أوراقا تحاول ان تكون رواية ( موصلية٠٠ ) .........الحلقة الاولى
كتابة : الاستاذ محمد مناف ياسين حين كنت أركب دراجتي من بيتنا القريب من مطار الموصل الى الاعدادية المركزية أقصى المدينة الشمالي ، كنت اشعر كم ان مدينتي الموصل جميلة متنوعة الالوان ، كثيرة الطرق والدروب ؛ وهي صغيرة ٠٠ الى الدرجة التي استطيع فيها ان اقطع الطريق يوميا من الاقصى الى الاقصى فيها بدقائق . وكبيرة الى الحد الذي لااستطيع فيه ان اعدد الطرق والبيوت والمدارس على طريقي حتى احياء معينة كنت اسميها في نفسي باسماء اصدقاء ، كنا ندرس معا ذلك الوقت او ما سبق ان كانوا ٠٠ربما هو نوع من الغربة وقتها ٠٠؟ تتحول وسريعا الى الفة خاصة مع ايجاد ذلك الصديق او الاستمرار بالمرور من هناك . وقداجد على طريقي وصلة من تعديل قديم للدرب بالحصى النهري ، فانزل من دراجتي لأسير عليه أو ارى عمال البلدية ، وهم يبلطون الدرب بالزفت المغلي الاسود واعجب من حالة عامل التزفيت (الذي يمسك ( الشوبك ) ساخنا كي يضعها على الطريق فيعتدل ٠٠ مرة توقفت متعاطفا ومعجبا بالعامل الذي يتحمل كل هذا الاذى الجسدي ، فتوقف الرجل وهو ينظر الي بعيون متعبة ، واصابع يحاول تبريدها وقال : الحق مدرستك والا سوف تصبح كما انا اليوم ومثل كل هؤلاء العمال ، لاننا لم نهتم بالدراسة ولم تكن عندنا الفرصة ٠٠ اذكر اني خجلت حد البكاء ، وامسكني صمت مع سحق خاص يدور داخلي كما طاحونة لا صوت لها ولا مادة تسحقها وقد صاحبتني حالة الصمت والدوران والسحق هذه على مدى سنين مواجهات ٠٠ وحين حكيت ذلك لوالدي ( وقتها )ابتسم بألم وعرف ذلك العامل ، واثنى عليه وكرر نصيحته تلك ٠٠ مع عمل ذاك كانوا ويضعون وسط الدرب قطعة اسمنتية جاهزه تنقل مياه الامطار او حتى مياه الغسيل اليومية رغم مراقبة البلدية وجزاءتها بسبب ذلك ٠٠ هذه هي بعض معاني الدروب حين تتغير ٠٠ وكانت العائلة كلها لاترضى ان اعتاد المرور من امام مدرسة البنات رغم رغبة كثير منا بذلك وتعمده احيانا فتصل اخبار ذلك الى العائلة عن طريق (واش؟ ) لانعرفه ونتحمل المسؤولية حتى كبرت اعمارنا وصرنا جزء من مجتمع يرفض ذلك او يجد اسبابا مختلفة لعدم القبول ، وقد تباينت مواقفنا لأسباب خاصة وفردية ٠٠ كانت البيوت القديمة ، ظليلة فيها نوعا من انسام باردة مع ابتعاد الشمس او اقتراب المساء ، واكثر ما اعجبني تلك الجسور فوق الدروب وهي غرفة او ممرات تربط بين بيت واخر ويمر من تحتها درب وهي مقوسة ومزخرفة بشكل يثير الخيال القصير ربما ولكنه يبقى مستقرا في النفس ظلا ودفئا وجمال ٠٠ وهنا يكون للشمس دورها في تغيير الظلال والالوان مع وجود خضرة الاشجار المعمرة ٠٠ وقد كان في بيت جدي ( بستانا) ، هي ليست الا مربع ترابي تستقر فيه اشجار توت ورمان وعنب ٠٠ يدور فيها جدي ؛ فيكتشف من الذي اقتطف عنقود عنب بطريقة غيرصحيحة فيعرفه وينصح بكيفيات الاقتطاف .
أما التوت ، فيأتينا قبل ان نشتاق اليه والتين الاخضر جميلا تناديك حلاوته ، فتكتشف من حليب القطف انك اعتديت ولن تستفيد بقدر ما اخطات ٠٠ اما الرمانة ، الشجرة الكثيرة الرقة فهي رقيقة تتطاول كي تعلن عن ما لديها ، وحين سالت يوما قيل لي عن تطاولها ذاك انها ٠٠ "تتبغدد عللى تحبوا " وتتبغدد أي تتدلل ٠٠ والتينة والتوت ترسمان ظلالا وارفة ويختبئ فيهما اكثر من عش لبلبل او عصفور فيصبح غناؤهما مالوفا ومنتظرا مختلطا بدندنات رقيقة تصاحبها او تتلوها ٠٠ كانت تلك الظلال الوارفة ترسم سقفا مقيما باردا مع شمس الصيف ومحتضنا للمطر مع تساقطها كان بيت الجد ، هو كل البيوت وهو العائلة التي تزداد اعداد الاسر فيها يوما بعد يوم ٠٠ كما ذلك الطير الجميل الذي بنى عشه قرب قبة (الجامع العمري) أو جامع العمرية دون معرفة تاريخه ويعود اليه مع بشائر كل ربيع ٠٠ونسمع صوت تغريده بنوع نداء خاص ٠٠٠ فكان ايقونة الشمس والربيع والمطر ٠٠
............................................الحلقة الثانية
اوراقا تحاول ان تكون رواية موصلية ٠٠( ٢ ) اعتدت مع أول تعلم قراءة الكتاب خارج كتب المدرسة ان اكتب في اوراق صغيرة أفكارا أضعها كثير احيان في الكتاب الذي اقرا فيه ٠٠ وتزايد نشاطي هذا ، وتنوع مع تقدم العمر والدراسة والاطلاع على العالم ، ومدنه ، وناسه ولم اتوقف الاقليلا من الوقت لتحفظ ما او بسبب ضياع تلك الأوراق ونسيانها٠٠ وارى اليوم نوعا من واجب ان انشر ذلك بعد ان تراكمت كتبي وتبرعت بها لاكثر من جهة او صديق ٠٠ وكان بعض ما شجعنا على تزايد القراءة في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي ، رجل لم نسمع عنه الا الاقل سوى انه منفي الى الموصل لاسباب سياسية ، وقد افتتح مكتبة ، يسمح لنا ان ناخذ اي كتاب لندفع خمسين فلسا عن الاسبوع ، وكان صبورا بدكانه الصغير ، فنقوم بالاطلاع على الكتاب الجديد وغالبيتها كتبا أدبية تتحاشى الدعاية السياسية التي انتشرت بعد فاجعة العائلة الملكية صبيحة يوم الاثنين الرابع عشر من تموز سنة 1958 . نعم ٠٠ تعلمت أن اكتب في اوراق او على حواشي الكتاب اياه ؛ وضاع الكثير من الاوراق تلك وصرت حتى اليوم أُفاجا باكتشاف اوراق وضعتها في كتب تقادمت عندي أو حتى في جيوب ملابس تركتها منذ مدة ٠٠ ولم تستقر كتابتي لليوميات ، الا بعد ان غادرت العراق نهائيا في اوائل التسعينات من القرن الماضي ٠٠ حيث صرت اشتري دفترا ليوميات السنة الجديدة (أجندة) ، ومعي اليوم اكثر من مئة كتاب أو دفتر ٠٠ ويبقى معي دفتر صغير يرافقني دوما خارج الدفتر اليومي ( الثقيل ! ) نوعا والذي اشعر بكتابته اني اقول كل شئ ٠٠ وحسب علمي ، وانا متالم لتذكر ذلك ، والغفلة التي تسببت بذلك مني ( حيث عملت في مكتب صحفي ، وكنت اضع دفتري هذا على مكتب عملي واثقا بان لاأحدا ينفعه أويهتم بما فيه حتى حاول شاب غير عراقي كان يعمل في المكتب ان يقرا بعض ما كتبته وحين فاجاته وهو يحاول ان يقرا فيه حاول السخرية من كتابتي ، وواجهني بوقاحة انه لم يجد ما توقعه من قضايا سياسية حسب ما سمعه عني ؟ شكرته وقلت له لم اتوقعك من ( اياهم المتجسسين ) اللذين يبحثون عن خيانة الثقة اولا ، وكان من دولة عربية عرف عنها ( انقلابويه!) عسكرية وتلك بلوى أهلكت الحياة العربية العادية ، ولوثت صفاء الانسان فيها ٠٠ لم يخجل ولم يبدِ أسفه أنه خان أمانة العمل المكتبي بقدر ما بدا كأنه لم يصل الى ما كان يريد ٠٠ الغفلة نتاج الثقة المطلقة عندي مازلت لا استطيع غيرها مع من أحبهم وقد يقال ان من الغباء ان تستغفل ، واقول ان للخيانة وجوهها العديدة، وتلوناتها ٠٠والخائن هو المدان عندي ٠٠ عذرا فقد اطلت ، ولكني اردت الدخول بمقدمة التعرف على ما سيجده هنا القارئ المهتم ٠٠ نعم ؛ نحن منذ صغرنا قد تعلمنا مانسميه اليوم ( الاستظهار ) ، ويكون ذلك قبل التسجيل في المدرسة التي بدات تلزمنا ان نكون بعمر سبع سنين كي نقبل في الابتدائية ؛ سابقا كان ( الملا ) ٠٠نكون قبلها قد قرأنا في (الملا) أي الكُتّاب كثيرا من الآيات ، وراينا كتلة العبارة القرانية لا الحروف وتركيباتها الممكنة ٠٠ وحديثي عن الموصل ، مدينتي التي تبقى عزيزة الولادة والنشوء ، هو كمن يتنسم التاريخ ، وينعش قلبه. وقد كانت احدى صديقات العائلة ،وفي اول محطات الاغتراب ، تردد دوما ولأي مكان تعجب به ( : كنيها الموصل ٠٠) وتقصد ان هذا المكان يشبه ما هو موجود في مدينتها الموصل ، البهجة ، وصوت موصلي جميل وذاك اقصى مدح للمكان ب (كأنها الموصل ٠٠ ) نعم للموصل لهجتها التي قد تُكتب ، ولكن الصعوبة في كتابتها وانا الموصلي ، أجد صعوبة نقلها الى اسماع الاخرين دون تلكؤ وربما خوف خطا ٠٠ والموصل مدينة ربيعية جميلة ، ومن يسكن اليها يتعشقها كما حب العشق أصلا ٠٠ اوراقي هذه ؛ كنت كتبتها منتصف الخمسينيات من القرن الماضي ٠٠ حيث وجدتها في كتاب مدرسي قديم ٠٠اقول عنه دوما انه هو الذي وجدني ٠٠ واشعر اللحظة بكل ما تحمله أنسام الربيع الموصلي من عطور النرجس ، وخضرة الزروع ، وعفوية الناس ، وجدية تحركهم ، واداء ما يتوجب عليهم ، وفي أية لحظة مختارة ٠٠ فسلام اليك مدينتي الحبيبة ، مُقّبلا تُرابك الطيب ، ومعتذرا عن الغياب ٠٠ وايضا تأخر الكتابة، وها هي بعض صفحات أحاول اعادة تسجيلها منقولة دون اضافات ، وكما كتبتها وقتها ٠٠ ارجو من القارئ الصبر ٠٠٠ اوائل حزيران ٢٠١٩ ،
...............................................الحلقة الثالثة
اوراقا تكاد ان تكون رواية ( موصليه)..........(3) في يوم موصلي جميل ، جاءنا مدرس الرياضة ليعلن لنا اننا مدعوون للاشتراك في اليوم الرياضي لمدارس المدينة ٠٠ وهو ينصح ، ويحذر كان كل منا يفكر بما الذي سيكون فيه ؟ وما الذي يمكنه ان يتشارك فيه ٠٠ كان المدرس يوجه كلماته الى الرياضيين منا ، وكيف انً من الضروري ان نكون بمستوى البراعة الرياضية ، والتفوق ، فضلا عن اختياره اسماء من الصف كتبها على السبورة السوداء ودعاهم ان يبداوا بالتدرب وفق توجيهاته .وقد سبق لمدرستنا ان سجلت تقدما على كل المدارس في الرياضات الفرقية ٠٠ اضافة الى انها المدرسة الافضل في عموم مدارس اللواء في النتائج الرياضية ، وفي عدم صدور اية شكوى من سلوكيات الطلبه منهيا كلمته عن مدارس البنات انهم جميعا اخواتكم وانتم ستكونون رجال المستقبل ، وايا منكم سيمثل بيته وتربيته قبل تمثيله للمدرسه ورياضييها ٠٠ كان بعضنا يتبادل النظر مع الآخر في الرغبة ان يكون احد اللذين يختارهم وان يملك تفوقا في لعبة معينة وما كنا نصطلح عليه ب( الرياضات السويديه ) وقد اختار المدرس احدنا وهو الاشطر في القفز العالي والزانة وهو ايضا لاعبا مهما في كرة السله والكرة الطائرة ووضع اسمي طالبين اخرين كاحتياط ٠٠ لاباس فقد كانا معا يتفوقان ربما واحدهم يستند ايضا الى خبرة احد اقاربه في هذه اللعبة او تلك ٠٠ وقتها حكت لي قريبتي ان في مدرستها التي ذكرت في حديث المشاركين ، طالبة تجيد لعبة ( الطاولًة = المنضدة ) وستشارك ايضا في المهرجان ، وذكرت لي اسمها وقبل حضور الاسم في حديثنا ذكرت ايضا انها كانت معي في المدرسه العراقية الابتدائية الثالثة للاحداث التي كان مبناها في محلة النبي شيث ، ومديرتها سيدة كثيرة الحرص والود الذي حملته لطلابها وقبل ان تلغى مدارس الاحداث المختلطة ٠٠منتصف الخمسينات ٠٠ كان شعرها يحيط وجها مليئا بالطيبة يختلط فيه الشيب بالسواد يجعلني واكثر من صديق نشعر بالاحترام الشديد لها ٠٠وجاء يوم يتبارى فيه الطلبة تحت انظار مدرسيهم وقبل المباريات اكتشف كل منا عمق معرفتنا لبعضنا طلابا متبارين يتاكدون من انهم متفوقون ٠٠ وصارت الامهات وربما الاخوات الاكبر في البيت اكثر اعتناء بالملابس والهيئة العامة ٠٠ واظن ان تلك المباريات ، قد خلقت ودا واسعا بين عموم الطلاب ، وتجدد لقاءتهم وهم يكتشفون انهم قد اصبحوا كًبارا ويساهمون او يهتمون بالرياضة والتفوق في بعض ما يستطيعه وامكانياته ٠٠ كنت احمل في ذهني اسماء لعدد من ابطال المدارس واشتهروا حتى باسم عوائلهم فيذكر المتفوق واهله وتسبق ذلك اخلاقيات عائلته وتواصلاتها ٠٠ هكذا لم يكن المتفوق وحده المعروف ، انما أهله واخلاقيات الجميع فتكون الجيرة نوعا من الانتساب / بالصدفة / اذا صح التعبير وهي محرض أو محرك آخر جديد للشعور بالمسؤولية امام الناس مما كان احد اهم عناصر الامان والطمانينة بين الناس وايضا عنصر منافسه يدخل في قلب الطالب او العامل في مجال معين ٠٠ولابأس ان اخذ مثالا دون اسماء ، فقدغبت عن المدينة عقودا وبالتاكيد ومهما سمعت او عرفت هو الاقل عما جرى وتكون خلال هذه العقود التي تقلبت وتغيرت فيها كثير موازين ٠٠! كان الحي او المحلة ، هي البيت الاكبر والمدرسة هي المدينة كلها بالاخص حين تنتقل من مرحلة الى اخرى ؛ فالمرحلة الابتدائية هي غير المتوسطة مثلا ، واعرف ان البعض سيحتج نوعا ما بأني اذكر بديهيات نعم انها بديهيات المجتمع وتواصلاته ، قد كان ابي مثلا يعرف حتى المدرسين والمدرسة وتجري مناقشة المدرس لعائلة الطالب بشكل او بآخر ، وحسب امكانيات الاتصال ٠٠ وعديد الشواهد ، ومكانتها لدى كل منا وعائلته والعوائل الاخرى ٠٠ واذا كان البعض اليوم يسخر من توصيات الوالدين في ان تضع عينيك على الارض اذا شاهدت فلان او فلانة ٠٠ تكاثر فخر العوائل بنجاح اولادهم في شان ما ٠٠ومازال كثيرنا يرتاح حين يكتشف أن ابن جاره ، هو الذي يستطيع ان يساعده في حل اشكالية تمر به ، وذكرياتنا جميعا مليئة بهذه الاقاصيص حتى ونحن او كثيرنا في غربة لم يتخيلها احد ولم يتوقعها ..... انه عالم جميل ، ببساطته ، وثقافته الاولية ٠٠ وليس الغرض البحث عن التأويلات انما أن يقف أي منا امام مرآة نفسه اولا ، وقوف حاد وحقيقي ٠٠ ليس المطلوب ان يشبه بعضنا الاخر اولا ، ولكن ماذا لو كان هو بديلا للآخر فيجري عليه ما يجري٠٠ والى كلمات اخرى وسلام طيب٠٠ مناف ياسين منتصف ايلول ٢٠٢١
....................................................الحلقة الرابعة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق