الشعبويون الجدد
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل
لعل عددا من الأخوات والاخوة لم يسمعوا بالنزعة
الشعبوية Populists التي
بدأت تسود العالم ، وخاصة العالم الغربي الرأسمالي .اليمين القومي هو من يقود ( التوجه
الشعبوي ) الذي إمتد الى الولايات المتحدة الاميركية بمجيء الرئيس الاميركي الجديد
دونالد جون ترامب وتأكيده في أول خطاب له
عن عودة السلطة بعد عقود الى الشعب بعد ان كانت بيد السياسيين الذين كانوا يضحكون
على ناخبيهم ، ويرفعون شعارات حقوق الانسان ، والدمقراطية الفجة .
الشعبويون هم من الرجال المباشرين الذين يصلون
الى أهدافهم بدون دبلوماسية رقيقة ، وبدون
تنميق وتزويق ، وبدون تضليل اعلامي فاضح ، هم يخاطبون الشعب مباشرة . الزعماء الشعبويون Populists
leaders قادمون
ولدينا منهم الان فلاديمير بوتين الروسي ، وعبد الفتاح السيسي المصري ، ورجب طيب اردوغان التركي
، و ياروسلاف كاتشينسكي البولوني ، وهايدر النمساوي ، وبلوشير السويسري ، واوربان
الهنغاري ، ورودريغو دوتيرتي الفليبيني وغيرهم والان في الطريق سيأتي الى
فرنسا زعيم شعبوي يؤكد على المحلية ، وعلى الاصالة ، وعلى الجذور ، ويخفف من لغة
التهويل الدبلوماسي والتضليل الاعلامي .
الشعبويون
قادمون انه مودة عصرنا هذا .والشعبويون انما أتوا بعد ان أغرق
السياسيون المدعين للدمقراطية بلادهم في بحر من الفساد الاداري والمالي ، وباتت
فضائحهم تزكم الانوف ، فلم يعد الشعب يصبر
عليهم وهو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي يهزئهم ليل نهار ، ويسخر منهم ، ويخطط لازاحتهم لابل لمحاسبتهم قضائيا على ما إرتكتبته
ايديهم من جرائم مالية ، واخلاقية ، وادارية .
لهذا فالشعبويون يعملون من أجل إزاحة النخب السياسية الفاسدة
والطفيلية التي عبثت بمقدرات بلادها بالتعاون مع الاثرياء والنخب الاقتصادية التي
لم تكن تهتم بمصالح بلادها القومية . ولم ينس الشعبويون أن يؤكدوا انهم لاينظرون
الى الشعب على انه عبارة عن مكونات ، بل
ينظرون اليه على انه كتلة واحدة ، وهم يرون في السياسيين الذين تحكموا برقاب الناس
عقودا طويلة خونة غدروا بالوطن ، وعملوا على تفكيكه ، وتدميره
وجره الى حروب ومشاكل لايستفيد منها أحد .
ويقول الشعبويون انهم هم من يمثل الشعب الحقيقي
، وهم يدعون الى اعتماد اسلوب الاستفتاء الشعبي المباشر للحصول على التفويض من
الشعب ، وكما يقول الدكتور يان- فيرنر موللر استاذ النظرية السياسية وتاريخ
الافكار في جامعة برنستون الاميركية في كتابه عن الشعبويين والذي ترجمت جانبا منه
في جريدة الحياة منال نحاس 2016 ، فإن
وراء المصلحة القومية الواحدة تكمن هوية قومية واحدة لذلك هم يحاربون الغرباء ، ويكرهون
التأكيد على التعددية أي تعددية المكونات ضمن الشعب الواحد . هم يرفعون شعار (التدبير وليس التنظير )
ويؤكدون على لسان أحد رواد الشعبوية اننا
لانقول تعالوا لننهض ببناء اقتصادنا بل نقول تعالوا نشمر عن سواعدنا ونبدأ بالعمل .
وهم يدعون الى عقد جديد بين السياسيين والشعب
ويعتمد هذا العقد على ما يسمونه (التكليف الملزم ) الناجم عن الاستفتاء الشعبي .وهم
عندما يؤكدون على ضرورة الحصول على دعم وتفويض من الشعب مباشرة من خلال الاستفتاء ،
فإنما يقولون ان الشعب قد عُزل عن ممارسة دوره من قبل النخب السياسية المنحرفة
والمرتشية ، ولابد ان يمارس دوره ، وتنفيذ
ارادته مباشرة دونما وساطات ، واذا ما حصل ذلك فإنهم يصلون الى تحقيق التوازن بين
دولة الحق والقانون .وثمة مسألة مهمة يؤكد عليها الشعبويون وهي انهم مع ( الاصلاء ) أي الشعب الحق الاصيل
وليس الشعب المكون من غرباء ومهاجرين .
بقي أن أقول شيئا إن الشعبويين يوصفون من قبل
البعض ب ( القوميين الجدد ) وان النزعة الشعبوية ما هي إلا قومية جديدة تبشر بعظمة
الامم فكل واحد من الشعبويين يرى في نفسه بطلا يستهدف إعادة وإحياء امته لكي تعود
قوية ، موحدة ، مهابة موفورة الكرامة ونستطيع ان نتلمس ذلك في خطابات وافكار
وشعارات ترامب وغيره من القادة الشعبويين .
هؤلاء هم الشعبويين ، وهذه هي آراءهم . ويقينا ان هذه الافكار قد أخذت
تحفر طريقها في الفكر والتطبيق السياسي العالمي المعاصر ولا اعتقد اننا – كعرب
وكعراقيين – نستطيع ان نكون بعيدين عن هذه
النزعة السياسية الحديثة والنابعة من الواقع السياسي الذي نعيشه ونتفاعل معه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق