الجمعة، 29 نوفمبر 2019

شارع غازي في الموصل ..الشارع القديم - الجميل ا.د.ابراهيم خليل العلاف



شارع غازي في الموصل ..الشارع القديم - الجميل
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس -جامعة الموصل
شارع غازي.. وهو من الشوارع القديمة ، والجميلة في الموصل يربط بين شارع نينوى سيد شوارع الموصل واقدمها ، بساحة باب الطوب مركز مدينة الموصل .. افتتح شارع غازي سنة 1926 في عهد الملك فيصل الاول 1921-1933 وسمي بإسم ولده الامير غازي . وبعد ثورة 14 تموز سنة 1958 وسقوط النظام الملكي سمي بشارع الثورة لكن الناس منذ ذلك الوقت لايزالون يسمونه شارع غازي . طوله لايزيدعن 250 مترا وقد وسع عدة مرات واصبح عرضه الان قرابة 10 أمتار وتمتد على جانبيه محلات تصليح الساعات والاجهزة الكهربائية والمدافئ فضلا عن دكاكين الخياطين وصالونات الحلاقة والصيدليات وشقق الاطباء ذات الشناشيل (والتي يسميها الموصليون الكوشكات) .
أحب شارع غازي كثيرا وأجد بأنه من الشوارع التي يرتاح فيها الانسان عنما يسير فيه .. إذ يجد كل ما يحتاجه ، ومنذ ان كنت طفلا صغيرا في الاربعينات كنت ارتاد الشارع وأرى فيه من المعالم التي من الصعوبة اليوم ان تغادر مخيلتي فمقهى ابو داؤود التي تجدون صورتها الى جانب هذه السطور كانت في بداية الداخل الى شارع غازي من جهة شارع نينوى وعلى اليسار وقد هدمت وتحتل مكانها اليوم محلات لبيع الاجهزة الكهربائية منها محلات سالم حديد .. وكانت الى جانبها محلات باتا الشهيرة لبيع الاحذية ثم عيادات للاطباء ومنها عياة الدكتور سالم قاسم الجلبي وعيادة المضمد السيد صلاح السيد حمو ثم محل جار الله الساعاتي وبعدها ولده وعدالله لبيع وتصليح الساعات السويسرية الفاخرة ولاننسى محل ابو محمد لتأجير المايكروفونات ومكبرات الصوت وهناك شقة المحامي فخري الخيرو التي شهد( بلكونها ) وقوف عدد من الرجالات الوطنيين يلقون خطبهم امام حشود الناس التي تجمعت تأييدا للثورة ضحى يوم 14 تموز 1958 اي يوم اعلنت الثورة على النظام الملكي وقد القى عدد من الخطباء كلمات في تأييد الثورة وكنت حاضرا في ذلك التجمع الذي حدث قبالة البريد القديم وقبالة دورة شرطي المرور وتجدون صورة التجمع الى جانب هذه السطور .
كان مخزن الدباغ لصاحبه الحاج محمد صالح الدباغ والد الدكتور فخري الدباغ عميد كلية الطب في الموصل والاستاذ خيري من معالم هذا الشارع ..كما كان محل قريبنا زكي عبد الساعاتي (الساعة جي ) المقابل له من معالم الشارع.. وكذلك دكاكين احمد طه لتصليح وبيع المدافئ النفطية من معالم الشارع ..وكانت ثمة دروب من شارع غازي تصل الشارع بشارع النجفي وبسوق باب السراي وبعلوة الحنطة القديمة في الميدان .
وكان لجريدة فتى العراق التي صدرت لاول مرة سنة 1930 بجهود المحامي احمد سعد الدين زيادة ثم ابراهيم محمود الجلبي مكان في الشارع .وكان الى جانبها مطبعتهم مطبعة أم الربيعين .
في الثلاثينات كان عدد من الخياطين المسلمين والمسيحيين واليهود يجدون في شارع غازي مكانا لهم كما كان باعة الاحذية وصناعها مكانا لهم في هذا الشارع فثمة محلات بطرس جرجيس وحامد حمودي وسعيد دنان ومتي جرجيس ووصفي سامي ويونس نجات الذي كان يمتلك معملا صغيرا لصنع الاحذية في الشارع .
وكان لانطوان زبوني مكتب للاستيراد والتصدير في شارع غازي وكان متخصصا بتصدير الجلود .كما كان لجبرائيل زبوني وكيلا لشركة الشرق المصرية للتأمين على الحياة وكان شاؤول سيمانطوب يمتلك محلا لبيع التحف والانتيكات .
ومن صالونات الحلاقة في شارع غازي صالون ابراهيم عمر وصالون سيروب زادويان وصالون عبد القادر فتحي وصالون محمد بكر وصالون محمد عبد الرحمن وصالون يوسف حنا .
ومن الخياطين أحمد شاكر واحمد نجم وبهنان بني وارتين كيورك وجميل حنا وحسن ثابت وحنا غريب وزكريا آدمو وطاطول كريكور وطاويك كريكوريان وعبد الله جوادين ومحمد حاج اسماعيل ويعقوب حبالي وناصيف منصور الترزي وكان متخصصا بخياطة الملابس العسكرية وتقع دكانه على جهة شارع غازي اليسرى وقد نشر اعلانا يقول بأنه "خياط عصري مهيب فائق بفن الخياطة الاوربية " .
وكان في شارع غازي اثنان من التجار المتخصصين بإستيراد الدراجات (البايسكلات ) هما ايرم داؤود براز وفتحي جاقماقجي واولاده .في حين تخصص حبيب منصور فهمي ببيع الراديوات وكذلك فتحي جاقماقجي وولده . اما مصطفى سالم فكان يبيع الساعات السويسرية وتخصص سليم حاج بتصدير السجاد واستيراده وكان لنصري وقاقيان معمل صغير في شارع غازي لصنع سجاد المرعز .
وفيما يتعلق بالسيكائر وصنعها وبيعها فكان أحمد النجم وكيلا لاحد معامل السيكائر في الشارع ..كما كان لزبوني وشركاه مكتبا للقومسيون والوكالات العامة وكان لحبيب منصور فهمي وحمدون ملا علي وحميد عبد المجيد وعزيز بدرية وميكائيل داؤود وفائق عمر وفتحي جاقماقجي وولده ومنصور فهمي واولاده محلات لبيع الكرامافونات والاسطوانات .وبشأن محلات بيع المواد الكهربائية والتعهدات والمقاولات في هذا المجال فكان هناك حبيب منصور فهمي وسركيس صائغ وشريف عزيز وهاشم رشدي ..كان محل شريف عزيز وهاشم رشدي متعهدا بمد الاسلاك الكهربائية وبيع ادواتها .
وكان ايرم داؤود براز متخصصا بإستيراد المطابخ والمدافئ .وكان لشركة سنكر الشهيرة مكتبا لاستيرادوبيع مكائن الخياطة بالمفرد ..وكان يعقوب ساعاتي متخصصا بإستيراد وتجارة المنسوجات وله محل في شارع غازي في الثلاثينات .كما كان لجميل داؤود معملا صغيرا للنجارة . وكان لفضيل محفوظ وهو صاحب مطبعة في الموصل محلا لبيع وطبع ورق اللعب والتجارة فيه .
من مكاتب المحامين في شارع غازي في الثلاثينات مكتب المحامي احمد النجم ومكتب المحامي جرجيس سرسم ومكتب المحامي عمر خلوص الراشد .كل هذا كان في الثلاثينات من القرن الماضي .
أما في الاربعينات والخمسينات وقد ادركت شارع غازي وكان مزدحما ايضا بالمكاتب والصيدليات والدكاكين ..كان مكتب المحامي فخري الخيرو في بداية الشارع من جهة باب الطوب والساحة التي عرفت لاحقا بساحة صقور الحضر وقد ازيلت للاسف الشديد كانت ساحة جميلة تزينها تماثيل من الصقور الحضرية ..
كان هناك دكان محمد الحاج جاسم التوتونجي وفوقه مكتب حمو القدو للتجارة يليه دكان الخياط يونس ذنون ثم دكان مصلح الراديوات احمد عبد المجيد والى جانبه دكان الحلاق محمد علي ودكان الحلاق قاسم يحيى وحل جار الله الساعاتي وولده وعد الله ومكتب المحاميان غربي الحاج احمد وقاسم المفتي ..ثم يأتي الزقاق الذي يؤدي الى شارع النجفي وبعدها وكالة سيكائر غازي لصاحبيها محمد وفاضل عبد العزيز الرحاوي وفوقه مكتب المحامي جرجيس فتح الله وعيادة الدكتور عبد الاله الجوادي وعيادة الطبيب بشير يونس الدباغ وتحته دكان خليل التوتنجي ودكان مصطفى صالح الساعاتي وكيل ساعات شهرزاد ودكان محمد الكردي صباغ الاحذية ودكان محمد مرعي بائع الشربت وهكذا كان هناك دكان محمد اسماعيل صاحب مخزن محمد لبيع الراديوات وتأجير مكبرات الصوت واتذكر ان جامعة الموصل كانت تؤجر منه المايكروفونات ومكبرات الصوت .
ذكرت دكاكين يونس الحاج طه الدباغ وهو ابن أحمد طه الذي ذكرته انفا عندما تحدثت عن الشارع في الثلاثينات وهو الان من ابرز مصلحي وباعة الطباخات والبريمزات النفطية وتحتل دكاكينه ركنا في أس زقاق يؤدي الى شارع النجفي وكان في داخل الزقاق مكتب جريدة فتى العراق التي كانت قد صدرت لاول مرة سنة 1930 ثم اصدرها احمد سعد الدين زيادة سنة 1934 وتنازل عنها فيما بعد الى مدير الادارة ابراهيم الجلبي وولديه محمود واحمد سامي والذي اعاد اصدارها سنة 2003 وتوقفت سنة 2010 .
اتذكر دكان نجم الحلاق وعيادة الاشعة للدكتور سالم قاسم الجلبي ومخزن الدباغ لصاحبه خيري الدباغ بن الحاج صالح الدباغ ،وكان مخونا راقيا متخصصا ببيع افضل القمصان (هاليفاكس ) وافضل اللاربطة والبدلات الرجالية .
واتذكر صيدلية مطلوب وعيادة الدكتور محمد ياسين الدبوني ومقهى ابو داؤود ومحل حميد نجيب وكان يبيع الكرزات الموصلية واتذكر عيادة الدكتور مارسيل بيو وعيادة الدكتور كما يونس شريف ومخزن ريفولي لعز الدين محمد كركجي وكان متخصصا ببيع قمصان ألفا الشهيرة وعيادة صديقنا الدكتور كره بيت والذي كان يروي لنا حين كان يجالسنا في المركز الثقافي والاجتماعي التابع لجامعة الموصل في القاضية قصصا من تجاربه في العيادة مع المرضى ولاننسى محلات شهاب الحمامي لبيع الاجهزة الكهربائية وكانت ابنته الاخت الاستاذة مزاحمة (زوجة الصديق الاستاذ الدكتور محمد شرتوح الرحبي استاذ الجغرافية ) طالبة معنا في كلية التربية –جامعة بغداد.
في شارع غازي اليوم بناية لمصرف الرشيد ومحلات لبيع الملابس وقبل ايام كنت في زيارة لصديقي الحارث بن معد الجبوري وقد جلسنا عنده صدفة ولديه دكان لبيع الملابس الجاهزة وكان الدكتور وليد الصراف الشاعر الكبير معنا ايضا والى جانبه محل قديم لشوي الكباب والتكه فضلا عن محلات كثيرة متنوعة منها محل ممدوح الصواف لبيع الاجهزة الكهربائية ، ورأيته شارعا يعج بالحركة ومما يزيد في صعوبة التجول فيه كثرة الباعة المتجولين واصحاب البسطات .
شارع غازي فيه من عبق التاريخ الكثير .. إرتبطت به الكثير من الاحداث الوطنية فكل التظاهرات المناؤئة لانظمة الحكم كانت تمر به .كما كانت مواكب مهرجانات الربيع تجد لها طريقا فيه وهي متجهة الى بناية المحافظة ... أدام الله لنا شارعنا الجميل والعريق وأدام اهله ومرتاديه .
*https://www.youtube.com/watch?v=nklgk4sRf1k11-1-2018
*الان 29-11-2019 الشارع يعود والحمد لله

الأربعاء، 27 نوفمبر 2019

الاقتصاد السياسي لإنتفاضة تشرين العراقية أ.د. سناء عبد القادر مصطفى



الاقتصاد السياسي لإنتفاضة تشرين العراقية

أ.د. سناء عبد القادر مصطفى

لم تكن انتفاضة تشرين في العراق محض صدفة أو نزوة شباب طائشين من كلا الجنسين ، وانما جاءت نتيجة لتراكمات كمية ونوعية خلال ستة عشر عاما . ومنذ الاحتلال الأجنبي من قبل 16 دولة للعراق منذ العام 2003. ولم يكن اللذين قدموا الى العراق فوق الدبابات الأمريكية أفضل من اللذين حكموا العراق قبلهم، بل وإنما أسوا بكثير. ولهذا فسوف أستعرض ما كتبته ونشرته في المواقع الاقتصادية والإعلامية بهذا الخصوص والذي يصب في الأسباب الاقتصادية لانتفاضة تشرين الباسلة:
·  لم يحدد الدستور العراقي طبيعة النظام الاقتصادي فقد جاء في المادة 25 ما يلي: «تكفل الدولة اصلاح الاقتصاد العراقي وفق اسس اقتصادية حديثة وبما يضمن استثمار كامل موارده وتنويع مصادره وتشجيع القطاع الخاص وتنميته» (الدستور العراقي). ومن قراءة هذه المادة يتضح لنا أن الدستور العراقي لم يحدد طبيعة النظام الاقتصادي ولا المنهجية التي يستند عليها. وبالنتيجة فإن السياسة الاقتصادية للبلد كانت مبهمة منذ العام 2003 وغير معروفة للمواطنين. وهذا كله بسبب الوضع السياسي غير المستقر، لذا فإن كل معالجة لأية مشكلة اقتصادية في البلد تعد ناقصة لعدم وجود فلسفة اقتصادية يرتكز عليها الإقتصاد الوطني (1).
·  إن تعدد المشاكل السياسية وتفاقهما بسبب عملية المحاصصة الطائفية المتخلفة، أصبحت الوزارات مقسمة وتدار حسب الولاءات السياسية والطائفية المتعجرفة وانعدام المهنية والكفاءة العلمية، وهذا ما أدى الى غياب التنمية الاقتصادية وفق خطط اقتصادية مدروسة، وإنما بالمقابل اتخذت حلول آنية سريعة وغير مبنية على التخطيط العلمي الشامل لجميع القطاعات الاقتصادية(2).
·  هذا وتعرض القطاع الصناعي العراقي الى تدمير وتعطيل منشئاته العامة والخاصة خلال الحصار الاقتصادي منذ العام 1992 وكذلك الاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003 والاطاحة بالنظام الاستبدادي، وما تبع ذلك من تدمير وحرق وسلب ونهب لمؤسسات الدولة والمصارف الحكومية والمصانع وغيرها. ولهذه الاسباب توقفت كثير من المصانع عن الانتاج. أما المصانع التي استطاعت معاودة نشاطها فإنها تعاني من انعدام الخدمات الاساسية وفي مقدمتها الطاقة الكهربائية ومستلزمات الانتاج وارتفاع تكاليف الانتاج بشكل ملحوظ وخاصة اجور نقل العمال. وإضافة الى ما تقدم فإن انفتاح السوق العراقية لكل انواع السلع دون ضوابط او فرض رسوم جمركية او رقابة على الجودة والمواصفات، منذ الاحتلال الأمريكي، ادى الى توقف العديد من المصانع عن الانتاج لعدم قدرتها على المنافسة وتصريف الانتاج. هذا مع العلم أن العديد من السلع الصناعية الداخلة للعراق رديئة النوعية وتباع بأسعار متدنية، وربما دون مستوى تكلفة إنتاجها في بلدانها الاصلية بسبب سياسة الاغراق التي تتبعها دول المنشأ والتي تهدف من ورائها الى السيطرة على السوق العراقية، ومن ثم امكانية رفع اسعار تلك السلع في ما بعد. وطالب الكثير من الإقتصاديين والسياسيين ورجال الاعمال مواجهة هذه الحالة ولكن لم يلقوا آذاناً صاغية من الجهات الحكومية. والذي يدعو للاستغراب ان بعض الوزراء والمسؤولين يصرحون من وقت لآخر بمضاعفة التبادل التجاري بين العراق ودول مجاورة مثل تركيا وإيران، وكأن تحقيق زيادة في استيراد السلع يمثل انجازاً اقتصادياً كبيراً حتى ولو كان ذلك يتم على حساب تدمير الانتاج المحلي وزيادة عدد العاطلين عن العمل وهدر موارد النفط على الانفاق الاستهلاكي الجاري وحرمان البلد من فرص الاستثمار والتنمية (3).
·  ويلاحظ المراقب للأسواق العراقية ان السلع من الدول المجاورة مثل إيران (قيمة الاستيراد من إيران 16 مليون دولار أمريكي) وتركيا (قيمة الاستيراد 14 مليون دولار أمريكي) وغيرها من البلدان تملأ الاسواق العراقية. وعلى سبيل المثال لا الحصر فان السلع الصناعية المختلفة تأتي من ايران ابتداء من السيارات والباصات والأجهزة الكهربائية والمنزلية مرورا بالرز والمواد الغذائية والفواكه والخضر وحتى الطابوق ومواد البناء. ورغم ان ذلك من شأنه توفير السلع بأسعار متدنية ولصالح المستهلك إلا انها من جهة اخرى تعمل على تحطيم وإزاحة الصناعات الوطنية التي تكافح من اجل البقاء ومنافسة السلع المستوردة والحفاظ على العاملين لديها في وقت اصبحت قضية توفير فرص العمل وتخفيف مشكلة البطالة من التحديات الكبيرة التي تواجه البلد؛ حيث اصبحت مشكلة سياسية واجتماعية، فضلا عن كونها مشكلة اقتصادية(4).
وثمة سؤال يطرح نفسه باستمرار وهو: هل من باب المنطق الاقتصادي والمصلحة الوطنية اهدار عوائد النفط على استيراد السلع المختلفة وعلى المصروفات الجارية والاستهلاكية والرواتب لمنتسبي الدولة من الموظفين والشرطة والجيش والذين تتكاثر أعدادهم بشكل مستمر وبما لا ينسجم مع الخدمات والأعمال التي يقدمونها (ظاهرة الفضائيين)، وعدم استخدام تلك الاموال لأغراض الاستثمار والإنتاج الصناعي والنمو الاقتصادي وتشغيل الايدي العاملة العاطلة؟
·  ويعكس هذا الوضع الشاذ للزراعة والصناعة غياب الرؤية الاستراتيجية والتنموية الملائمة. ولهذا يلاحظ غياب التنسيق في ما بين القطاعات الاقتصادية المختلفة، وفي ما بين الوزارات المختلفة: الصناعة والتجارة، الصناعة والكهرباء، الكهرباء والنفط، السياسة النقدية والسياسة المالية... الخ. ان الوزارات والمؤسسات الاقتصادية المختلفة تعمل بشكل منفرد ودون تنسيق في ما بينها بسبب عدم وجود خطط اقتصادية شاملة لكافة فروع الاقتصاد الوطني. ولهذا سوف تستمر العديد من الظواهر الاقتصادية السلبية التي تعمل على استمرار الوضع الاقتصادي الشاذ وإدامة الهدر وضياع فرص التنمية الحقيقية في ظل حالة اللامبالاة لما يجري في البلد.
·  كما لعب استيراد السلع والبضائع بجميع أنواعها الى العراق مع ضعف وحتى انعدام الحماية الكمركية للصناعة الوطنية دورا سلبيا في تطور الإقتصاد الوطني العراقي واصبح العراق في العام 2003 بعد الإحتلال سوقا لتصريف كافة السلع ذات الجودة الرديئة والمنتهية صلاحيتها ابتداءا من السيارات التي يعاد تصليحها بشكل سريع (ريكونديشين) وكذلك السيارات الفاشلة في الفحص التقني في أوربا الذي يجرى في العادة كل سنتين ويسمى بفحص دول الإتحاد الأوربي والفحص الأمريكي الخاص بتلوث البيئة.
·  وتستحوذ الصادرات الإيرانية الى العراق على جزء كبير من استيرادات العراق من الخارج إذ تقسم إلى ثلاثة أنواع: 1- غاز طبيعي وكهرباء، 2- سيارات ومواد غذائية ومستلزمات منزلية وأعمال يدوية، 3- خدمات فنية وهندسية في قطاعات الطاقة والإسكان والصحة والنقل. ويهذا بلغت حصة إيران من سوق السلع العراقي 17.5% بعد أن كانت 13% قبل استيلاء عناصر داعش على محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار وجزء من ديالى وكركوك بحسب تصريح الأمين العام للغرفة التجارية الإيرانية العراقية سنجابي شيرازي. وتهدف ايران -بحسب تصريح شيرازي- لرفع النسبة الى 25% من سوق السلع العراقي في السنوات القادمة .
ويشغل العراق المرتبة الأولى في استيراد السلع غير النفطية من إيران، إذ يستورد 72% من مجموع السلع الإيرانية المحلية. وبهذا فهو يتأرجح من عام لآخر بين مرتبة الشريك التجاري الأول والثاني.
ويبدو أن النشاط التجاري والاستثماري لإيران في العراق لا يستهدف فقط تعظيم أرباحها ولكن أيضاً إزاحة منافسيها الإقليميين اقتصادياً وخاصة تركيا التي تعتبر من أكبر شركاء العراق الاقتصاديين، فمنذ العام 2011 أصبح العراق ثاني أكبر مستورد للسلع التركية، ومنذ العام 2012 أصبح رابع أكبر مستخدم للخدمات الفنية والهندسية التركية. أن حجم التبادل التجاري بين البلدين يبلغ أكثر من 20 مليار دولار $ سنويا، من ضمنه 10 مليارات و 200 مليون دولار صادرات سلع غير نفطية ايرانية.

·  وعلى الرغم من صدور قانون وزارة التخطيط رقم 19 في العام 2009 التي تسعى بموجبه الوزارة الى تحقيق الأهداف المرجوة منه في مجال اعداد ومتابعة تنفيذ خطط التنمية الاقتصادية المتوسطة والبعيدة المدى في البلد بالتنسيق والتعاون مع جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية ومشاريع قطاعي العام الخاص وكذلك القطاع المختلط ومنظمات المجتمع المدني، إلا أنه يجب القول اذا لم يكن هناك تعاون وثيق بين الجهات الواردة الذكر أعلاه فلايمكن تنفيذ أية خطة تنموية لأن الخطة الاقتصادية يجب ان تناقش على كافة المستويات الرسمية والشعبية وفي كافة المشاريع العامة والخاصة- المصانع والمعامل والورش الصناعية وفي جميع وحدات القطاع الزراعي العامة والخاصة والمختلطة ولأن الخطة توضع وتناقش في المشاريع الانتاجية ، أي في أسفل السلم الاجتماعي-الاقتصادي وبعد ذلك ترسل الى قاعدة البيانات في وزارة التخطيط وتناقش من قبل أجهزة الدولة العليا وتعطى على ضوئها التعليمات والتوجيهات والأوامر لتنفيذها مع الأخذ بمقترحات المشاريع الانتاجية في القطاعات المادية وغير المادية. وخلاف ذلك سوف تبقى الخطة الاقتصادية حبر على ورق. ويجب أن لا ننسى أنه لا تخطيط بدون احصاء ولهذا يجب تقوية الجهاز المركزي للإحصاء ورفده بعناصر علمية كفؤة للقيام بالعمليات الإحصائية الميدانية والمكتبية المتعلقة بالتعداد السكاني والصناعي والزراعي وتأمين المعلومات والبيانات وتحليلها حتى تخدم عملية التخطيط والتنمية والتطوير والبحث العلمي. وفي الخاتمة نود أن نقول لم يفقد التخطيط الاقتصادي قوته في الوقت الحاضر وإنما فقد القائمون عليه الجدية والحزم في تطبيق مبادئه المذكورة أعلاه.

·  قامت البروليتاريا الرثة في العراق الذي ينتمي اليها معظم القادة السياسيين المنحدرين من الأحزاب الدينية والطائفية بتأسيس جامعات أهلية معترف بها من قبل وزارة التعليم العالي العراقية بعد أن نالت هي (البروليتاريا الرثة) على شهادات الدكتوراه في مختلف الإختصصات من خلال شراء الشهادات المزورة (في سوق مريدي بمدينة الثورة في بغداد) أو من خلال تقديم الرشوات الى الجامعات المعترف بها أو الى القائمين على وزارة التعليم العالي العراقية عن طريق شراء الذمم أو بالترغيب أو بالتهديد(5).
وبهذا نصل الى الواقع العملي الذي يكشف لنا بأن الاقتصاد الوطني العراقي يدار معظمه من قبل البروليتاريا الرثة التي تملك ثقلا نوعيا في الحكومة العراقية وفي مجلس النواب واللجان الاقتصادية التابعة للأحزاب السياسية التي تستحوذ على عقود الوزارات التابعة لها بالإضافة الى المراكز الإدارية المهمة في أجهزة الدولة العراقية التي يجلس فيها أعضاء هذه الأحزاب وتابعيهم وحتى في الجيش العراقي والشرطة الإتحادية والجيش الشعبي.
يمتد الإخطبوط المافيوي للبرولتاريا الرثة بقدراته المالية الى سوق البورصة العراقي ومزاد العملة في البنك المركزي العراقي وشركات الاستيراد والتصدير وشركات البناء وبيع العقارات والموانئ البحرية والبرية. هذا وتملك البرولتاريا الرثة مكان قدم وسط الزعامات الدينية والعشائرية وتملك ميليشياتها الأسلحة المتوسطة والخفيفة وتمد تلك الزعامات بالأسلحة والأموال الطائلة من أجل كسب ودها وإسنادها ولهذا السبب قاموا بتفعيل  قانون العشائر العراقي الذي كان سائدا قبل ثورة 14 تموز العام 1958 الى حياة العراق الإجتماعية وانتشر بشكل واسع الفصل العشائري السيء الصيت الذي استغلته البروليتاريا الرثة لصالحها.
لقد تمكنت البروليتاريا الرثة من الاستحواذ على جزء كبير من الريع النفطى في العراق من خلال وزارتها السيادية بشكل مباشر أو غير مباشروتستثمر ثروة الشعب العراقي المنهوبة في خارج العراق في دول الجوار أو في الدول الأروبية والولايات المتحدة الامريكية سواء بواسطة الطريق الرسمي القانوني عبر المصارف الرسمية او عبر غسيل الاموال، والانكى من ذلك ان مصارف دول الجوار تستقبل الاموال دون السؤال عن مصدرها كما هو الحال في إيران والأردن والكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر ولبنان وتركيا وبريطانيا وذلك من خلال التعاون مع جهات مافوية موجودة في تلك الدول ضاربين بعرض الحائط جميع القوانين الدولية الخاصة بغسيل الأموال (9).
ولم تتوانى البروليتاريا الرثة عن استخدام أجهزة الإعلام التابعة لها الرسمية وغير الرسمية من ترسيخ موقعها السلطوي من خلال شراء صحفيين وكتًاب واعلاميين وأنصاف المثقفين يدبجون لها المقالات في الصحف اليومية والمجلات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية ويكيلون المديح لها على طريقة وعاظ السلاطين وهي بدورها تغدق عليهم من أموال السحت الحرام. وبهذا الشكل انخفض المستوى الثقافي في البلاد الى مستوى الحضيض. أما المشاكل اليومية للشعب العراقي التي يعاني منها منذ خمسة عشر سنة جراء تدهور الخدمات الصحية والبلدية وانقطاع الكهرباء لعدة ساعات في اليوم والبطالة ونقص المياه وانتشار الأمية بسبب تسرب التلاميذ من الدراسة لنقص عدد المدارس الذي تجاوز الألفين أو بسبب إعالة الأسرة التي فقدت معيلها لأسباب مختلفة نتيجة التفجيرات اليومية وسوء الأمن والنظام والقائمة تطول لأن البروليتاريا الرثة لا تفكر ولا تشغل حتى بالها بحلها لأنها لا تدخل ضمن مشروعها الذي يتلخص في سلب ونهب الشعب العراقي.  
ومن الصفات الأخرى للبروليتاريا الرثة في العراق انها تغلف نفسها بغلاف وهالة دينية وتستخدم الدين غطاءاً لها لأنها في الأساس بعيدة كل البعد عن القيم الأخلاقية للدين حتى تستغل الناس البسطاء وتستخدمهم في مشاريعها اللاإنسانية هذا من جهة ومن جهة أخرى تقوم بمسخ العلاقات الإجتماعية الرصينة وإدخال علاقات اجتماعية تقوم على المصلحة الذاتية وحب الذات والأنانية وكذلك تقوم بإفراغ المجتمع من الخصلات الجيدة لترسو بدلها خصائل النصب والإحتيال والتنكيل بالغير واتهام الغير بتهم كيدية تؤدي بهم الى السجن أو تقوم بتصفيتهم جسديا كما يحدث الآن في العراق.
ان جميع البرامج التنموية للإقتصاد العراقي التي تضعها الحكومة لا تدخل في عداد مصلحة البروليتاريا الرثة وإنما تقوم الأخيرة بعرقلة تنفيذها وهذا ما نراه في الواقع العملي. فالقطاع الصناعي العام و الخاص الوطني الذي يكمن هدفه في تنمية وتطور الاقتصاد الوطني العراقي ويقلل من استيراد السلع من الخارج لايلبي مصالح البروليتاريا الرثة التي تجني المبالغ الطائلة من عمليات الإستيراد ولهذا تراها تدعم الأخير. وستحاول بكل جهدها عرقلة خطة التنمية الوطنية للفترة الزمنية 2018-2022 الصادرة من وزارة التخطيط لأنها وضعت من قبل كوادر مختصة في الوزارة وبمشاركة كافة الوزارات وجهات رسمية وغير رسمية ومحافظات العراق وكوادر من القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، ذلك لأن البروليتاريا الرثة لاتؤمن بالتخطيط العلمي مهما كان نوعه قصير أم متوسط أو بعيد المدى لإقتصاد ما ولا بخطط تنمية ستراتيجية تمتد لسنوات طويلة الى العام 2030 (10). جل ما تؤمن به ويهمها هو الحصول على ربح بأسرع وقت وبأسهل طريقة. وهي نفس طريقة اللصوص وقطاعي الطرق والشقاوات والبلطجية وما شاكل ذلك. ان كل ما يعنيها هو أن يستمر الاقتصاد العراقي ريعيا واستهلاكيا حتى تحقق مآربها وتكون من ضمن النخب الحاكمة.   
الخاتمة
وبناءا على ما تقدم أعلاه وسرد لأهم الأسباب الاقتصادية الموضوعية لانتفاضة تشرين يجب على الحكومة أن تقدم استقالتها من أجل تشكيل حكومة مؤقتة تأخذ على عاتقها ادارة الدولة والاقتصاد الوطني العراقي  من قبل كوادر اقتصادية وعلمية وقانونية كفوءة ذات تاريخ نضالي مشرف ونظيف مع استقالة المفوضية العليا للانتخابات وكتابة دستور جديد من قبل كوادر قانونية مختصة في كتابة الدساتير مع اجراء انتخابات حرة ونزيهة وتوفير فرص عمل للعاطلين مع الحماية الكمركية لمنتجاتنا الوطنية الصناعية والزراعية والقضاء على خروج العملة الصعبة من العراق عن طريق بيعها للسماسرة من قبل البنك المركزي العراقي من أجل تغطية الأزمة الاقتصادية في ايران ومنع غسيل العملة العراقية وخروجها الى دول الجوار والدول الأجنبية الأخرى.
__________________________________
* مصادر المقالة وهي المقالات التي نشرتها في شبكة الاقتصاديين العراقيين وموقع الحوار المتمدن:
1.  الى أين يتجه الإقتصاد الوطني العراقي؟! شبكة الاقتصاديين العراقيين 7/3/2016، ص1.
2.  نفس المصدر السابق، ص3
3.  المصدر السابق، ص 9.
4.  . انظر ســـبل نجاح الاســـتثمار في المشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة الحجم في العراق ،شبكة الاقتصاديين العراقيين، 2/6/2017.
5.  سيطرة البروليتاريا الرثة على إدارة الإقتصاد الوطني العراقي،
*  شبكة الاقتصاديين  العراقيين ، 7/9/2018.
6.  هل فقد التخطيط الاقتصادي قوته في الوقت الحاضر. شبكة الاقتصاديين العراقيين 26/12/2017 .
7.  تراجع وضعف مساهمة القطاع الصناعي في تطوير الاقتصاد الوطني العراقي، شبكة الاقتصاديين العراقيين، 22/12/2016.
8.  الحلقة المفرغة في الاقتصاد الوطني العراقي، شبكة الاقتصاديين، 4/4/2016.




الاستاذ الدكتور عزمي محمد شفيق الصالحي


رحيل الدكتور عزمي الصالحي
علمت من خلال الاخ الاستاذ ضياء العزاوي برحيل الاخ والصديق الاستاذ الدكتور عزمي محمد شفيق الصالحي وقد عملنا سوية قبل 2003 في مشاريع وزارة الثقافة مع عدد من المؤرخين والباحثين والاستاذ كان انسانا ودودا متواضعا وكان عالما باللغة العربية وكان استاذ للغة العربية في جامعة بغداد وهو من مواليد مدينة الديوانية (محافظة القادسية ) سنة 1934 عمل في جامعة جرش الاردنية وقبلها كان سفيرا للعراق في المملكة المتحدة وايرلنده 1989-1991 .من كتبه : ( أدب الخوارج ) وهو اطروحته للدكتوراه في جامعة لندن 1976 وعنوانها بالانكليزية : The Society .Beliefs and Theories of the Kharikites as Revealated in Poetry of the Umayyad era .وكتاب (الشاعر الخارجي الطرماح بن حكيم الطائب ) 1971 وكتاب ( اللغة العربية واصول تدريسها لدورات المعلمين التدريبية ) مشنرك 1976 وله مقالات وبحوث منشورة عديدة منها عن الشعراء الخوارج وعن غزل المشاكسة وعن الاحوص .وقد توفي في الولايات المتحدة الاميركية حيث كان يعالج من مرض عضال واقيمت الفاتحة على روحه في عمان بالاردن اعتبارا من 11-10-2019 انا لله وانا اليه راجعون ..........................ابراهيم العلاف


الثلاثاء، 26 نوفمبر 2019

أقمشة الموصل


 أقمشة الموصل 
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس  - جامعة الموصل 


وأنا أقرأ كتاب المؤرخ الموصلي الكبير المرحوم الاستاذ سعيد الديوجي الموسوم ( أعلام الصناع الموصلية ) ، والذي سبق ان نشر سنة 1970 واعاد طبعه ولده ، أردت ان اتحدث لكم عن اقمشة الموصل التي غزت اوربا وخاصة منذ القرون الثالث عشر وحتى القرن التاسع عشر سواء الاقمشة الصوفية ، أو القطنية ، أو الحريرية .
ومما يجعلني أقف عند هذا الموضوع المهم ، إن المصادر التاريخية المعتمدة تتحدث عن أنه كان في مدينة الموصل سنة 1261 ميلادية اي قبل احتلال المغول لها (75000 ) نول للحياكة و980 خانة لأعمال الحياكة من صبغ ، وقصر ، ونقش ، وتجارة ، وتصدير .
وفي القرن التاسع عشر كان في الموصل كما يقول الدكتور محمد حسن سلمان في كتابه ( التطور الاقتصادي في العراق ) ثلاثة آلاف معمل للنسيج او ما ان يسمى في ذلك الوقت الجومة لم يكن يخلو بيت في الموصل من جومة اي معمل للحياة والنسيج.
كما كانت صناعة النسيج في الموصل مزدهرة ، ولم يكن في الموصل خلال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين بيت يخلو من معمل صغير او ما يسمى ميني فاكتوره للنسيج . وقد نشطت صناعة النسيج بأنواعه الصوف والقطن والحرير .كما تميزت منتوجات الموصل في مجال النسيج بالزركشة ، وانها كانت موشية ومقصبة وغير ذلك مما سوف نقوله لكم .
وقد سبق أن تحدثت في حلقة عن الرحالة الاجانب الذين زاروا الموصل ومنهم الرحالة الاوربيون الذين تحدثوا في كتبهم عن أن الموصل كانت تنتج الاقمشة المتنوعة وتصدرها الى اوربا وكانت اسواق اوربا ومنها الاسواق البريطانية والاسواق الايطالية والاسواق الفرنسية تزخر بانواع من الاقمشة الموصلية .
وعلى سبيل المثال فإن الاب الدومنيكي لانزا قال في مذكراته وقد عاش في الموصل فترة طويلة ومنذ سنة 1756 ان الموصل تصدر من الاقمشة القطنية مقدارا كبيرا الى سائر الجهات وان البلد كله يستفيد من هذا التصدير ، ومما ساعد في ذلك أن القطن يزرع في الموصل .. كما يتوفر الصوف والحرير ، وأن النساء في البيوت يشتغلن بالغزل والنسج كما يشتغل الرجال ايضا بالنسيج وبأشكال مختلفة وهناك من يشتغل بقصر القماش وبصبغه او طبعه بنقوش مخالفة وهناك من يتفرغ لبيعه ونقله وتصديره وهكذا ، فالجميع في الموصل كانوا منشغلون بصناعة الاقمشة والاتجار بالانسجة المختلفة التي كانت تدر على المدينة ربحا وفيرا .
ومن الطريف أن الموصل ، كانت تستورد في كل سنة ما قيمته مليون قرش لاستيراد ( صبغة النيل ) وحدها والتي تستخدم لصبغ المنسوجات .
وقد ادركتُ عددا كبيرا من المصابغ في الموصل ومنها مصبغة كانت تقع في محلة الاوس اي الساعة ومحلة شهر سوق وبجوار مقهى المصبغة عند جامع عمر الاسود في محلة شهر سوق .
من الطريف القول إن المبشر الدومنيكي دومنيكو لانزا شبه الموصل في القرن الثامن عشر بـ ( مصنع كبير للنسيج) يشتغل فيه الاف من الناس .
وفي الفترة ذاتها أي في سنة 1766 قال الرحالة الدانمركي الالماني نيبور الذي زار الموصل ايضا ، بالنص انه كان في الموصل مصانع كبيرة للنسيج والحياكة والصباغة وطباعة النقوش على المنسوجات وكانت هاتان المهنتان اي الصباغة وطباعة النقوش بيد المسيحيين .
وبعد هذه الفترة اي في سنة 1758 ذكر الرحالة إيفز الذي زار الموصل انها اي مدينة الموصل كانت تشتهر بالحياكة والنسيج .
ويشير دي فوصيل القنصل الفرنسي في الموصل في كتابه ( الحياة في العراق منذ قرن 1814-1914 ) والذي ترجمه اكرم فاضل في بغداد ونشره سنة 1963 أنه كان في الموصل في القرن 13 الميلادي ( 75000 ) معمل يدوي (نول ) وعلى الرغم من انخفاض العدد الى 3500 نول عند افتتاح قناة السويس سنة 1869 الاّ انها اخذت بالتطور منذ سنة 1880 نتيجة الاقبال المتزايد لشراء المنتجات الموصلية من الانسجة ومما يدل على شهرة الموصل في هذا المجال انه كانت هناك اسواق متخصصة ومنها سوق الفزل وسوق الشعارين وقد وصلت قيمة صادرات الموصل من العباءات الصوفية سنة 1909 الى (500 باون ) .اما قمة الازارات فقد بلغت (1800 ) باون وهذا دليل على تقدم الصناعات النسيجية في الموصل وتشير المصادر المتداولة انه كان في كل بيت موصلي قبيل الحرب العالمية دولاب لغزل القطن .
وبحكم الدقة والمهارة الفنية التي تميز بها الموصليون ، فضلا عن الظروف المناخية والنظام العمراني يكون من يعيش في الموصل تواقا لمزاولة صناعة النسيج حيث تحتوي معظم البيوت كما نقل الاستاذ جوني يوسف حنا عن هاشم الحاج يونس وهو احد الصناعيين الموصليين قوله على سراديب معدة لهذا الغرض ومما شجع صناعة النسيج الحريري انتشار اشجار التوت وتربية دودة القز واستخلاص الشرانق الحريرية .
كما انتجت الموصل الملابس والعباءات والخام والجواريب .
الذي اريد ان اقوله وأأنا اتحدث عن اقمشة الموصل ان الرحالة الانكليز الذين زاروا الموصل ، وهم كثر اصابتهم الدهشة وهم يرون اسواق الموصل الكثيرة تزخر بالاقمشة بأنواعها الصوفية والقطنية والحريرية .
والآن اريد أن اقف اولا عند الاقمشة الصوفية ؛ فأقول إن الموصليين كانوا كثيرا ما يلبسون الاقمشة القطنية ومما يلبسونه القباء او العباءة من الصوف او من الوبر وبعضهم كان يتخذ من الوبر برة له او حتى زبونا يرتديه في الشتاء ، ويكون الوبر عادة دقيق النوع ناعم الملبس ومريحا وقد يقلمونه ويسمونه ( الشال ) وغالبا ما يرتديه الرجال الاغنياء كما يقول الاستاذ سعيد الديوه جي رحمه الله وهناك شال خشن يرتديه القرويون والعمال اثناء العمل . وكان الموصليون ايضا ينسجون من الصوف الجواريب وغالبا ما كانت مختلفة الاشكال والنقوش وهي طويلة يرتديها الناس في ايام الشتاء الباردة .
واذا كان الشيء بالشيء يذكر ، فإن النساجين الموصليين لم يكونوا يصنعون من الصوف الزبون والدمير والقباء او العباء فقط ، وانما كانوا ينسجون من الصوف ما يحتاجونه في البيت من قبيل (الجاجيم ) والذي يسمى (البلانكيت) او (البطانية) ويكون (الجاجيم) سميكا ويستخدمه الناس كلحاف . كما كانوا ينسجون الشراشف من الصوف ويمزجونه احيانا مع القطن .كما كانوا ينسجون من الصوف السجادات وبرادع الحمير والبغال .وهناك الشف والشفوف الذي يصنع من الصوف ويضعونه فوق ظهور الخيل في فصل الشتاء وحتى هناك الحقائب المطرزة او ما كنا نسميه بـ ( الكنف ) والذي كنا نستخدمه لوضع القرآن الكريم او الكتب المدرسية عندما نذهب الى الملا لي الكتاب والمدرسة بعد ذلك .
ولاننسى أن الموصليين كانوا يتخذون من شعر المرعز بطانيات ولازلت أتذكر بأن أول معمل في العراق لصناعة البطانيات المرعزية أنشأه في الموصل حامد الحاج سعيد حيث فاز هذا المعمل بالمركز الاول في معرض الصناعات اليدوية سنة ١٩٥٥ ولدينا صورته وهو يتسلم كأس الانتاج من وكيل المتصرف القائمقام محمود البكريكر معمل بطانيات المرعز الذي أسسه المرحوم حامد الحاج سعيد .
وهناك ايضا الغرائر جمع غرارة او غاغة التي كانت تستخدم لنقل الامتعة والغلال سواء في المدينة او في الريف .
نأتي الآن الى الاقمشة القطنية ، فأقول ان الاقمشة القطنية الموصلية كانت من اكثر المنسوجات انتاجا فهناك انواع واشكال من هذه الاقمشة. ويأتي قماش الموسلين الشهير الذي عرفته اوربا ولاتزال تعرفه حتى يومنا هذا من اشهر الاقمشة الموصلية ويقف في رأس قائمة الاقمشة ؛ فالموسلين Mosline قماش متين جدا وناعم الملمس وكان اهل الموصل يصدرون منه الكثير الى الاسواق الاوربية وتوجد احصائيات عن كميات ما كان يصدر من هذا القماش ، واشتهرت في ايطاليا عائلة كانت تستورد الموسلين هم ( آل موسلين) . كما كانت لتجار الموصل علاقات قوية مع تجار مدن اوربية كثيرة منها ميناء مرسيليا حيث ينقل التجار قماش الموسلين الى حلب ومنها الى الاسكندرونة حيث تشحن الى اوربا .
وقد قرأت قبل ايام تقريرا عن قماش الموسلين ، جاء فيه أن كثيرا من الامهات في اوربا وفي العالم تستخدمه لنعومته في تنظيف أطفالها الرضع .وهذا القماش يعتبر اليوم من أفضل اقمشة تنظيف البشرة وتقشيرها لتصبح أكثر جمالا ونضارة. فقد تحدث عنه كثير من المشاهير العالميين وعلى رأسهم دوقة كامبريدج كيت ميدلتون! إن قماش الموسلين أو الموصلي هو نوع رقيق وناعم من النسيج القطني يسهل استخدامه على أي نوع من البشرة حتى تلك شديدة الحساسية لأنه خالٍ من أي مواد صناعية .
وكما جاء في احدى صفحات فيسبوك التي تتحدث عن انواع الاقمشة ان الموسلين اي قماش الموسلين Mousseline رطب، وخفيف ، وجذاب ، وناعم ، ورقيق وفيه نوعان هما الخام والمطرز وهو من الأقمشة القديمة التي تناسب كل الفصول والمناسبات.ومن السمات المميزة لقماش الموسلين، التي يعشقها المصممون وخاصة الاوربيين قدرته على متابعة شكل الجسد والانسدال عليه، مما يزيده أنوثة ورقة.
وكذلك من السمات الأخرى المميزة لهذا النوع من القماش هو إمكانية صبغه ، وتلوينه وتطريزه. ويمكن أن يتم استخدام الكثير من الأشكال والتصميمات المختلفة التي تكسبه تفردا وتجعله متعدد الاستخدامات.
إن أول ذكر لقماش الموسلين جاء في كتاب (أرثا ساسترا) الاقتصادي من تأليف ( كاوتيليا ) سنة 300 ميلادية ، بينما ذكر تاجر عربي في القرن التاسع الهجري، يدعى سليمان، أن أصل هذا القماش هو البنغال. وكان التجار الأجانب يأتون من بلاد بعيدة، مثل شبه الجزيرة العربية وإيران، ومن أرمينيا غربا، والصين والملايو والشام شرقا لشرائه .لكن الحقيقة الدامغة هي ان اصل قماش الموسلين هو الموصل وانه أخذ اسمه من اسم هذه المدينة التي عرفت بصناعاتها النسيجية الصوفية والقطنية والحريرية .
ولعل من ابرز ما كان الموصليون ينسجونه من القطن ايضا هو (الشاش) الموصلي وكان معروفا بنصاعة ، وبياض لونه ، ودقته ، ومتانته . وتتخذ من الشاش ( العمائم ) التي كان يرتديها عدد كبير من ابناء الموصل قبل ان تشيع الملابس الافرنجية المعروفة واقصد بها السترة والبنطلون والفيس او الطربوش وكانوا اذا ارادوا ان يصفوا شخصا مهما وانيقا قالوا : ( على رأسه الشاش الموصلي ) ، وقد وردت اخبار الشاش الموصلي في قصص ألف ليلة وليلة ، وارتبط الشاش الموصلي بالكثير من الامثال والحكايات من قبيل (امسك شاشك لايطير ) و( نظف شاشك ) و( كبر شاشك ) .
وكثيرا ما كان الشاش ، يصدر الى مدن الشام ومصر وفارس واوربا وحتى الهند والصين وقد جاء في التعليق على رحلة ماركو بولو عند كلامه عن الموصل انه جاء في ( رحلة Chang Chuns جانج جانس وقساوسة ،يلبسون على رأسهم قطعة مما يسمونه موزي Mosze ولعلها اي لعل هذه الكلمة جاءت من كلمة موسلين Mosline وهكذا يتضح ان النسيج الموصلي القطني كان يصدر الى الصين ايضا ليتخذ لباسا للرأس هناك .
ومن الطريف ان الرحالة ابو سعيد المغربي الذي زار الموصل سنة 1256 تحدث عن صناعة النسيج في الموصل وقال بالحرف الواحد " واهلها فيهم خصوصية منها (صنائع جمة) وكذلك ثياب المحررات اي ثياب الحرير التي تنسج بها اي في الموصل وُتحمل الى الملوك " .
ومن القطن كان هناك قماش الطاقة ، وغالبا ما يخلط عند صنع الطاقة ، القطن بالحرير الملون ، فتكون الطاقة زاهية اللون ، غالية الثمن . ومما هو معروف ان هناك عدة انواع من الطاقات منها (بته ) و(حج حسن) وعادة ما تطعم الطاقة بالنقوش الذي يسمى (خرج حلب ) وكان للرجال انواع من قماش الطاقة وللاطفال انواع واستمر استخدام هذه الاقمشة الى مطلع القرن العشرين اي الى ان بدأت الثياب الاوربية او الزي الاوربي زي الافندية المتمثل بالسترة والبنطلون تغزو الموصل ويقال ان اول من ادخل هذه الثياب والي الموصل سليمان نظيف 1914-1915 .
وهناك من القماش القطني ما يسمى الخام الثوب الذي يتخذه الحرفيون والفلاحون وارباب العمل ثيابا لهم وعندما ينتهي الحائك من حياكة هذا اللباس يرسل الى الدقاق ، وهو الذي يقوم بدق الثياب فيزيل ما علق بها من خيوط واوساخ ، ويكسبها نعومة ثم ترسل الى القصار فيقوم بقصرها ثم يغسلها في عين كبريت وهناك نوع من الثياب يستخدم فيه القطن الاصفر قاتم اللون ويسمى خام صابوري أو خام باليوز .ويستخدم الموصليون الاقمشة القطنية ايضا لصنع الملابس الداخلية والظاهرة.
ومن الطريف ان نقول ان بعضا من اقمشة الموصل ، واسرار صناعة النسيج تسربت من الموصل الى بلاد فارس ، والهند حتى ان مدينة دكا اشتهرت بصناعة النسيج الموصلي المتخذ من القطن والذي كان يطرز بخيوط من الذهب والفضة ويصبغونه بأصباغ زاهية وغالبا ما كانت النساء الاوربيات يفضلن هذا القماش الموصلي على غيره من الاقمشة التي تستورد من الشرق .. وقد ذكرت دائرة المعارف البريطانية هذا واضافت نقطة اخرى مهمة وهي المنسوجات الموصلية تسربت الى انكلترا في القرن السابع عشر واختصت به بعض المدن البريطانية ومنها مدينة مانجستر .
ومما ينبغي لي ذكره ايضا وأنا اتحدث عن الاقمشة الموصلية والتي تشير اليها بعض المصادر بمصطلح ( الثياب الموصلية ) ورود اخبار تعود الى سنة 786 هجرية - 1385 ميلادية تقول إن الثياب الموصلية كانت تصدر الى مصر .كما اورد المؤرخ القاضي ابن الصيرفي علي بن داود بن ابراهيم الخطيب الجوهري 819 -900 هجرية ( 1416- 1495 ميلادية ) في كتابه : ( إنباء الهصر بأبناء العصر ). في حوادث سنة 832 هجرية – 1429 ميلادية انه في اوائل هذه السنة سيطر سلطان مصر ( السلطان سيف الدين برسباي 825-841 هجرية -1422- 1438 ميلادية ) على تجارة الثياب القطنية الموصلية بسبب ما تغله هذه التجارة من ربح ونقل الينا الاستاذ بسام ادريس الجلبي في الجزء الثاني من كتابه ( حوليات الموصل منذ الفتح الاسلامي حتى نهاية القرن التاسع عشر ) ، والذي صدر عن مكتبة الجيل العربي في الموصل سنة 2013 خبر قيام سلطان مصر بمصادرة كميات من الثياب اي الاقمشة الموصلية وتم تقويمها بأقل من اثمانها بالموصل .كما كتبت مراسيم سلطانية الى البلاد الشامية بمنع التجارة المواصلة من ورود مصر بهذه الثياب .وقد نفذت حماة بسوريا هذا المرسوم فأُعيد التجار المواصلة الى بلادهم بحجة أن الثوب ينقص في الطول عن الثلاثين ذراعا وفي العرض عن ذراع ونصف . ةقد ادت هذه السياسة الى ازمة اقتصادية في الموصل وسرعان ما خربت الموصل بعد ذلك واندثرت صناعة الاقمشة .
وفي رجب من السنة 832 هجرية - 1429 ميلادية ، وصل القاهرة جماعة من التجارة المواصلة ، فأُخذ ما معهم من الاقمشة الموصلية وقومت دون قيمتها ، ورُسم ان تكون الاصناف : البعلبكي والعاتكي والموصلي حكرا للسلطان يشتريه من التجار الواردين على القاهرة ويبيعه هو للمستهلكين وطبعا السبب كما قلنا هو ما تدره تجارة الاقمشة الموصلية من ارباح كثيرة .
وهناك مصادر كثيرة تتحدث عن الاقمشة الحريرية الموصلية المطرزة والمقصبة بخيوط الذهب والفضة التي تصدر الى اوربا وهي غالية الثمن .وكان النساج الموصليون يتخذون من الحرير انواعا جميلة من المنسوجات مختلفة الانواع متنوعة النقوش والكتابات وتكون بعض هذه المنسوجات من الحرير الخالص خاصة تلك الاقمشة التي تتخذها النساء ثيابا لها والتي تنقش بنقوش زاهية الالوان ويكون البعض من الاقمشة الحريرية الموصلية من نوع يسمى في الموصل طاقة ابريسم ، وغالبا ما كان يزين بخيوط الذهب او يكون مقصبا او مزركشا وتتخذه النساء لزينتهن وكانوا ايضا يتخذون منه اي من الحرير الازر اي الازارات الزاهية الألوان وهو نوع من القماش تلبسه الثريات المترفات من النسوة يزركشونها أي يزركشون هذه الازارات بالذهب ويتخذون لها حواشي مقصبة .وقد حملت لنا قصص ألف ليلة وليلة الكثير من الاخبار عن نساء ملتفعات بإزار موصلي من حرير مزركش بالذهب وحواشيه من قصب حتى أن الرحالة ابن سعيد المغربي الذي زار الموصل سنة 1256 اي في القرن 13 اعجب بدقة صناعة الاقمشة الحريرية الموصلية وجمال انواعها واثنى على المحررات التي تنتجها الموصل كما اثنى الرحالة الايطالي ماركو بولو عليها وذكر ان تجار الموصل كانوا يتاجرون بالاقمشة الحريرية المطرزة بالذهب مع مختلف الاقطار في العالم وكان مما يتهاداه الملوك والمترفون الاقمشة الحريرية الموصلية ولدينا في كتب التاريخ الكثير من اسماء الملوك والامراء الذين ُحملت اليهم اقمشة حريرية موصلية وخاصة في القرن الثالث عشر .
واخيرا لابد لي ان اقول إن الموصليين كانوا معروفون بالاناقة ، والاهتمام بالملابس ، وكانوا يحرصون على الظهور بمظهر حسن عند الخروج من البيت وكانت النساء الموصليات معروفات بالتباهي بملابسهن الجميلة التي يصنعنها في بيوتهن او في مصانع المدينة وكانت لهن ملابس خاصة للنهار وللعصر ولليل وكلها تكسبهم زينة وبهاءَ .وكان مما يتداوله الموصليون من أمثال (كل ما يعجبك والبس ما يعجب الناس ) .
واخيرا لابد ان اقول إن الموصل زخرت بالصناع الذين عملوا في صناعة النسيج وخاصة في القرون 13 و14 وما بعد ذلك ومن هؤلاء ابو الفرج الدقاق ، وابراهيم بن الشيخ برهان الدين المالكي وعز الدين النقاش الموصلي والسري الرفاء الموصلي والشيخ خير النساج وابوبكر عبد البر الموصلي والحاج علي ين جار الله الموصلي ومنتخب الدين المخزومي البرطلي وابن الشعر الموصلي والخياط المعلم شنير الفيشي الموصلي وابن هيبل الموصلي وكل هؤلاء وغيرهم كثيرون عملوا في صناعة النسيج ، وتقوتوا على هذه الحرفة  وكانوا بارعين في الغزل والنسيج والحياكة ، والنقش على الاقمشة حتى ان بعضهم - وابن هيبل الموصلي - كان منهم كان يتقن صناعة نسيج الحرير وتطريزه بخيوط الذهب ومن المناسب ان نقول ان عددا من هؤلاء الحرفيين كانوا شعراءَ وكتابا وصوفيين ومهرة في الادب والموسيقى .


كلكامش : حياته وشعره




كلكامش : حياته وشعره
مايكل شميدت كاتب بريطاني صدر عن مطبعة جامعة برينستون الاميركية بعدد صفحات بلغت ( 144)تمت كتابته واعادة نشره عن نسخة لملحمة كلكامش تعود الى سنة 1731 كتب عن الكتاب ديفيد جوليت وهو استاذ للغة الانكليزية وشاعر في مجلة سبيكتاتور البريطانية وقام الاخ الاستاذ احمد فاضل بترجمة ما كتبه ديفيد جوليت عن الكتاب ونشر المقال في جريدة (الصباح ) البغدادية عدد 19-11-2019 وفي الكتاب يقول مايكل شميدت ان ملحمة كلكامش هي اقدم قصيدة طويلة في العام قاطبة تحكي قصة البطل الاسطوري السومري كلكامش الباحث عن الخلود وصداقته القوية مع انكيدو وملحمة كلكامش كتبت في حدود سنة 2700 قبل الميلاد وعلى الواح طينية ويقول المؤلف مؤلف هذا الكتاب ( The Life of Pome GILGAMESH )
اننا لانعرف من كتب ملحمة كلكامش وهي مكتوبة بالبابلية القديمة والحثية وفكت شفرتها في القرن الماضي وباتت متاحة بعد ترجمتها الى اللاتينية ....ابراهيم العلاف

الأحد، 24 نوفمبر 2019

حاوي الكنيسة (الجنيسة ) في مدينة الموصل

                                                                        دير مار ميخائيل
 
                                                       النييص فوق ظهر الاسد يعبث بلحمه ودمه
                                   أُقدم الحلقة من  برنامجي التلفزيوني اليومي ( موصليات ) من على قناة الموصلية




حاوي الكنيسة في مدينة الموصل *
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس  - جامعة الموصل
ومن منا لايعرف حاوي الجنيسة  كما يسميه الناس بالعامية او حاوي الكنيسة باللغة العربية الفصحى . وكلمة الحاوي تعني الأرض التي تحتوي مياه الفيضان طبعا فيضان ارض دجلة الخالد وهو دائم الفيضان والارض التي تنحسر عنها مياه الفيضان تسمى الحاوي .. ومن منا لايعرف ان حاوي الكنيسة هذا يضم ديرا  قديما من اديرة الموصل العديدة هو دير ما ميخائيل . ومن منا لايعرف ان فيه تل يسميه الناس تل الشويطين . وحاوي الجنيسة يقع على الضفة الغربية لنهر دجلة الخالد وهو ارض منبسطة فيه الكثير من بساتين الخضراوات ليس اليوم وانما منذ الاف السنين وهذه الارض المنبسطة تع في شمال غرب مدينة الموصل وهذا الحاوي الذي كان يضم اشجارا كثيفة يمتد من دير ميخائيل الى لحف التل الذي يقع عليه اليوم قصر الحاج توفيق افندي الفخري والذي يطل على بناية المستشفى العام عند فندق الموصل السياحي وقد سمي هذا الحاوي بحاوي الجنيسة لمجاورته كنيسة ودير مار ميخائيل اي القديس ميخائيل لان كلمة مار تعني القديس وكما يشير استاذنا وشيخنا الاستاذ سعيد الديوه جي فإن الارض المنبسطة التي  تشكل حاوي الجنيسة خلفها نهر دجلة الذي حول مجراه قليلا في شمال غربي الموصل منذ قرن عدة مرات والاراضي التي انحسرت عنها المياه لاتزال ظاهرة للعيان في شرقي حاوي الكنيسة وشماله .
وكما هو معروف فإن الارض التي تحت قره سراي وهو بقايا دور المملكة مملكة الموصل في العهد الاتابكي كانت بعيدة عن النهر فكانت من ملاعب المدينة تقام فيها الحلبات والالعاب المختلفة .اما اليوم فيجري نهر دلة فوق قسم كبير منها  وكان يغطيها كلها في موسم الفيضان .
وحاوي الجنيسة حاو خصب صالح للزراعة بحكم انبساطه وقربه من نهر دجلة لذلك قامت بالقرب منه وعلى حافته مزارع عديدة لاتزال قائمة حتى يومنا هذا ويستفيد من هذه المزارع في انتاجها للخضراوات ليس اهل القرية القريبة منها بل وحتى ابناءالموصل فالمزارعين يأتون بمحصولهم الى اسواق الخضراوات في الموصل وخاصة عندما كان هناك الكمرك القديم في الميدان قرب الجسر القديم .
ومن معالم حاوي الجنيسة  تل الشويطين او تل الشياطسن وتل الشويطين يقع في نهاية وادي عكاب ويلتقي وادي عكاب بحاوي الجنيسة ويقع على  وادي الشياطين  تل الشويطين وهو على يسار الذاهب من الموصل الى دير ميخائيل في المحل الذي ينزل منه الى حاوي الجنيسة وكان عليه دير ايضا يسمى دير الشياطين ذكره المؤرخ الموصلي الكبير ابو زكريا الازدي في كتابه (تاريخ الموصل ) ضمن حديثه عن حوادث سنة 129 هجرية كما ذكره  البلداني العربي ياقوت الحموي  في كتابه ( معجم البلدان ) وذكره العمري في (مسالك الابصار ) وذكره الشابشتي في كتابه (الديارات ) وقال عنه المؤرخ الموصلي ياسين العمري في كتابه ( منية الادباء في تاريخ الموصل الحدباء )  ان هناك دير حسن البناء يقع قريبا من وادي الشياطين وطبعا هو يقصد دير مار ميخائيل .
ودير مار ميخائيل هو المعلم المهم الموجود في حاوي الجنيسة .ودير مار ميخائيل يسمى ايضا (دير الملائكة ) وقد كتب عنه المؤرخ المطران سليمان صايغ في الجزء الثالث من كتابه (تاريخ الموصل ) المنشور في القاهرة سنة 1923 فقال انه يقع على نهر دجلة شمال شرقي مدينة الموصل على مسافة نحو خمسة كيلومترات وفي الدير اقنية عدة وحوله غرف لسكنى الزائرين الذين يؤمون هذا الدير خاصة ايام الربيع لحسن موقعه وجمال الطبيعة فيه والزائر لهذا الدير لايرى سوى هيكله ذلك انه تعرض مرات عديدة للخراب وهيكله البالغ طور نحو 25 مترا وعرضا نحو 12 مترا وهو قديم الطلااز وخال من زخارف الفن العربي وعلى هذا الاساس فعمارته تسبق العصر الاتابكي وقد رمم اكثر من مرة وليس فيه من النقوش الا صورتين تمثل كل منهما اسدا والنيص فوق ظهره يعبث بلحمه ويمتص دمه والاسد عاجز عن ان يفعل شيئا كما ترون في الصورة المرفقة بهذا الكلام .والصورتان محفورتان على حجر في عضادتين على يمين المذبح .
ويقع ضريح مار ميخائيل اي القديس ميخائيل في الجدار الخلفي من الهيكل على يمين الداخل اليه وتوجد على جدار الهيكل الداخلي كتابة منقوشة على قطعة من المرمر تذكر بأنه جدد لاخر مرة سنة 1867 ميلادية واظن انه جدد في الثمانينات من القرن العشرين .
اقام مار ميخائيل في الموصل  وهو بالاصل من اهل امد في ديار بكر وكانت  الموصل تسمى حصنا عبرايا وقد قصده اهلها  في اواخر القرن الثالث الميلادي واوائل القرن الرابع الميلادي وطلبوا اليه ان يؤسس لهم ديرا .وقد لبى طلبهم واختار موقع ديره قريبا من نهر دجلة واقبل عليه الناس ايما اقبال واسس في الدير مدرسة ويقول كاتب سيرته انه اختار لمدرسته بعد ان نظم قوانين الدير مدرسين ورؤساء ومدبرين وبوابين وخدم وطباخين وخازنين وحافظين وبقي يدير الدير والمدرسة اثنتي عشرة سنة وكان في الدير الف راهب واوصاهم بالمحافظة على الدير وكان ذلك عندما شعر بقرب اجله واخذ يبكي ويتنبأ بان الدير سيتعرض للخراب في مستقبل الايام وسوف يكون مأوى للانعام الى ان يقيم الله رجلا من ابناء الموصل يعيده الى حالته الاولى .
من الذين تولوا ادارة الدير شموئيل ويوسف بوسنايا وكان شموئيل يعيش في القرن العاشر الميلادي .وكان عبد يشوع برشهاري معلما في مدرسة الدير .وكما قلت قبل قليل فإن من كتب سيرة المار او القديس ميخائيل هو يعقوب القسيس كتبها في تاريخ مجهول ثم نقلها الى اللغة العربية القس خدر سنة 1720 ميلادية وطبعت في كتاب (  مجموعة  سير القديسين ) بمطبعة الاباء الدومنيكان في الموصل سنة 1896 .
ان مما يؤسف له ان باني الدير مار ميخائيل تنبأ بخراب الدير وبالفعل تعرض الدير للتخريب اكثر من مرة اخرها خلال سيطرة عناصر داعش على الموصل 2014-2017 وكان الدير قد خرب في الفترة التي نسميها بالفترة المظلمة التي  اعقبت سقوط الموصل على يد المغول سنة 1260  وغالبا ما كان الرهبان يعودون الى الدير ليعمروه .
اشار الاخ الاستاذ عبد الله محمد خضر في كتابه عن التوسع العمراني لمدينة الموصل في القرن العشرين ان التوسع العمراني خارج السور القديم للموصل بدأ في مطلع القرن العشرين وفي نهاية عقد السبعينات شمل منطقة حاوي الكنيسة وان دير وكنيسة مار ميخائيل هو  من اعطى لهذه المنطقة إسمها . واضاف ان التقسيم الاداري الذي على اساسه تم التوسع في الساحل الايمن هو الذي اعتمدته دائرة التسوية  الذي درجت على اعطاء تسلسلات لترقيم القطع ضمن المقاطعات التي يضمها مركز قضاء الموصل وكان عقار مقاطعة رقم (39) يضم حاوي الكنيسة الجنوبية ويشمل عدة احياء هي حي الربيع وحي الرفاعي وحي 17 تموز .
واخيرا فإن حاوي الجنيسة (الكنيسة ) هو من المناطق السياحية في الموصل يقصدها الناس في فصل الربيع وهي منطقة جميلة اقيم في الطريق اليها وخاصة من حي الربيع نزولا الى الحاوي طريق مبلط انتشرت المزارع الخاصة على ضفتي النهر وصولا الى دير مار ميخائيل والتلال المجاورة للدير وللاسف زحف البناء الى الحاوي ويشكل البناء اليوم قرابة 30% من مساحة الوادي مما أثر على قيمة المنطقة من الناحية السياحية . 
____________________________________
*حلقة من برنامجي ( موصليات ) من على قناة الموصلية الفضائية قدمت يوم 24-11-2019 

صلاة الجمعة في جامع قبع - الزهور -الموصل

                                                                    الشيخ نافع عبد الله أبا معاذ   صلاة الجمعة بسم الله الرحمن الرحيم :...