الخميس، 23 أغسطس 2018

البهائية





                                               عباس عبد البهاء 
                                                   ميرزا محمد علي 
                                      بيت العدل على سفح جبل الكرمل بحيفا -اسرائيل



البهائية 

ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل 


سألني أحد الاخوان عن البهائية ، فقلت له ان لدي بحث مفصل عنها في مجلة ( الامن القومي )التي كانت تصدرها (كلية الامن القومي ) في العراق (السنة الثانية عشرة - العدد الثاني 1990 ) . والبهائية كمذهب ديني وفكري لها رؤى فكرية واجتماعية و سياسية ، شهدها العراق في القرن التاسع عشر ولها جذور واصول وارتباطات بالباطنية وبالشيخية او الاحسائية تنتسب الى الشيخ احمد بن زيد الدين الاحسائي 1753-1827 م ، وكان هذا يفسر القرآن تفسيرا باطنيا وهو من تلاميذه الشيخ كاظم الرشتي 1790 -1843 ، وكان يقول لاتباعه أن الأوان آن لظهور المهدي ليضيء الارض بالانوار .
وقد تصدى علماء كربلاء لافكار الرشتي وعدوها مخالفة لاصول العقيدة الاسلامية وبعد وفاته انتخب تلميذه الميرزا علي محمد الرضا الشيرازي 1819-1850 زعيما للشيخية ، وقد ادعى النيابة الخاصة للامام الغائب ، واعلن انه المهدي المنتظر ، وان جسم المهدي حل فيه وان الله انزل عليه كتابا سماه (البيان ) وانشأ دينا اسمه البابية .
وارتبطت بالبابية إمراة اسمها فاطمة بنت ملا صالح القزويني 1814-1848 وهي امرأة فارسية لقبها الشيخ كاظم الرشتي ب(قرة العين ) ونعتها اتباعها ب(الطاهرة ) وكانت تتصل بالناس وتلقي الدروس وتروج لما عرف ب (نسخ الشريعة الاسلامية ورفع احكامها ) وكانت تبشر ب( بإنتهاء زمن التكاليف ) وهي دعوة نظر اليها معاصروها على انها دعوة تهدم اسس الدين وقد التف حولها عدد من الناس حتى ان البض يعتبرها المؤسسة الحقيقية للحركة البابية وقد اثارت افكارها غضب الناس فقامت السلطات العثمانية بإعتقالها وتحديد اقامتها في بيت مفتي بغداد ابي الثناء الالوسي .
وتوزع قادة الحركة البابية في بعض مدن العراق وايران لكن الحكومة الايرانية اعتقلته واتهمت البابيين بإغتيال شاه ايران ناصر الدين سنة 1852 وحدث صراع بين البابيين أنفسهم . والتف الباببيون حول الميرزا حسين علي النوري المازندراني 1817-1892 وعرف بإسم (عبد البهاء ) وسمي تباعه (البهائيون ) واعتكف الميرزا حسين في جبل سركلو في السليمانية وبقي سنتان 1854-1856 ، وعاد الى بغداد والف كتاب (الايقان ) وقويت حركته ، وطلب علماء الدين المسلمين من السلطات العثمانية طرده وكان يعتبر نفسه زاهدا .
وفي 21 نيسان 1862 اعلن في حديقة نجيب باشا ببغداد انه (البهاء ) الذي بشر به الباب ، وانه الموعود من جميع الانبياء السابقين .
وقد عرفت تلك الحديقة ب(حديقة الرضوان ) ويحتفل البهائيون سنويا خلال الفترة من 21 نيسان ولغاية 2 ايار وهي الايام الاثني عشر التي قضاها بهاء الله فيها بعيد اسمه (عيد الرضوان ) .
وهكذا اصبح العراق ميدانا لنشاط البهائيين منذ ذلك الوقت . وكانت للبهاء صلات مع اتباعه في استانبول وادرنه وغيرها من المدن في الاناضول والعراق وقد امرت الحكومة العثمانية بالقاء القبض عليه ومصادرة جميع كتب البهائيين واحالة عدد من انصاره الى المحاكم .
وفي 8 اب سنة 1868 قررت الحكومة العثمانية ان الميرزا حسين علي بهاء الله ادعى النبوة ، وان استمرار البهائيين في حركتهم سوف يؤدي الى حدوث الفتن لذلك تقرر الحكم عليه بالنفي الى قلعة عكا بفلسطين . وفي 28 ايار 1892 توفي البهاء وتولى ابنه عباس افندي الذي سماه (عبد البهاء ) زعامة البهائية وقد زاد على تعاليم والده وسعى الى انه يؤمن بإمكانية التوفيق بين صور التفكير الغربي ومرامي الثقافة الحديثة وتعاليم البهائية .
وكان لعبد البهاء صلات قوية بالانكليز كما قيل وقد قيل ان البهائية حركة اسلامية منحرفة وقيل انها ظهرت لمواجهة الشيعة وقيل انها تهدف الى الطعن بالاسلام وزار عبد البهاء الولايات المتحدة وقام بجولة في اوربا منذ سنة 1911 وعاد الى حيفا سنة 1913 ورحب بالانكليزحين احتلوا فلسطين خلال الحرب العالمية الاولى 1914-1918 وكرمه الجنرال اللنبي القائد العام للقوات البريطانية وقلده ارفع وسام ولقب سير أي فارس تقديرا - كما قيل - لخدماته في التبشير " بقرب النجاة والخلاص على ايدي الحلفاء من طغيان العثمانيين " .
وفي سنة 1921 توفي عبد البهاء وتولى حفيده شوقي افندي رباني زعامة الحركة البهائية وهو خريج كلية باليول في اكسفورد ، وبعد وفاته في سنة 1957 انتخب تسعة اشخاص لتولي شؤون البهائية وفي سنة 1963 تأسس (بيت العدل ) وهو اليوم من يقود البهائيين في العالم .
الذي يهمني ان اقوله هو ما هي مرتكزات الحركة البهائية الفكرية واهمها ان البهائيين يرون ان بهاء الله موعود كل الانبياء ، وانه المظهر الالهي الذي في عهده يتأسس حكم السلام في العالم لذلك فظهور البهاء هو عين ظهور الاله . وينتحل البهائيون لزعيمهم البهاء صفة الالوهية .
كما يعتقد البهائيون ان بهاء الله هو ، الحال للرسالة التي لم يتمها الانبياء على الوجه الصحيح .. ويذهب البهائيون الى ان الجسد ينتهي بالموت وينحل الى عناصره الاولية ولاعلاقة للقيامة بالجسد المادي والقيامة هي ولادة الانسان في الحياة الروحية بموهبة الروح القدسية والقبر الذي يخرج منه هو قبر الجهل وقد اخذ البهائيون بتفسير الباطنية للقيامة .
ويدعو البهائيون سرا الى وحدة الاديان ، ووحدة الاوطان ، ووحدة اللغة ورحب البهائيون بلغة (الاسبرانتو ) العالمية لتسود محل اللغات المعروفة ، ويدعو البهائيون الى مساواة المرأة بالرجل وان القبلة يجب ان تكون بإتجاه البهاء ولايشترطون اداء الصلوات في مواعيدها وانما للبهائي ان يكتفي بصلاة واحدة ومدة الصوم عندهم (19 ) يوما والبيت الذي يحج اليه البهائيون هو الدار التي اقام بها بهاء الله اثناء مكوثه ببغداد وتقع في محلة الشيخ بشار بالكرخ ، وتمارس ( مؤسسة بيت العدل ) جمع الزكاة من البهائيين ولم يفرق بهاء الله في الارث بين النساء والرجال وابطل البهائيون الجهاد .
والبهائية كما يراها بعض المؤرخين ، واجهة للصهيونية وانها تشبه الماسونية وخاصة في اعتمادها طقوسا وممارسات غريبة ومعقدة ، وهي تدعو الى سيادة النزعة الانسانية والتنكر للوطنية وتكريس فكرة الاخاء والمساواة والحرية .
اسس البهائيون اول محفل حديث لهم ببغداد سنة 1919 اي في عهد الاحتلال البريطاني ومكن دستور سنة 1925 للبهائيين حرية ممارسة نشاطاتهم .
وما يزال البهائيون تحت طائلة عدم الاعتراف الرسمي بهم كأقلية .. كما لم يستعيدوا الممتلكات التي تمّت مصادرتها سابقا، ولا يسمح لهم بإدراج ديانتهم في خانة الديانة ضمن الوثائق الثبوتية الرسمية.وفي سنة 2013، تعرض بيت بهاء الله في بغداد إلى الهدم رغم وجود قرار حكومي باعتباره مبنى أثريا. وكان ( البيت الأعظم) هذا كما يسميه البهائيون قد تحول إلى حسينية منذ سنوات طويلة.
واليوم يمتلك البهائيون دور نشر ووسائل اعلام وتعاليمهم ترجمت الى (630 ) لغة . وتروج وسائل اعلامهم لفكرة العالمية وكما ان البهائية جرمت في مصر بقانون رقم 262 لسنة 1960 ، فإن العراق حذا حذو مصر فحرم البهائية استنادا الى الفقرة (16) من المادة الرابعة من قانون السلامة الوطنية رقم ( 4) لسنة 1965 ووبموجبه تقرر غلق المحافل البهائية في العراق وضبط محتوياتها . وبعد انقلاب 17 تموز 1968 اصدر مجلس قيادة الثورة قانون تحريم النشاط البهائي المرقم 105 لسنة 1970 والذي يتضمن ثمانية مواد ابرزها المادة الاولى التي تحظر على كل شخص تحبيذ او ترويج البهائية او الانتساب لأي محفل او جهة تعمل على تلقين البهائية او الدعوة اليها . 
بعد الاحتلال الاميركي للعراق سنة 2003 انتعش البهائيون ، واخذوا يمارسون نشاطاتهم في العراق وفي بغداد خاصة . وقبل فترة عقدوا اجتماعا لكنه كان اشبه بالسري ويطمحون اليوم في العراق الى الاعتراف بهم لممارسة نشاطاتهم والغاء كل القوانين التي تحظر نشاطهم .
اريد ان اشير الى ان البهائيين احتفلوا لاول مرة وبشكل علني في بغداد في 30 تشرين الثاني سنة 2017 بالذكرى المئويّة الثانية لمولد مؤسّس ديانتهم بهاء الله، في مناسبة حضرها ممثّلون عن البرلمان العراقيّ والمفوّضيّة العليا لحقوق الإنسان، وممثّلو بعثة الأمم المتّحدة في العراق (يونامي) وممثّلون عن المجتمع المدنيّ وناشطون إعلاميّون؛ إذ تعدّ المناسبة الأبرز التي يعلن فيها البهائيّون عن حضورهم الرسميّ منذ 47 عاما.وقد قال من حضر الاحتفال انهم وجدوا أنفسهم أمام وضع جديد، فيه من الوعد والأمل ما يغري بالاعلان عن هويتهم، والمطالبة بالاعتراف بهم بعد عقود من التغييب المنهجي والقسري.
ومهما يكن من أمر فأن المركز العالمي للبهائية -كما ترون في الصورة المرفقة - يقع اليوم في سفح جبل الكرمل في حيفا بإسرائيل . ولهم في كثير من بلدان العالم اماكن للتعبد يقولون انهم مفتوحة لكل اتباهع الاديان الاخرى وهي مخصصة للدعاء والدعوة الى وحدة العالم ورفع ثقافة التعبد وبناء المجتمع والمساهمة فى رقى القيم الروحية فى المجتمع من اجل عالم يسوده الوحدة والسلام.وهذه الاماكن تسمى (مشارق الاذكار ) وعددها اليوم ( 9 ) وفي كل مبني ( 9 ) أبواب وهذه المباني تميز بالعمارة من البيئة المحيطة ، وان يكون حولها حدائق خضراء ويسمح للجميع لجميع الناس ولمن يريد الدعاء الدخول اليه طالما هو يؤمن بوحدة العالم ووحدة الجنس البشري . 
________________________________________
* صورة ميرزا حسين علي البهاء
** المركز العالمي البهائي في حيفا
***بيت عبد البهاء ببغداد 
****يحتفلون بعيد الرضوان 
****احتفالهم ببغداد لاول مرة في 30 تشرين الثاني 2017


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بديع الزمان الهمذاني ومقاماته - ابراهيم العلاف

  بديع الزمان الهمذاني ومقاماته - ابراهيم العلاف وكما وعدتكم في ان اتحدث لكم في كل يوم عن شاعر ، واقول انني اعود الى كتب تاريخ الادب العربي ...