جابر عمر وكتابه (الاعمار ومشاريعه في العراق ) 1955
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل
(الاعمار ومشاريعه في العراق ) ، كتاب صدر ببغداد سنة 1955 .. هذا الكتاب قرأته قبل 500 سنة ، وأعيد قراءته اليوم لأهميته .. والكتاب عبارة عن سلسلة محاضرات القاها المؤلف في كلية الاركان العراقية ودورة الضباط الاقدمين عن الاعمار ومشاريعه في العراق . ويشير في الكتاب الى ان العراق في الحرب العالمية الثانية 1939-1945 ، خرج مثقلا بالكثير من آثار الحرب غير المباشرة نتيجة لتشابكات عديدة . وفي الوقت ذاته واجه العراق مشكلة مع بريطانيا ، وهي انه كان يطلبها مبلغا يقدر ب(57 ) مليون دينارا ، وذلك قيم للجهود والمواد التي قدمها للجيش البريطاني خلال الحرب ، ولكن حرب فلسطين 1948 كبدت العراق مبالغ كبيرة جدا لذلك كله واجهت الدولة العراقية أزمة خطيرة بالنسبة لمشاريعها العمرانية الاعتيادية لابل اصبحت الميزانية مهددة بالانهيار كما صرح بذلك احد وزراء المالية العراقيين .
وذعب الامر الى حد ان الدولة فكرت لتلافي الرواتب بإستحصال قروض خارجية تسدد بأفساط ، ومن رصيد الدولة وقد اظهر البنك الدولي استعداده عندئذ لمساعدة العراق وجاءت لجنة منه سنة 1950 ودرست امكانية العراق الاقتصادية وقررت مساعدة العراق لإنجاز مشاريع طبعا بالشروط التي تنسجم مع البنك ومن هذه المشاريع مشروع الثرثار الذي منحه البنك قرضا يبلغ 12 مليون دولار .
ثم حدثت قضية النفط ، وطرأ تغيير على الاتفاقيات النفطية وظهرت مشكلة تأميم النفط في ايران لذلك بدأت الدولة في العراق مباحثات مع شركات النفط وهكذا حصل البلد على موارد مالية جديدة تدفقت عليه بقوة اكثر مما كان متوقعا .
وبدأ التفكير الجدي للدولة يرافق الاتفاقات النفطية وفي كيفية صرف العوائد الجديدة فظهرت فكرة (إنشاء مجلس الاعمار ) لاستثمار هذه الموارد في طرق معينة تكون انتاجية اصلاحية ذات طابع عمراني .
كانت هناك رؤيتان متضادتان هما :
الاولى وتدور حول الاهتمام بالدرجة الاولى بسد الحاجات الضرورية اليومية الملحة .
الثانية وتدور حول تخصيص المبالغ الجديدة لمشايع جديدة تكون بذلك موردا اقتصاديا منتجا ومهما .
ودار نقاش وجدل طويلين بين رجالات الاقتصاد والاجتماع والتاريخ والسياسة وتوصل الجميع الى تبني الفكرة الثانية بعد ان شعروا بحاجة العراق من الوجهة العمرانية ، والقابليات الطبيعية وقد وصل الكاتب الى نقطة مفادها : " ان من يجلس على ثروة العراق يستطيع ان يكون عاملا في ازدهار الحضارة ، وعاملا من عوامل التوازن الدولي " .
ولتأكيد هذه الفكرة يستشهد الكاتب بأحداث العراق السياسية والجغرافية والاقتصادية .ثم يشير الى ثروة العراق الطبيعية ويقول ان الغرب سبقنا بعدة قرون في تكييف نفسه وفقا للحاجات الجديدة وانه اتخذ اسلوبا في الحياة عليه طابع العمل والانتاج .
ثم يتحدث عن احتكاك العراق بالغرب ، وشعور الناس بلذة المخترعات الجديدة وينتقل الى العوائق ومنها التفكير القبلي العشائري، والعواطف الدينية والمذهبية ، وروح الحياة الزراعية ، والقيم المتوارثة وضرورة ان تكون هناك قيما جديدة تخضع لروح الحياة الصناعية ومتطلباتها .
ثم يقول ان الدولة تحاول إحداث تغييرات في مختلف نواحي الحياة ومع هذا فنحن (19555 ) لانزال نشعر بالتخلف في مجالات تعليمية وصحية وما شاكل .
وينتقل الى موضوع التشريع والتنظيم ويتناول صدور قانون رقم 23 لسنة 19500 بإنشاء (مجلس الاعمار ) وذلك استعدادا لتوقع زيادة كبيرة في موارد النفط ويتألف المجلس من رئيس الوزراء رئيسا ووزير المالية وستة اعضاء اجرائيين من غير الموظفين من بينهم خبير في الشؤون المالية والاقتصادية وخبي بشؤون الري وخبير في حقل من الحقول التي يقررها مجلس الوزراء ولهم جميعا حق التصويت ثم يوضح اختصاصات المجلس فيقول انها :
11.الدخول في مقاولات لغرض استئجار الخدمات او شراء اللوازم والخاصة بالكشوفات والتحريات والاشراف مع اي شخص او شركة او مؤسسة في العراق وخارجه .
2. للمجلس ان يعقد القروض ويصدر السندات ويرهن الموجودات وغير ذلك
كما يتناول تركيبة المجلس الادارية والمالية ويوضح ان المجلس طرأ عليه تعديل في شهر تموز 1953 وصدر مرسوم بزيادة اعضاء المجلس الى (7 ) إجرائيين بدلا من (6 ) واعضاء المجلس هم رئيس الوزراء ، ووزير الاعمار ، (العميد ) ووزير المالية والزعيم الركن المتقاعد طه الهاشمي وجلال بابان وعبد المجيد علاوي وعبد الجبار الجلبي والدكتور عبد الرحمن الجليلي والمستر نلسن اختصاصي في الري والمستر ايونيدس متخصص في شؤون الصناعة بدلا من السير ميلر والزعيم الركن المتقاعد حمدي ابراهيم (سكرتير المجلس ).
هكذا كان يكتب اساتذة الجامعة ، وهكذا كانت قلوبهم وعقولهم مع بلدهم ، وأهمية تطويره وتعميره .. وعندما قامت ثورة 14 تموز -يوليو 1958 اختير الدكتور جابر عمر وزيرا للتربية (المعارف كما كانت تسمى ) .
كان استاذا فذا ومربيا فاضلا وكاتبا وطنيا وقوميا متنورا . .كان عروبيا قوميا
الدكتور جابر عمر 1913- 1993 .. كتب عنه الاستاذ حميد المطبعي في (موسوعة اعلام وعلماء العراق ) ، وقال انه دكتوراه في فلسفة التربية من المانيا وسويسرا في سنة 1941 .. ولد في مدينة عنه -حافظة الانبار سنة 1913 ، وكان استاذا لفلسفة التربية في دار المعلمين العالية - كلية التربية فيما بعد .عين مديرا عاما في مجلس الاعمار ، وكما ذكرنا أختير ليكون وزيرا للمعارف (التربية ) بعد ثورة 14 تموز 1958 .كان عروبيا قوميا له نشاطات واسهامات في تنمية العمل الوحدوي القومي العربي في العراق ، وكان مؤيدا لثورة مايس 1941 ، وهرب بعد قمعها وفشلها ، ولجأ الى المانيا مع عدد من رفاقه ، وله من الكتب غير الكتاب الذي كتبنا عنه اعلاه ومن هذه الكتب : كتاب (التوجه القومي ) 1948 ، و(اتجاهات واراء في التربية والتعليم ) 1951 ، وكتاب ( المدخل في التربية ) 1953 ، وكتابه (الوجه الاقتصادي لاوربا ) تأليف انتون رايتنكر وقد ترجمه ونشره سنة 1955 .
رحم الله الدكتور جابر عمر وجزاه خيرا على ما قدم لبلده وامته .
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل
(الاعمار ومشاريعه في العراق ) ، كتاب صدر ببغداد سنة 1955 .. هذا الكتاب قرأته قبل 500 سنة ، وأعيد قراءته اليوم لأهميته .. والكتاب عبارة عن سلسلة محاضرات القاها المؤلف في كلية الاركان العراقية ودورة الضباط الاقدمين عن الاعمار ومشاريعه في العراق . ويشير في الكتاب الى ان العراق في الحرب العالمية الثانية 1939-1945 ، خرج مثقلا بالكثير من آثار الحرب غير المباشرة نتيجة لتشابكات عديدة . وفي الوقت ذاته واجه العراق مشكلة مع بريطانيا ، وهي انه كان يطلبها مبلغا يقدر ب(57 ) مليون دينارا ، وذلك قيم للجهود والمواد التي قدمها للجيش البريطاني خلال الحرب ، ولكن حرب فلسطين 1948 كبدت العراق مبالغ كبيرة جدا لذلك كله واجهت الدولة العراقية أزمة خطيرة بالنسبة لمشاريعها العمرانية الاعتيادية لابل اصبحت الميزانية مهددة بالانهيار كما صرح بذلك احد وزراء المالية العراقيين .
وذعب الامر الى حد ان الدولة فكرت لتلافي الرواتب بإستحصال قروض خارجية تسدد بأفساط ، ومن رصيد الدولة وقد اظهر البنك الدولي استعداده عندئذ لمساعدة العراق وجاءت لجنة منه سنة 1950 ودرست امكانية العراق الاقتصادية وقررت مساعدة العراق لإنجاز مشاريع طبعا بالشروط التي تنسجم مع البنك ومن هذه المشاريع مشروع الثرثار الذي منحه البنك قرضا يبلغ 12 مليون دولار .
ثم حدثت قضية النفط ، وطرأ تغيير على الاتفاقيات النفطية وظهرت مشكلة تأميم النفط في ايران لذلك بدأت الدولة في العراق مباحثات مع شركات النفط وهكذا حصل البلد على موارد مالية جديدة تدفقت عليه بقوة اكثر مما كان متوقعا .
وبدأ التفكير الجدي للدولة يرافق الاتفاقات النفطية وفي كيفية صرف العوائد الجديدة فظهرت فكرة (إنشاء مجلس الاعمار ) لاستثمار هذه الموارد في طرق معينة تكون انتاجية اصلاحية ذات طابع عمراني .
كانت هناك رؤيتان متضادتان هما :
الاولى وتدور حول الاهتمام بالدرجة الاولى بسد الحاجات الضرورية اليومية الملحة .
الثانية وتدور حول تخصيص المبالغ الجديدة لمشايع جديدة تكون بذلك موردا اقتصاديا منتجا ومهما .
ودار نقاش وجدل طويلين بين رجالات الاقتصاد والاجتماع والتاريخ والسياسة وتوصل الجميع الى تبني الفكرة الثانية بعد ان شعروا بحاجة العراق من الوجهة العمرانية ، والقابليات الطبيعية وقد وصل الكاتب الى نقطة مفادها : " ان من يجلس على ثروة العراق يستطيع ان يكون عاملا في ازدهار الحضارة ، وعاملا من عوامل التوازن الدولي " .
ولتأكيد هذه الفكرة يستشهد الكاتب بأحداث العراق السياسية والجغرافية والاقتصادية .ثم يشير الى ثروة العراق الطبيعية ويقول ان الغرب سبقنا بعدة قرون في تكييف نفسه وفقا للحاجات الجديدة وانه اتخذ اسلوبا في الحياة عليه طابع العمل والانتاج .
ثم يتحدث عن احتكاك العراق بالغرب ، وشعور الناس بلذة المخترعات الجديدة وينتقل الى العوائق ومنها التفكير القبلي العشائري، والعواطف الدينية والمذهبية ، وروح الحياة الزراعية ، والقيم المتوارثة وضرورة ان تكون هناك قيما جديدة تخضع لروح الحياة الصناعية ومتطلباتها .
ثم يقول ان الدولة تحاول إحداث تغييرات في مختلف نواحي الحياة ومع هذا فنحن (19555 ) لانزال نشعر بالتخلف في مجالات تعليمية وصحية وما شاكل .
وينتقل الى موضوع التشريع والتنظيم ويتناول صدور قانون رقم 23 لسنة 19500 بإنشاء (مجلس الاعمار ) وذلك استعدادا لتوقع زيادة كبيرة في موارد النفط ويتألف المجلس من رئيس الوزراء رئيسا ووزير المالية وستة اعضاء اجرائيين من غير الموظفين من بينهم خبير في الشؤون المالية والاقتصادية وخبي بشؤون الري وخبير في حقل من الحقول التي يقررها مجلس الوزراء ولهم جميعا حق التصويت ثم يوضح اختصاصات المجلس فيقول انها :
11.الدخول في مقاولات لغرض استئجار الخدمات او شراء اللوازم والخاصة بالكشوفات والتحريات والاشراف مع اي شخص او شركة او مؤسسة في العراق وخارجه .
2. للمجلس ان يعقد القروض ويصدر السندات ويرهن الموجودات وغير ذلك
كما يتناول تركيبة المجلس الادارية والمالية ويوضح ان المجلس طرأ عليه تعديل في شهر تموز 1953 وصدر مرسوم بزيادة اعضاء المجلس الى (7 ) إجرائيين بدلا من (6 ) واعضاء المجلس هم رئيس الوزراء ، ووزير الاعمار ، (العميد ) ووزير المالية والزعيم الركن المتقاعد طه الهاشمي وجلال بابان وعبد المجيد علاوي وعبد الجبار الجلبي والدكتور عبد الرحمن الجليلي والمستر نلسن اختصاصي في الري والمستر ايونيدس متخصص في شؤون الصناعة بدلا من السير ميلر والزعيم الركن المتقاعد حمدي ابراهيم (سكرتير المجلس ).
هكذا كان يكتب اساتذة الجامعة ، وهكذا كانت قلوبهم وعقولهم مع بلدهم ، وأهمية تطويره وتعميره .. وعندما قامت ثورة 14 تموز -يوليو 1958 اختير الدكتور جابر عمر وزيرا للتربية (المعارف كما كانت تسمى ) .
كان استاذا فذا ومربيا فاضلا وكاتبا وطنيا وقوميا متنورا . .كان عروبيا قوميا
الدكتور جابر عمر 1913- 1993 .. كتب عنه الاستاذ حميد المطبعي في (موسوعة اعلام وعلماء العراق ) ، وقال انه دكتوراه في فلسفة التربية من المانيا وسويسرا في سنة 1941 .. ولد في مدينة عنه -حافظة الانبار سنة 1913 ، وكان استاذا لفلسفة التربية في دار المعلمين العالية - كلية التربية فيما بعد .عين مديرا عاما في مجلس الاعمار ، وكما ذكرنا أختير ليكون وزيرا للمعارف (التربية ) بعد ثورة 14 تموز 1958 .كان عروبيا قوميا له نشاطات واسهامات في تنمية العمل الوحدوي القومي العربي في العراق ، وكان مؤيدا لثورة مايس 1941 ، وهرب بعد قمعها وفشلها ، ولجأ الى المانيا مع عدد من رفاقه ، وله من الكتب غير الكتاب الذي كتبنا عنه اعلاه ومن هذه الكتب : كتاب (التوجه القومي ) 1948 ، و(اتجاهات واراء في التربية والتعليم ) 1951 ، وكتاب ( المدخل في التربية ) 1953 ، وكتابه (الوجه الاقتصادي لاوربا ) تأليف انتون رايتنكر وقد ترجمه ونشره سنة 1955 .
رحم الله الدكتور جابر عمر وجزاه خيرا على ما قدم لبلده وامته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق