عماد الدين خليل واسهاماته في مجال الكتابة التاريخية المعاصرة
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث -جامعة الموصل
ليس من السهولة، رصد كل ما قدمه الأستاذ الدكتور عماد الدين خليل إلى المدرسة التاريخية العراقية، والعربية، والإسلامية ، فإنتاجه ، أطال الله عمره ، غزير ، ومتعدد الجوانب . ففضلاً عن تخصصه بالتاريخ الإسلامي، فهو كاتب مسرحي وناقد وأديب .
ولد في مدينة الموصل سنة 1939 ، وأكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والإعدادية فيها ، ثم تخصص بالتاريخ، وحصل على شهادة البكالوريوس بدرجة الشرف من قسم التاريخ بكلية التربية ، جامعة بغداد سنة 1962 ولم يقف عند هذا الحد بل واصل دراسته، وأكمل شهادة الماجستير في التاريخ الإسلامي من كلية الآداب جامعة بغداد سنة 1965 وعاد ليصبح عضواً في هيئة التدريس بقسم التاريخ _ كلية الآداب / جامعة الموصل. وفي سنة 1986 حصل على شهادة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى من جامعة عين شمس بمصر . في مايس-أيار 1989 نال الأستاذية، ولا يزال يعمل في قسم التاريخ بكلية الآداب _ جامعة الموصل . له من الكتب التاريخية المؤلفة العديد الى جانب كم كبير من البحوث والدراسات والمقالات ،ومن كتبه المنشورة :
1. ملامح الانقلاب الإسلامي في خلافة عمر بن عبد العزيز .
2. عماد الدين زنكي .
3. التفسير الإسلامي للتاريخ .
4. الإمارات الارتقية في الجزيرة والشام .
5. حول إعادة كتابة التاريخ الإسلامي .
6. المستشرقون والسيرة النبوية .
7. تحليل للتاريخ الإسلامي .. إطار عام .
8. في التاريخ الإسلامي ، فصول في المنهج والتحليل .
9. دراسة في السيرة .
مع أن الأستاذ الدكتور عماد الدين خليل ،تفرغ في السنوات الثلاثين المنصرمة لقضايا الدعوة والعقيدة الإسلامية ، إلا انه ظل على صلة وثيقة بالتاريخ والدراسات التاريخية ، كما انه استفاد من خلفيته الفكرية التاريخية لتعميق دراساته في النقد والمسرح الإسلاميين . وقد أنجز روايات تاريخية أبرزها روايته الشهيرة التي وثق بها لأحداث ثورة الشواف في الموصل سنة 1959 والموسومة: ( الإعصار والمئذنة )، والتي نشرت ولأكثر من مرة أولها في سنة 1982 وأخرها في سنة 1987
. ويعد الأستاذ الدكتور عماد الدين خليل، اليوم ،حجة في تاريخ الجزيرة والشام أبان العصور الوسطى . ومما يميز كتاباته، انه لم يقتصر على معالجة الأحداث سياسياً ،بل كان يتناولها بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فيكسبها رونقاً وسلاسة تجعل القارئ يقبل عليها بنهم ولذة وسعادة .. ولربما جاء ذلك من اهتماماته بالنواحي التربوية، ومعرفته بخبايا وخفايا النفس الإنسانية وطرق الولوج إليها بيسر وسهولة .. وقد أعطت هذه الميزة ،كتابات الدكتور عماد الدين خليل، شهرة واسعة خاصة بين الشباب وغيرهم .
كما أن الدكتور عماد، فوق هذا وذاك، مهتم بفلسفة التاريخ، والمهتمين بهذا النمط من الدراسات قلة ، لما يتطلبه ذلك من معرفة بعلوم النفس، والتربية ،والاقتصاد، والاجتماع . فعلى سبيل المثال، عندما يقدم التاريخ الإسلامي إلى القارئ ،نراه قادراً على اختيار ونحت المفاهيم والمبادئ الأساسية التي تتحكم بمجرى الفعل الحضاري الإنساني.. فثمة مبدأ الاستخلاف ،ومبدأ التوازن، ومبدأ التسخير، ومبدأ الارتباط بين الخلق والخالق .. وفي هذا المجال يحرص على ما يمكن تسميته بـ ( أسلمة المعرفة ) ويقصد من وراء ذلك ممارسة النشاط المعرفي كشفاً وتجميعاً وتوصيلاً ونشراً، من زاوية الرؤية الإسلامية للكون والحياة والإنسان .
ويذهب إلى تحديد مستويات هذه الرؤية بأربع مجالات هي على التوالي: الضرورة العقيدية، والضرورة الإنسانية، والضرورة الحضارية، والضرورة الإنسانية .
وينتقد الأستاذ الدكتور عماد الدين خليل مناهج المستشرقين، ولكن يحترم في الوقت نفسه انجازات بعضهم وخاصة المنصفين منهم .
ففي كتابه المستشرقون والسيرة النبوية يقيم دراسة مقارنة لمنهج المستشرق الانكليزي المعروف ( مونتغمرى وات ) وخاصة في كتابه ( محمد في مكة ) وينتقده لإسقاطه الرؤية المعاصرة على السيرة ، ويخلص إلى أن ( وات ) ،وان عرف بالموضوعية والحيادية ،إلا انه وغيره من المستشرقين غير قادرين على فهم روحية السيرة ،لذلك فهم يمارسون نوعاً من التمزيق لنسيجها الحي .
اهتم الأستاذ الدكتور عماد الدين خليل بقضايا حساسة في التاريخ الإسلامي أبرزها مسألة الحكم ، وانتشار الرسالة ، ومغزى الجهاد ، وعالمية الإسلام ، والصراعات الأسرية ، وعناصر المجتمع الإسلامي . وفي كتابه( التفسير الإسلامي للتاريخ) ، يجد في القران الكريم ، كما يقول أستاذنا الدكتور عمر محمد الطالب رحمه الله ،في كتابه ( الكتاب والمؤلفون في الموصل في القرن العشرين )، المساحة التاريخية واسعة .
لهذا نجد أن هناك حشداً من الوقائع التاريخية عن طريق الآيات والمواقف القرآنية التي يحدثنا بها المفسرون عن أسباب النزول والتي وردت في أعقاب عدد كبير من أحداث السيرة التي تعلق وتفند وتلامس وتبين وتوجه وتصوغ انطلاقا من هذه الأحداث .. إلى جانب سور كاملة ومقاطع مهمة تبين أبعاد المساحة الشاسعة التي أعطاها القران الكريم للمسألة التاريخية وببعديها الديني والدنيوي .
وينتقد الدكتور عماد الدين خليل، المناهج التقليدية في دراسة التاريخ ويأخذ عليها أنها تعتمد التبدل والتغير في الأسر والحكام، والرؤية التجزيئية التي تدرس التاريخ أشتاتا مبعثرة ، وحرصها على التأكيد المتضمن على الجوانب السياسية والعسكرية وإهمالها للتأثيرات الإسلامية العميقة في النسيج الاجتماعي ،وأخيرا تقطيعها للظواهر التاريخية الكبيرة، وبعثرتها من خلال المعالجة الأفقية المتزامنة التي تدرس كل عصر على حدة بدلاً من المتابعة العمودية لكل ظاهرة عبر مجرى التاريخ الإسلامي . ويقدم الدكتور عماد الدين خليل، منهجاً بديلاً يقوم على أساس فهم التاريخ الإسلامي من خلال وحدة الحركة وكسر القشرة الخارجية للأحداث والمتغيرات والتحقق برؤية شمولية تلم التفاصيل والجزيئات ومتابعة الظواهر التاريخية الكبرى عمودياً وتسليط الضوء على العلاقة المتبادلة بين الدين والتاريخ وأخيرا تحقيق التوازن المطلوب في البحث بين الجوانب العقيدية من جهة والجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية من جهة أخرى ..
الخلاصة أن الكتابة عن منهجية الدكتور عماد الدين خليل ورؤيته للتاريخ بأنماطه المختلفة لا يمكن أن تكتمل وهو لا يزال في عز عطائه العلمي وقد يذهب البعض ومنهم الدكتور عمر الطالب إلى انه لو تفرغ للكتابة التاريخية الصرف بدلاً من توزيع اهتماماته لكان قد قدم خدمة أوسع لدارسي التاريخ ، إلا أننا نرى بان اهتماماته تلك وخاصة في مجالات الأدب والنقد قد عمقت رؤيته التاريخية وجعلته في مصاف فلاسفة التاريخ ، أكثر من كونه مؤرخاً أكاديميا تقليدياً .. فضلا عن أننا نعتقد بان ما قدمه على صعيد الكتابة التاريخية يرقى إلى مستويات عالمية تجعله يمثل مكانة بارزة في المدرسة التاريخية الإنسانية
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث -جامعة الموصل
ليس من السهولة، رصد كل ما قدمه الأستاذ الدكتور عماد الدين خليل إلى المدرسة التاريخية العراقية، والعربية، والإسلامية ، فإنتاجه ، أطال الله عمره ، غزير ، ومتعدد الجوانب . ففضلاً عن تخصصه بالتاريخ الإسلامي، فهو كاتب مسرحي وناقد وأديب .
ولد في مدينة الموصل سنة 1939 ، وأكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والإعدادية فيها ، ثم تخصص بالتاريخ، وحصل على شهادة البكالوريوس بدرجة الشرف من قسم التاريخ بكلية التربية ، جامعة بغداد سنة 1962 ولم يقف عند هذا الحد بل واصل دراسته، وأكمل شهادة الماجستير في التاريخ الإسلامي من كلية الآداب جامعة بغداد سنة 1965 وعاد ليصبح عضواً في هيئة التدريس بقسم التاريخ _ كلية الآداب / جامعة الموصل. وفي سنة 1986 حصل على شهادة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى من جامعة عين شمس بمصر . في مايس-أيار 1989 نال الأستاذية، ولا يزال يعمل في قسم التاريخ بكلية الآداب _ جامعة الموصل . له من الكتب التاريخية المؤلفة العديد الى جانب كم كبير من البحوث والدراسات والمقالات ،ومن كتبه المنشورة :
1. ملامح الانقلاب الإسلامي في خلافة عمر بن عبد العزيز .
2. عماد الدين زنكي .
3. التفسير الإسلامي للتاريخ .
4. الإمارات الارتقية في الجزيرة والشام .
5. حول إعادة كتابة التاريخ الإسلامي .
6. المستشرقون والسيرة النبوية .
7. تحليل للتاريخ الإسلامي .. إطار عام .
8. في التاريخ الإسلامي ، فصول في المنهج والتحليل .
9. دراسة في السيرة .
مع أن الأستاذ الدكتور عماد الدين خليل ،تفرغ في السنوات الثلاثين المنصرمة لقضايا الدعوة والعقيدة الإسلامية ، إلا انه ظل على صلة وثيقة بالتاريخ والدراسات التاريخية ، كما انه استفاد من خلفيته الفكرية التاريخية لتعميق دراساته في النقد والمسرح الإسلاميين . وقد أنجز روايات تاريخية أبرزها روايته الشهيرة التي وثق بها لأحداث ثورة الشواف في الموصل سنة 1959 والموسومة: ( الإعصار والمئذنة )، والتي نشرت ولأكثر من مرة أولها في سنة 1982 وأخرها في سنة 1987
. ويعد الأستاذ الدكتور عماد الدين خليل، اليوم ،حجة في تاريخ الجزيرة والشام أبان العصور الوسطى . ومما يميز كتاباته، انه لم يقتصر على معالجة الأحداث سياسياً ،بل كان يتناولها بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فيكسبها رونقاً وسلاسة تجعل القارئ يقبل عليها بنهم ولذة وسعادة .. ولربما جاء ذلك من اهتماماته بالنواحي التربوية، ومعرفته بخبايا وخفايا النفس الإنسانية وطرق الولوج إليها بيسر وسهولة .. وقد أعطت هذه الميزة ،كتابات الدكتور عماد الدين خليل، شهرة واسعة خاصة بين الشباب وغيرهم .
كما أن الدكتور عماد، فوق هذا وذاك، مهتم بفلسفة التاريخ، والمهتمين بهذا النمط من الدراسات قلة ، لما يتطلبه ذلك من معرفة بعلوم النفس، والتربية ،والاقتصاد، والاجتماع . فعلى سبيل المثال، عندما يقدم التاريخ الإسلامي إلى القارئ ،نراه قادراً على اختيار ونحت المفاهيم والمبادئ الأساسية التي تتحكم بمجرى الفعل الحضاري الإنساني.. فثمة مبدأ الاستخلاف ،ومبدأ التوازن، ومبدأ التسخير، ومبدأ الارتباط بين الخلق والخالق .. وفي هذا المجال يحرص على ما يمكن تسميته بـ ( أسلمة المعرفة ) ويقصد من وراء ذلك ممارسة النشاط المعرفي كشفاً وتجميعاً وتوصيلاً ونشراً، من زاوية الرؤية الإسلامية للكون والحياة والإنسان .
ويذهب إلى تحديد مستويات هذه الرؤية بأربع مجالات هي على التوالي: الضرورة العقيدية، والضرورة الإنسانية، والضرورة الحضارية، والضرورة الإنسانية .
وينتقد الأستاذ الدكتور عماد الدين خليل مناهج المستشرقين، ولكن يحترم في الوقت نفسه انجازات بعضهم وخاصة المنصفين منهم .
ففي كتابه المستشرقون والسيرة النبوية يقيم دراسة مقارنة لمنهج المستشرق الانكليزي المعروف ( مونتغمرى وات ) وخاصة في كتابه ( محمد في مكة ) وينتقده لإسقاطه الرؤية المعاصرة على السيرة ، ويخلص إلى أن ( وات ) ،وان عرف بالموضوعية والحيادية ،إلا انه وغيره من المستشرقين غير قادرين على فهم روحية السيرة ،لذلك فهم يمارسون نوعاً من التمزيق لنسيجها الحي .
اهتم الأستاذ الدكتور عماد الدين خليل بقضايا حساسة في التاريخ الإسلامي أبرزها مسألة الحكم ، وانتشار الرسالة ، ومغزى الجهاد ، وعالمية الإسلام ، والصراعات الأسرية ، وعناصر المجتمع الإسلامي . وفي كتابه( التفسير الإسلامي للتاريخ) ، يجد في القران الكريم ، كما يقول أستاذنا الدكتور عمر محمد الطالب رحمه الله ،في كتابه ( الكتاب والمؤلفون في الموصل في القرن العشرين )، المساحة التاريخية واسعة .
لهذا نجد أن هناك حشداً من الوقائع التاريخية عن طريق الآيات والمواقف القرآنية التي يحدثنا بها المفسرون عن أسباب النزول والتي وردت في أعقاب عدد كبير من أحداث السيرة التي تعلق وتفند وتلامس وتبين وتوجه وتصوغ انطلاقا من هذه الأحداث .. إلى جانب سور كاملة ومقاطع مهمة تبين أبعاد المساحة الشاسعة التي أعطاها القران الكريم للمسألة التاريخية وببعديها الديني والدنيوي .
وينتقد الدكتور عماد الدين خليل، المناهج التقليدية في دراسة التاريخ ويأخذ عليها أنها تعتمد التبدل والتغير في الأسر والحكام، والرؤية التجزيئية التي تدرس التاريخ أشتاتا مبعثرة ، وحرصها على التأكيد المتضمن على الجوانب السياسية والعسكرية وإهمالها للتأثيرات الإسلامية العميقة في النسيج الاجتماعي ،وأخيرا تقطيعها للظواهر التاريخية الكبيرة، وبعثرتها من خلال المعالجة الأفقية المتزامنة التي تدرس كل عصر على حدة بدلاً من المتابعة العمودية لكل ظاهرة عبر مجرى التاريخ الإسلامي . ويقدم الدكتور عماد الدين خليل، منهجاً بديلاً يقوم على أساس فهم التاريخ الإسلامي من خلال وحدة الحركة وكسر القشرة الخارجية للأحداث والمتغيرات والتحقق برؤية شمولية تلم التفاصيل والجزيئات ومتابعة الظواهر التاريخية الكبرى عمودياً وتسليط الضوء على العلاقة المتبادلة بين الدين والتاريخ وأخيرا تحقيق التوازن المطلوب في البحث بين الجوانب العقيدية من جهة والجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية من جهة أخرى ..
الخلاصة أن الكتابة عن منهجية الدكتور عماد الدين خليل ورؤيته للتاريخ بأنماطه المختلفة لا يمكن أن تكتمل وهو لا يزال في عز عطائه العلمي وقد يذهب البعض ومنهم الدكتور عمر الطالب إلى انه لو تفرغ للكتابة التاريخية الصرف بدلاً من توزيع اهتماماته لكان قد قدم خدمة أوسع لدارسي التاريخ ، إلا أننا نرى بان اهتماماته تلك وخاصة في مجالات الأدب والنقد قد عمقت رؤيته التاريخية وجعلته في مصاف فلاسفة التاريخ ، أكثر من كونه مؤرخاً أكاديميا تقليدياً .. فضلا عن أننا نعتقد بان ما قدمه على صعيد الكتابة التاريخية يرقى إلى مستويات عالمية تجعله يمثل مكانة بارزة في المدرسة التاريخية الإنسانية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق