الأحد، 18 أغسطس 2013

مثري العاني .. الكاتب والمسرحي والانسان



مثري العاني .. الكاتب والمسرحي والانسان
أ.د.ابراهيم خليل العلاف*
الخميس 09-08-2012
منذ 40 سنة وانا اقرأ للاستاذ مثري العاني . وقد كانت بداية اهتمامي هي بما يكتبه في مجلة الثقافة ( البغدادية ) لصاحبها الاستاذ الدكتور صلاح خالص . واتذكر بان اول مقال اعجبت به كان عن الاستاذ والمربي والمسرحي الرائد يحيى ق الشيخ عبد الواحد . وقد نشر المقال سنة 1973 وقد علمت فيما بعد ان المقال كان بالاصل محاضرة القاها في مركز شباب الموصل . ومنذ ذلك الوقت تربطني بالاستاذ مثري العاني صداقة وثيقة قائمة على الاحترام وتبادل الاراء بشأن حركة النشر في عراقنا العزيز .
مثري طه محمد العاني من مواليد مدينة الموصل سنة 1940 درس في مدارسها الابتدائية ( القحطانية ) والمتوسطة ( الحدباء ) والاعدادية ( المركزية ) ، وفصل اكثر من مرة بسبب توجهاته اليسارية . عشق الكتاب ، ومارس الكتابة وقد عرف بين اصدقائه بقدرته على اختيار الجيد والمفيد من الكتب التي كثيرا ما كان يسعى من اجل الحصول عليها ان كان ذلك في شارع النجفي في الموصل او شارع المتنبي في بغداد او من معارض الكتب العراقية والعربية والاجنبية المنتشرة هنا وهناك . جال معه الاستاذ شريف هزاع شريف في مجلة موصليات ( العدد 24) التي يصدرها مركز دراسات الموصل ، جولة واسعة فوقف عند تقاليده في الكتابة والنشر وامتدحه قائلاً بانه كاتب متخصص بالمسرح العراقي وهو كذلك فعلاً . نشر اكثر من 700 مقال ودراسة وبحث في المسرح والتراث والنقد لذلك اختير من الاوساط التراثية العربية ليكون خبيراً في التراث الشعبي ( العراقية ) العتيدة وفي غيرها من المجلات التراثية العربية . يفخر اليوم بانه كان في يوم من الايام قائدا طلابيا ، وقد اسهم في انتفاضة 1956 التي انفجرت اثر العدوان الثلاثي الاثيم على مصر . وقد شارك اقرانه في المظاهرات الشعبية التي اندلعت في الاعدادية المركزية في يوم تشريني واتذكر بانني كنت طالبا في مدرسة ابي تمام الابتدائية فانهمرت الدموع من اعين الطلاب ، وجاء المعلم ليطمئننا بان الامر ليس فيه خطر فلقد اطلقت الشرطة وكانت تسمى شرطة نوري السعيد القنابل المسيلة للدموع لفض اعتصام طلاب الاعدادية المركزية القريبة من مدرستنا فجاءت الرياح لتنقل اثار تلك القنابل الينا . وعلى اثر تلك المظاهرات انتخبه زملاؤه ، وبعد نجاح ثورة 14 تموز 1958 وسقوط النظام الملكي وتأسيس جمهورية العراق اول سكرتير لاتحاد الطلبة في الموصل . كما صار عضوا في المجلس المركزي . في 1959 عين كاتبا في نقابة المعلمين فرع الموصل وترك الدراسة بسبب الصراعات السياسية والظروف الاقتصادية . وقد تعرض للاعتقال والاغتيال ، وغادر الموصل الى اربيل ثم الى بغداد في اليوم الاول من سنة 1961 وتفرغ للعمل السياسي وعين كاتبا ومعقبا لمعاملاتها في الدوائر الرسمية في جمعية بناء المساكن للمعلمين في ساحة النصر بتوسط الدكتور صفاء جميل الحافظ وكان رئيس الجمعية احمد اسعد عبد الكريم شقيق الفنانة المسرحية المعروفة زينب ، واستمر الامر هكذا حتى سقوط نظام حكم الزعيم الركن عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء في 8 شباط ـ 1963 . وخلال الفترة 1963 ـ 1968 تعرض للمضايقات من السلطة الحاكمة واعتقل في 17 شباط 1963 واحيل للمحاكمة في المجلس العرفي العسكري الثاني في كركوك وحكم عليه بالسجن ستة اشهر لكن سرعان ما اعفي عنه ولكن الملاحقة الامنية له ظلت مستمرة .
من الطريف ان يتحدث الاستاذ حسب الله يحيى وكان من المثقفين اليساريين المرتبطين بالحزب الشيوعي عن بدايات معرفته بالاستاذ مثري العاني في سنة 1964 عندما التقاه في زنزانة واحدة بمركز شرطة باب الشط بالموصل فجراً : في مقال قال فيه : " في الوقت الذي انصرفت فيه اربع عوائل لدفن ابنائها الذين اعدموا يوم 24 آب ـ 1964 ومنهم ... اخي وعد الله ... كنت اقبع في سرداب التوقيف بمركز شرطة باب الشط في الموصل هناك في الموقف استقبلني بحفاوة رجل بهي الطلعة وقد عرفت فيما بعد ان اسمه : مثري العاني كنت حذراً من وجودي بين الموقوفين .. فقد كانت عائلة العاني في الموصل تصطف في موقع مناوئ لما نحمله من افكار ورؤى ( عائلة قومية عربية ) .. لكن هذا ( المثري ) كان ثرياً بطيبة غير معهودة .. فقد عني بي وقدم لي الطعام والمنام في سجن لايفرط نزلاؤه باصغر شيء ويتنازعون من اجله نزاعا خشنا . وفي وقت يجتمع فيه القتلة والمجرمون واللصوص والمفسدون في الارض مع اولئك الذين جاءت . بهم افكارهم المضيئة الى هذا المكان المظلم المليء بالتناقضات لم اكن اعرف التهمة الموجهة لي ، لكنني كنت احس ان عظامي تتكسر وهناك من يشد ازري ويقدم لي اقراصاً مهدئة وماء بارداً .. ويداوي جراحي التي لم يكن بوسعي لمسها ولا رؤيتها .. ذلك انها اصابت اماكن غير مرئية مني كان الوقت صعباً والاتي مكتوم والاسباب مجهولة .. لكن هذا المثري النبيل كان يعرف كل شيء من دون ان يقول لي اي شيء كأنما كان يسعى لاخفاء مايعلم عن مصابي في اعدام اخي ورفاقه في سجن الموصل فجراً كنت اراه يجلس الى جانبي ، يحدق في وجهي وكلما فتحت عيني وجدته على تماس بي وهو يكتم الماً بان في وجهه وعبر عن حفاوته ومودته وعطفه .. " عاش الاستاذ مثري العاني سنوات صعبة وحاول العودة الى الموصل سنة 1968 ليبدأ الدراسة من جديد ، ليكمل الاعدادية وتمكن من دخول " اعدادية الشعب المسائية " ، وتخرج فيها سنة 1968 وبعدها عين في دائرة الاشغال والاسكان وظل حتى طلبه الاحالة الى التقاعد قبل سنوات ومن المناسب الاشارة الى مايحمله زملاؤه في دائرة الاشغال والاسكان له من احترام وتقدير .
اهتم الاستاذ مثري العاني بالمسرح والنشاط المسرحي والف سنة 1958 " فرقة الحدباء للتمثيل المسرحي " التي قدمت في باكورة نشاطها مسرحية المفتش العام لـ ( غوغول ) الكاتب الروسي الشهير في 30 نيسان ـ 1959 وقد شاركه في تأسيس هذه الفرقة عدد من طلبة متوسطة الحدباء للبنين في الموصل . كما عمل في الاخراج المسرحي . وانتمى الى فرقة مسرح الاحرار سنة 1961 . واسهم في تعريق بعض المسرحيات ومنها على سبيل المثال مسرحية " اغنية على الميمر " سنة 1970 وعرضت في الموصل ونالت الجائزة الاولى على غيرها مما قدم من المسرحيات . وقد كتب العديد من المقالات عن المسرح العراقي ورواده ، وكان على صلة طيبة باساطين المسرح العراقي المعروفين ومنهم الاستاذ يوسف العاني والاستاذ جعفر السعدي والاستاذ بدري حسون فريد وكانوا يحبونه ويقدرون عمله ويحترمون رأيه . وقد نشر مقالاته ودراساته في مجلات موصلية وعراقية وعربية ومما اتسمت به مقالاته انها كانت تعبر عن هموم الناس الفقراء والمتعبين والساخطين على الاوضاع السياسية السائدة . عشق المسرح ، وكتابه ، ورواده ، واسهم في كثير من ملتقياته وخاصة في سنوات الثمانينيات من القرن الماضي ويعكف اليوم على توثيق اسهامات عدد من رواد الفكر والثقافة في الموصل .  كما انتهى من مشروع كلفته به مؤسسة (البابطين) في الكويت سنة 2007 ، ويقوم على توثيق سير وانجازات 27 شاعراً عراقياً . كما انه شارك في تحرير موسوعة اعلام العرب والمسلمين التي ترعاها المنظمة العربية للثقافة والفنون ـ تونس بالكتابة عن قرابة 150 شخصية علمية عراقية وعربية واسلامية . الاستاذ مثري العاني مثلما هو مهموم بقضايا الناس المسحوقين فانه مهتم بالمثقفين وخاصة اولئك الذين قدموا الكثير لوطنهم مما ساعد على نهضته وتقدمه . وينشغل الاستاذ العاني اليوم بثلاثة امور يرى انها جديرة بالاهتمام وهي المسرح والتراث الشعبي والتاريخ لمن اسهم في البناء والتقدم وعلى مختلف الصعد ومنها الصعيد الثقافي والفكري . يدعو الاستاذ مثري العاني الى الاهتمام بالرغيف والكتاب . وقد كتب مقالا في مجلة الصوت الاخر ( الاربيلية ) قال فيه : " ان تدخل الدولة لتوفير الكتاب واحد من الاهداف الاساسية لها ... رغيف الخبز والكتاب مادتان اساسيتان في حياة جمهرة واسعة جدا وكبيرة جدا تبدأ مع الانسان منذ بدايات حياته وهو يحبو ولا تنتهي ... لابد من توفيرهما بأرخص الاسعار " . كما يؤكد الاهتمام بتربية الاطفال ويرى ان المسرح وسيلة مهمة في هذا المجال قد كتب مقالا عن مسرح الطفل قال فيه انه مثلما يتلقى الطفل المبادئ الاولية للقراءة والحساب والعلوم الاخرى ، وزرعها في ذاكرته عبر مختلف المراحل الدراسية ، لذا فان من الضروري تربية الطفل على حب المسرح وارتياده والمشاركة فيه والتفاعل معه ، لكي نخلق منه انساناً ذا ذوق رفيع . كتب عنه الاستاذ الدكتور عمر الطالب في " موسوعة اعلام الموصل في القرن العشرين " فقال : ان ظروفه الاقتصادية حالت دون اكماله الدراسة في كلية الحقوق ـ جامعة بغداد وقد انصرف للاهتمام بالكتابة للمسرح ، وكتب مسرحيات منها " الصخرة " . ولم يقعده مرضه وصعوبة تحركه عن ان يكون اليوم في اوج نشاطه الثقافي والكتابة في مجالات المسرح والتراث الشعبي فضلا عن القراءة الدؤوبة .
 رصد الاستاذ الدكتور صباح نوري المرزوك في " معجم المؤلفين والكتاب العراقيين 1970 ـ 2000 " جانبا من انتاج الاستاذ مثري العاني وخاصة تلك المنشورة في " مجلة التراث الشعبي " معظمه يدور حول موضوعات " اثر التراث في المسرح " ، و" العاب التسلية عند الاطفال " و " حمام النفاس " و " من عادات العناية بالطفل قديما " و"الموني ـ المؤونة في الموصل " . كما اصدر قبل سنوات قليلة كتابا عن المسرحيات التي سبق له ان كتبها ونشر الكتاب في الموصل . ومن كتبه " الرجال يأكلون انفسهم " 2005 ، و " مسرحيات يحيى ق الشيخ عبد الواحد " و " المستدرك على موسوعة اعلام الموصل في القرن العشرين " للاستاذ الدكتور عمر محمد الطالب رحمه الله . وقد اسهم في تحرير " موسوعة الموصل التراثية " التي اصدرها مركز دراسات الموصل . واسهم في تحرير عدة كتب منها كتاب بعنوان " بشير مصطفى الشاعر والمعلم والصحفي " وكتاب بعنوان : " في التعايش السلمي وفهم الاخر " . الاستاذ مثري العاني انسان طيب ، ونظيف ، ومتواضع يحترم الاخرين ويساعدهم في التعبير عن ارائهم حتى لو كانت مخالفة لرأيه . يؤمن بفكرة التقدم ، وبقدرة الانسان على ان يغير محيطه وينبذ العنف والتعصب وهو يدعو الى التعايش واحترام حقوق الانسان ويدافع عن التسامح بين البشر ويعطي قيمة للنشاط الفكري الانساني ويعمل على تيقظ الافكار وتوسيع قاعدة المؤمنين بضرورة الثقافة لبناء الانسان .. تحية له وندعو له بمزيد من العطاء الثقافي خدمة لوطنه ولامته وللانسانية .
ــــــــ
*استاذ التاريخ الحديث ـ جامعة الموصل.

 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صلاة الجمعة في جامع قبع - الزهور -الموصل

                                                                    الشيخ نافع عبد الله أبا معاذ   صلاة الجمعة بسم الله الرحمن الرحيم :...