الجمعة، 31 يناير 2020

الحركة الاشتراكية العربية في العراق ا.د. ابراهيم خليل العلاف











الحركة  الاشتراكية العربية  في العراق

ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل

قبل فترة طلب مني أحد الاخوان أن اكتب عن ( الحركة الاشتراكية العربية ) في العراق . وقد وعدته أن اكتب .  وكما هو معروف فإن الحركة الاشتراكية العربية كانت واحدة من ابرز التنظيمات العروبية القومية الوحدوية الاشتراكية التي عملت في الساحة السياسية العراقية خلال ستينات القرن الماضي ، وكان لها نشاطاتها ودورها  الفاعل .
واتذكر انني عندما اشرفتُ  على اطروحة الدكتور محمد وليد عن التجربة الناصرية في العراق ، طلبت منه ان يكتب مفصلا عن الحركة الاشتراكية العربية .هذا فضلا عن انني كتبت من قبل عن الحركة وعن عبد الناصر وعن الاتحاد الاشتراكي .
كما سبق ان اطلعت على الكثير من نشريات الحركة ، وعملت  أنا شخصيا في الحركة عندما كنت طالبا في قسم التاريخ بكلية التربية – جامعة بغداد 1964- 1968 .. وبعد انقلاب 17 تموز 1968 تم اعتقالي وبقيت في مديرية الامن العامة قرابة عشرة ايام ثم اطلق سراحي .
ومما اطلعت عليه النشرة الداخلية التي كان يصدرها مكتب التنظيم في الحركة الاشتراكية العربية وعنوانها  :   ( التنظيم ) والتي ترون صورتها الى جانب هذا الكلام ( العدد 2 اواخر اذار- مارس  سنة 2005)  وموضوع النشرة كان بعنوان ( الحركة الاشتراكية :نبذة تاريخية وتوجهات عامة ) .
هذا الى جانب امتلاكي لعدد خاص من مجلة (دراسات عربية ) وهي مجلة فكرية اقتصادية اجتماعية كانت تصدر في بيروت والعدد التاسع الصادر في تموز – يوليو 1966 وفي باب وثائق يوجد ( منهاج العمل السياسي للحركة الاشتراكية العربية ) .
وبإختصار شديد ، سأحاول ان أقف عند تاريخ الحركة الاشتراكية العربية من حيث نشأتها ، ومساراتها ، وتوجهاتها فأقول  انه نتيجة للتعارضات والاختلافات التي حصلت داخل تنظيم (الاتحاد الاشتراكي العربي في العراق والذي تأسس في سنة 1964 بين عدد من القوى المكونة لهذا التنظيم  وبين رئيس الجمهورية العراقية المشير الركن عبد السلام محمد عارف (1963-1966) الذي كان في الوقت نفسه الرئيس الاعلى للاتحاد الاشتراكي العربي  ،  فقد نشأ الاتحاد الاشتراكي كتنظيم جديد في الثالث من آب – اغسطس  سنة 1965 .
وقصة التعارضات التي اقصدها كانت تتمحور حول مجموعة من المسائل الفكرية والتنظيمية اولها (مسألة العلاقة مع الجمهورية العربية المتحدة ) وكذلك حول (الاتحاد الاشتراكي العربي ) ودوره في (الدولة ) و(العملية السياسية ) و(الموقف من القطاع العام ) والموقف من ( دور الضباط الوحدويين ) الذين كانوا شركاء في السلطة انذاك و( محاولة الرئيس عبد السلام محمدعارف ) تقليص نفوذهم فضلا عن موقفه السلبي من (الحزبية ) بنحو عام وهذه التعارضات والاختلافات والاشكالات انذاك اثبتت او ولدت قناعة لدى القوى والمجموعات القومية المنضوية تحت لواء الاتحاد الاشتراكي ان هناك صعوبة في استمرار التحالف مع الرئيس عبد السلام محمد عارف لذلك اتفقت تلك القوى فيما بينها على :
1.  الانسحاب من تنظيم الاتحاد الاشتراكي
2.  انشاء تنظيم جديد بإسم الحركة الاشتراكية العربية
وكان الاحتكاك الذي حصل بين الرئيس عبد السلام محمد عارف  رئيس الجمهورية ، والاستاذ عبد الكريم فرحان الامين العام لتنظيم الحركة الاشتراكية العربية وزير الثقافة والارشاد انذاك هو القشة التي قصمت ظهر البعير . فضلا عن استقالة الوزراء القوميين من الحكومة .
وقد يتساءل البعض عن  القوى التي كونت الحركة الاشتراكية العربية وأجيب ان القوى المكونة للحركة الاشتراكية العربية في مؤتمرها التأسيسي الاول كانت :
1.  حركة القوميين العرب
2.  الضباط الوحدويين وكان في مقدمتهم عبد الكريم فرحان وصبحي عبد الحميد
3.  مجموعة من القوميين المستقلين ومنهم الاستاذ اديب الجادر والدكتور خير الدين حسيب والاستاذ عزيز الحافظ
4.  بقايا حزب الاستقلال المؤسس منذ سنة 1946 بقيادة الشيخ محمد مهدي كبة وكان في مقدمتهم الاستاذ عبد الستار علي الحسين .
5.  مجموعة  الاستاذ فؤاد الركابي
6.  مجموعة الاستاذ خالد علي الصالح
وهكذا تم تأسيس الحركة الاشتراكية العربية .وكما يبو فإن  الحركة لم تكن متجانسة في تشكيلها   لذلك تعرضت في الفترة اللاحقة للانقسام والانشقاق وظهرت  داخلها تيارات عديدة .
عندما قام انقلاب 17 من تموز –يوليو سنة 1968 واجه عدد من قادة وأعضاء الحركة الاشتراكية العربية عنتا من الانقلابيين ، فأُلقي القبض على عدد من قادة الحركة كان في مقدمتهم امينها العام الاستاذ عبد الاله النصراوي وقد رأيت في موقف الامن العام في بغداد عددا من اعضاء الحركة وكان ذلك في سنة 1969 .
لم ترضخ الحركة الاشتراكية العربية لهذا الموقف ، بل قاومت النظام الجديد ، وقدمت عددا من الشهداء ، وامتلأت السجون والمعتقلات بالحركيين والقوميين والناصرين ، وكانت وجهة نظر الحركة بما حدث ان للقوى الاجنبية الغربية دور في ما حدث لذلك  تعاونت الحركة مع كل من قاوم الانقلاب على الفريق عبد الرحمن محمد عارف رئيس الجمهورية ووقف الحركيون مع جماعة القيادة المركزية للحزب الشيوعي في اضراب عمال الزيوت المشهور في 5 تشرين الثاني – نوفمبر سنة 1968 والذي استشهد فيه عدد من عمال الزيوت . كما وقف طلبة الحركة ودخلوا في مواجهات مع السلطة الجديدة  وخاصة في كلية التربية – جامعة بغداد ، وتعرضت الحركة لحملة من الاعتقالات في صفوفها .
وفي سنة 1972 اسهمت الحركة في تنظيم للمعارضة بإسم (التجمع الوطني العراقي) الذي اعلن من دمشق في سوريا وكان للحركة الاشتراكية العربية دور اساسي في تأسيس هذا التنظيم وهكذا ظلت الحركة معارضة لسلطة حزب البعث حتى سقوط النظام ووقوع العراق تحت الاحتلال الاميركي في 9 نيسان – ابريل سنة 2003 .
وللاسف وقفت الحركة مع من ناصر الاحتلال ممثلة بالامين العام للحركة عبد الاله النصراوي وعدد من قادة الحركة الذين تبوأوا مناصب في العراق في ظل الاحتلال منهم الدكتور قيس العزاوي الذي اصبح سفيرا للعراق في جامعة الدول العربية .
وقد اصدرت الحركة بعد 2003 جريدتها الناطقة بلسانها وهي جريدة ( الجريدة ) وفي اعتقادي ان هذه المشاركة ، وهذا الموقف " نقطة سوداء في تاريخ الحركة الاشتراكية العربية"  وكان عليها ان تنأى بنفسها عن الاحتلال والمحتلين وتتمسك بمبادئها وافكارها العروبية القومية .
اعود لالخص لكم بعض ما كانت الحركة الاشتراكية العربية تؤمن به وتعمل من اجله ؛ فالحركة جزء من التوجه العروبي القومي ذلك ان قاعدتها الاساسية مؤلفة من قواعد حركة القوميين العرب . وقد قادت الحركة في الستينات من القرن الماضي حركة تجديد الفكر القومي وجعله يكتسب بعدا اشتراكيا والحركة تؤكد الطبيعة الشعبية لفكرة الوحدة العربية وترى ان الوحدة العربية لايمكن ان تتحقق الا بالارادة الشعبية ومن هنا ادانت اجتياح الجيش العراقي للكويت في الثاني من اب – اغسطس 1990 وعدت ذلك تشويها لفكرة الوحدة العربية .
وللحركة الاشتراكية العربية ، رأي في المسألة القومية وهي تؤكد ان لكل قومية الحق في تقرير مصيرها وان الفكر القومي لابد ان يبتعد عن العنصرية والتعصب والشوفينية وهي في هذا تسير وراء ما اراده وجهر به الرئيس جمال عبد الناصر في نظرته الى القضية الكردية مثلا . ومن هنا كانت الحركة تؤكد ان العراق يتألف من قوميتين رئيسيتين هما العرب والاكراد وهي تؤيد الحقوق المشروعة للشعب الكردي وهي تؤيد العيش المشترك والاتحاد الاختياري بين العرب والاكراد .
والحركة الاشتراكية العربية لاتضع الفكر الوطني نقيضا للفكر القومي بل تجد أنهما يكملان بعضهما فالانسان يؤمن بالوطن ثم يؤمن  بالامة وليس ثمة  تناقض بين ماهو وطني وما هو قومي وان هناك قواسم مشتركة بين البلدان العربية منها اللغة والتاريخ والمصالح المشتركة وهي تنادي بالديموقراطية وحقوق الانسان وتعدهما من المسائل التي ينبغي ان يناضل المرء من اجلهما .
والحركة اهتمت وركزت على قضايا التحرر والاستقلال والمواطن العراقي لابد ان يطالب بالسيادة والحرية وبناء مجتمع الرفاهية في وطنه ومن ثم في امته والترابط بين القضية الوطنية والقضية الاجتماعية ترابط جدلي وموضوعي وهي ضد الحكم الاستبدادي ولاتقبل ان يرتبط الاستبداد بالقومية لاي سبب كان ومشكلة الاستبداد لابد ان تنتهي من خلال ترسيخ الفكر والمفهوم والنظام الديموقراطي والديموقراطية تقوم على التعدد وفصل السلطات والمشاركة الياسية والتداول السلمي للسلطة وبناء دولة المؤسسات وسيادة القانون والتأكيد على كرامة الانسان .ومن هنا فالحركة الاشتراكية العربية تربط بين مسألتي العدالة والحرية والمؤسسات التمثيلية هي السبيل للتطور السلمي وتبادل السلطة من خلالها في جو من الحرية والعدالة وتحقيق النمو الاقتصادي واقامة المجتمع القوي المرفه اقتصاديا واجتماعيا .
في ايلول – سبتمبر 1965  أصدرت الحركة الاشتراكية العربية ما اسمته (منهاج العمل السياسي القطري للحركة الاشتراكية العربية في العراق ) وفيه تحدثت عن الوحدة الوطنية واهداف الحركة في الحرية والاشتراكية والوحدة والتحول الاشتراكي وفيه ضرورة التحول نحو الاشتراكية وحتمية هذا التحول والحل ، ووقفت عند التطبيق الاشتراكي في العراق ونتائج التطبيق ودروسه واهمية حماية جميع المكاسب التي تحققت بصدور قانون الاصلاح الزراعي وقرارات 14 تموز –يوليو 1964 الاشتراكية وما يتعلق بالتحولات في الصناعة والتجارة وفي السياسة المالية  والفكرة الديموقراطية والفكر الوحدوي .ووضع جدول زمني لانسحاب القوات الاجنبية والتخلي عن سياسة الاقصاء والتهميش للقوى السياسية ودعت الى نبذ العنف ووضع الية تضمن مشاركة الجميع في كتابة الدستور والاسراع في اعادة الاعمار واستيعاب جيوش العاطلين عن العمل وتوفي الخدمات ووقف نزيف المليارات ووضع اليات سريعة لوقف الفساد لكن صوتها لم يكن مسموعا ولم يكن لها من يمثلها في مجلس النواب والهيئات الاخرى والسبب طغيان وسيادة الطائفية والمحاصصة على كل توجه وطني وقومي وحتى انساني .
بعد الاحتلال الاميركي للعراق كما قلت انغمرت الحركة الاشتراكية الربية في النشاط السياسي لكنها –بإستثناء اصدار جريدتها (الجريدة ) ووصول البعض من قياديها الى المناصب اكتشفت انها تسبح في مياه ليست مياهها وارتفع موج الطائفية والمحاصصة فأخذت تصدر النشرات التي تقول فيها ان السيل بلغ الزبى وان الكيل قد طفح وان الوزارات صارت مرتعا للمحسوبيات وان شكاوى الناس من الظلم قد زادت وانها تتصرف كمعرضة ايجابية ترقب الحكم والحاكمين وودعت الى مؤتمر عام للحوار لوطني
يقينا ان الزمن والمتغيرات في الساحة العراقية ، والعربية والاقليمية والدولية يحتاج من قادة الحركة الاشتراكية العربية اليوم  مراجعة كل جوانب فكرهم ،  ومعالجاتهم الفكرية ومواقفهم  السياسية  . والمراجعة مهمة وضرورية بعد كل هذه السنوات الطويلة حتى يستطيعوا ان ينسجموا ويتوافقوا مع عصر التكنولوجيا والثورة المعلوماتية وتطور وسائل التواصل الاجتماعي وظهور اجيال جديدة لها شعاراتها وتطلعاتها وفقا لتحولات العصر المتفجر الجديد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...