الخميس، 14 نوفمبر 2013

بدر شاكر السياب في يوم العاشوراء


بدر شاكر السياب في يوم العاشوراء
*ارسلها لي عبر الايميل السيد صادق البلداوي
**الصورة من السيد سعد الفتال
في ليلة العاشر من محرم سنة 1948 القى شاعر العراق الخالد بدر شاكر السياب ، وكـــا ن يومئذ ما يزال بعدُ شيوعيا، قصيدته التالية في قاعة ثانوية العشار في البصرة في حشد ضم اكثر من الف و خمسمائة مستمع . القصيدة تشكل نموذجا متميزا لشعر الرثاء عامة و للمراثي الحسينية خاصة. فالشاعر يعقد مقارنة بين شخصيتي الامام الشهيد الحسين والطاغية يزيد، بادئا برسم صورة الطاغية ومنتهيا بصورة الشهيد. و خلال القصيدة تتداخل حشود من صور العذاب تبدو كأنها مستوحاة من "رسالة الغفران للمعري" او من "جحيم دانتي" يجعل منها الشاعر نذيرا لمصير الطاغية.

باسمِ الحسين

إرمِ السماءَ بنظرةِ استهزاءِ *** واجعلْ شَرابَكَ من دمِ الأشلاءِ

واسحقْ بظلِّك كلّ عِرضٍ ناصعٍ *** وأبِحْ لنعلِكَ أعظُمَ الضعفاءِ

واملأ سراجَك إن تقضّى زيتُهُ *** ممّا تدرُّ نواضبُ الأثداءِ

واخلعْ عليك كما تشاءُ ذُبالةً *** هدبَ الرضيعِ وحلمةَ العذراءِ

واسدرْ بغيِّك يا يزيدُ فقد ثوى *** عنك الحسينُ ممزَّقَ الأحشاءِ

والليلُ أظلمُ والقطيعُ كما ترى *** يرنو إليك بأعينٍ بلهاءِ

أحنى لسوطِك شاحباتِ ظهورِهِ *** شأنَ الذليلِ ودبَّ في استرخاءِ

مثَّلتُ غدرَك فاقشعرَّ لهولِهِ *** قلبي وثارَ وزُلزِلتْ أعضائي

واستقطرتْ عيني الدموعَ ورنقت *** فيها بقايا دمعةٍ خرساءِ

يطفو ويرسبُ في خيالي دونها *** ظلٌّ أدقُّ من الجناحِ النائي

حيران في قعر الجحيمِ معلقٌ *** ما بين ألسنةِ اللظى الحمراءِ

أبصرت ظلّك يا يزيدُ يرجه *** موجُ اللهيبِ وعاصفُ الأنواءِ

رأسٌ تكلَّلَ بالخنا واعتاضَ عن *** ذاك النضار بحيةٍ رقطاءِ

ويدانِ موثقتانِ بالسوطِ الذي *** قد كان يعبثُ أمسِ بالأحياءِ

قمْ فاسمعِ اسمَك وهو يغدو سبةً *** وانظر لمجدِك وهو محضُ هباءِ

وانظر إلى الأجيالِ يأخذُ مقبلٌ *** عن ذاهبٍ ذكرى أبي الشهداءِ

كالمشعلِ الوهّاج إلا أنها *** نور الإلهِ يجلُّ عن إطفاءِ

عصفتْ بي الذكرى فألقتْ ظلّها *** في ناظريَّ كواكبُ الصحراءِ

مبهورةَ الأضواءِ يغشي ومضُها *** أشباحَ ركبٍ لجَّ في الإسراءِ

أضفى عليه الليلُ ستراً حيكَ من *** عُرفِ الجِنانِ ومن ظلالِ حراء

أسرى ونام فليس إلا همسةٌ *** باسم الحسينِ وجهشةُ استبكاءِ

تلك ابنةُ الزهراء ولهى راعَها *** حلم ألّمَّ بها معَ الظلماءِ

تُنبي أخاها وهي تُخفي وجهَها *** ذعراً وتلوي الجيدَ من إعياءِ

عن ذلك السهلِ الملبَّدِ يرتمي *** في الأُفقِ مثل الغيمةِ السوداءِ

يكتضّ بالأشباح ظمأى حشرجت *** ثم اشرأبَّتْ في انتظارِ الماءِ

مفغورةَ الأفواه إلا جثة *** من غير رأسٍ لُطِّختْ بدماءِ

رحفت إلى ماءٍ تراءى ثم لم *** تبلغْه وانكفأتْ على الحصباءِ

غير الحسين تصدُّه عمّا انتوى *** رؤيا فكفي يا ابنةَ الزهراءِ

من للضعافِ إذا استفاقوا والتظَتْ *** عينا يزيدَ سوى فتى الهيجاء

بأبي عطاشى لاغبين ورضعا *** صفر الشفاء خمائص الأحشاء

أيدٍ تُمدُّ إلى السماءِ وأعينٌ *** ترنوا إلى الماءِ القريبِ النائي

عزَّ الحسينُ وجلَّ عن أن يشتري *** جمَّ الخطايا طائشَ الأهواءِ

ألا يموت ولا يوالي مارقاً *** ري الغليل بخطةٍ نكراءِ

فليصرعوه كما أرادوا إنّما *** ما ذنبُ أطفالٍ وذنبُ نساءِ

هاجت بي الذكرى عليها ساعة *** مرّ الزمانُ بها على استحياِء

خفقت لتكشفَ عن رضيعٍ ناحلٍ *** ذبُلَتْ مراشفُهُ ذبولَ حباءِ

ظمآن بين يدي أبيه كأنه *** فرخُ القطاةِ يدفُّ في النكباءِ

لاح الفراتُ له فأجهشَ باسطاً *** يمناه نحو اللُّجَّةِ الزرقاءِ

واستشفعَ الأبُ حابسَيهِ على الصدى *** بالطفلِ يومي باليد البيضاءِ

رجي الرواءَ فكان سهماً حز في *** نحر الرضيع وضحكةَ استهزاءِ

فاهتزَّ واختَلَجَ اختلاجةَ طائرٍ *** ظمآنَ رفَّ وماتَ قربَ الماءِ





ذكرى ألَمَّتْ فاقشعرَّ لهولِها *** قلبي وثار وزُلزِلَتْ أعضائي

واستقطرتْ عيني الدموعَ ورنقت *** فيها بقايا دمعةٍ خرساء

يطفو ويرسبُ في خيالي دونها *** ظلٌّ أدقُّ من الجناحِ النائي

حيران في قعرِ الجحيمِ معلّقٌ *** ما بينَ ألسنةِ اللَّظى الحمراءِ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...