الخميس، 5 سبتمبر 2019

غانم العكيدي الروائي الموصلي الكبير




 غانم العكيدي الروائي الموصلي الكبير *
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل
اليوم هو يوم الاستاذ غانم العكيدي الروائي والقاص والكاتب والمربي والانسان ...اليوم نقف عنده نقف عند سيرته ونقف عند انتاجه وانا عندما اطلقت عليه هذا اللقب ( نجيب محفوظ الموصل ) لم اكن ابالغ ولم اكن اتحدث على سبيل المدح او الاطراء او اي شيء يقع في خانة الاخوانيات وانما لمعرفتي التفصيلية والدقيقة بعوالم نجيب محفوظ في مصر وعوالم غانم العكيدي في الموصل فكلاهما ينطلقان من الحارة المحلة الحي وما فيها من احاسيس ومنطلقات ومطامح ومعالم وعلاقات انسانية وغير انسانية .
الهم الانساني هو ما دفعه ويدفعه لتناول موضوعاته وهو حريص على تصوير انفعالات من يتابعهم من شخوص ولغته بسيطة واضحة سلسلة وكما يقول الاخ الاستاذ الكاتب  سامر الياس سعيد فإن غانم العكيدي يستطيع ان يجعل قارئه قادرا على اختزال المشاعر الانسانية وكشف حجاب الفكرة التي تدور حولها الرواية وما قد تستره اللغة الانية في النص الروائي الذي لايحتمل فوق طاقته .ومثل نجيب محفوظ فهو مغرق بفكرة استيحاء معظم موضوعات روايته من الاماكن الشعبية كما في روايته سكان البيوت الاربعة التي هي بيت واحد ولكن تسكنه عوائل عدة .وان العكيدي ايضا يتمكن من خلال رواياته من الكشف عن عرض الاحداث المتراكمة من دون الحاجة الى فواصل متدرجة بين  اللوحات التي تشكل النص .
عن روايته ( بعض الرجال لايبكون ) كتبت اقول :" وجدتها أقرب إلى السيرة الذاتية منها إلى الرواية .نعم هي من نوع السرد الجميل لكن مضامينها وطريقة سرد حكايتها تنبئ بأنها قريبة جدا مما أراد لها كاتبها وهي انه كان يطمح ان يكتب سيرة حياته المضطربة كما قال في مذكرات ومن دون قصد ، سطر الكاتب جوانبا كثيرة من الأحداث التي شهدها وعاناها منذ ولادته بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى الستينات من القرن الماضي وقد سعدت وتمتعت كثيرا بما سرد واستهوتني الرواية واخذتني معه الى اجواء طفولتي انا وشبابي ورجولتي وسبب ذلك ان الكاتب من مجايللي ومن ابناء مدينتي ويحمل ذات التوجهات والافكار التي احملها وعاش أجواء الموصل السياسية كما عشتها وكما عاشها جيلنا جيل ما بعد الحرب الثانية لكن تفاصيل حياته الخاصة وأسرته وما واجهته هذه الاسرة وتنقله من حي الى حي أعطت لروايته خصوصية لكن كل من يقرأ الرواية سيجد ثمة قواسم مشتركة بينه وبين الكاتب" .
كان نجيب محفوظ (رحمه الله) وقد سبق لي ان التقيته في القاهرة في شباط 1990 وجلست معه قاص و كاتبا روائيا ارخ لمجتمع القاهرة ولما شهده هذا المجتمع من احداث وملابسات واشكاليات ومنذ العصر الفرعوني حتى عصر عبد الناصر ومن ثم ما سمي في مصر بعصر الانفتاح بعد موت عبد الناصر ومجيء انور السادات . وعمل غانم العكيدي نفسه وهو يجول ويصول في محلة الننبي شيت وفي وادي حجر وبين مقهى محمود واولاد برهم .
وانا اقرأ له هالني حجم الاحاسيس التي كان يرصدها ويسجلها وكم كنت سعيدا وانا اتفحص جوانب من رواياته وقصصه وكتاباته ومنذ ان كتب روايته ( راعي تحت التجربة ) سنة 2012 اي قبل سبع سنين من يومنا هذا .
وراح يغذ السير ويحث الخطى ويكتب ويكتب كتب روايته ( الطيور تغرق ايضا ) والتي نشرها سنة 2013 ثم اصدر روايته ( بعض الرجال لايبكون ) سنة 2014 * وروايته ( سكان البيوت الأربعة ) وروايته ( كنا في مقهى محمود ) 2018 وروايته ( الطريق الى الجوهرة سالكة ) 2017 وروايته (وافرة والحصان )  وغيرها من الروايات وقسم منها غير منشور .
وهو ينشر رواياته وجدناه لم يغفل الكتابة القصصية ففي سنة 2013 اصدر مجموعته القصصية الموسومة ( اولاد برهم ) واتبعها بمجموعته القصصية (البيت الريفي ) 2018 .
وللروائي والقاص قصائد هو اطلق عليها عنوان ( نصوص نثرية ) وهذه النصوص النثرية  (ذلك الشتاء ) اصدرها في سنتنا هذه 2019 .
الاستاذ غانم العكيدي وهو في انطلاقته الروائية والقصصية  لم يغفل كتابة بعض الموضوعات التي يراها مهمة وضرورية في فهم جوانب من الحياة الفكرية الانسانية واشير هنا الى كتابه الرائع ( آراء في الميكافيلية ) كتبه بعد ان  شعر بأن روح الميكافيلية ووتفسيراتها للحياة وللتعامل بين النشر والتي ظهرت قبل قرابة خمسة قرون هي ما تسم حياتنا الراهنة ولعل قسما من سياسيينا تجاوز ميكافيللي في مبدأه (الغاية تبرر الوسيلة ) ، وانه لكي نفهم الحياة لابد ان نكون واقعيين وان من الضروري ان نتكيف لنعيش واقعنا وبدون ان ندمر حياتنا عبثا .
غانم العكيدي في هذا كله يجب ان يكون موضوعا يتناوله النقاد انسانا وانتاجا وارجو ان لايزعل علي النقاد وانا احب النقاد في ان ثمة تقصيرا كبيرا منهم تجاه نتاج غانم العكيدي واستثني اخي العزي الناقد الكبير الدكتور احمد جار الله ياسين الذي لم يألُ جهدا في تقديم نقداته لاعمال غانم العكيدي في جلسة ثقافية حضرناها وكانت جلسة رائعة .
بوركت اخي الروائي المبدع الاستاذ غانم عزيز العكيدي .بقي أن القي ضوءا عى سيرة الاخ الاستاذ غانم العكيدي فهو غانم عزيز صالح العكيدي من مواليد  محلة النبي شيت  في الموصل سنة 1947 فهو من مجايللي من جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية هذا الجيل الذي قدم للبلد الكثير وفي مختلف الميادين   ومحلة النبي شيت هي من المحلات العريقة  المعروفة  بتوجهاتها القومية وقد قدمت للعراق الكثير وفيها رموز وقامات يعرفها القاصي والداني ممن خبر هذه المحلة وتغلغل في عوالمها الداخلية .
 تكوين الاستاذ غانم العكيدي الثقافي يقوم على انه  ثقف نفسه بنفسه وقد تعودنا نحن جيل مابعد الحرب العالمية الثانية ان نقرأ لماركس ولروسو ولتوينبي ولجيكوف ولكوكول ولسارتر ولكافكا ولهمنغواي وان نكون على معرفة بمدارس الفن الشهيرة وان نكون على دراية بكل مدارس الفلسفة ولن نقرأ لكل رواد التوجهات السياسية الدينية والقومية والماركسية والليبرالية ...قرأنا الكثير وحبانا الله بمعلمين ومدرسين واساتذة  علمونا بشكل ممتاز وزرعوا لدينا حب الكلمة وتقديس الكلمة وحملونا رسالة تنويرية تقدمية .
اريد ان اقول ان الاخ العزيز الاستاذ غانم العكيدي اكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية في الموصل ودخل معهد المحاسبة  في الموصل وكان موجودا قبل ان تؤسس جامعة الموصل وحصل على دبلوم عال في المحاسبة سنة 1969  وكان من المؤمل ان يكمل تعليمه العالي في ما كان يسمى هيئة الانسانيات التي غدت فيما بعد كلية للاداب وانتسب الى قسم اللغة الانكليزية ودرس الادب الانكليزي لكنه لم يكمل المشوار لاسباب وترك الدراسة الجامعية .
الشيء الملفت للنظر ان غانم العكيدي شغله الرزق ودخل الوظيفة الحكومية واكمل رسالته في تربية  اولاده وبناته وله اليوم طالبة في كلية الطب بجامعة الموصل وبعد ان ادى واجبه العائلي والابوي وجد ان الضرورة تقتضي ان يتفرغ لنفسه ولكتاباته ولرواياتها فعاد اليها وبدأت رحلة النشر  بعد تقاعده وهكذا فالتقاعد هو البداية للحياة الحقيقية عندي وعنده ومنذ سنوات سبع  وهو لايكل ولايمل ينشر ويلقي المحاضرات ويحضر الاصبوحات والامسيات الثقافية ويسهم في تقديم اعماله لنيل الجوائز كما هو الحال مع جائزة كتارا  وقد حظيت اعماه بإهتمام  عدد من الصحفيين والنقاد والمؤرخين والمهتمين وظهرت العديد من الكتابات  عنه ورقيا والكترونيا واختيرت رواياته لتكون رسائل تخرج وموضوعات لنيل الرسائل الجامعية ومن واجبنا ان نضع هذا الروائي الكبير في مكانته التي يستحقها بين كتاب الرواية في العراق والوطن العربي وان  نخضع اعماله للنقد  خدمة للحركة الثقافية في عراقنا الناهض .
اريد ان اقول لابل اريد ان اذيع سرا وهو ان الاستاذ غانم العكيدي والذي كتب العديد من المقالات والقصص في الصحف والمجلات وكان له عمود في جريدة ( الجريدة ) بعنوان ( كلام في الهواء ) كان مثلي ومعي عضوا في ( الحركة الاشتراكية العربية ) والتي كانت تنظيما عروبيا قوميا يساريا له الكثير من النشاطات في الستينات من القرن الماضي وهذه الحركة كانت تجمع بين الاهتمام بالقضية السياسية والقضية الاجتماعية والاقتصادية ليس للعراق بل وللوطن العربي كله ولست هنا في مجال التوثيق لهذه الحركة التي تعرضت للاعتقال سنة 1969  بسبب انتمائي لها .
امد الله بعمر اخي العزيز الاستاذ غانم العكيدي  ومتعه بالعافية والى مزيد من الابداع .
* محاضرة القيتها في (ملتقى  الكتاب ) بالموصل الثلاثاء 3-9-2019 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صلاة الجمعة في جامع قبع - الزهور -الموصل

                                                                    الشيخ نافع عبد الله أبا معاذ   صلاة الجمعة بسم الله الرحمن الرحيم :...