الاثنين، 27 أغسطس 2018

معروف الرصافي يعرض آراء ابي العلاء المعري الفلسفية


 معروف الرصافي يعرض آراء ابي العلاء المعري الفلسفية 
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس -جامعة الموصل
في مكتبتي الشخصية ، كتاب طبع في مطبعة المعارف ببغداد سنة 1955 بعنوان (آراء أبي العلاء المعري ) عني بجمعها وتمحيصها سنة 1937 الشاعر العراقي الرائد الكبير معروف عبد الغني الرصافي ( توفي سنة 1945 ) . وقد أشرف على تحقيق الكتاب ، وتصحيحه المحامي عبد الحميد الرشودي . وكان الكتاب بحكم المفقود ، وقد انجزه معروف الرصافي سنة 1924 ، ودفع بمقدمته وبعض فصوله الى جريدة ( المفيد ) البغدادية فنشرتها ثم دفع بفصل ( الروح والجسد ) الى مجلة (الحرية ) البغدادية فنشرته في عددين .
وفي سنة 1937 - يقول الاستاذ عبد الحميد الرشودي - اعاد الرصافي وهو في صومعة عزلته في الفلوجة ،النظر في كتابه ، واضاف له فصلين جديدين هما الفصل الموسوم ( رأي المعري في الخضر ) والفصل الموسوم ( رأي المعري في أهل المذاهب ) ، واعاد كتابته في ثلاثة دفاتر مدرسية عدد صفحاتها نيف وثمانين ومئة .
الشيء المهم ان الرصافي كثيرا ما كان يعود للكتاب فيضيف ، ويختصر ويدخل شيئا من التغيير.
وفي سنة 1939 سافر الرصافي الى لبنان مستجما ، وكان كتاب (آراء أبي العلاء المعري ) في جملة محتويات حقيبته ، وهناك أفسح المجال ليسرد بنفسه فصلا من قصة هذا الكتاب فقال رحمه الله :" ولما ذهبت في سنة 1939 الى لبنان مصطافا كانت تصحبني هذه الرسالة فأشير علي بعرضها على اصحاب مجلة (المكشوف ) في بيروت وقيل لي انهم من دأبهم طبع امثال هذه الكتب ونشرها فعرضتها عليهم فإستمهلوني للنظر فيها ريثما تنظر اللجنة في امرها وبينما انا في انتظار جوابهم اذ وقدت نار هذه الحرب [يقصد الحرب العالمية الثانية 1939-1945 ] ...فعدت الى بغداد " .
وعلم الرصافي ان (دار المكشوف) ستطبع الكتاب ، ولكن ازمة ارتفاع سعر الورق حالت دون طبعها .وبعد وفاة الرصافي طالب اهله بإعادة المسودة وكان للسفارة العراقية في بيروت دور وكان من المؤمل ان تقوم الادارة الثقافية في جامعة الدول العربية بطبع الكتاب لكن ذلك لم يحصل . واخيرا اودعت النسخة الاصلية للكتاب بخط الرصافي لدى المجمع العلمي العراقي وقد قام الاستاذ الرشودي بتحقيقها ونشرها كما ترون احبتي الكرام .
نقطة اريد ان اركز عليها وهي ان البعض اشاع ان الرصافي بكتابه هذا أراد إثارة فتنة مذهبية او احياء نعرة طائفية لكن هذا لم يكن بحساب الرجل العراقي الوطني الاصيل وهو فوق انه وطني .. كان شاعرا تقدميا ، متنورا ، متحررا شأنه شأن الشاعر المعري الذي اتهم من قبل البعض الذين لم يفهموه حق الفهم أنه كافر وزنديق .
لقد كتب الرصافي في مقدمة هذا الكتاب ان الشاعر احمد بن سليمان المكنى بأبي العلاء عاش في معرة النعمان بسوريا في اوائل القرن الخامس للهجرة - الحادي عشر للميلاد وكان كفيف البصر ، ورعا زاهدا في الدنيا ، مبتعدا عن الناس ملازما لبيته ، متقشفا في المطعم والملبس تاركا لجميع الملاذ الجسمانية مكث خمسا واربعين سنة لم يأكل اللحم تريضا وتزهدا ولم يتزوج .. وكان مع ذلك على جانب عظيم من الذكاء وقوة الحفظ ، شاعرا لغويا متضلعا من فنون الادب له تصانيف كثيرة ورسائل مأثورة .
كان ابي العلاء حر التفكير في جيل مقيد الافكار مطلق النظر في وسط أسير للعادات والتقاليد فباح بأسرار نقم بها على البشر جميع ما هم فيه من عادات متبعة وتقاليد موروثة وديانات مختلة وعبادات معتلة واحكام جائرة واخلاق فاسدة وحكومات مستبدة الى غير ذلك من الامور " .
وكما قلنا عاداه البعض ، واتهموه بشتى التهم ومنها انه كافر زنديق والرصافي في كتبه هذا يدفع عنه تلك التهم ويسميه شاعر الدنيا والاخرة ، ويقول اننا لكي نفهم المعري علينا ان نعود الى ديوانه (اللزميات ) الذي اودعه حكمه الناصعة ، وفلسفته الرائعة . وقد انتقى الرصافي من الديوان (600) بيت كلها غرر ونظر اليها بمنظار صناعة الشعر وجمعها في كراسة وسماها ( الزم الالزام من لزوم ما لا يلزم ) ، وفيها تتجلى شاعرية المعري ومن خلال ذلك وقف الرصافي على اراء المعري الفلسفية في الاله والاديان والعبادات ونسخ الشرائع واهل الاديان واهل المذاهب والصوفية والقائم المنتظر والخضر والعقل والفكر والجزاء والجبر والناس الغرائز والناس والدنيا والنساء والزواج والحجاب وتعدد الزوجات والخير والشر والحياة والموت واهل القبور وما بعد الموت والروح والجسد وتقادم الدهر وزوال العالم والبعث والنشور وحكمة خلق الخلق والشك واليقين والاقدار والجد والعزلة والحرب والسياسة واختلاط الانساب والجن والخرافات والرفق بالحيوان والخمرة .
قام الشاعر الرصافي بتحليل اراء المعري في كل تلك القضايا واحدة واحدة فعلى سبيل المثال في موضوع (العقل والفكر ) قال على الصفحة (57 ) :" العقل هو ما يتم به للانسان ادراك الامور وفهمها . فبالعقل يكون ادراك العلوم الضرورية والنظرية . واما الفكر فهو تقليب الامور للتدبر والنظر في وجوهها والتوصل بالقياس فيها من المعلوم الى المجهول والى استنتاج خفيها من جليها .والفكر هو حركة في العقل وكان المعري يحكم العقل في جميع الامور الدينية والدنيوية ويجعله قطبا تدور عليه رحى الامور كلها . يقول :
اللب قطب والامور له رُحى ***** فيه تدبر كلها وتدار
ويقول :
وإنك إن تستعمل العقل لا يزل ***** مبيتك في ليل بعقلك مشمس
ويقول :
إذا الحيوان فض العقل منه ***** فما فضل الانيس على النمال
ويقول :
فشاور العقل واترك غيره هدرا ***** فالعقل خير مشير ضمه النادي
وكان المعري يرى ان العقل عاجز تجاه الاقدار ، وكان يرى ان على الانسان ان لايهمل عقله ، بل عليه ان يستعمله بالتفكير حتى لايكون جامدا فيه وكان يرى ان العقل مع كونه الدليل الهادي للانسان في جميع اموره يكون هو مبتعثا للهموم والاحزان في صاحبه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بديع الزمان الهمذاني ومقاماته - ابراهيم العلاف

  بديع الزمان الهمذاني ومقاماته - ابراهيم العلاف وكما وعدتكم في ان اتحدث لكم في كل يوم عن شاعر ، واقول انني اعود الى كتب تاريخ الادب العربي ...