كلمة التاريخ في الصراع الايراني - الاميركي
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
وبإختصار شديد ، أقول ان العلاقات الايرانية - الاميركية علاقات قديمة لها جذور وخلال عهد الشاه محمد رضا بهلوي 1941-1979 كانت العلاقات على افضل ما يكون .
وقد تيسرت لي الفرصة ان اشرف على بعض اطروحات الدكتوراه التي تتناول هذه العلاقات .. ومن خلال دراستي لهذا الموضوع وادارتي ل( مركز الدراسات الايرانية ) في جامعة الموصل لفترة قصيرة قبل الاحتلال الاميركي للعراق في 9 نيسان 2003 عندما نقل الى الموصل من البصرة وقفت على كثير من الرؤى والوثائق حول السياسة الخارجية الايرانية ومنذ سنة 1500 وحتى الوقت الحاضر .
واقول ان السياسيين الايرانيين أذكياء ، وعمليين ، وواقعين ، وأقوياء وحتى قبل 1979 حين اندلعت اثورة الاسلامية في ايران وظهرت سياسة تصدير الثورة والتوسع بإتجاه البلدان العربية حتى البحرين المتوسط والاحمر ومرورا بالخليج العربي ومضيق هرمز .
وللاسف نحن العرب واقصد حكامنا او معظمهم كثيرا ما لا نستطيع أن نفهم طبيعة العلاقات الاقليمية والدولية فنتأثر عاطفيا ونتجاوب مع التصريحات اكثر مما ينبغي وننظر الى ما يطفو على السطح من تصريحات ولانتوغل الى العمق .
ولهذا اندفع العراق ولاسباب كثيرة معروفة ووقعت الحرب العراقية - الايرانية ودامت ثمان سنوات من 1980 الى 1988 . ويقينا ان دول الخليج كان لها دور كبير في دفع العراق والايحاء الى قيادته انهم المسؤولون عن حماية البوابة الشرقية .
وبعد انتهاء الحرب العراقية - الايرانية وهي تسمى ايضا حرب الخليج الاولى واندلعت حرب الخليج الثانية 1990 ، وفرضت العقوبات على العراق بدأت ايران تنهض ، وتطور وضعها الداخلي في حين كان العراق يرزح تحت العقوبات التي انهكته وجعلته ينهار ويقع تحت الاحتلال الاميركي في التاسع من نيسان - ابريل 2003 .
ومع ان ايران وقفت ضد الاحتلال وادانته ولدينا تصريحات كثيرة بهذا الاتجاه ، الا انها مهدت له وكان لها دور في التغلغل في داخله .وبعد الاحتلال الاميركي استمرت ايران في مشروعها الاقليمي في منطقة الشرق الاوسط وضمن ما تقول عنه أنه مجالها الحيوي ، ورفعت شعار العداء لاسرائيل والغرب الذي كانت تسميه قوى الاستكبار العالمي .
وكما نعرف ان لايران كما ان لتركيا وللسعودية امتدادات بشرية في العراق وعناصر تؤمن بوجود الاستفادة من ضعف الدولة العراقية وانشغالها بصراعات داخلية ومشاكل اقتصادية واجتماعية وضعف الطبقة السياسية التي تولت الحكم بعد 2003 وانشغالاتها بالاستحواذ على مقدرات العراق وعدم التمسك بالثوابت الوطنية وتغليب التناقضات الثانوية على التناقضات الرئيسية وجاءت تهديدات عناصر داعش وسيطرة هذه العناصر على ثلث العراق ، لتضعف الدولة العراقية ، ولتضع مقدرات العراق بيد قوى التحالف ومنها الولايات المتحدة الاميركية التي دخلت في صراع اقليمي مع القيادة الايرانية التي اصبحت قوية وذات امتدادات اقليمية .
وكان من الطبيعي ان تعمل الولايات المتحدة الاميركية وضمن طبيعة الصراعات في الشرق الاوسط من اجل مصالحها ومصالح القاعدة المتقدمة للغرب في المنطقة وهي اسرائيل ، فإشتد الصراع وكان الاتفاق النووي مع ايران وتأكيد الولايات المتحدة على انها والغرب كله لاتسمح لايران ان تمتلك القوة النووية وحتى تبقى اسرائيل وحدها من تمتلك السلاح النووي .
الصراع الايراني - الامريكي أخذ في الايام الاخيرة مديات واسعة .. ومن الحتم الجغرافي ان يكون العراق ساحة للصراع العسكري والسياسي الاقليمي والدولي وهذا هو قدره منذ ان وجد على ظهر هذا الكوكب .
كما ان منطقة الخليج العربي هي ايضا ساحة للصراع وفي الهلال الخصيب في الشام وفي اليمن ووقعت احداث في الخليج العربي معروفة كما وقعت احداث في السعودية ومنها تفجير ارامكو وجاءت محاصرة السفارة الاميركية ببغداد وقبلها ضرب بعض القواعد العراقية التي يتواجد بها الاميركيون وضمن الاتفاقية الامنية العراقية - الامريكية ، وسقط مقاول اميركي واقدم الرئيس الاميركي ترامب على اتخاذ قرار قتل قائد فيلق القدس وعدد من قادة الحشد الشعبي ، وعدد من رفاقهما وادى الحادث الى تداعيات كبيرة ورد الايرانيون بضرب قواعد في الانبار واربيل وتلقى الاميركان الضربة وظهر ترامب كمن يريد ان يقول لقد اخذتم ثأركم تعالوا لنجلس ونتفاوض وقال وزير الخارجية الايراني ظريف ان كل شيء انتهى .
اذا نحن اليوم الثامن من كانون الثاني 2020 أمام مشهد جديد ، وهو ان المنطق والعقل يقول ان لابد ان يجلس الطرفين قبالة بعضهما البعض ايمانا بالمقولة التي تذهب الى ان ( ألف يوم من المفاوضات أفضل من يوم واحد من القتال) .
واعتقد ان الطرفان ادركا خطورة ما يجري لابل خطل ما يجري ، وان من الضروري ان يجلسوا سوية لتصفية العلاقات وبشروط لاتضر بأي من الطرفين .. الاميركان موجودون في المنطقة وهي قلب العالم وهم لايريدون ان ينافسهم احد ، والايرانيون وقد اضرتهم العقوبات واوجعت بلادهم يريدون ان يبقوا وان لايتضرروا اكثر وهم مستعدون للتفاوض مع الاميركان والاتفاق على ما يريده الغرب وهو : (ان لايمتلكوا سلاحا نوويا وان لايتدخلوا في شؤون المنطقة ويكفوا ايديهم عن المنطقة الا بما ينسجم مع الحفاظ على علاقات متكافئة وغير مناهضة للاخرين بما فيهم الاميركان) .
اخيرا ما المطلوب من حكام العراق ومن الطبقة السياسية التي تتحكم بشؤون العراق منذ 2003 وهم قد فشلوا في تلبية ابسط متطلبات الحياة لشعبهم ، عليهم ان يخلوا الساحة لجيل جديد ظهر في العراق يتواجد في ساحات التحرير في بغداد وفي المدن المنتفضة ، يؤمن بعراق حر ومستقل وقوي وهذا هو ما يستدعيه المنطق والعقل واحكام التاريخ وسننه المعروفة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق