الأحد، 24 نوفمبر 2019

حاوي الكنيسة (الجنيسة ) في مدينة الموصل

                                                                        دير مار ميخائيل
 
                                                       النييص فوق ظهر الاسد يعبث بلحمه ودمه
                                   أُقدم الحلقة من  برنامجي التلفزيوني اليومي ( موصليات ) من على قناة الموصلية




حاوي الكنيسة في مدينة الموصل *
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس  - جامعة الموصل
ومن منا لايعرف حاوي الجنيسة  كما يسميه الناس بالعامية او حاوي الكنيسة باللغة العربية الفصحى . وكلمة الحاوي تعني الأرض التي تحتوي مياه الفيضان طبعا فيضان ارض دجلة الخالد وهو دائم الفيضان والارض التي تنحسر عنها مياه الفيضان تسمى الحاوي .. ومن منا لايعرف ان حاوي الكنيسة هذا يضم ديرا  قديما من اديرة الموصل العديدة هو دير ما ميخائيل . ومن منا لايعرف ان فيه تل يسميه الناس تل الشويطين . وحاوي الجنيسة يقع على الضفة الغربية لنهر دجلة الخالد وهو ارض منبسطة فيه الكثير من بساتين الخضراوات ليس اليوم وانما منذ الاف السنين وهذه الارض المنبسطة تع في شمال غرب مدينة الموصل وهذا الحاوي الذي كان يضم اشجارا كثيفة يمتد من دير ميخائيل الى لحف التل الذي يقع عليه اليوم قصر الحاج توفيق افندي الفخري والذي يطل على بناية المستشفى العام عند فندق الموصل السياحي وقد سمي هذا الحاوي بحاوي الجنيسة لمجاورته كنيسة ودير مار ميخائيل اي القديس ميخائيل لان كلمة مار تعني القديس وكما يشير استاذنا وشيخنا الاستاذ سعيد الديوه جي فإن الارض المنبسطة التي  تشكل حاوي الجنيسة خلفها نهر دجلة الذي حول مجراه قليلا في شمال غربي الموصل منذ قرن عدة مرات والاراضي التي انحسرت عنها المياه لاتزال ظاهرة للعيان في شرقي حاوي الكنيسة وشماله .
وكما هو معروف فإن الارض التي تحت قره سراي وهو بقايا دور المملكة مملكة الموصل في العهد الاتابكي كانت بعيدة عن النهر فكانت من ملاعب المدينة تقام فيها الحلبات والالعاب المختلفة .اما اليوم فيجري نهر دلة فوق قسم كبير منها  وكان يغطيها كلها في موسم الفيضان .
وحاوي الجنيسة حاو خصب صالح للزراعة بحكم انبساطه وقربه من نهر دجلة لذلك قامت بالقرب منه وعلى حافته مزارع عديدة لاتزال قائمة حتى يومنا هذا ويستفيد من هذه المزارع في انتاجها للخضراوات ليس اهل القرية القريبة منها بل وحتى ابناءالموصل فالمزارعين يأتون بمحصولهم الى اسواق الخضراوات في الموصل وخاصة عندما كان هناك الكمرك القديم في الميدان قرب الجسر القديم .
ومن معالم حاوي الجنيسة  تل الشويطين او تل الشياطسن وتل الشويطين يقع في نهاية وادي عكاب ويلتقي وادي عكاب بحاوي الجنيسة ويقع على  وادي الشياطين  تل الشويطين وهو على يسار الذاهب من الموصل الى دير ميخائيل في المحل الذي ينزل منه الى حاوي الجنيسة وكان عليه دير ايضا يسمى دير الشياطين ذكره المؤرخ الموصلي الكبير ابو زكريا الازدي في كتابه (تاريخ الموصل ) ضمن حديثه عن حوادث سنة 129 هجرية كما ذكره  البلداني العربي ياقوت الحموي  في كتابه ( معجم البلدان ) وذكره العمري في (مسالك الابصار ) وذكره الشابشتي في كتابه (الديارات ) وقال عنه المؤرخ الموصلي ياسين العمري في كتابه ( منية الادباء في تاريخ الموصل الحدباء )  ان هناك دير حسن البناء يقع قريبا من وادي الشياطين وطبعا هو يقصد دير مار ميخائيل .
ودير مار ميخائيل هو المعلم المهم الموجود في حاوي الجنيسة .ودير مار ميخائيل يسمى ايضا (دير الملائكة ) وقد كتب عنه المؤرخ المطران سليمان صايغ في الجزء الثالث من كتابه (تاريخ الموصل ) المنشور في القاهرة سنة 1923 فقال انه يقع على نهر دجلة شمال شرقي مدينة الموصل على مسافة نحو خمسة كيلومترات وفي الدير اقنية عدة وحوله غرف لسكنى الزائرين الذين يؤمون هذا الدير خاصة ايام الربيع لحسن موقعه وجمال الطبيعة فيه والزائر لهذا الدير لايرى سوى هيكله ذلك انه تعرض مرات عديدة للخراب وهيكله البالغ طور نحو 25 مترا وعرضا نحو 12 مترا وهو قديم الطلااز وخال من زخارف الفن العربي وعلى هذا الاساس فعمارته تسبق العصر الاتابكي وقد رمم اكثر من مرة وليس فيه من النقوش الا صورتين تمثل كل منهما اسدا والنيص فوق ظهره يعبث بلحمه ويمتص دمه والاسد عاجز عن ان يفعل شيئا كما ترون في الصورة المرفقة بهذا الكلام .والصورتان محفورتان على حجر في عضادتين على يمين المذبح .
ويقع ضريح مار ميخائيل اي القديس ميخائيل في الجدار الخلفي من الهيكل على يمين الداخل اليه وتوجد على جدار الهيكل الداخلي كتابة منقوشة على قطعة من المرمر تذكر بأنه جدد لاخر مرة سنة 1867 ميلادية واظن انه جدد في الثمانينات من القرن العشرين .
اقام مار ميخائيل في الموصل  وهو بالاصل من اهل امد في ديار بكر وكانت  الموصل تسمى حصنا عبرايا وقد قصده اهلها  في اواخر القرن الثالث الميلادي واوائل القرن الرابع الميلادي وطلبوا اليه ان يؤسس لهم ديرا .وقد لبى طلبهم واختار موقع ديره قريبا من نهر دجلة واقبل عليه الناس ايما اقبال واسس في الدير مدرسة ويقول كاتب سيرته انه اختار لمدرسته بعد ان نظم قوانين الدير مدرسين ورؤساء ومدبرين وبوابين وخدم وطباخين وخازنين وحافظين وبقي يدير الدير والمدرسة اثنتي عشرة سنة وكان في الدير الف راهب واوصاهم بالمحافظة على الدير وكان ذلك عندما شعر بقرب اجله واخذ يبكي ويتنبأ بان الدير سيتعرض للخراب في مستقبل الايام وسوف يكون مأوى للانعام الى ان يقيم الله رجلا من ابناء الموصل يعيده الى حالته الاولى .
من الذين تولوا ادارة الدير شموئيل ويوسف بوسنايا وكان شموئيل يعيش في القرن العاشر الميلادي .وكان عبد يشوع برشهاري معلما في مدرسة الدير .وكما قلت قبل قليل فإن من كتب سيرة المار او القديس ميخائيل هو يعقوب القسيس كتبها في تاريخ مجهول ثم نقلها الى اللغة العربية القس خدر سنة 1720 ميلادية وطبعت في كتاب (  مجموعة  سير القديسين ) بمطبعة الاباء الدومنيكان في الموصل سنة 1896 .
ان مما يؤسف له ان باني الدير مار ميخائيل تنبأ بخراب الدير وبالفعل تعرض الدير للتخريب اكثر من مرة اخرها خلال سيطرة عناصر داعش على الموصل 2014-2017 وكان الدير قد خرب في الفترة التي نسميها بالفترة المظلمة التي  اعقبت سقوط الموصل على يد المغول سنة 1260  وغالبا ما كان الرهبان يعودون الى الدير ليعمروه .
اشار الاخ الاستاذ عبد الله محمد خضر في كتابه عن التوسع العمراني لمدينة الموصل في القرن العشرين ان التوسع العمراني خارج السور القديم للموصل بدأ في مطلع القرن العشرين وفي نهاية عقد السبعينات شمل منطقة حاوي الكنيسة وان دير وكنيسة مار ميخائيل هو  من اعطى لهذه المنطقة إسمها . واضاف ان التقسيم الاداري الذي على اساسه تم التوسع في الساحل الايمن هو الذي اعتمدته دائرة التسوية  الذي درجت على اعطاء تسلسلات لترقيم القطع ضمن المقاطعات التي يضمها مركز قضاء الموصل وكان عقار مقاطعة رقم (39) يضم حاوي الكنيسة الجنوبية ويشمل عدة احياء هي حي الربيع وحي الرفاعي وحي 17 تموز .
واخيرا فإن حاوي الجنيسة (الكنيسة ) هو من المناطق السياحية في الموصل يقصدها الناس في فصل الربيع وهي منطقة جميلة اقيم في الطريق اليها وخاصة من حي الربيع نزولا الى الحاوي طريق مبلط انتشرت المزارع الخاصة على ضفتي النهر وصولا الى دير مار ميخائيل والتلال المجاورة للدير وللاسف زحف البناء الى الحاوي ويشكل البناء اليوم قرابة 30% من مساحة الوادي مما أثر على قيمة المنطقة من الناحية السياحية . 
____________________________________
*حلقة من برنامجي ( موصليات ) من على قناة الموصلية الفضائية قدمت يوم 24-11-2019 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...