الأحد، 19 سبتمبر 2021

عبو المحمد علي والشعر الشعبي الموصلي بقلم : أ.د. إبراهيم خليل العلاف



عبو المحمد علي والشعر الشعبي الموصلي


أ.د. إبراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل


عبو المحمد علي الذي تظهر صورته الى جانب هذه السطور، شاعر شعبي موصلي ولد حوالي سنة 1862 في الموصل وعاش حياة أقرب إلى العبث والتشرد.. نقد عادات الناس السيئة، فهجروه لكن ما يميزه انه كان صادقا مع نفسه ، يحترم جاره ..يكره الزيف ..ولا يعرف الملق والرياء .

 

                                    

وقد استهوت شخصيته وشعره، شاعرنا المرحوم الأستاذ عبد الحليم اللاوند (1934_2000)، فكتب عنه كتابه الموسوم: (نظرات في زجل الموصل ودراسة تحليلية لزجل عبو ألمحمد علي) ونشره سنة 1969 ثم أضاف عليه ، وأعاد نشره ثانية سنة 1986 بعنوان : ( نظرات في الزجل والأدب الشعبي الموصلي). ويقول عن الكتاب انه أراد أن يقدمه كأطروحة ماجستير في جامعة القاهرة، لكن بعض الظروف حالت دون ذلك فضرب عن الدراسة صفحاً.

جمع اللاوند شعر عبو ألمحمد علي من بعض حفظته أمثال المرحومين محمد حنتوش، وعزيز مال الله، ورأى في هذا الشاعر (توجها يختلف كل الاختلاف عمن عاصره أو سبقوه سواء من حيث نظرته إلى الحياة أو من حيث ممارسته اياها). (كان لسانه ابرا حادة تنغرز في قلب كل من تصدى له.. غرق في حمأة التشرد.. جسور في قول الحق وان بلغ هذا حد الجرح، فلم يكن يرجو من حياته علوا ولا مجدا ولا يريد بها فخراً ولا مباهاة بجاه ... لم يأبه لما يقال فيه) .


في شعره مسحة حزن ففي أحدى قصائده يردد:
جني مصايب شديداً بالزمان اعظام
والهم لا زكك بجبدي والضمير اعظام
وحينما يحس بوطاة الفقر وثقل الحياة يصرخ قائلاً:
حشيت كلبي من الحسرات مليتة
واجتاب سعدي طلع منحوس مليتة
ابن الثمانين كالوا من حياتا يمل
وآني حياتي من العشرين مليئة
ينتقد عبو المحمد علي النميمة فيقول :
لا تكون نمام ولاتشري نميماً بشر
ويأمل الخير منك لا تردا بشر
اليكصد اعليك لازم بالعطايا بشر
واحمي صديكك وحافظ جارتك والجار
واذبح شجيجك عليهم لو ظلم والجار
ولجان دمك طفح فوكك الوطا والجار
ارضي على الموت او لاترضى يهينك بشر.

و عبو المحمد علي عفيف النفس يكره الظلم، عاش طفولة صعبة وفي شبابه انغمس في اللهو، لكنه أحس أواخر أيامه بعظم ذنوبه فاتجه إلى الله سبحانه وتعالى طالبا العفو والغفران وتعالى طالبا العفو والغفران لنسمعه يقول :
ياغافر الذنب لي بابك سعيت اخطاي
ومن المعاصي تبت وتركت درب اخطاي
ياربي اني تبت وانتا تحب العفو
تغفر ذنوبي أو تمحو لي أخطاي

قضي شيخوخته في دار العجزة وقد زاره أصدقائه ومنهم السيد حامد الراوي فاشفق عليه ونظم فيه:
ياوسفتي اعليك عبدالله المحن تجرأ
واعليك ومع البيابي امن الجفن تجرا

قال محمد حنتوش وكان مختارا لمحلة باب الطوب وقد توفى سنة 1968 للمرحوم اللاوند : انه زار عبو ألمحمد علي في دار العجزة فسأله عن حاله فأجاب (أجد نفسي من ناحية المأكل والمشرب والنظافة على أحسن حال، ولكني ينطق علي قول سليمان في الهدهد (لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتني بسلطان مبين) .

وأضاف : إن المفسرين يقولون ان الهدهد وضع مع أطيار ليسوا من جنسه وهذا هو العذاب الاليم، ولم تمض فترة طويلة عليه حتى توفى يوم 3 حزيران 1959 عن عمر ناهز الـ (97) عاما ، وحيدا دون أهل أو ولد يبكيه حيث لم يتزوج وقد دفن في إحدى مقابر السبيل، أما شعره فقد بقى يتداوله الناس جيلاً بعد جيل .

بقي علي ايضا الاشارة الى ان الفنان والكاتب عبد الواحد اسماعيل اصدر سنة 2010 كتابا بعنوان ( عبو المحمد علي الشاعر والانسان) وقد اهداني نسخة من الكتاب وكتبت عن الكتاب مقالة قلت انه اكد في كتابه على فن الزهيريات الذي برع به شاعرنا الشعبي الموصلي الكبير وانه استقى الكثير من هذه القصائد مباشرة ممن كان يعرفه جيدا ويجالسه او عاصره ومن هؤلاء السيد عزيز مال الله الصفار وقارئ المقام سيد اسماعيل الفحام والسيد محمود الحيك .

ومن زهيرياته :

ما عاونت على الضلال ولا خنت جاري

اعاون على الحكَ أو ما ارضى البطل جاري

كلما تآذيت اعليا الدهر جاري

نفسي عزيزه أو عن عزة النفس ما أرد

وان جنت عطشان من بير العفن ما أرد

وان صرت بالحوج عطوه من نذل مارد

لو جان جفه نهر أو من العطا جاري

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...