السبت، 12 أكتوبر 2019

الموصل والعدوان الثلاثي على مصر 1956 بقلم : ا.د. ابراهيم خليل العلاف











الموصل والعدوان الثلاثي على مصر 1956
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
ان من الامور التي لابد ان نأخذها بالحسبان ، أن الموصليين ، بحكم انتماءاتهم  السياسية الوطنية والقومية كانوا يتأثرون بكل الاحداث التي شهدها الوطن العربي في التاريخ المعاصر واقصد ما بعد الحرب العالمية الاولى وحتى يومنا هذا .
واذا ما قلبنا صفحات التاريخ ، فسنجد الافا من الصفحات تتحدث عن موقف الموصليين مما حدث ليس في العراق وانما في مصر والشام والمغرب العربي والخليج والجزيرة العربية .
كان للموصليين موقف معروفة  من استقلال سوريا  ولبنان ، ومن جريمة اغتصاب الصهاينة لفلسطين ، ومن العدوان الثلاثي البريطاني -  الفرنسي -  الاسرائيلي على مصر سنة 1957 . وقد كتب الكثير عن هذا الموقف المشرف فمنذ ان أمم الرئيس جمال عبد الناصر  رئيس مصر قناة السويس  يوم 26 من تموز سنة 1956 والموصليين يتفاعلون مع هذا الحدث الذي وجدنا صدى واسعا له في الصحف الموصلية ومنها مثلا جريدة (فتى العراق ) الموصلية .كما اندلعت المظاهرات في الموصل تأييدا للرئيس جمال عبد الناصر في خطوته تلك .
وعندما اتحد الغرب ووقف وراء اسرائيل في عدوانها على مصر ، ازدحمت شوارع الموصل كما يقول احد المشاركين في هذه التظاهرات الاخ الاستاذ سعد الدين خضر الكاتب والباحث والمربي ، في مقالة له منشورة ،  والذي قال ان شوارع الموصل ازدحمت بالمتظاهرين احتجاجا  على العدوان الثلاثي البريطاني – الفرنسي الاسرائيلي يوم 29 تشرين الاول من سنة 1956 ورفضا لموقف رئيس وزراء العراق انذاك نوري السعيد وقد استمرت التظاهرات لمدة تزيد عن الاربعين يوما اي حتى الاسبوع الاول من شهر كانون الثاني سنة 1957 .
ان الذي شهد  تلك التظاهرات واتساعها يقول انها كانت عارمة ، وشاملة فجماهير الموصل شاركت في التعبير عن شعورها الوطني . وقد انطلقت التظاهرات  التي كانت  تضم الالاف حسب تقارير الشرطة من  اماكن عديدة منها محلة النبي شيت ومنها من رأس الجادة ومنها من الاعدادية الشرقية قرب جامع الخضر عليه السلام بإتجاه ساحة باب الطوب والمركز العام اي مركز الشرطة العام مقابل بناية بريد الموصل .. ومما ينبغي ذكره ان شرطة نوري السعيد كما كان يسميها الناس تهكما ، اطلقت الرصاص الحي على الناس حتى ان عددا  من المتظاهرين سقطوا  برصاص الشرطة منهم  الشهيد الطالب عدنان محمد البارودي هذا فضلا عن عشرات من المصابين .
انطلقت مظاهرة اخرى تدعم المظاهرة الاولى من محلة النبي شيت والتي عرف اهلها بتوجهاتهم العروبية القومية والتحقت بهذه المظاهرة جموع من منطقة الباب الجديد وشارع الفاروق واخرى من محلة رأس الكور ومحلة المكاوي ومنطقة الساعة ولم تقتصر المظاهرات هذه على الشباب وانما كانت هناك شابات  من الطالبات ومن الاهالي اشتركن في هذه التظاهرات .
ولم تتوقف المظاهرات وتقتصر على اليوم الاول بل استمرت قوية في اليوم التالي وقد اندفع المتظاهرون الى ديوان متصرفية لواء الموصل قرب دائرة التجنيد يعني بالقرب من (دار الضباط ) وكان التجمع امام حديقة الشهداء والمكتبة العامة وبيت المتصرف وكان انذاك رشيد نجيب ( 22-3-1955-22-9-1957 ).
وقد التحمت بهذه التظاهرة تظاهرة اخرى اتت من الاعدادية المركزية الواقعة في شارع ابن الاثير قرب البارودخانة ومطبعة جامعة الموصل القديمة وباب سنجار وكان معهم طلاب الاعدادية الغربية .
ومما يسجل للموصليين ان اضراباتهم ومظاهراتهم لم تكن تقتصر على الطلبة والتلاميذ بل كان ابناء الحرف المنضوين في الاصناف والتنظيمات المهنية والحرفيين يشاركون اخوتهم المتظاهرين من الطلبة والموظفين وهكذا وجدنا اضرابا للقصابين والصوافة والصياغ وباتت الموصل كلها تموج بالمتظاهرين .
لم تقتصر احتجاجات الموصليين على اليومين الاول والثاني والتي انطلقت في اواخر تموز سنة 1956 بل امتد التظاهر واعتصم الطلاب في مدارسهم بعدما اقدمت شرطة نوري السعيد  على مواجهتهم بقوة وكانت مسلحات الشرطة كما كانت تسمى تحاصر الطلاب في الاعدادية المركزية والاعدادية الغربية ولاعدادية الشرقية واخذوا يرمون عليهم القنابل المسيلة للدموع واتذكر اننا كنا في مدرسة ابي تمام الابتدائية للبنين في عبدو خوب نشعر بالقنابل المسيلة للدموع فادمعت اعيينا وقال لنا المعلمون ان لاتخافوا فالشرطة اطلقت القنابل المسيلة للدموع على الطلاب في محاولة لفك اعتصامعم وقد واجه الطلاب الشرطة بما كانوا يصنعونه من قنابل بدائية يلقونها على قوات الشرطة التي اقدمت على الابتعاد عن المدارس الثانوية المحاصرة .
وقد اقدم  الزعيم ( أي العميد بلغة اليوم ) سعدي علي  آمر موقع الموصل  وهو من ضباط الجيش الكبار انذاك على فتح باب التفاوض مع الطلبة المعتصمين ومن وراء الابواب الرئيسة المغلقة بعد ان اعطاهم الامان واقسم بشرفه العسكري على تنفيذ التعهد فرد عليه الشاعر عبد المحسن عقراوي ردا غير مناسب ، لهذا اقدم الطلاب على طرده من لجنة التفاوض .
وقد لجأ الطلاب الى كثير من الممارسات ومنها انهم ارسلوا عددا من زملاءهم سرا الى المسلخ ليجلب لهم سطلا من الدماء لوثوا به قمصانهم وكتبوا عليها عبارة هذا قميص الشهيد الطالب عدنان البارودي ، وكان يستهدفون رفع معنويات الطلاب وزيادة حماسهم ومن الطريف القول ان اصحاب المحلات في شارع حلب القريب من الاعدادية الشرقية تبرعوا للطلاب بصواني من حلاوة الطحينية وسلال من الخبز  وكانوا يقومون بنقلها لهم سرا وبعيدا عن انظار الشرطة ومن وراء سياج الاعدادية الشرقية من جهة شارع حلب .
كما رفع الطلاب سبورة كتبوا فيها مطالبهم وعلقوها على حائط الاعدادية الشرقية المقابل لشارع العدالة .
بعد اسبوعين من الاعتصام والعودة الى الدوام وقف الشهيد لؤي ثابت وسط حوش الاعدادية الشرقية وهتف بقوله (عاشت الحرية ) ، وتجمع الطلاب وبدأ الهتاف وابتدأ الاعتصام الثاني وكان من نتائجه اقدام ادارات المدارس وبموجب قرار من وزارة المعارف فصل كل الطلاب المعتصمين واعادة تسجيلهم والزامهم بجلب اولياء امورهم ليتعهدوا بإنتظام الدوام وكان مدير الاعدادية الشرقية انذاك الاستاذ محمود الجومرد .
الشيء الذي اريد ان اقوله ان نوري السعيد رئيس الوزراء لم يغفر للطلاب ما قاموا به من عصيان واعتصام وتظاهرة فأحال قادتهم الى المجالس  العسكرية العرفية والى المعتقلات والى المجلس العرفي العسكري الثاني في كركوك ثم سيق العدد الاكبر من الطلاب الى مسكر راوندوز للضبط العسكري وكان هذا لطلبة الثانويات من المفصولين اما طلاب الكليات فسيقوا الى معسكر السعدية في ديالى ويشير الاستاذ سعد الدين خضر وكان طالبا في الاعدادية الشرقية ان من الطلبة الموصليين الذين سيقوا الى معسكر راوندوز منهم يونس عبد الرزاق العباجي وشاهر عمر العلكاوي وخالد عبد العزيز زكريا وعبد الله فتحي العزاوي وعادل الشماع وعبد الملك عبد اللطيف ومحي عبد الله العراقي وعز الدين عبد الله ولقمان داؤد وعبد السلام ياسين ونديم احمد الياسين وفاضل الظاهر ومحمد جميل وعبد المجيد فتحي ولؤي ثابت واسامة ثابت وسعد الدين خضر وخالد محمد وسامي عبد الله وفخري المولى وعبد الغني ناصيف وانيس جاسم البارودي وشاكر حمدون ومحمد تقي فرحات ونور الدين محمد ومحمد حسن واخرون وقسم من هؤلاء كانوا من تلعفر ومن حمام العليل .
الاخ الاستاذ الدكتور طاهر البكاء في كتابه الوثائقي الذي نشره في بوسطن سنة 2006 والموسوم : (مواقف في وثائق الرأي العام العراقي والعدوان الثلاثي على مصر في وثائق شعبة المخابرات السرية في وزارة الداخلية العراقية 1956 ) وقف عند ردود فعل الموصليين على العدوان الثلاثي على مصر فقال ان التظاهرات الشعبية في الموصل لم تقتصر على طلاب المدارس وانما اشترك فيها الموصليون سواءَ كانوا عمالا او حرفيين او موظفين او من الاصناف وخاصة القصابين واشار الى ان التنظيمات القومية والشيوعية والدينية كانت وراء تلك التظاهرات والاعتصامات وان برقيات متصرف لواء الموصل ومنذ اليوم التاسع والعشرين من تشرين الثاني 1956 كانت تشير الى ذلك وتحذر وزارة الداخلية ممن اسمتهم الهدامين وقالت البرقيات ان الشرطة اشتبكت مع المتظاهرين والقي القبض على عشرات منهم واحيل العديد منهم الى المجالس العرفية وان قائد القوات العسكرية للمنطقتين العرفيتين الاولى والثانية اتخذت اجراءات احترازية من خلال اصدار اوامر بالقاء القبض على الناشطين السياسيين في الموصل ومنذ بدء التظاهرات وذكرت اسماء المحامي سامي باشعالم والمحامي غربي الحاج احمد ، ويحيى بن سليمان ابو ريمة ، وفاضل حمادي الشكرة ، وصلاح ابراهيم شنشل وسالم محمد خليل ، والحاج محمد علي الخشاب ، وعبد الحافظ نجم احمد وبلال علي الصبحة وخضر ارزوقي ، ونايف سعيد الحيو ، وعيشة خلف ، وعبد الله فتحي العزاوي وغازي طه العزاوي ومهدي صالح العلاف  وعبد حسين ابو شكيرة  ، ونافع توما ، واسامة حمدي جليميران وصبري بطرس ميخائيل .  ووصفت غربي الحاج احمد وهو محام وشاعر ووزير بعد ثورة 14 تموز 1958 بانه مشاغب ، ومحرض على الاضراب .   وكان غربي الحاج احمد من قادة حزب الاستقلال وليس كما جاء في برقية شرطة الموصل انه بعثي كما قالت عن الحاج محمد علي الخشاب انه كان يقود المظاهرات وهو محمول على الاكتاف ووصفت صبري بطرس ميكائيل بأنه شيوعي خطر سبق ان حكم عليه ووضع تحت مراقبة الشرطة لمدة سنة وهكذا كانت تصف المعتقلين بأنهم ينتمون الى احزاب هدامة  ويحملون ميولا ونزعات ضارة وانهم من الاوباش  والمشاغبين والمحرضين على حد قولها  وان قسما منهم من المحامين وقسم من العمال وقسم من القصابين الذين سبق للشرطة ان اعتقلتهم وغرمتهم واحالتهم الى المجالس العرفية ووضعت جماعة منهم تحت المراقبة .

نعم كانت الموصل -  حالها حال المدن العراقية  -  غاضبة على العدوان الثلاثي على مصر وكانت صور الرئيس جمال عبد الناصر  ترفع في التظاهرات وكانت الهتافات بإسمه ذات صدى كبير فضلا عن استنكارها للموقف الحكومي العراقي من العدوان وقد عبر الموصليون من مختلف الفئات السياسية القومية والوطنية والشيوعية عن استنكارها للعدوان والوقوف بجانب مصر وهي تستعيد قناة السويس من أيدي المستعمرين البريطانيين الذين سيطروا عليها عقودا طويلة . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...