المنشورة:
1. حملة السلطان سليمان القانوني على بغداد عام 1534م، مجلة المورد، المجلد 8، العدد 4، شتاء 1979م.
2. أضواء على تجارة البصرة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، مجلة الخليج العربي، المجلد 12، العدد2، 1980م.
3. تعريف بالأقليات العرقية والقومية في إيران، مجلة البصرة، العدد 13، 1980.
4. المصالح البريطانية في الكويت حتى عام 1939م، مجلة الآداب، البصرة، العدد 17، السنة 15، 1981م.
5. تاريخ الخليج العربي الحديث والمعاصر (بالاشتراك)، البصرة، 1980م.
6. صراع الدولة والقبيلة في إيران وأفغانستان، مجموعة دراسات أنثروبولوجية، باللغة الإنجليزية، ترجمة بالاشتراك، البصرة، 1984م.
7. التركيب الاجتماعي في العراق في القرن التاسع عشر، كتاب حضارة العراق، 1985.
8. الحياة الاقتصادية في العراق من القرن التاسع عشر، وحتى نهاية الحكم العثماني، كتاب حضارة العراق، 1985.
9. الوثيقة وأهميتها التاريخية، ضمن نشرة الكتاب والوثيقة، العدد الأول، دار الكتب والوثائق، بغداد، 1994م.
10. الصحف والدوريات العراقية وأهميتها في الدراسات التاريخية مع كشف بأسماء الصحف والمجلات العراقية حتى خمسينيات القرن العشرين، الكتاب والوثيقة، دار الكتب والوثائق، بغداد، 1994م.
11. وثائق بلدية نابلس، القسم الأول، منشورات جامعة آل البيت، 1997م.
12. وثائق بلدية نابلس، القسم الثاني، منشورات جامعة آل البيت، 1999م.
13. التواصل الحديث بين المسلمين (المؤتمرات الإسلامية) بحث منشور ضمن كتاب المدخل إلى التاريخ الإسلامي (دراسة تاريخية) منشورات جامعة آل البيت، 2001م.
14. الوثائق البريطانية المنشورة مصدراً لدراسة جوانب من تاريخ عمان الحديث، منشور ضمن كتاب أعمال الملتقى العلمي الثاني حول مصادر التاريخ العثماني، من منشورات جامعة آل البيت، 2003م.
15. العراق والخليج في كتابات نقولا زيادة، بحث منشور ضمن كتاب نقولا زيادة في ميزان التاريخ، عمان، 2008م.
16. من خدمات إدارة الأوقاف في القدس، إنارة الحرم القدسي أنموذجاً 1940-1955م، منشور ضمن كتاب أعمال المؤتمر الدولي السابع لتاريخ بلاد الشام، المجلد الثالث (فلسطين)، عمان، 2008م.
17. ضوء جديد على مصورات وثائق بلدية نابلس وعلى غيرها من مصورات الوثائق التي وفرها محمد عدنان البخيت للباحثين في جامعة آل البيت، بحث منشور ضمن كتاب محمد عدنان البخيت مؤرخاً وموثقاً وأستاذاً ومؤسساً، عمان، 2010م.
18. ثلاثة بحوث منشورة في كتاب (أبو ظبي واللؤلؤ قصة لها تاريخ)، تحرير د. فاطمة المهيري، المجلد الثاني، 2011م.
أ. صيد اللؤلؤ في ساحل الإمارات وطرق تجارته.
ب. دور البصرة في تجارة اللؤلؤ.
ج. ج. دور ميناء لنجة في تجارة اللؤلؤ.
19. أسواق الفاكهة والخضار في مدينة نابلس، منشور في كتاب أعمال المؤتمر الدولي التاسع لتاريخ بلاد الشام، عمان، 2013م.
20. واحات النخيل وطرق ريها وأنواع تمورها في سواحل الخليج العربي في مطلع القرن العشرين، مركز الحصن، أبو ظبي 2013م.
21. تحرير أعمال المؤتمر الدولي التاسع لتاريخ بلاد الشام، عن الزراعة في بلاد الشام (أربعة مجلدات)، بالاشتراك مع محمد عدنان البخيت، 2013م.
22. البوسطة والتلغراف، البريد والبرق في مدن من بلاد الشام في عهد التنظيمات العثمانية، منشور في كتاب أعمال المؤتمر الدولي العاشر لتاريخ بلاد الشام، المجلد الأول، 2017م.
23. تحرير مجلدين من أعمال المؤتمر الدولي العاشر لتاريخ بلاد الشام، عن التنظيمات العثمانية، 2017م.
24. فهارس أولية لمجلدات الجغرافية الإسلامية في المكتبة الهاشمية، منشور في كتاب (بحوث مهداة للأستاذ سيد مقبول أحمد) جامعة آل البيت، 1999م.
من يقرأ حسين القهواتي يقرأ فيه الوضوح وتركيز الأفكار، لغته سهلة بسيطة غير متكلفة ولا معقدة، وعبارته محبوكة السبك واللفظ، لذلك، فإنني لا أستطيع قطع قراءة نص كتبه، وأظل أقرأ إلى نهاية النص.
الدكتور حسين القهواتي قامةٌ عراقيةٌ بما قدّم ودرّس وأسهم في تخريج جيلٍ من المؤرخين، وهو قيمةٌ إنسانيةٌ معرفةً وأدباً وخلقاً وصدقاً وتسامحاً وتواضعاً وتعاملاً مع الآخرين، أعطى الكثير وما يزال يعطي، حظي بمحبة طلبته وكل من تعامل معه، وهو صاحب منهج واضح في كتابة التاريخ، وله مكانة راسخة في المدرسة التاريخية العراقية الحديثة، إنه علمٌ من أعلام العراق المعاصر.
* عن شبكة البصرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق