الثلاثاء، 18 أبريل 2017

نوزت شمدين أغا ...كما أعرفه











نوزت شمدين أغا  كما أعرفه                                                        

ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
كاتب  ، وقاص ، وروائي ، وصحفي موصلي من الطراز الاول .أختلفُ معه ويختلفُ معي ، وقليلة جدا هي المرات التي التقينا فيها وجها لوجه لكني  أحبه ، وأشعر أنه يحبني .
قبل ان تدخل الموصل في متاهة الظلام في حزيران سنة 2014،  كان يعمل  محررا لسنوات في جريدة (عراقيون ) الموصلية فأعطاها الكثير وجعلها صحيفة مقروءة ومنحها الديمومة لسنوات هو ومن معه من المحررين ، وكنت انا شخصيا  انشر فيها واتابع وبشغف ملحقها أو قل صفحاتها المستقلة (ذاكرة عراقية ) وكنت أحسبها مع نفسي جريدة مستقلة .
وبعد حزيران 2014 ، ترك الاستاذ نوزت شمدين أغا الموصل وذهب الى السويد ، ومن هناك أصدر روايته التي ذاع صيتها والموسومة : (ناجٍ من الموصل ) ، وبعدها أصدر روايته الاخرى (سقوط سرداب  ) . وقبل ايام صدرت له في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر روايته الجديدة : (شظايا فيروز ).
في سنة 2015 ، إنتزع نوزت شمدين الروائي العراقي –الموصلي جائزة ناجي نعمان الادبية  ، وجاء في حيثيات منحه الجائزة أن التكريم جاء نتيجة لما حققه من إنجازات أدبية ، وصحافية ، وثقافية خلال تلك السنة 2015 ، والتي رفع من خلالها إسم مدينة الموصل الحدباء أم الربيعين عاليا في العالم كله .وكم كانت كلماته رائعة وجميلة عندما قال لمراسل ( تلفزيون الموصل ) حينئذ :"إن التكريم هو رسالة تحدٍ  الى من يريد النيل من ثقافة الموصل وتاريخها المشرق " وأعرب عن أمله في ان تظل الموصل منارا للعلم والثقافة والعطاء وأن محاولات طمس هويتها لن تنجح " .
وهاهي نبوءة وتمنيات الاستاذ نوزت شمدين أغا تتحقق ؛ فالموصل بقيت محافظة على عراقتها ، وشخصيتها الحضارية وألقها بالرغم مما لحق بها من تدمير ونكبات ومآس وهكذا فالموصل ليست مدينة فحسب،  بل هي تايخ وتراث وحضارة ودور وموقف يعرفه القاصي والداني .
عن روايته (شظايا فيروز ) ، كتب الكثيرون من النقاد واستوقفتني مقالة الاستاذ سيف الدين المفتي الذي قال في موقع ( مركز النور)  : ان الرواية ولدت مضيئة من عالم يتسم بالعذرية والبساطة والتضحية القادرة على خلق أمل جديد ..إن الرواية تعبر عن صورة حرب جديدة مدمرة من خلالها يتضح الوجع الانساني بأجلى مظاهره .

في روايته (قادمون ياعتيق ) ، والتي كتب عنها الكثير ، وأنا كنت ممن كتبَ عنها ، وقد صدرت في الشهر نفسه حزيران 2014 الذي سقطت فيه الموصل أسيرة بيد الظلاميين عن دار الجيل العربي في الموصل،  نجد أنه أول كاتب يكتب عن هذا الحدث المأساوي ، وهو وسطه . وفي الرواية حديث طويل وشهادات تاريخية حمل صوت المدينة الاسيرة الذي وصل الى كل مكان في العالم كما تمنى الكاتب نفسه .

أما في روايته (سقوط سرداب )،  فقال عنها الاستاذ مروان ياسين الدليمي في مقال له  في موقع (أدب وفن ) :" إن المؤلف قد تناول في عمله هذا وقائع تاريخية معاصرة لازالت تداعيات بعض فصولها تلقي بظلالها الثقيلة على الحاضر والمستقبل،حاول من خلالها أن يعكس رؤية ذاتية تأتي من خارج اطار منظومة الكتابات التي عودتنا عليها الاقلام في مدينة الموصل والتي غالبا ماتتسم بالمحافظة وعدم التوغل بعيدا في مناطق حساسة من التاريخ، سواء البعيد منه أو القريب"  .
قرأتُ الكثير مما كتبه الاستاذ نوزت شمدين أغا في الصحف والمواقع الالكترونية ، ولم يفتني شيئا ، ومن خلال ما قرأت أستطيع القول انه أعاد للمقالة الادبية في العراق إعتبارها وانه – وبإسلوب ساخر وتهكمي - تمكن من ان يصل الى قلوب وعقول القراء . ويقينا ان من يقرأ الاستاذ نوزت يحس بدماثة خلقه ، وبساطته ، وهدوءه ، وتواضعه ، وكبريائه ، وأنفته .. وتلك صفات نعتز بها لانها تعيدنا الى الرواد الاوائل من كتابنا الكبار .حتى عناوين مقالاته فيها من الجاذبية الشيء الكثير  ومنها : ( ألم يبقَ أحد في بيت أبينا حتى يصير فلان نائبا ) و( الاسكافي واللعب بالقوافي ) و(ما تعرفه عن سيرة جكوج ) و( ستلايت الخليفة وربطة عنق العاكوب ) و( لم يمنحني فرصة للكلام ) و( انه ليس مجرد  ثور !) و(أعرف بأنكم لم تصدقوني ) و( انا وباربي ) و(يوم شفط الرئيس كرشه ! ) و(اسكتوا ايها السادة نطق أعضاء مجلس محافظتنا ) و(شيزوفرينيا )  و(زنود الست والمالكي ) و(مشتوم نينوى والقوش ) .
لا أعرف الكثير عن سيرة الاستاذ نوزت،  لكني قرأت يوما مقالة له عن زوجته واولاده وهم يفاجئونه بإحتفال بسيط بعيد ميلاده وما رأيته مهتما كثيرا بالحديث عن نفسه  .كما عرفت أمس فقط انه عديل صديقي الكبير الاستاذ نواف شاذل طاقة . وقد حاولت من خلال الاطلاع على بعض لقاءاته ، وحواراته الصحفية والتلفزيونية ومنها مثلا مع الصديق الاستاذ عبد الناصر العبيدي وبرنامجه (صوت نينوى ) من ( قناة السلام ) الفضائية أن أعرف شيئا عن سيرته ، وعرفتُ أنه من مواليد الموصل سنة 1973 ، درس في مدارسها والتحق بقسم القانون في كلية الحدباء الجامعة في الموصل وتخرج سنة 1993 ،عمل في سلك المحاماة لمدة ثمان سنوات لكنه ترك المحاماة وتفرغ للكتابة التي عشقها منذ صغره .  وابتدأ بالنشر في الصحف والمجلات إبتداءا من سنة 1995  ،  ومنذ الخامسة عشرة من عمره عشق الكتابة وكتب شيئا لايحسبه رواية بعنوان (هذه حبيبتي ) ..كان يقرأ كثيرا ، ورأى أدباء وشعراء الموصل ومنهم سالم الخباز ، ومعد الجبوري ، ووليد الصراف وأعجب بهم .ومع انه قال شعرا  ولمدة عامين لكنه ترك الشعر  مع انه كان معجبا بالشاعرين الكبيرين بدر شاكر السياب ونزار قباني ،  وحتى الان فهو من متذوقي الشعر الجميل ،وانصرف الى القصة والرواية ..  وفي سنة 2002 صدرت له اول رواية هي (نصف قمر ) .. فاز بجوائز وحظي بتكريمات منها  جائزة مسابقة التضامن العربي سنة 2006.
من محطات حياته التي اطلعت عليها من خلال ما احتفظ به من وثائق ومدونات ، انه قبل سنة 2004 كان رئيسا  لتحرير جريدة (ثقافات ) الموصلية والتي تعد أول صحيفة متخصصة تصدر في الموصل بعد 2003 ، وكانت شهرية ومقروءة  وتباع نسخها المطبوعة بالكامل  في محافظة نينوى أصدرها ب(36 ) صفحة وأصدر منها (12 ) عددا .
كما ان من المناسب ان نشير الى ان الاستاذ نوزت شمدين أغا ، كان مراسلا لجريدة (المدى ) البغدادية الرصينة واعتبارا من سنة 2004 ولغاية سنة 2014 .وهو يكتب في موقع (نقاش ) الالكتروني الالماني قصصا خبرية .وقد عمل رئيسا لقسم الاخبار في قناة (سما الموصل ) الفضائية الموصلية .
علمت ُانه يعكف حاليا على انجاز كتاب توثيقي مهم وكبير بعنوان : (خراب الموصل ) ، سينشر هذه السنة من خلال المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت .
لقد حمل الاستاذ نوزت شمدين أغا هم الموصل ، وتحدث عن أزمتها ، ولايزال يتحدث في لقاءاته وحواراته في باريس وبرلين وامستردام ولوبليانا واسطنبول وتونس ووراشو وكوبنهاكن وستافنجر واوسلو ويحتاج الامر لمتابعة ذلك الى وقت وجهد كبيرين .
تمنياتي لأخي الاستاذ نوزت شمدين أغا  - وهو اليوم يدير موقعا الكترونيا متميزا هو موقع (باشطابيا ) الجميل الذي أتشرف بالكتابة فيه -  بالتألق الدائم وننتظر منه المزيد مما يثري السرد العراقي بالمنجزات الرائعة .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عبد الستار ناصر وطقوس الكتابة

  عبد الستار ناصر وطقوس الكتابة -ابراهيم العلاف ولا اكتمكم سرا ، في أنني احب القاص والروائي العراقي الراحل عبدالستار ناصر 1947-2013 ، واقرأ ...