أوراقا تحاول أن تكون رواية ............الحلقة الخامسة
بقلم :الاستاذ محمد مناف ياسين
نستمتع جدا ونفرح حين كان القول ان جده ( جهينه ) ستقضي ايام رمضان معنا ٠٠ والجدة جهينة كانت قصصية رائعه كلما افكر بها اليوم اكتشف عجزي عن وصف ذلك الفرح الملئ بالا عجاب الذي كان يسود البيت مع مجيئها المتمنى ليس منا فقط ولكن من سيدات الدار جميعا فهي كانت تدخل البيت ومن فيه بجديد نادر ٠٠ وتسمية سيدات البيت ، أو بنات البيت هي واحدة من مصطلحاتها التي كانت توصي بها وبالاخص نحن الاولاد ؛ وتؤكد عليه مع رجال البيت اللذين كانوا ينظرون اليها نظرة اعجاب وتقدير كبير ٠٠
كانت سيدة البيت الكبيرة وقتها ونسميها ( نانا ) اعتياديا تنظر اليها انها تقول الكثير مما لم يقله حتى الرجال الكبار
كانت جهينة معلمة امي وبنات البيت المتكاثرات كما كان يصطلح كثير من الكبار ٠٠ الخطوة الاولى هي اين ستقضي راحتها او نومها ٠٠ تتهيأ لها (العلليي ) الموصولة بغرفتنا ٠٠ وهي غرفة صغيرة اعلى غرفتنا ( او غرفة ابي !) واقعا ٠٠ شباكها صغير الى اعلى السقف ويكاد لايبين الا لمن يعرف اويتوقع فالعلليي بنيت بالاصل لتهريب شباب البيت المطلوبين وقتها للجندية ٠٠ او الجندرمة ٠٠ وفي العادة كما كنا نسمع او نعرف ان من ياخذوه للجندرمة ٠٠ مطلوب منه ومن اهل بيته توديعه لانه ذاهب الى الحرب وفي المكان الذي يحتاجون اليه فيها لتدريبه ونقله الى جبهة القتال يدافع عن ( الدين والدولة ) سبق ان وشى احدهم بعزيز واخذوه من الجامع ولم يعد وبقيت امه تبكيه حتى ماتت ولم يعد وبقي في ذاكرة الاسف وهو يشبه العديد من شباب العائلة او حتى من شباب الحي ٠٠ اوصافه متغيرة دوما الى الافضل والاجمل وقد بقيت عروسته ( يازي ) تنتظره وترفض اي خطبة او زواج على امل عودته ٠٠ وتذكر ( نانا ) دوما كيف وجدت ( يازي ) ميتة على سجادة صلاة العشاء ٠٠ وكم كانت شابة جميلة ونشيطة لم تعرف الدنيا لابل حرمت منها ٠٠! ٠٠
توقف الحديث عن يازي وعزيز ونحن صغار بسبب نهي الكبار ٠٠ فقد توالت الاحداث واصبحنا في عالم اخر مختلف جدا ولايجوز اخافة الصغار او نقل احزان الكبار اليهم ٠٠
حلت بالبيت الجدة ( جهينه ) في اليوم الثاني من رمضان ٠٠ تغيرت مشتريات السوق ونكهة الاطعمة
وفي البدء تهيأت المنقلة للشوي ٠٠ ووافقت امهاتنا ان نبدا بالصيام حتى لوكنا صغارا وغير مسؤولين وبدعم من الجدة جهينة ٠٠ كي نعرف ايضا ونتعلم الصبر ٠٠ وطاعة الله ٠٠!
نحن كنا ثلاثة دون العاشره عمرا ٠٠ كان اصغرنا ابن عمتي ( قصي ؛ ) كانوا سرا يخافون على الصغير ونحن جميعا ٠٠ يترجمون السماح لنا بشرب قليل من الماء دون كثيره كما تفعل الخياطة بقطعة خام كبيرة وقد تمزق قليل منها فتقوم سيدة البيت بترقيع المزق نفسه ونصطلح عليه بالموصلية (نشلل )
والتشليل في الخياطة ، هو ربط المزق بالخيط والابرة ربطا خفيفا ومؤقتا حتى ايجاد الحل المناسب والقيام بخياطة المزق كذلك الصيام للصغار حيث تقوم الام او كبيرة العائلة بتصبير الصغير الصائم انها قامت بتشليل صيامه في انتظار الفطور وفي ذلك لا يخسر صيامه وبشرط ان لايتكرر ذلك لاكثر من مره يوم الصيام ٠٠٠ واجمل ما اتذكره ان الجدة جهينه شاهدت احدنا ينظر بعين الصغير الجائع الى مجموعة من الخيار الصغير اللذيذ الذي تشتهر به مزارع الموصل ٠٠ فسارعت الى جعله يغسلها جيدا وبيده ثم ياكلها بأصول ودون تعجل او صوت كسر الخيارة ٠٠
وبالنسبة الي فقد سمعت ترديدها بصوت جميل موشح قيل لي وقتها انه احترام للرسول الكريم ( الغصن اذا راك مقبل سجدا *** والعين اذا راتك تخشى الرمدا ) كان صوتها الجميل يطوف اذهاننا حلوا جعلني احفظ كلماته من اللحظة الذي استمعت اليه ٠٠ وحين كانت جوامع ومساحد الموصل يتردد فيها وبعد صلاة العشاء ما سمي وقتها ( تنزيلات ) ترحيب او توديع برمضان فتفرض تلك التنزيلات اجواء ايمانية وانواع خشوع تجعل من شهر الصوم والاعياد فرصا تذكيرية حلوة بالصوم او بالاعياد ٠٠ ونحن صغار كنا ننصت الى تلك التنزيلات بخشوع جميل ٠٠ كانت تتم من منارة الجامع الكبير وبعد اداء صلاة العشاء ٠٠ وكان وضع الميكروفون على المئذنة وكل مآذن المدينة فيما بعد .
لا اذكر تماما ان كانت بعد اداء صلوات التراويح الرمضانية ام بعد اداء صلاة العشاء٠٠
كان كثيرا من اصدقاء ابي واعمامي يعرفون بعض اصوات المؤدين ٠٠ رغم ان الاداء جماعيا ٠٠
عذرا فقد اطلت قليلا فالى ورقة اخرى نتعرف فيها الى انفسنا ومدينتنا الموصل ٠٠
اواخر ايلول ٢٠٢١
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق