الأربعاء، 23 أكتوبر 2019

أُسر موصلية إشتهرت بالتطبيب


أُسر موصلية إشتهرت بالتطبيب

ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل

ومن الطبيعي أن يسأل بعضنا واين كان يذهب الناس في الموصل بمرضاهم قبل ظهر المستشفيات الحديثة واقول ان اهالي الموصل وكما هو الحال في كثير من المدن العراقية والعربية كان امامهم ان يذهبوا بمرضاهم الى من يسمى الحكيم او تسمى الحكيمة وهناك اسر تخصصت بالتطبيب والاعتماد على الطب الشعبي او ما يسمى اليوم بالطب البديل الذي يعتمد الرقية او النباتات والاعشاب وحتى اجراء العمليات الجراحية واخير الكي الذي هو آخر ما يلجأ اليه الانسان لمعالجة الامراض .
والجميع – احبتي الكرام – يعرف ان نسبة الامية في الموصل وحتى اواخر العهد العثماني وانتهاءه وصلت الى درجة كبيرة فنسبة من كان يعرف القراءة والكتابة لايتجاوز ال 1% من السكان .
في الموصل لدينا اسر كثيرة وكانت ولاتزال معروفة بالتطبيب سواء بالرقية او الاعشاب والعطاريات وحتى السحر لهذا لم يكن الدكتور حنا خياط وهو اول وزير للصحة بعد تشكيل الدولة العراقية الحديثة سنة 1921 وهو موصلي مخطئا عندما قال : " ان التطبب كان ولايزال العدو الالد لإقدم القوانين المدنية والدينية لما فيه من المهالك على الصحة العامة " طبعا هذا من وجهة نظره كطبيب درس الطب دراسة علمية في كلية طبية مخصصة .
تحدثت عن هذا في اكثر من بحث لي منشور كما ان الاخت الدكتورة نادية مسعود شريف الجراح كتبت عن هذا في رسالتها للماجستير عن الخدمات الصحية في الموصل خلال العهد الملكي 1921-1958 والتي قدمتها سنة 2010 الى كلية الاداب جامعة الموصل ومما اكدته  ان اهل الموصل اعتمدوا في علاج مرضاهم على ما ورثوه من اجدادهم ، وكان يذهبون الى من يسمونه الحكيم ليتطببون عنده . وقد كان للطب التقليدي دور مهم في تطبيب الناس في وقت لم يكن هناك اطباء متخصصون . وكانت المداواة بالرقية والاعشاب وحتى السحر . وقد ادركت في طفولتي في الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي نساء ورجال اشتهروا بمداواة العيون .  ومن الطريف ان عددا من الناس كانوا يرون ان المرض يأتي من الحسد ، أو ان سبب المرض هم الجان والارواح الخبيثة وان هناك من الشيوخ من يستطيع إخراج هذه الارواح الخبيثة وطردها .
كما ان البعض من الناس كانوا يستخدمون الاحجبة والتمائم ومنها تميمة السبع عيون لطرد الارواح الخبيثة .
وطبعا لاننسى ان البعض من الناس كانوا يزورون الاضرحة والمراقد وقبور الاولياء والصالحين والشيوخ بهدف التخلص من الامراض والالام . وقد تحدثت في حلقات سابقة عن بعض هذه المراقد التي يزورها الناس للتبرك والدعاء بالشفاء من الاسقام .
لكن هذا لايعني ان الموصل خلت من عدد من الاطباء الذين كانوا يعودون الى كتب الطب القديم ويستفيدون منها واشير هنا الى عدد من الاطباء في اواخر العهد  العثماني منهم الدكتور محمد الجلبي ، والدكتور محمد العبدلي ، والدكتور محمد عثمان البارودي ، والدكتور عبد الله احمد محمد الجلبي ، والدكتور سليم الجلبي .
الطب التقليدي كثيرا ما كان يعتمد على حصول الناس من العطار عن الاعشاب . وكان العطار بمثابة الصيدلي وعرفت الموصل عددا من المتطببين الذين اعتمدوا في علاجاتهم الاعشاب والعطاريات  وخاصة  اثناء الحرب العظمى 1914-1918 منهم الحكيم الاعور في محلة الميدان ، والحاج نعمان التكاي وابن عمه خليل التكاي وعبد الله ميخا الازاجي اي صاحب الادوية .
ولدينا في الموصل وضمن مراحل تاريخها القديم والقريب شيوخ اشتهروا بممارسة الرقية  العامة منهم   الشيخ عبد الله النعمة والشيخ نذير القواص والشيخ عبد الوهاب الفخري والشيخ محفوظ العباسي والشيخ محمد صالح الجوادي والشيخ ذنون يونس البدراني والشيخ ذنون يونس غزال والملاية فاطمة والملاية حليمة في باب لكش والملاية هدية في محلة الجامع الكبير .
ولابد ان نشير الى الحاج احمد السبعاوي (توفي سنة 1899)  في تكيته بمحلة الكوازين وبعده ولده الشيخ محمد امين والشيخ سليم (توفي 1914) والشيخ علي بن الشيخ محمد امين الذي كان يرقى رقية عامة ويعمل  الحجاب للنساء العواقر ، وللمرضعة التي تعاني من نقص الحليب .ومن ال السبعاوي الشيخة أمو بنت الحاج احمد السبعاوي وكانت مسؤولة عن التكية السبعاوية وتوفيت في مكة الكرمة سنة 1924 .
واشتهرت اسرة ال عطار باشي بالتطبيب  بالاعشاب وهي من الاسر الموصلية العريقة . كما اشتهر بيت علاوي كذلك ببيع المواد العطارية ، وعرف من العطارين اليهود في الموصل العطار يحيى الغزال المتوفى سنة 1946 والعطار منشي والعطار يحيى النيل وعزيز شوبي وابراهام ساسون واشتهر من اليهود من كان يعالج ما نسميه ب(الاخت ) او حبة بغداد ( اللشمانيا ) . وهناك من تخصص في معالجة مرض (ابو صفار ) وهو التهاب الكبد الفايروسي ولازلت اتذكر كيف كانوا يعالجون ذلك بوضع الابر في طاسة صفراء فيها ماء ويقوم المريض بشرب الماء وكثيرا ما كانوا ينصحون المريض وغالبا ما يكون من الاطفال بأكل الحلويات والدبس وشرب ماء من عين كبريت في الموصل .وممن تخصص في القراءة على ابو صفار ، احسان البقال في رأس الجادة والمرحومة ممدوحة ياسين طه والمرحومة مطيعة ياسين طه الحمد ، ولازم طه ياسين ، ومناع الحمد وكلهم في محلة رأس الجادة .
ولا أنسى عدلة الحكيمي وهي الحاجة عدلة محمود جرجيس 1825-1935 فكانت لها شهرة كبيرة وكانت تعالج امراض العيون وحبة بغداد في محلة السرجخانة وهي من كانت تركب الدواء واعرف واحدة تشبهها في مداواة امراض العيون في محلة رأس الكور واقصد ( سوساني ) ، وكان الدواء المستخدم مادة  عطارية تسمى ( صبغ سقطي ) ولونه احمر وردي .
وهناك في تاريخنا ايضا خديجة الحكيمي وهي خديجة بنت احمد محمد الجلبي 1847-1937 وكانت طبيبة نسائية تقليدية تركب الادوية بنفسها . وهناك ام ادريس عادلة الطالب زوجة الطبيب عبد الله الجلبي وعرفت ام سالم بمعالجة امراض اللثة من علاج يدخل فيه العفص وقشور الرمان والكيل .كما ُعرفت الحكيمي عادلة محمد صابر العمري التي كانت تعالج الاطفال والنساء وتقوم بتركيب الدواء بنفسها .
واشتهرت في الموصل امرأة اسمها أمينة وابنتها نجمة وكانت متخصصة بمعالجة سقوط الشعر لذلك تسمى ( ام الصلعين ) وكان اسم العلاج ( الشمعية ) وتقوم بحلق الشعر تماما ووضع الدواء على قطعة من القماش مع قليل من القير ويتكرر العلاج الى ان يبدأ الشعر بالنمو .
وفي خزرج كانت هناك امرأة اسمها  ( خشوفة ) تعالج الم الاذن .
وانا اتحدث لكم عن التطبيب بالاعشاب ومن تخصص في معالجة بعض الامراض لابد ان اذكركم ببعض البيوتات الدينية التي اعتمدت الرقية لعلاج بعض الامراض منهم بيت سيد توحي في محلة المشاهدة   والذين تخصصوا بمعالجة ما يسميه اهل الموصل ( المخبث )   Drossy والمخبث  من الامراض الامينية الغير  خبيثة ويعرف ايضا ب(داء الحمراء )  . برز من ال سيد توحي السيد غانم رحمة الله عليه والان الحاج يونس والحاج محروس في حي القاهرة .

  وهناك بيت الحبار ومنهم الحاج صالح افندي الحبار 1860-1933 الذي برز في الرقية على مرض ابو صفار وعرق النسا في بيته بمحلة النبي جرجيس وفي محلة بباب السراي . كما تخصص ال الحبار ومنهم الشيخ احمد افندي الحبار وتلميذه السيد محمد سيد علي السبعاوي في دكانه بباب السراي بالقرب من جامع الباشا بالرقية  في حالة نقص الحليب عند النساء والعزامة تكون غالبا على الزبيب الذي يفيد النساء الرضع .
وكان ( ال ساري )  ومنهم يونس الساري ودكانه في سوق العطارين وبعده ولده احمد وبعده اولاده زكي وعزيز احمد يونس الساري  معروفون بالرقية على عرق النسا .وقد اخبرني الاخ الاستاذ موفق السبعاوي عن ان ( ال الكردوشي )  في شارع اربيل متخصصين ايضا في علاج عرق النسا وذكر لي اسم المهندس الحاج عبد الجبار الكردوشي  في حي المهندسين في الموصل ومن قبله الحاج احمد عبد العزيز الكردوشي .
وعلى الرعاف وحبس البول اشتهر بالقراءة عليه الشيخ احمد حسن السبعاوي في محلة المكاوي  وفي جامع الامام محسن توفي سنة 1986  . واشتهر السيد محمود بن الشيخ عبو السبعاوي في منطقة الشمسيات بالقراءة على (اللوي وحية الهوى ) وجاء من بعده ولده السيد عبد واحفاده ولاتزال بيوتهم مفتوحة امام من يقصدهم . كما برز ايضا في هذا المجال عامر محمد سعيد العبيدي في حي الزهراء .
وبرز الشيخ احمد علي الشيخ عبار 1855- 1961 بالرقية ومعالجة التشنج العضلي ويسميه الموصليون ( الدمار ) واشتهرت ايضا اسرة البرذعجي اهل واجداد شاعرنا الكبير  الاستاذ عبد الوهاب اسماعيل بالرقية على الدمار ، وكان جدهم الملا اسماعيل يمتلك كما يقال (تسلومي ) في هذه الرقية .
ومن الاسر الموصلية التي اشتهرت بمعالجة الامراض  النفسية والعصبية  ( بيت شيال العلم )  ومنهم الحاج محمود شيال العلم .كما عرف الشيخ احمد العكيدي في قرية غزيل قرب فلفيل بالرقى او العزامة على مرض الاكزيما ومرض الاكزيما مرض جلدي يسبب الحكة ويصيب الانسان في يديه .
واشتهر ابو عزت وهو فاضل مصطفى عبد الله الحمداني المتوفى سنة 1991 بمعالجة الكسور ، وعرف الحاج محمد خضير سليمان الدبلاوي 1875- 1975 من عشيرة البكارة بعلاج فقرات الظهر بالسحب . وعرف ال الكصيري بمعاجة ما يسمى في الموصل (ابو اللوي ) اي التهاب العصب السابع الذي يؤدي الى اعوجاج الفم  وهذا المرض يعالج اليوم بالعلاج الطبيعي   ومن ال الكصيري اليوم السيدة منى الكصيري في حي المحاربين وهي معلمة متقاعدة . واشتهر بيت  سيد مجيد السيد حمو بمعالجة الحروق كذلك اشتهر بمعالجة الحروق الصائغ يونس جاسم 1904-1990 وكان يستخدم شمع العسل وزيت السمسم في العلاج .
وعرف السيد عبد الله بك والسيد سيدوش بالقراءة على ( الفالول ) ..  والفالول كما هو معروف زوائد لحمية تظهر في بعض مناطق الجسم  . وهناك ايضا السيد محمد النعيمي رحمه الله فقد كان يقرأ على الفالول في دكانه القريبة من دكاكين يحيى ابن شيخة عزيزة في باب العراق . وُيذكر الملا احمد في الرشيدية الذي يقرأ على الاكزيما والصدفية .وتخصص سيد عبو الجدو  والسيد احمد بن السيد محمد في خزرج بالقراءة على ما يسمى (الخوفي ) .
واشتهرت أمو بنت محمد السلو رحمها الله وبعدها ولدها عبد الوهاب عزيز الجندرمة والان ولده اركان عبد الوهاب بالقراءة على الفالول والبثرة اي احمرار العين بشكل غير طبيعي وغالبا ما يتم وضع الشعير على الفالول وقراءة آيات  معينة من الذكر الحكيم .
كما كانت الحاجة خيرية بنت مصطفى الحجار في محلة السجن بالقراءة على ( الحزازة )  .  واشتهرت الشيخة خديجة حمودي الوزان  في محلة باب العراق بالقراءة على (الضلع ) ومعالجته عن طريق العسل .
وهناك الحاجة ام خير الدين زوجة السيد عبد القادر الدباغ في حي الطيران ، وهي متخصصة بالرقية  على ( البهق ). اما الشيخ حامد المختار في رأس الجادة فتخصصه القراءة على ما يسمى (الشغي ) وهو احمرار الجسم ( القداح ) .
لااستطيع ان اتحدث كثيرا في هذا الجانب لضيق الوقت ، لكن قد أعود ثانية لأتحدث عن  الاسر التي كانت تمتهن العلاج بالتداخل الجراحي ..  والشيئ الذي أُريد أن اؤكده ان الموصليين لايزالون يؤمنون بما آمن به اجدادهم ويقصدون بيوت العلاج التي اشرت اليها في هذه الحلقة ويشفون غالبا مما يشتكون منه والاعتقاد بالعلاج هو الفيصل الاول في هذا المجال .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صلاة الجمعة في جامع قبع - الزهور -الموصل

                                                                    الشيخ نافع عبد الله أبا معاذ   صلاة الجمعة بسم الله الرحمن الرحيم :...