الأحد، 13 أكتوبر 2019

حينما تكلم أرشد توفيق ا.د. ابراهيم خليل العلاف

                                                                        ارشد توفيق في شبابه
                                               ارشد توفيق مع الرئيس الكوبي الراحل فيدل كاسترو
                                               ارشد توفيق السفير العراق مع الملك خوان كارلوس

حينما تكلم أرشد توفيق
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس  -  جامعة الموصل
والاستاذ ارشد توفيق لمن لايعرفه ، شاعر ، وكاتب ، ودبلوماسي ، وسياسي من مواليد محافظة دهوك لكنه عاش في الموصل يحسب كثيرون بأنه من اصول كردية لكنه قال بأن أُسرته عربية ، مع انه عاش في  مدينة دهوك ودرس وعمل فيها في مقتبل حياته واتقن اللغة الكردية .
ولد سنة 1944 ، واكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والاعدادية في دهوك وكان والده يعمل في سلك الشرطة دخل كلية الحقوق بجامعة بغداد ثم تركها ، والتحق بمعهد اعداد المعلمين في الموصل ، وكان يحب الادب ولاسيما الشعر .
وقد كتب عنه استاذنا الدكتور عمر الطالب في (موسوعة اعلام الموصل في القرن العشرين ) ..له مقالات في صحف الموصل ومنها جريدة (الرسالة ) ، واصدر ديوانه الاول (النجم والدرويش ) .. كما ان له ديوان آخر بعنوان ( عشرون اغنية ) ..عمل في التعليم معلما ثم انتقل الى وظائف ادارية بحكم كونه منتميا الى حزب البعث وقد اختير ليكون مديرا عاما للاذاعة والتلفزيون ثم سفيرا في عدد من البلدان منها كوبا واسبانيا . وبعد اجتياح الجيش العراقي للكويت في الثاني من اب 1990 ترك العمل وانشق عن النظام وصار معارضا  وقد اصدر بعد 2003 كتابه الموسوم :  (نصف السماء )
ما يهمني اليوم ان اقف عند حوار سابق اجراه الصحفي الدكتور أسامة فوزي معه والذي يعمل في موقع ( إيلاف الالكتروني ) في 12 اذار 2004 وفيه كَشَفَ الكثير الكثير من الاسرار والمواقف ولإهمية ما دار في ذلك الحوار وهو بين يدي الان ارتأيت اطلاع القارئ الكريم  عليه  للتاريخ وللتاريخ فقط .
وفي هذا الحوار تحدث الشاعر والدبلوماسي ارشد توفيق عن مسيرته السياسية والدبلوماسية والادبية التي استغرقت خمسة عقود عاش خلالها تجارب شكلت واحدة من ملامح الحياة السياسية والثقافية العرقية المعاصرة .
ومما اكده الاستاذ ارشد توفيق انه - كأبناء جيله -  إختار توجهه السياسي ليس عن عقيدة بل بحكم الصداقة  والزمالة في المدرسة او المحلة وهذا هو واقع الامر وجد نفسه قد صار بعثيا ، وقال إنه اتجه نحو الاعلام ليس ايضا بإرادته بل انه نقل الى الاعلام بتوجيه حزبي .. واضاف ان اهتماماته كانت ثقافية وليست اعلامية وكان ذلك في فترة حكم الرئيس السابق المهيب احمد حسن البكر 1968-1979 .
ومما رآه وإختبره ان قيادة الاعلام في العراق كانت  تدار من اناس اميون لايفقهون شيئا من اسس ومرتكزات السياسة الاعلامية الصحيحة .والدليل على ذلك ان الدولة كانت تعطي زعماء احزاب وسياسيين وادباء وصحفيين وكتاب في خارج العراق الملايين من الدولارات من اجل ان يكتبوا شيئا عن العراق : لكن الكثيرين لم يكتبوا اي شيء والكثير منهم انقلبوا على النظام بعد اجتياح الكويت 1990 .
وقال الاستاذ ارشد توفيق أنه عمل مع محمد سعيد الصحاف ومع لطيف نصيف جاسم مع الاول عندما كان مديرا لاذاعة بغداد 1974 ، وكان الصحاف مديرا للاذاعة والتلفزيون وعمل مع الثاني  اي مع لطيف نصيف جاسم عندما تولى هذا منصب المدير العام للمؤسسة العامة للاذاعة والتلفزيون ولم تكن علاقته بالاثنين طيبة ولا جيدة .
عن موقعه في الساحة الثقافية العراقية المعاصرة قال انه كان رئيسا لتحرير مجلة (المثقف العربي ) ، ورئيسا لتحرير مجلة (الطليعة الادبية ) ، ورئيسا لتحرير مجلة (فنون عربية )  ، ورئيسا لتحرير مجلة ( الاديب المعاصر ) وكل هذه المجلات مجلات ثقافية ، وفكرية ، وفنية ، ومهنية صرف .
وقف الاستاذ ارشد توفيق عند علاقته بالقيادة الكردية ايام الملا مصطفى البارزاني وخاصة بعد انقلاب 17 من تموز سنة 1968 ، وكان مسؤولا حزبيا وقال ان تجربتي مع الاكراد خاصة جدا فهو لم يكن غريبا عن اقليم كردستان العراق فهو من مواليد دهوك اكمل دراسته فيها ويعرف اهل دهوك بيتا بيتا ، ويعرف روبار دهوك وعيونها واحدة واحدة ويعرف جبال دهوك صخرة صخرة وهي المدينة الاولى في حياته. وكان يتكلم الكردية بطلاقة .
ومن ذكرياته انه كان مسؤولا لحزب البعث في محافظة دهوك ، حين كان الاعداد يجري لبيان الحادي عشر من اذار سنة 1970 وانه احتفل بالبيان عند صدوره مع السيدين علي خليل ، وعيسى السنجاري النائبين العسكريين للمرحوم الملا مصطفى البارزاني .ومن الطريف انه اي ارشد توفيق كان على علاقة حميمة مع اهل دهوك وعشائرها ومنتسبي الحزب الديموقراطي الكردستاني .
روى لي الاستاذ نور الدين حسين شيخ الفوتوغرافيين  الموصليين مرة كيف انه ذهب مع الاستاذ ارشد توفيق لمقابلة  المرحوم الملا مصطفى البارزاني وقال ان خالد عبد الحليم  وكان يعمل متصرفا لمحافظة اربيل اتصل بالاستاذ ارشد توفيق وحمله من لجنة السلام انذاك رسالة الى الملا مصطفى البارزاني . وفي الحوار هذا نرى الاستاذ ارشد توفيق يروي حادثة اللقاء فيقول :" بعد بيان الحادي عشر من اذار 1970 حظيت بفرصة تاريخية ؛ فقد كنت مبعوثا من لجنة السلام انذاك الى المرحوم الملا مصطفى البارزاني حيث وصلت قرب كلالة مقر الزعيم الكردي الراحل وكان المرحوم ادريس البارزاني نجله في استقبالي فأخذني في سيارته في طريق جبلي يمين الشارع حتى وصلنا قرية صغيرة تحطيها الجبال من كل جانب ثم دخلنا بيت الملا مصطفى أو دار ضيافته " .
ويصف الاستاذ ارشد توفيق المبنى فيقول :" انه يتكون من غرفتين الاولى على اليمين مخصصة للنوم ، والى اليسار غرفة للجلوس فيها اثاث متواضع ومنضدة حديدية جلس وراءها ذلك القائد .تحدثنا في السياسة ، والصوفية  ، والدين بلغة عربية سليمة ، وكان متواضعا الى حد كبير فهو يرفض ان نسميه الا بنفسه .كان ذكيا حاضر البديهة عندما دخل اليه احد الاشخاص وتحدث باللغة الكردية سألني بعد خروجه : أنت تفهم اللغة الكردية ؟ قلت له نعم وعجبت كيف انتبه الى ذلك " .
كتب الاستاذ ارشد توفيق بعد عودته الى الموصل مقالة عن اللقاء بالقائد الكردي الكبير المرحوم الملا مصطفى البرزاني في جريدة ( الرسالة ) الموصلية سنة 1970 ، وكان المقال يتألف من صفحة كاملة  .ويحتفظ الاستاذ ارشد توفيق بالعدد هذا في مكتبته .وقال الاستاذ ارشد توفيق ان الملا مصطفى أهداه غليونا خشبيا نحن نسميه في الموصل ( الامزك ) كان يصنعه بنفسه ويهديه الى ضيوفه واكد لي ذلك  الاستاذ نور الدين حسين وكان مع الاستاذ ارشد توفيق الحادثة وقال ان الملا مصطفى البارزاني تحدث عن احد الزعماء السياسيين الغربيين الذي واجهه شعبه بالبيض الفاسد وضحك  وقال  ان هذا الموقف مخز وكان على هذا الزعيم الاستقالة والتواري عن الانظار .
عن محاولات تبعيث المنطقة الكردية قال ارشد توفيق ان ذلك لم يحصل بين 1968 و1979 لكنه حدث بعد ذلك من خلال استمالة وكسب عناصر كردية  الى حزب البعث .
وبعدها تحدث ارشد توفيق عن عمله الدبلوماسي سفيرا في كوبا واسبانيا وقال انه عين سفيرا في كوبا سنة 1979 وكان العراق في أوج حضوره السياسي والاقتصادي لكن الحرب العراقية – الايرانية 1980-1988 قضت على كل شيء .
وبعد تولي الرئيس السابق صدام حسين السلطة في تموز 1979 تغير الوضع ونال الدبلوماسيين العراقيين الكثير مما اسماه ( لدغات)  جهاز المخابرات .
وتحدث الاستاذ  ارشد توفيق عن علاقته بالقائد الكوبي فيدل كاسترو ، وقال عنه انه رجل متواضع ، وذكي ، ومحنك .. وكانت بينهما زيارات شخصية في البيت وكان يجلس ليلقي النكات مع اطفالي وكان محبوبا من قبل شعبه ومازال الاستاذ ارشد توفيق يحتفظ بخاتم فيدل كاسترو الذي أهداه له .
وعن رئيس جهاز المخابرات السابق رافع دحام مجول  وكان صديقا وزميلا ورفيقا للاستاذ ارشد توفيق قال : " رافع دحام مجول من سكنة الموصل وتعرفتُ عليه سنة 1965 عندما اراد ان يستعير ديوان شعر مني ، واكتشفت فيما بعد انه يكتب الشعر ، وله قصائد بعضها منشور في الستينات ، وهو من عائلة طيبة ، مهذب ، ورقيق لم يؤذ في حياته احدا حتى ولو بكلمة واحدة .. سنة 1970 ذهب الى الجزائر للتدريس زاهدا في أي منصب ومنتقدا الكثير من الظواهر السيئة في الحزب ومكث هناك قرابة عشر سنوات .عند عودته عين في المخابرات عندما كان برزان التكريتي شقيق الرئيس العراقي صدام رئيسا لها  ، ولم تكن لديه أية رغبة في مثل هذا العمل ،  وكان يشكو لي ذلك وفي سنة 1991 عين سفيرا في تركيا وكنت أتصل  به ويتصل بي وقد ارسلت له كتابي الاخير (نصف السماء ) وقد امتدحه وقال لي ان الحرية هي من شروط الابداع وانه يتمنى لو كتب مثل هذا الكتاب لكنه لايملك الحرية ..وبعدسنوات عدة اي في سنة 1979 عين رئيسا للمخابرات واتهم بأن له علاقة بالمعارضة وبالاكراد وبأرشد توفيق ثم اقيل من منصبه سنة 2001 وتوفي بعد ذلك ..." .
تحدث الاستاذ ارشد توفيق عن استقالته وتركه العمل سفيرا بعد غزو الكويت وذهب الى السعودية وقال ان الاستقالة لم تكن وليدة اللحظة ، وانه كان ينتقد النظام عندما يلتقي صديقه رافع دحام مجول وكانت لديه ملاحظات منذ سنة 1970 ، وكان عمل مديرا لتحريرات محافظة دهوك قبل هذه الفترة وان ملاحظاته انصبت على ان حزب البعث بات حزبا عائليا ، وان ثمة انحرافات في قيادة الدولة ، وكان اول سفير عراقي يستقيل في 11-3-1991 وقد بقي لفترة يعيش في اسبانيا بعد استقالته ،  وكان يحس ان ثمة من يلاحقه وبعدها قرر  أن يذهب الى السعودية التي ارسلت له طائرة خاصة نقلته الى الرياض لتستفيد منه في مجال اضعاف الحكم في العراق وطبعا لقي كل تقدير واحترام في الرياض والقصة معروفة وقدم كمعارض .
ينتقد الاستاذ ارشد توفيق المعارضة للنظام السابق ، وقال انها تفتقر الى برنامج متكامل للحكم :  برنامج سياسي ، واقتصادي ، واجتماعي ، وثقافي .  ويستثني الاحزاب الكردية والاحزاب الاسلامية ومما كشفه الحوار انه استلم اذاعة المعارضة للنظام السابق ، وكانت الاذاعة التي ادارها كما قال من اولى الاذاعات بسبب كادرها الحرفي ومضامينها ، وساعات بثها ويحسب انها لعبت دورا في توعية العراقيين وما اسماه ( كشف جرائم العهد البائد)  .
وعن عراق ما بعد 2003 قال انه ذهب الى بغداد بعد الاحتلال الاميركي فرأى " كل شيء معفرا بالتراب ، واقسى ما رأيته دبابات الاحتلال " وانه كان يتمنى ان تكون هناك حكومة عراقية لترحب بالمناضلين العائدين بعد غربة دامية الى الوطن " .
ونسي الاخ الاستاذ ارشد توفيق ان التغيير الذي حصل لم يكن بأيدي من سماهم المناضلين ، بل كان غزوا ، واحتلالا وتدميرا ورغبة في ان يعاد العراق الى عصر ما قبل الصناعة كما اعلنوا اي المحتلين عن ذلك بصراحة ووضوح .

ويبدو انه بحسه الشعري وثقافته الادبية يضع يده على الحقيقة المرة وهي كما قال :" اننا لانختار طريقنا ، وانما ترسم الطريق عوامل ، وصدف ، وظروف مكانية ، وزمانية .. سمها قدرا أو نتيجة رياضية لعوامل متعددة غير قابلة للتكرار " .  

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    دكتور هل تتوفر لديكم مذكرات ارشد توفيق

    ردحذف

صلاة الجمعة في جامع قبع - الزهور -الموصل

                                                                    الشيخ نافع عبد الله أبا معاذ   صلاة الجمعة بسم الله الرحمن الرحيم :...