الأحد، 18 أغسطس 2013

الدكتور عبد المنعم رشاد والفترة المظلمة من تاريخ العرب الحديث

الدكتور عبد المنعم رشاد والفترة المظلمة من تاريخ العرب الحديث
أ.د. إبراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل
لعل الأستاذ الدكتور عبد المنعم رشاد، رحمه الله ( 1934- 2008) ،من أوائل المؤرخين العراقيين المعاصرين الذين اهتموا بالتاريخ لما سمي بـ ( الفترة المظلمة ) أو ( الفترة المظلومة ) . وقد عثرت بين محتويات مكتبتي الشخصية على مسودة لـ( ورقة عمل حول دراسة تاريخ الوطن العربي 1256- 1534: الفترة المظلمة ) أعدها الأستاذ الدكتور عبد المنعم رشاد سنة 1985 وكان من المقرر أن نعقد مؤتمرا في قسم التاريخ بكلية التربية حول هذه الفترة أثناء رئاستي للقسم .
إلا أن المؤتمر لم ينعقد لظروف مالية. ولأهمية الورقة رأيت أن أشارك القراء الأعزاء في الاطلاع عليها، خاصة وإنها قد أعدت من مؤرخ ثبت كان له اطلاع واسع على مصادر هذه الفترة.
قسم الدكتور عبد المنعم رشاد ورقته الى أقسام ثلاثة هي على التوالي ، ملاحظات عامة عن هذه الفترة وأهمية دراستها ، المحاور الأساسية التي يجب أن تدرس في هذه الفترة التوصيات العامة ، التوصيات الخاصة ، المصادر والمراجع الأساسية لهذه الفترة التاريخية .
في القسم الأول قدم الدكتور عبد المنعم رشاد ملاحظات عامة عن هذه الفترة . وأهمية دراستها فقال أن:(( هناك عصورا من تاريخنا لم تحض بالعناية الكافية من قبل الدارسين والباحثين، أما لقلة المصادر والمراجع ،أو لاضطراب وتشابك أخبارها. وأضاف :" أن هذه الفترة مهدت لعصر السيطرة العثمانية، وفي هذا العصر تكمن أسباب استكانة العرب للعثمانيين لفترة طويلة من الزمن يمكن استجلائها في دراسة هذا العصر .. كما تكمن في هذا العصر مسببات التخلف الذي أصاب العرب وجعلهم ينزلون من شاهق الحضارة الى أسفلها دون ممهدات ". ثم وقف عند الأمور التي ميزت هذه الفترة فقال: " أنها كانت فترة فوضى سياسية وعسكرية عارمة .. كما ضعفت وتدهورت المؤسسات الحكومية وضاعت السلطة ، إقليمية كانت، أم مركزية نتيجة طغيان من عناصر عشائرية تركمانية أو مغولية أو عربية ،والتي كان همها الوحيد هو الغزو والنهب والسلب، والحصول على المال والجاه بأسهل الطرق على حساب سكان المدن الذين تدنت إعدادهم ،كما تدنى نشاطهم الاقتصادي وتخلفت عاداتهم الاجتماعية. كما صاحب ذلك كله تخلف علمي واضح، حيث لم تعد هناك من سوق للعلوم لانشغال الناس بالأمور الحياتية الضرورية والبسيطة، وعدم وجود سلطة تشجع وتحمي العلماء وتبتاع منتجات عقولهم ".
ومن الطريف أن يفرد الدكتور عبد المنعم رشاد ، وهو مؤرخ قد خبر التاريخ بكل شعبه ودروبه، جانبا من ورقته لمناقشة انعكاس تلك الأيام المظلمة على الحياة الاجتماعية والثقافية العربية فقال: " أن نشاطات الناس الفكرية تحولت الى اجترار أقاصيص شعبية عن بطولات لأشخاص أسطوريين خرافيين أو تاريخيين .. فاخذ ( القصة خون) أو قارئ الأساطير يجلس في ( الد يوه خانات ) أو المقاهي ويقرأ مغامرات عنترة بن شداد ، أو الزير سالم ، أو الشاطر حسن، أو أبو زيد الهلالي ،أو قصة الأميرة ذات الهمة، أو أقاصيص ألف ليلة وليلة ، وبذلك كان الناس يفرغون طاقاتهم الفكرية في قصص الجان والأساطير غير المجدية بحثا عن عزاء ، وعن عصر ذهبي مفقود كان يتوفر فيه الأمن، والرخاء، والعدل ،والمساواة ،والقوة، والمجد، والعلم ،والمعرفة ، وحكام أذكياء وأقوياء يهتمون بمصالح شعوبهم وبتفاصيل حياتهم ويصلحون الخلل عند وقوعه ، ولكن هذا العصر لم يعد موجودا ألا في هذه الأساطير ، والأمجاد لم يبق منها شيء فتاهت العقول والأذهان، وتشتتت في أمور لامعقولة ،وخرافات وأساطير كانت تريح وجدانهم ، ولكنها تزيدهم تخلفا حضاريا عن بقية الأمم والشعوب ، وخاصة الأوربية التي أخذت ، منذ عصر النهضة ، بكثير من مفاهيم وقيم الحضارة العربية – الإسلامية، وبنت عليها نهضتها الحديثة ."" أما نحن فقد تخلينا عما كان لدينا وأخذنا نجتر بعض الكتب والآراء ونغرق طاقاتنا في جدال عقيم حول أمور لم تعد ذات أهمية وعلى كل حال فقد تخلينا عن العقل والمنطق .." .
ويقينا فقد رافق ذلك كله كثرة الاعتداءات على الناس في قناعاتهم وفي حياتهم وعلى ممتلكاتهم بحيث وصلت الى أقصى غاياتها ، لهذا ضعفت المقارنة ،وازداد الخنوع ،وبات الناس راغبين بأية سلطة أو قوة خارجية أو داخلية تخلصهم من واقعهم المؤلم .. وعلى هذا الأساس يفسر الأستاذ الدكتور عبد المنعم رشاد سر قبول العرب بالعثمانيين وترحيبهم بهم معتقدين بأنهم سيخلصونهم من الفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية التي كانوا يعيشونها ، ولكن العثمانيين سرعان ما ظهروا بأنهم غرباء وأجانب، وإنهم لايقلون سوءا عمن سبقهم من قوى أجنبية سيطرت على الوطن العربي ..
يحدد الدكتور عبد المنعم رشاد جملة من المحاور التي يجب أن يضعها المؤرخ نصب عينيه عند دراسة هذه الفترة ،ويقول أنها تتلخص بنقطتين أولاهما المشرق العربي بعد سقوط بغداد بيد المغول . وثانيهما المماليك في مصر وبلاد الشام والحجاز 648-922هـ/1250-1517م.
ثم يقدم توصيات عامة أبرزها مايلي :
1. ينبغي التركيز على تزويد الطالب بفكرة واضحة وشاملة للخطوط العامة سير التاريخ ومعرفة عميقة بالجوانب المتصلة بكيان الأمة العربية والتي تساعد معرفتها على أدراك أهمية الأمة في سير الإحداث في هذه الفترة .
2. التأكيد على ما في الحضارة العربية من عناصر مشتركة تجمع الأقطار العربية في هذه الفترة الحاسمة ،وتعمل على توحيدهم وإظهار ما في هذه الحضارة من القيم البناءة .
3. ضرورة التأكيد على إتباع الأسس العلمية المستندة الى استخدام العقل في معرفة الحقائق وتحديد أسبابها وتفاعلاتها التي أدت بالأحداث إلى ما سارت إليه في هذه الفترة من اجل تقديم صورة صحيحة بقدر الإمكان لمجرى التاريخ ، والابتعاد عن التعميمات والآراء الضيقة القائمة على تشويه الحقائق، فمثلا انه من الخطأ الجسيم تسمية هذه الفترة بـ ( المظلمة ) لأنها إن كانت كذلك بعض الأقاليم والوطن العربي ، كالعراق مثلا ، إلا أنها كانت غير ذلك في أماكن أخرى كمصر وسوريا تحت حكم المماليك .
4. ضرورة التأكيد على الحركات الاجتماعية، والمؤسسات والتنظيمات الشعبية ، الحرفية والصوفية ، وكذلك من الكتل والفئات العلمية كالفقهاء وعلماء الدين وكذلك على فئات التجار والحرفيين والفلاحين لمعرفة أحوال المجتمع ومدى تأثير الفوضى التي كانت سادرة في هذه الفترة عليهم وعلى مواقفهم السياسية والفكرية.
5. معالجة هذه الفترة، كجزء متماسك من سلسلة سير التاريخ وليس منفصلا عن تاريخنا .
6. عدم إهمال العامل الديني وذلك لأهمية هذه الفترة ، لان الإسلام أدى الى سيادة الحضارة العربية، وتعميق القيم وأصبح بالتالي أحد عناصر توحيد الأمة ووقوفها في وجه المخاطر .. وكما هو معروف فان من ابرز أسباب تخلف الأمة الحضاري هو تخلفها ونكوصها في تفهم معاني وقيم الدين الإسلامي الحقيقية .
أما التوصيات الخاصة والتي لابد من مراعاتها في مجال تطوير المعرفة التاريخية بهذه الفترة فتتلخص بان تدرس هذه الفترة في أقسام التاريخ بالجامعات العربية، وان تلحق بمادة التاريخ العباسي الذي ينتهي في العراق سنة 656هـ/1258م لكنه يستمر في مصر منذ 658هـ/1260م وإذا تعذر إلحاق هذه الفترة بالتاريخ العباسي، فيمكن أن تدرس كمادة مستقلة كما دعا الى زيادة البحوث والدراسات عن هذه الفترة والسعي باتجاه توفير مصادرها وإسناد تدريسها الى أساتذة أكفاء ومتخصصين .
وفي نهاية ورقة الدكتور عبد المنعم رشاد حول الفترة المظلمة قدم قائمة بالمصادر والمراجع الأساسية لهذه الفترة وابتدأ بالمخطوطات والمصادر المطبوعة والمراجع العربية والفارسية والتركية والغربية .
نأمل في أن يفيد زملاء وطلبة الدكتور عبد المنعم رشاد رحمه الله من أفكاره وكتاباته عند دراستهم هذه الفترة المهمة من فترات تاريخنا الحديث .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صلاة الجمعة في جامع قبع - الزهور -الموصل

                                                                    الشيخ نافع عبد الله أبا معاذ   صلاة الجمعة بسم الله الرحمن الرحيم :...