كتابة التاريخ في العراق القديم ؟
د. باسم محمد حبيب
نائب رئيس إتحاد كتاب الانترنت العراقيين
ليس صحيحا ما يقال من أول حضارة إنسانية إهتمت بكتابة التاريخ هي حضارة الإغريق؛ فلدينا أدلة على أن حضارة بلاد الرافدين سبقتها إلى ذلك ، فالتاريخ كان دائما جزءا من اهتمام الإنسان ، وذلك لما يعرضه من أحداث سابقة لا سبيل للإنسان إلا بتذكرها إذا ما أراد أن يستفيد منها في عيش حاضره ومستقبله ، لذا أخذ الإنسان يتناقل الروايات التي تتناول أحداثا مر بها وكان لها تأثير على مصيره وحياته ، وهو ما يسمى بالتاريخ الشفوي الذي انتهى بظهور الكتابة في أواسط الألف الرابع قبل الميلاد ، التي وإن لم تستخدم في بداية الأمر لتدوين الأحداث التاريخية إلا أنها بالتأكيد غدت كذلك بعد أن تطورت الكتابة وتوسعت استخداماتها لتشمل جوانب عدة اقتصادية ودينية وتربوية وعلمية .. وكان من ضمن ذلك أيضا تسجيل الأحداث وتوثيقها ، إذ يمكن عد الوثيقة التي أمر بكتابتها ( أنتمينا ) أمير لكش ( حدود 2400 ق.م ) من هذا النوع من الوثائق ، وذلك لما تضمنته من معلومات عن حروب لكش السابقة مع أوما ، التي دامت لمائة عام ، وهذا زمن لا يمكن لكاتب أن يغطيه من دون الإستعانة بوثائق جرى تدوينها في مراحل سابقة ، وهي وثائق يندر إيجادها في غير المعابد والقصور ، ولم يقتصر اهتمام أولئك المؤرخين على الجوانب الحربية بل شمل أيضا الجوانب الأجتماعية والأقتصادية ، فوثيقة حاكم لكش الأخير ( أورو انمكينا ) في حدود 2350 ق.م ، تضمنت معلومات عن الاحوال الاقتصادية والأجتماعية السابقة لسكان لكش ، وما كانوا يعانوه من الاستغلال والظلم ، حتى مجيء هذا الحاكم الذي باشر بتحسين أوضاعهم وإعادة ما سلب من حرياتهم و حقوقهم ، في أولى الإصلاحات التي عرفها التاريخ ، أما وثيقة الملوك السومرية ، فيتضح من المعلومات التي تضمها ، ما كانت تحمله من أهمية ، إذ كان الهدف الأساس منها توثيق تاريخ البلاد وبيان ما مر بها من تطورات على مدى ألف عام ، وهو عمل لم يكن بالإمكان تحقيقها من دون السفر إلى المدن السومرية والإطلاع على محفوظاتها وارشيفها ، لكن الطابع الدعائي هو ما غلب على هذا النوع من الوثائق لاسيما في العصور التالية التي شهدت تدوين نصوص حربية وبنائية كثيرة وإن لم تخلو من الحس التاريخي بشهادة كثير من المؤرخين ، وقد أستمر هذا النوع من الكتابة التاريخية إلى أخر المراحل التاريخية لحضارة بلاد الرافدين ، ومن ثم ليس صحيحا ما يقال عن أن اليونانيون هم أول من كتب التاريخ فأسبقية النصوص التاريخية العراقية تجعلنا ننظر إلى اليونانيين كمتعلمين لا معلمين ، وهذا ما يصدق على المؤرخ اليوناني ( هيرودوتس ) الملقب بأبي التاريخ فقد كان من الناحية الزمنية متأخرا كثيرا عن الكتبة العراقيين الذين سبقوه بعدة قرون ، وقد أستمرت الكتابة التاريخية العراقية إلى العصر الهلنستي ( 331 - 139 ق.م ) ، الذي شهد قيام الكاهن البابلي ( بيل أشيشو ) ( برحوشا ) باليونانية ( بيروسس ) بكتابة مؤلف عن بلاده أسماه ( بابيلونيا ) ، تناول تاريخ البلاد من اقدم العصور إلى عهد الملك السلوقي ( انتيوخس الأول ) الذي أهدي إليه هذا الكتاب ، لكن هذا الكتاب فقد ولم تصلنا منه إلا شذرت نقلها منه عدد من المؤرخين اليونانيين .
د. باسم محمد حبيب
نائب رئيس إتحاد كتاب الانترنت العراقيين
ليس صحيحا ما يقال من أول حضارة إنسانية إهتمت بكتابة التاريخ هي حضارة الإغريق؛ فلدينا أدلة على أن حضارة بلاد الرافدين سبقتها إلى ذلك ، فالتاريخ كان دائما جزءا من اهتمام الإنسان ، وذلك لما يعرضه من أحداث سابقة لا سبيل للإنسان إلا بتذكرها إذا ما أراد أن يستفيد منها في عيش حاضره ومستقبله ، لذا أخذ الإنسان يتناقل الروايات التي تتناول أحداثا مر بها وكان لها تأثير على مصيره وحياته ، وهو ما يسمى بالتاريخ الشفوي الذي انتهى بظهور الكتابة في أواسط الألف الرابع قبل الميلاد ، التي وإن لم تستخدم في بداية الأمر لتدوين الأحداث التاريخية إلا أنها بالتأكيد غدت كذلك بعد أن تطورت الكتابة وتوسعت استخداماتها لتشمل جوانب عدة اقتصادية ودينية وتربوية وعلمية .. وكان من ضمن ذلك أيضا تسجيل الأحداث وتوثيقها ، إذ يمكن عد الوثيقة التي أمر بكتابتها ( أنتمينا ) أمير لكش ( حدود 2400 ق.م ) من هذا النوع من الوثائق ، وذلك لما تضمنته من معلومات عن حروب لكش السابقة مع أوما ، التي دامت لمائة عام ، وهذا زمن لا يمكن لكاتب أن يغطيه من دون الإستعانة بوثائق جرى تدوينها في مراحل سابقة ، وهي وثائق يندر إيجادها في غير المعابد والقصور ، ولم يقتصر اهتمام أولئك المؤرخين على الجوانب الحربية بل شمل أيضا الجوانب الأجتماعية والأقتصادية ، فوثيقة حاكم لكش الأخير ( أورو انمكينا ) في حدود 2350 ق.م ، تضمنت معلومات عن الاحوال الاقتصادية والأجتماعية السابقة لسكان لكش ، وما كانوا يعانوه من الاستغلال والظلم ، حتى مجيء هذا الحاكم الذي باشر بتحسين أوضاعهم وإعادة ما سلب من حرياتهم و حقوقهم ، في أولى الإصلاحات التي عرفها التاريخ ، أما وثيقة الملوك السومرية ، فيتضح من المعلومات التي تضمها ، ما كانت تحمله من أهمية ، إذ كان الهدف الأساس منها توثيق تاريخ البلاد وبيان ما مر بها من تطورات على مدى ألف عام ، وهو عمل لم يكن بالإمكان تحقيقها من دون السفر إلى المدن السومرية والإطلاع على محفوظاتها وارشيفها ، لكن الطابع الدعائي هو ما غلب على هذا النوع من الوثائق لاسيما في العصور التالية التي شهدت تدوين نصوص حربية وبنائية كثيرة وإن لم تخلو من الحس التاريخي بشهادة كثير من المؤرخين ، وقد أستمر هذا النوع من الكتابة التاريخية إلى أخر المراحل التاريخية لحضارة بلاد الرافدين ، ومن ثم ليس صحيحا ما يقال عن أن اليونانيون هم أول من كتب التاريخ فأسبقية النصوص التاريخية العراقية تجعلنا ننظر إلى اليونانيين كمتعلمين لا معلمين ، وهذا ما يصدق على المؤرخ اليوناني ( هيرودوتس ) الملقب بأبي التاريخ فقد كان من الناحية الزمنية متأخرا كثيرا عن الكتبة العراقيين الذين سبقوه بعدة قرون ، وقد أستمرت الكتابة التاريخية العراقية إلى العصر الهلنستي ( 331 - 139 ق.م ) ، الذي شهد قيام الكاهن البابلي ( بيل أشيشو ) ( برحوشا ) باليونانية ( بيروسس ) بكتابة مؤلف عن بلاده أسماه ( بابيلونيا ) ، تناول تاريخ البلاد من اقدم العصور إلى عهد الملك السلوقي ( انتيوخس الأول ) الذي أهدي إليه هذا الكتاب ، لكن هذا الكتاب فقد ولم تصلنا منه إلا شذرت نقلها منه عدد من المؤرخين اليونانيين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق