الثلاثاء، 29 ديسمبر 2020

أصول المناقشات العلمية في الدراسات العليا ا.د. ابراهيم خليل العلاف


 

أصول المناقشات العلمية في الدراسات العليا

ا.د. ابراهيم خليل العلاف

استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل

اولا اتقدم بالشكر والتقدير لعمادة كلية التربية للعلوم الانسانية ولرئاسة قسم التاريخ  -جامعة الموصل لدعوتها لي للحديث في موضوع مهم يتعلق بالدراسات العليا وهو الذي يتعلق بأصول المناقشات العلمية ومن واقع تجربتي التي تمتد لعقود وانا الذي ناقشت الكثير من رسائل الماجستير واطروحات الدكتوراه في مختلف الجامعات العراقية والحمد لله .

وحتى اضع موضوع المناقشات العلمية في سياقه الصحيح اقول انني سأتحدث عن جانبي الشكل والمضمون وابدأ بالشكل وهو ان على الاستاذ المناقش ان يكون مستعدا لمناقشة الرسالة أو الاطروحة من الناحيتين النفسية والعقلية وان يتسلح بأدوات النقاش وان يلتزم بالضوابط  المقررة في نظام وقوانين الدراسات العليا  ومن ذلك الالتزام بالوقت  والتركيز على ما يقرره رئيس الجلسة ويتفق عليه جميع اعضاء لجنة المناقشة .

وفيما يتعلق بشكل المناقشة على الاستاذ المناقش ان يرتدي الروب الجامعي وان يظهر وهو جالس على منصة المناقشة بأحلى صورة وحاله في هذا حال القاضي في المحكمة وعندما يريد ان يخرج من القاعة عليه ان يستأذن من رئيس  اللجنة وان لا يبتعد كثيرا عن جو المناقشة وان يعود سريعا وان ينصت لزملائه عندما يدلون بملاحظاتهم على الرسالة وان لا يتدخل  في مناقشة زملاءه الا في حالة الضرورة القصوى وبعد الاستئذان من رئيس الجلسة وان لا ينشغل بالأمور الثانوية وان يصغي لمجريات المناقشة .

هذا على مستوى الشكل .. أما على مستوى المضمون فعلى الاستاذ المناقش ان يقرأ الرسالة أو الاطروحة قراءة دقيقة وان يؤشر ملاحظاته العامة والخاصة عليها وان يستفيد من فسحة الشهر المخصص له لتسجيل ملاحظاته وتقييماته للرسالة أو الاطروحة وهنا اود التأكيد على ان من الضروري تسجيل الملاحظات في اوراق خاصة وعدم الاعتماد على الذاكرة .كما ان على الاستاذ المناقش ان يقسم ملاحظاته الى ملاحظات ذات طابع عام وملاحظات ذات طابع خاص وان يوضح للطالب ملاحظاته بلغة سهلة وبسيطة وان يركز على الجوانب الفكرية والفلسفية في الرسالة او الاطروحة لا أن ينشغل بالأمور الثانوية والاخطاء المطبعية او النحوية .

عليه ان يقيم الرسالة او الاطروحة من حيث قيمتها العلمية كفكرة راح الطالب يبحث فيها ويوثق  ما لها وما عليها وهذا ما نسميه بال(    THEM    )  أي الفكرة التي يريد الطالب ان يدرسها او يناقشها ويحللها للوصول الى النتائج المرجوة .

وبعد ان ينتهي من الافكار الرئيسية للرسالة او الاطروحة عليه ان يدخل في تفاصيل الامور الاخرى من قبيل التزام الطالب بالتحليل تحليل النصوص وربطها ببعضها وطريقته في تفكيكها ثم اعادة بنائها وفق اسس علمية رصينة تبعا لطريقة البحث العلمية المعروفة وهي الخطوات التي يقوم بها الباحث للوصول الى الحقيقة التاريخية ومنها كيفية اختياره للموضوع وجمع المصادر والمراجع ومن ثم وضع خطة واعادة بناء الرسالة او الاطروحة ويقينا اننا في الماجستير لا نلح كثيرا على الباحث من جهة الاتيان بالجديد والاصيل لان رسالة الماجستير هي خطوة او مرحلة لتدريب الباحث .

اما في اطروحة الدكتوراه فالأصالة مطلوبة والابتكار مطلوب والاتيان بالجديد غير المعروف مطلوب .

هنا الاستاذ المشرف يجب ان يفسح المجال للباحث لكي يجيب عن تساؤلاته وان يقيمه من خلال رده ومناقشته على ما يثيره الاستاذ المناقش . وهنا على الطالب ان يبرز قدراته وان يكون على علم بما يجب ان يقوله للأستاذ المناقش وان يسجل الملاحظات على امل تصحيح رسالته أو اطروحته بموجب هذه الملاحظات .

دائما ما ادعو الباحث وادعو الاستاذ المناقش ان يكونا على معرفة بقوانين وتعليمات وانظمة الدراسات العليا من حيث طباعة الرسالة او الاطروحة ومن حيث الالتزام بالمنهجية العلمية وخطوات البحث العلمي او المثودولوجيا اي طريقة البحث العلمي وان يلتزم الباحث بعدد الصفحات وترتيب الرسالة والاهداء والفهرست وتحليل المصادر الرئيسة التي ارتكزت عليها الرسالة او الاطروحة وللأسف هذه العادة العلمية تتعرض ومنذ سنوات للترك فالباحث يعرض المصادر ولا يحللها  وهذا شيء غير صحيح فتحليل المصادر والمراجع مهم جدا وفي بعض الاقسام العلمية الاخرى الباحث مطالب بأن يقدم تحليلا للدراسات السابقة .بينما نحن في اقسام التاريخ نكتفي بتحليل المصادر المعتمدة وتوضيح صلتها بالرسالة او الاطروحة .

اعود الى الباحث فأقول ان عليه وهو يستعد ليوم المناقشة ان يكتب  ملخصا لكلمة يلقيها امام لجنة المناقشة واهم شيء ان تكون مكثفة وشاملة تتضمن الاشارة الى اهمية الموضوع والخطة التي وضعت على اساسها الرسالة او الاطروحة والفصول والنتائج التي توصل اليها والمشكلات التي واجهته ودائما انصح الطلبة بأن تتضمن الكلمة جانبا من مقدمة الرسالة او الاطروحة وجنبا من الملخص واحبذ ان لا يستغرق وقت القاء الكلمة عن نصف ساعة وان يكون الباحث واضحا وان يتدرب على القاء الكلمة  قبل ذلك وان يكون هادئا ورزينا  وان تكون الكلمة سليمة من حيث اللغة وان تتميز بحسن النبرات وتنوع النغمات كما يقول الاستاذ الدكتور احمد شلبي في كتابه (كيف تكتب بحثا او رسالة  ) ،وان يوزع نظراته توزيعا منظما على من هو موجود في قاعة المناقشة فضلا عن حسن السمت وجودة المظهر . وعليه ان يبتعد عن الظهور بمظهر المغرور والا يبدو من عباراته ما يدل على الكبرياء والاعتداد الزائد بالنفس بل عليه ان يظهر بمظهر المتواضع الذي هو من ابرز اخلاق العلماء فيقول انه حاول وانه يرجو ان يكون قد وفق فيما قصد اليه .وبعد الانتهاء من القاء كلمته عليه ان يكون مستعدا لتلقي ما يوجه اليه من ملاحظات وان يسجل ذلك ويعد بالتصحيح وانا دائما ادعو الباحث ان بناقش ما يراه غير صحيحا من طروحات المناقشين بشرط العودة الى المصادر .

وبشأن وقت المناقشة اقول ان رسالة الماجستير تحتاج الى اربعة ساعات واطروحة الدكتوراه تحتاج الى خمسة ساعات وانا شخصيا كنت اقد المناقشين واعطي لكل واحد منهم نصف ساعة فقط .

المهم هو ان تقتنع اللجنة بمقدرة الباحث وتقف عند جهده وطريقة تفكيره وشخصيته ، واستعداداته ليكون في المستقبل مشروع باحث واستاذ .

شخصية الباحث وجهده نقطة لابد ان يأخذها المناقش بنظر الاعتبار فليس من المعقول ان يظهر الباحث وكأنه عديم الشخصية لا رأي له ولا دور سوى تجميع النصوص وتسطيرها .نعم انا من الذين يذهبون مذهب الفيلسوف الالماني ليوبولد فون رانكه في ان وظيفة المؤرخ هي ان يعيد تشكيل الحدث كما وقع بالضبط لكن هذا لابد ان يحدث في ظل اعادة ترتيب وصياغة منطق الحدث التاريخي وفق سياقاته الزمنية وان يكون للباحث رأي في  الموضوع الذي يكتب فيه فهو مطالب بأن تظهر شخصيته العلمية بأجمل صورة من خلال ما يصل اليه من نتائج ولكن في ضوء النص التاريخي والتفسير التاريخي العقلاني الصحيح والمنطقي .

والاستاذ المناقش وهو يناقش الرسالة أو الاطروحة عليه ان يبرز شخصيته العلمية كذلك وان يظهر للباحث ولكل من يستمع الى المناقشة ان له اراء خاصة في هذه الرسالة او الاطروحة وانه مطلع على ابعادها ويعرف ما وصلت اليه من نتائج علمية دقيقة تجعل من الباحث واحدا من مشاريع اساتذة ومؤرخين في المستقبل يمتلكون شخصية علمية ومعرفة دقيقة بمجرى التاريخ ومدارسه المختلفة .

نقطة مهمة اريد التأكيد عليها وهي العناية باللغة وعلامات الترقيم ووضع الملاحق وترتيب المصادر والمراجع والاشكال والخرائط كما ادعو الى الاهتمام بالملخص الانكليزي ال ABSTRACT  فهذا مما هو مهم من حيث فهرسة الرسالة او الاطروحة في المكتبات العالمية وتسهيل اطلاع من يريد الاطلاع عليها وهو لايحسن اللغة العربية .

الاستاذ المشرف بعد انتهاء الباحث وطبع رسالته او اطروحته يكتب تقريرا الى رئيس القسم او رئيس لجنة الدراسات العليا يوضح فيه ان الباحث انتهى وان لابد من تأليف لجنة مناقشة وعليه ان يختار المتخصصين وتؤخذ الدرجة العلمية بنظر الاعتبار ان كان هذا على مستوى الماجستير او الدكتوراه واللجنة تناقش الباحث وتمنحه الشهادة او توصي بمنحه الشهادة ويقر مجلس الكلية المعنية ذلك ثم يرفع الامر الى رئاسة الجامعة ليصدر الامر الجامعي بمنحه الشهادة وهناك نظم تتبع في بعض الجامعات ومنها مثلا ما كان يجري في جامعة بغداد في زماننا وهي ان ترسل الرسالة او الاطروحة الى خبير من خارج العراق وهو من يقرر صلاحية المناقشة وبعدها تتشكل لجنة المناقشة .ولجنة المناقشة من المؤكد انها تأخذ بنظر الاعتبار موقف الباحث وقدرته في الدفاع عن رسالته  او اطروحته وان تتثبت من كفاءته وسعة افقه وعمق ثقافته وبعد المناقشة الباحث يعدل الرسالة او الاطروحة بإشراف احد الممتحنين وهو من يقرر انه قام بالتعديلات وعندئذ يوقع بقية اعضاء اللجنة على الرسالة او الأطروحة وقد ترد الرسالة او الاطروحة وتعطى فترة لإجراء تعديلات وقد تقدم للمناقشة مرة اخرى وقد  يمنح الطالب الماجستير كما في بريطانيا بدلا من الدكتوراه اذا كان مستوى الرسالة ليس بالعمق المطلوب او ان الموضوع لا يرقى ان  يكون بمستوى شهادة الدكتوراه .

ويجب ان نعرف ان هناك شهادات بتسميات مختلفة فهناك مثلا الكانديدات في روسيا اي المرشح للدكتوراه او ان تكون هناك دكتوراه في روسيا ولكنها تساوي الماجستير والطالب يجب ان يأخذ ناووك اي دكتوراه فلسفة وفي فرنسا هناك المتريز  والحلقة الثالثة دكتوراه لكنها ليست شهادة الدكتوراه PHD  اي دكتوراه فلسفة كما هو الامر في العراق او بريطانيا .

فقط اريد ان انبه الى اهمية اعادة العمل بالمناقشات العلنية لما لها من دور في تدريب طلبة الدراسات العليا واستمرا لتقليد جرت عليه الدراسات العليا في العراق منذ نشأتها في الستينات من القرن الماضي ولكن ثمة نقطة احذر منها وهي هذه (الكبكبة) التي ترافق اجراء المناقشات من قبيل تقديم العصائر والكيك والشاي والقهوة ومن ثم الدعوة الى المطاعم ويعرف كثيرون انني قد ناقشت واشرفت على المئات لكني ارفض الذهاب لتناول الطعام في المطاعم وارى ان هذا عبء مادي على الباحث وعلى اسرته فضلا عن ان لهذه العادة اثار سلبية على تقييم الرسالة او الاطروحة مما يحرج الباحث ولجنة المناقشة .

اتمنى لباحثينا الاعزاء ولزملائنا الكرام كل توفيق ونجاح وتقدم .

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق