الأحد، 3 نوفمبر 2013

مواقع التواصل الاجتماعى والذاكرة الجماعية القومية رؤية سوسيولوجية بقلم :الاستاذ الدكتور البسيوني عبد الله جاد البسيوني


مواقع التواصل الاجتماعى والذاكرة الجماعية القومية
رؤية سوسيولوجية
بقلم :الاستاذ الدكتور البسيوني عبد الله جاد البسيوني
أستاذ ورئيس قسم الاجتماع – كلية الآداب – جامعة الزقازيق
جمهورية مصر العربية engeneerye@yahoo.com


أدى ظهورالمجتمعات الافتراضية – حيث يستطيع الأشخاص حول العالم أن يتواصلوا ، إلى تغيير دور المكان وإلى تغيير رؤيتنا لما يمثله المجتمع بشكل تاريخى أو تقليدي. ذلك أن المجتمعات الافتراضية يمكن أن توفر فرص الديمقراطية الإلكترونية, والتى تذكر بأيام الأجورا اليونانية – مكان التجمع الرئيسي بقلب أثينا ومهد الديمقراطية اليونانية القديمة – حيث كان للكثير من الناس رأى فى كيفية إدارة الدولة وليس مجرد عدد قليل من الأشخاص. ولقد اتسمت أثينا فى القرن الخامس قبل الميلاد بممارسة المواطنين لحرياتهم، وكانت تلك أيام محاورات سقراط فى الأجورا وتعليم الفلاسفة للجماهير فى الساحات العامة. وكانت المساهمة الفردية أمراً متوقعاً والاتصال الشخصى بين الجماهير ضروري، والنشاط الذى تطلع إليه الرومان القدماء يومياً كان الذهاب للحمامات العامة من أجل التحاور والصحبة، وكان ذلك هو مكان مناقشة أمور الحكم والتجارة، لقد تجمع الناس من أجل تبادل الأفكار والمعرفة، واتخاذ القرارات وتنفيذها، إن ظهور المجتمعات الافتراضية يمكن أن يعيد إحياء بعض الإسهامات الهامة التى يمكن أن يقدمها الفرد.
كما كان (فرديناند تونيز Ferdinand Tönnies) عالم اجتماع ألمانى فى القرن التاسع عشر – واحداً من الأوائل الذين كتبوا عن مفهوم المجتمع وسماته الخاصة ولقد قسم افتراضيا المجتمعات الى نمطين: مجتمع صغير محلي واخر عام .. وفى اطار المجتمع المحلي الصغير فهناك تمثيل للجماعة الاجتماعية المثالية التى تحكم المجتمع، والتى تقوم على أسس العاطفة، الألفة والروابط العاطفية. وعكس ما ذكرناه تواً هو المجتمع العام أو المجتمع القائم على العقلانية المحسوبة، المصلحة الشخصية واللامبالاة بالتقاليد. ومع ظهور عصر الصناعة أو الثورة الصناعية، رأى تونيز تحولاً من المجتمع المحلي إلى المجتمع العام. ولقد دفع عمله العديدين إلى دراسة ماهية المجتمع والعوامل التى يحتاجها لكى يتواجد داخل نظام اجتماعي. كما وجه عمل تونيز مفكرين آخرين إلى إلقاء الضوء على أهمية الاتجاه الصناعي على الروح الإنسانية، والذى اعتبروه خطراً يسبب الارتباك، واليأس وانعزال الروح مما يمكن أن يعزل البشر عن جوهرهم، وأنشطتهم، عملهم وعن الناس الآخرين.
وراحت هذه السياقات تدفع الناس ، معظم الناس أن تهرب من حصار النظم لها ومن تجمعاتها، الى أن تتلاقى عبر شرائح السليكون لتفضفض عما بداخلها ، سواء بشكل معلوم ، أو بتنكر ، انطلاقا من كون المجتمعات الافتراضية تجمعات تظهر على "الإنترنت عندما يجرى عدد من الأشخاص مناقشات عامة لمدة كافية ، مع توفر قدر كاف من المشاعر الإنسانية، لتكوين شبكات من العلاقات الشخصية فى الفضاء الإلكتروني . وبافتراض أن المجتمع فى الفضاء الإلكتروني انبثق جزئياً من اختفاء مساحات التجمع العامة فى وجودنا الحقيقى .
و يمكن تشبيه المجتمع الافتراضي بالصالون أو المقهي حيث يقابل الانسان أصدقاءه للحوار – سواء الترفيهي أو الفلسفي والسياسي– ولجمع المعلومات عن شتى الموضوعات، أو لمساندة أعضاء المجتمع فى الأوقات الصعبة. إن هذه القدرة على اكتساب المعلومات أو الحصول على الصحبة فى الفضاء الإلكتروني ـ هى الغراء الاجتماعى الذى يربط الأفراد الذين كانوا منعزلين فى المجتمع ، حيث يتحاور الشخص مع معارفه وأصدقائه، يشعر الإنسان بعضويته فى المجتمع، لذلك، ليس من الغريب أو المفاجيء أن يقبل ملايين الأشخاص حول العالم على الإنترنت من أجل الترفيه وإعادة إحياء المجال الثالث للصحبة والاستئناس.
ثم أن جوهر المشكلة التى تواجهنا فى هذا المجتمع الافتراضي هى أنه عندما يفتقد التواصل المعلومات الشخصية الديناميكية، فإن الأشخاص يركزون انتباههم على الرسالة بدلاً من بعضهم البعض، ويشعر المتواصلون بانعدام الهوية بشكل أكبر مما يفعلون عندما يتحدثون على الهاتف أو وجهاً لوجه.وبالتالى يشعرون بتعاطف أقل، واهتمام أقل بكيفية تشابههم مع الآخرين، وكذلك يتأثرون بالمعايير بقدر أقل .

ويؤثر ذلك على اضعاف المحلي وربما القومي ، وهو ما يرتبط بالهوية وبالذاكرة الجمعيه القومية، وتتضاءل الاهتمامات المرتبطه بالذاكرة التاريخية للمجتمع ، وهنا تصبح الحاجه ماسه جدا الى الممارسات الجيده من المفكرين والمبدعين ذوى الاقلام الرصينة الهادئة التى تعرف طريقها الى قلوب وعقول أطياف مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعي ، فهى (هذه الاقلام )تكسب ودهم ، وتقنعهم باستحقاقها لثقتهم ، وتصحح مفاهيمهم واتجاهاتهم ، ففى ضوء ذلك فانه من السهل أن نطرح افتراضات عن المجتمعات الافتراضية، ونذكر أنها مجرد كبسولات للاتصال بين الناس الذين اختاروا أن يعيشوا حياتهم من خلال الأدوات التكنولوجية وبدون معني، بدلاً من الحدود الأكثر قبولاً للمجتمع، إلا أن الأمر ليس دائماً كذلك. حيث أننا نجد أن المجتمعات الافتراضية جعلت البعض يشعرون للمرة الأولى أنهم يستطيعون أن يصنعوا فرقاً فى حياتهم وفى حياة الآخرين، وأنه بالرغم من اتساع العالم وعدم قدرتهم على زيارة قطاعات ضخمة منه، إلا أنهم يستطيعون التواصل مع قاطنيه باختلاف مواقعهم، وذلك عن طريق الشبكة العالمية للتواصل..


ويتجلي ذلك فى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي فى تنقية وتقوية الذاكرة التاريخيه الجماعية القومية ، لمجتمعنا العربي ، بأسلوب هادىء ورصين انطلاقا من كون  هذه الذاكرة   الجماعية حلقة الوصل بين الأمم السابقة واللاحقة من خلال انتقالها وتوارثها عبر الأجيال المتتالية، وهي من أهم الأسس التي اعتمدت عليها الأمم الحديثة في بلورة وصياغة هويتها الثقافية والحضارية، وبالتالي فهي من أهم المكونات الأساسية لثقافة المجتمع، ومن هنا بزغت أهمية هذا الموضوع من قبل السوسيولوجيين والانثروبولوجيين من خلال التركيز على المفهوم وعلى المحددات المرتبطة به مثل: الهوية، والانتماء، والفلكلور، والبنية الاجتماعية، والاقتصادية، والإثنية، باعتبار أن استحضار الماضي وإعادة توظيفه في الحاضر عامل مهم وأساسي في تماسك الجماعات والهويات، وهو من أهم العناصر في تكوين الهوية الجماعية للشعب أو الأمة، ولقد دلت بعض الدراسات وخصوصا في المناطق الاستوائية أن الفلكلور قد لعب دورا كبيرا في حفظ وتقوية الذاكرة الجماعية لدى أفراد المجتمع الاستوائي ). ويرى الباحثون أن تفعيل دور الفلكلور في الحفاظ على الهوية الجماعية يجب أن يتم عن طريق عدة عمليات من ضمنها إيجاد الرموز وتعميمها على أفراد المجتمع وإيجاد استراتجيات تمكن أفراد المجتمع من تداول هذه الرموز، نظرا لما شهده العالم في الآونة الأخيرة، وبالتحديد منذ بداية التسعينات من القرن الماضي من عمليات  استنهاض وإنعاش للذاكرات الجماعية لدى الشعوب والجماعات الإنسانية المختلفة، خاصة تلك التي رأت في خطاب العولمة الموحد مصدر تهديد لهويتها الثقافية والقومية، وبالتالي فإن هذا الاهتمام بمجال الذاكرة الجماعية قد جاء في سياق مجموعة من التحولات العالمية على مختلف المستويات التي كان أبرزها انهيار المنظومة الاشتراكية وبروز نظام القطب الواحد أو ما يعرف بالنظام العالمي الجديد ومسعاه الدؤوب إلى فرض منظومة جديدة من العلاقات الدولية القائمة في الأساس على فرض الهيمنة والسيطرة الاقتصادية والثقافية على مختلف شعوب العالم. إذا لايمكن الفصل بين هذه الظاهرة (ظاهرة الاهتمام المتزايد بدراسة الذاكرة ومحاولة إنعاشها) وسياق التحولات الدراماتيكية التي شهدها العالم في العقدين الأخيرين والتي تمخض عنها بروز خطاب العولمة بطابعه المهيمن واللاغي للخصوصيات الثقافية بهدف تهيئة الظروف التي تضمن لقوى العولمة من فرض سيطرتها الاقتصادية والثقافية على العالم.

   إلى حد كبير يمكن الاعتماد على ما سبق في تفسير كثافة الأعمال المنشورة في السنوات الأخيرة والتي تناولت مجال الذاكرة الجماعية من خلال أشكال متعددة من الكتابة والبحث كان أبرزها السير الذاتية والمقالات الصحفية كذلك بعض الدراسات السوسيولوجية والانثروبولوجية التي تركزت أهدافها حول البحث عن مكونات الهوية والذاكرة الجماعية في المخيال الجمعي للناس من خلال الاعتماد على رواية الفاعلين الاجتماعيين أنفسهم، وقد برز في هذا المجال كل من بندكت اندرسون، وادوارد سعيد، وهوبسباوم وغيرهم.والتى يمكننا أن نضم اليها القليل من الكتابات  والاسهامات المميزة  والتى تعرف آلياتها  وآساليبها ووسائلها فى ذلك الامر ، حيث أنها من خلالها وجودها   على مواقع التواصل الاجتماعي وقبول طلبات الصداقة  ، والتعليقات والاعجاب  ، استطاعت أن تخلق الشهية  التى تقترن بالطعام ، لدى شباب الامه ، فبدلا من اهدار وقتهم وطاقتهم فى آذى الآخرين  ، أو وقوعهم ضحايا للمتنكرين بالمجتمع الافتراضي ، فان  أصحاب هذه المبادرات لايقتادون هؤلاء الشباب الى النهر فقط ، بل يجعلونهم يقبلون على  الماء ، من خلال مساعدتهم فى اكتشاف  قدراتهم  ، وتقوية وتطوير القدرات غير القوية لديهم ، ثم تبصيرهم بالفجوة بين مجتمعنا  والمجتمعات الاخرى ، وكشف تناقض الفكر مع الواقع ، وصولا لمساعدة شبابنا ومستخدمى مواقع التواصل الاجتماعي على تجاوز هذا التناقض والتطلع الى عالم  أفضل بذاكرة جماعية قوية ، وقادرة  على  الاستفادة  من صفحات  التاريخ ...
   والشعب العربى فى هذه المرحلة  هو أحوج ما يكون إلى مثل هذه الدراسات التي تتناول مجال الذاكرة الجماعية وذلك نظرا إلى خصوصية الحالة العربية  الناتجة عن حالة الاستلاب الكولنيالي وما ترتب عليها من محاولات لاغتيال الذاكرة الجماعية العربية  من خلال العديد من السياسات المنظمة والممنهجة. مع وجود  مجموعة من التحديات القائمة والتي تستوجب ضرورة إنعاش الذاكرة الجماعية القومية .
     إذا نحن مدعوون إلى القيام بدراسات جادة تأخذ بالحسبان جميع الجوانب التي لم تأخذ حقها في الدراسات السابقة، وتحية لممارسات جيده بأقلام مخلصة لهذا الوطن ويمكن للتدليل على نماذج  لذلك أن نتصفح صفحات وحوارات  لأفاضل أمثال البروف ابراهيم العلاف والبروف حميد  الهاشمي بطيبتهما وطيبوبتهما ، وغيرهما العديدون...














ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...