الاثنين، 8 سبتمبر 2014

السفن والمراكب في الخليج العربي بقلم : ا.د.. إبراهيم خليل العلاف

السفن والمراكب في الخليج العربي

بقلم : ا.د.. إبراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل

يرتبط تاريخ السفن، بتاريخ كفاح الإنسان الطويل، من أجل فك مغاليق أسرار الطبيعة. وللملاحة منزلة رفيعة بين اكتشافات الإنسان المتعددة، فهي دليل ناصععلى جرأة الإنسان وعناده. ولكي نوضح القصة المجيدة لتأريخ السفن والمراكب في الخليج العربي، ينبغي أن نرجع قليلا إلى الوراء لنصل البحث بأولئك المجـاهدين الذين جابوا البحار من أرباب الحضـارات القديمة.

وبالرغم من توصل الباحثين، إلى نتائج مهمة حول الحضارات القديمة، إلا أنهم ما زالوا في خلاف شديد حول تحديد اسم البلد الذي ظهرت فيه الحضارة لأول مرة. ومعنى ذلك أنهم في خلاف أيضا، حول تحديد اسم البلد الذي ظهر فيه فن الملاحة.

يذهب بعض الباحثين إلى أن الفينيقيين، ملاحي صور وصيدا، هم أول من جاب البحار، وأول من أسس المستعمرات التجارية عبرها. ولكنهم حفظوا سرهم وكتموا ما توصلوا إليه من معلومات في مجال البحار، فكانوا أول الرواد الذين أبحروا غربا للتجارة والكسب.

أما كيف تعلموا ركوب البحر، فثمة أساطير تلقي أضواء على نشاطاتهم الأولى، ومنها أن الصدف شاءت أن يكون هناك قوم منهم يقطنون سواحل الشام في غابات واسعة الأرجاء، فضربت صاعقة رؤوس الأشجار، فاشتعلت، وامتد اللهب إلى أن التهم كل أشجار الغابة، ولما لم يجد أهل تلك المناطق نجاة من النار عمدوا إلى قطع أشجار تلك الغابة المحترقة ما أمكنهم وألقوها في البحر، واعتلوا متنها وكان قائدهم أوزوس، ثم سعى أولئك فيما بعد إلى تحسين هذا القارب البسيط.

وثمة رواية أخرى تقول بأن المصريين، هم أول من صنع المراكب وقادها في الأنهار والبحار. فقد بدأوا باعتلاء جذوع الأشجار من أحد شواطيء النيل إلى الشاطيء المقابلغ، ثم ربطوا الجذوع

إلى بعضها ببعض، وشدوا وثاقها بالأعشاب المتينة كالبردي، وكونوا منها كتلا من الخشب أمسكوها بأيديهم مستعملين أقدامهم كمحركات، ثم جعلوا فيها مقاعد واستعملوا أيديهم أو قطعا من الخشب كمجاذيف إلى أن اتقنوا صنعها، فحفروا تلك الكتل الخشبية وجوفوها، فصارت مراكب أخذت تطفو على سطح الماء.

ويرجع تاريخ أول صورة مركب شراعي مصري إلى سنة 6300 ق . م. ولئن أتقن المصريون ركوب البحار، فقد برع العراقيون كذلك في صنع وسائل لنقلهم عبر دجلة والفرات، وعلى جدران معابدهم ما يثبت ذلك، ففي خورسيباد مثلا رسوم تشبه "الكلك" المعروف. ومن منا يستطيع أن ينكر سفينة نوح التي كانت من أحكم وأتقن ما سبق ذكره من سفن ومراكب {وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون}.

ثم أخذ فن الملاحة نصيبه من التقدم على يد اليونانين، والرومان القدماء، ومع هذا فقد كان الرومان يستخدمون سفن الفينيقيين في حروبهم وتجارتهم.

وجاء دور العرب الذين لم يبرعوا في ركوب البحر قبل الإسلام، باستثناء أهل حمير وأهل سبأ في اليمن. فقد خاف العرب في الجزيرة العربية ركوب البحر، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى امتداد جبال الحجاز التي تفصل بينهم وبين البحر. وهناك من يقول "إن العرب، لبدواتهم، لم يكونوا مهرة في ثقافته وركوبه كالروم والافرنجة الذين لممارستهم أحواله ومرباهم في التقلب على أعواده مرنوا عليه وأحكموا الدراية بثقافته."

ولما ظهر الإسلام، وخفقت راياته على سواحل الشام ومصر، أزمع العرب على ارتياد البحر والركوب فيه. ويتناقل المؤرخون رواية تقول إن أول من ركب البحر منهم هو العلاء بن الحضرمي والي البحرين، في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( 13- 23 هـ /634-644)، والذي توجه بحرا لفتح بلاد فارس في اثني عشر ألفا من المقاتلين. لكنه فشل في تلك الغزوة فعادت سفن المسلمين إلى البصرة وقيل إنه لم يرجع منها إلا القليل، وغضب الخليفة عمر على العلاء وعزله.

ولما ولي عثمان رضي الله عنه الخلافة ( 23-35 هـ /644-656)، طلب منه معاوية بن أبي سفيان، وكان يعمل واليا على الشام آنذاك، أن يسمح له بغزو الروم بحرا، فوافق الخليفة على ذلك بشرط ألا يجبر أحدا من المسلمين على ركوب البحر، بل يجعل الأمر اختيارا.

ونجح معاوية في هدفه، وتشجع المسلمون، وأقدموا على العناية بالقوة البحرية والتي كان لها أثر كبير في اتساع رقعة الدولة الإسلامية. وقد يكون من المناسب أن نشير إلى موقعة ذات الصواري التي حدثت بين الأسطول الإسلامي والأسطول الرومي في البحر المتوسط سنة 34 هـ -656.

وكما هو معروف فأن الخليفة معاوية (40-60 هـ /660-680) قد أولع وخاصة، عندما تسلم الخلافة، بإنشاء السفن وقد وصل حجم الأسطول العربي الإسلامي في عهده إلى قرابة (1700) سفينة. وكانت المراكب البحرية العربية، أنواعا مختلفة فهناك السفن التجارية، وهناك السفن البحرية، والتي منها الصغار الخفاف السريعة، ومنها الكبار الضخام لقذف النفط المشتعل على الأعداء.

وكان في مقدمة المراكب حديدة حادة تسمى الفأس أو اللجام إذا صدمت مركب العدو خرقته وأغرقته، وهذا السلاح الحربي الفتاك يذكرنا برأس الكبش الذي كان يستعمل لثقب الأسوار، ودك الحصون في المعارك البحرية. كما استخدم المسلمون الأسطول في فتح الكثير من الجزر الكبرى في البحر المتوسط، أمثال صقلية ورودس وانتزعوها من أيدي البيزنطيين.

وقد اهتم العرب بعد ذلك بإنشاء دور الصناعة "الترسانة"، وأول دار للصناعة بنيت في تونس على عهد الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان سنة 54 هـ (674). وسمى العرب مجموع السفن (أسطولا) مستعيرين اللفظ اليونان وكانت السفن العربية أضخم من السفن البيزنطية. إلا أنها كانت أقل منها سرعة، وسرعان ما تحسنت السفن العربية.

ويدين العرب للبيزنطيين، بفضل تعليمهم الفنون البحرية، ولكن العرب الذين تعلموا هذه الفنون من البيزنطيين أصبحوا أساتذة بها. وقد انتشرت بعض الإصطلاحات البحرية التي استعملها العرب في أوروبا. ومن هذه الإصطلاحات لفظة أمير البحر Admiral وكلمة Coruette المأخوذة عن لفظة "غراب" العربية والتي تعني نوعا من أنواع المراكب العربية.

ويبدو أن تأثير العرب في مناطق حوض البحر المتوسط، كان أكثر من تاثيرهم في أوروبا، فقد استخدم البنادقة الغراب العربي في القرنين العاشر والحادي عشر إبان معاضدتهم للصليبيين.

لقد توزعت البحرية الإسلامية توزيعا جغرافيا بين بحرين: هما المحيط الهندي والبحر المتوسط، وتبعا لذلك تميزت السفن التي تمخر عباب البحر المتوسط عن نظيراتها في المحيط الهندي والخليج العربي. فقد كانت مراكب المحيط الهندي والخليج العربي تخاط بالليف، بينما كانت مراكب البحر المتوسط تدق بالمسامير.

وقد ترك لنا الرحالة العرب والأجانب وصفا لتلك السفن ولعل مراجعة بسيطة لما كتبه ابن جبير في القرن الثاني عشر، وماركو بولو في القرن الثالث عشر، دليل واضح على ما نقول.

ويمكن هنا الإشارة إلى أن ابن جبير قدم وصفا جميلا للخيوط المستعملة في تثبيت الألواح فهو يقول إن هذه السفن مخيطة بأمراس من القنبار وهو قش جوز النارجيل يرسونه (أي صناع السفن) إلى أن يتخيط ويفتلون منه أمراسا يخيطون بها المراكب.

ومهما يكن من أمر، فسفائن المحيط الهندي، والخليج العربي، والبحر الأحمر "لايستعمل فيها مسمار البتة، إنما هي مخيطة بأمراس من القنباري وهو قشر جوز النارجيل، يدرسونه إلى أن يتخيط ويفتلون منه أمراسا يخيطون بها المراكب، ويخللونها بدسر من عيدان النخل، فإذا فرغوا من إنشاء (السفينة) على هذه الصفة سقوها بالسمن أو بدهن الخروع، ويقصد أهل الخليج والمحيط أولئك، من إنشاء (السفين) على هذه الصفة سقوها بالسمن أو بدهن الخروع أو بدهن القرش وهو أحسنها ...."

وهدف أهل الخليج والمحيط من إنشاء مراكبهم بتلك الصورة ليلين عودها ويرطب لكثرة الشعاب المعترضة في (تلك البحار)، ولذلك لا يصرفون (فيها) المركب المسماري.

إن الخشب الذي تعمل منه تلك السفن كان يستورد من الهند، وهو شديد الصلابة، ولا يتحمل دق المسمار فيه وكثيرا ما يتصدع من جراء ذلك. وعلى العموم كانت سفن البحر الأحمر، والخليج العربي ذات قيعان عريضة، وذات سارية واحدة في الأغلب. ولم تكن السفن ذات الدفتين موجودة في غير البحر المتوسط.

ومهما يكن من أمر، فإن السفن المخيطة لم تبدأ بالزوال سريعا إلا حينما غيرت التجارة الأوروبية الوضع الاقتصادي كله في المحيط الهندي، وبصدد تركيب هيكل السفينة وحمايته من عوادي البحر. فإنه كان يدهن بمادة صلبة تسمى الجلفطة. وهناك من يقول إن الأمواج كانت تسد بمزيج القار أو الراتينج ودهن الحوت وكان القصد من ذلك حماية قاع السفينة من دودة السفن، وكان الطلاء عادة بدهن السمك، وللسفن العربية في الخليج العربي والمحيط الهندي ظهر، وثمة سفن كانت تحمل على ظهرها (400) رجل، وكانت دفة السفينة من النوع الوحيد من الدفات التي عرفها العالم، وكانت دفة كبيرة بين مؤخرة السفينة وجانبها. وكان لابد للسفن من دفة على كل جانب.

لقد برع العرب في الخليج العربي بصناعة السفن والمراكب منذ أقدم العصور ويرجع ذلك إلى مهارتهم في الملاحة ومعرفتهم التامة بعلم الفلك. وكان لموقع الخليج العربي الجغرافي، والاستراتيجي، دور في تطور الحركة الملاحية والتجارية وارتياد الخليجيين أماكن بعيدة شملت وادي السند وشرق آسيا.

لقد اختصت السفن الخليجية بالشراع المثلث، وهو شراع سائد حتى يومنا هذا. وكان للخليجيين دور مهم في نقل هذا الشراع إلى البحر المتوسط، ومما يؤكده الباحثون أنه لولا الشراع الخليجي المثلث لما قام الأوربيون برحلاتهم المحيطية التي استكشفوا فيها مناطق مجهولة من العالم، وينسج الشراع من أوراق جوز الهند أو سعف النحيل.

وفي القرن التاسع عشر رأى أحد البحارة الغربيين أن السفن الخليجية ليس فيها وسيلة لطي الشراع عندما يكفهر الجو. كما لوحظ بأن السفينة الخليجية تحمل فوق ظهرها مراكب صغيرة للنجاة وهي على نوعين: القارب، والدونيج. وقد يحمل القارب (15) رجلا مقابل (4) في الدونيج. وللسفن صاري يسمى الدقل وهو من جذع النخيل، وقد يصل طوله إلى (76) قدما. أما الانكر، أو المرساة فكان غليظا لا دفة فيه، وهو في السفن الخليجية يصنع من الحجر وفي وسطه ثقب للحبال. ومن الطريف الإشارة إلى أن السفن العربية الخليجية، لقوتها ومتانتها، عرفت في الهند باسم (ماداراتا) وفي الواقع، فإن ماداراتا تعني (مدرعات) العربية.

ثمة محاولات جادة تتم اليوم في بعض بلدان الخليج العربي من أجل تأصيل وتجذير صناعة السفن التقليدية، والأهم من ذلك السعي باتجاه المحافظة على النجارين المهرة القلائل الذين برعوا في بناء السفن والمراكب، والذين يستفاد منهم كذلك في صناعة أبواب البيوت الخشبية الجميلة، وكما هو معروف فإن الإمارات العربية المتحدة، كانت من أهم مراكز صناعة السفن في الخليج العربي حتى أنها نالت شهرة ما زالت باقية، ولم تكن هذه الصناعة مقتصرة على الاستخدام، بل كانت معدة للتصدير إلى الأسواق المختلفة.

وقد حمل عدد من الأهالي بجدارة لقب (قلاليف) جمع قلاف، وهو صانع السفينة على امتداد سواحل الخليج العربي. كما تطورت أشكال وأحجام السفن الخشبية حسب تطور المهن البحرية وتنوعها عبر التاريخ، وأساتذة صناعة السفن في الإمارات سعداء بما يصنعون حيث طبقت شهرتهم الآفاق حتى أن الهنود والباكستانيين والصينيين تعلموا منهم بعض أسرار مهنتهم.

وللأسف لا تتوافر لدينا قوائم بأسماء صناع السفن الخليجيين، لكن ثمة جهود تبذل لمتابعة ذلك. وقد ورد ذكر بعض صناع السفن المحدثين في الكويت، منهم الحاج سلمان وولده أحمد، والحاج صالح بن راشد، وأخوانه جاسم، وعبدالله، والحاج حمد بن بندر.

وظهرت في السنوات القليلة الماضية، بعض المراكز الثقافية الخليجية التي حرصت على استعادة سيناريوهات (مشاهد) صناعة السفن في الخليج العربي، خاصة وأن هذه الصناعة، ارتبطت بالخليجيين كأناس كانوا يرتادون البحر ويمخرون عبابه.

ومن الطبيعي أن تختلف صناعة السفن باختلاف استخدامها، فمن البانوش الذي ابتكر في الثلاثينيات من القرن الماضي، والذي حور لكي يعمل بالمحركات، وهو في ألاصل سنبوك غير شكل مقدمته إلى الشوعي، والبوم، والبغلة وغيرها من الأنواع التي تستخدم في صيد الأسماك والغوص عن اللؤلؤ ونقل البضائع والركاب.

ويمارس القلافون صناعة السفن بعد حصولهم على الأخشاب المستوردة من الهند، وهي أنواع خاصة من خشب الصاج أو النارجيل (الجوز الهندي) والصنوبر المقاوم للرطوبة. ومن الطريف الإشارة إلى أن حكومة بومباي إبان الحملة البريطانية على موانيء القواسم في سنة 1809، فرضت حظرا على تصدير الخشب من ساحل الملبار إلى الخليج العربي، في محاولة منها لمنع القواسم من بناء المزيد من السفن.

تبدأ صناعة السفينة في المكان المخصص لذلك على شاطيء البحر، حيث يحدد القلاف حجمها من حيث الطول والعرض والارتفاع ، بحسب نوعها، والغاية التي ستستخدم لها، ووفق قياسات متناهية في الدقة لكي تحفظ توازن السفينة عند إبحارها مما يعكس مهارة القلاف الخليجي.

وبعد تحديد الحجم يتم تركيبها بدءا من الهيكل الرئيسي لها، والذي يعتمد بناؤه على تثبيت (البيص)، ويعد العمود الفقري لها، والذي يحفظ توزانها، ثم تثبت عليه الأضلاع التي تكون متفاوتة في الحجم، وتكون مقوسة، وتمتد من مقدمة السفينة إلى مؤخرتها، ويكون كل ضلعين متقابلين متساويين في الحجم والوزن.

وبعد الانتهاء من صناعة الهيكل، يبدأ القلافون في تثبيت الألواح الخارجية، ثم يتم تركيب (الفنة)، وهي السطح العلوي للسفينة الذي يبدأ من المقدمة، وياـي دور الصاري (الدقل) المخصص لتثبيت الشراع، ويشد بالحبال، وبواسطته يقوم الربان بالتحكم بالسفينة. فضلا عن (الكمر) ويوضع في منتصف الهيكل، وهناك (الداعومة) التي توضع في أعلى (البيص) من الأمام للمحافظة على السفينة من الارتطام.

أما المرحلة الأخيرة من بناء السفينة، فتتلخص في وضع (الفتيل) المصنوع من القطن والصل، لسد الفراغات بين الألواح لمنع تسرب الماء. وتبدأ مرحلة الدهان الخارجي للسفينة بزيت الصل التي تشكل مادة دهنية عازلة للماء عن الخشب لحفظها من التآكل بسبب الرطوبة والحشرات. وأخيرا تنزل السفينة إلى البحر حيث تسحب على ألواح خشبية دائرية إلى أن تستقر في البحر.

ومما ينبغي ذكره أن هناك تقاليد ترتبط بصناعة السفن، وقد تحدثت السيدة لؤلؤة عن والدها النوخذة الكويتي المعروف عبدالوهاب عيسى عبدالعزيز القطامي (1898 ـ1967) فقالت إن أحد التجار إذا قرر بناء سفينة، فإن عليه أولا أن يبحث عن القبطان (النوخذة) الذي سيتولى قيادتها، فالنوخذة ليس هو ربان السفينة وحسب بل، هو المسؤول عن تجارتها وأموالها، وهو العالم بأسرار الرياح والأمواج، وهو الأب والأخ لكل بحار على ظهرها.

وثمة ما يشير إلى أن القوانين السائدة في الخليج العربي والمتعلقة بالعمل البحري، كانت تلزم جميع البحارة بامتثال أوامر النوخذة، وخاصة في موسم الغوص برا وبحرا، وليس لهم الحق في مخالفة أوامره.

ويسعى الخليجيون اليوم للمحافظة على تقاليد صناعة السفن، والاحتفاظ بالحرفيين القلائل الذين يبرعون في هذه الصناعة العظيمة، التي تعكس كفاح الإنسان الخليجي، واستجابة لتحديات البيئة، والزمن، عبر العصور التاريخية المختلفة.

وقد يكون من المناسب أن نذكر بأن صناعة السفن في الخليج العربي ظلت مزدهرة، على الاقل، حتى مطلع القرن الماضي. وقد ورد في مذكرات شاهد عيان عاش في الخليج، وكان فيه سنة 1910، أن الكويت وحدها، كانت تملك قرابة ثمانمائة مركب وسفينة، يعمل على ظهورها حوالي(20000) رجل، ولم يكن كلهم من الخليجيين، بل كانوا من مختلف أجزاء الخليج العربي.

ولحسن الحظ تتوافر لدينا بعض الإحصائيات الأولية عن أنواع وأعداد السفن المملوكة لموانيء الخليج العربي ومنها الإحصائية التي وردت في كتاب "دليل الخليج"، والمتعلقة بالمراكب السائدة في مطلع القرن العشرين.

ومما جاء في هذه الاحصائية أن جزر البحرين العديدة (مملكة البحرين حاليا) كانت تمتلك آنذاك (13) بغلة و(60) بتيل، و(22) بوم و(160) بقارة و(789) سمبوك وشويس و(694) شوعي وقوارب أخرى خفيفة ويكون المجموع (1760) سفينة يعمل على ظـهرها (18390) رجلا.

وفيما يلي وصف لأهم أنواع السفن في منطقة الخليج العربي:

(1) البغلة: وهي سفينة كبيرة، تتراوح حمولتها ما بين 100 ـ 200 طن. وتمتاز بأن مؤخرتها عالية ومنحوتة. أما مقدمتها فمدببة، ولها صاري رئيس مثبت في وسطها، وبها قمرة واسعة واحدة قائمة على سطح مائل، وبها قاعات ونوافذ بالمقدمة. وقد استخدمها العرب في التجارة بينهم وبين بلاد فارس، والساحل الهندي، ويتراوح عدد بحارتها بين 30 ـ 50 بحارا. وقد قل استعمالها الآن.

وفي القرن الثامن عشر سلحت (البغلة) بالمدافع، ولدينا ما يشير إلى أن واحدة منها بنيت عام 1750، وظلت تمخر عباب البحر حتى عام 1837. كما كان جزءا من أسطول القواسم البحري، يتألف من (البغلات)، و(الترانكي) حتى أن هناك ما يشير إلى المعركة التي وقعت صباح يوم 25 ديسمبر/كانون الأول 1818 بين الأسطولين البريطاني والقاسمي، وفيها اعترضت السفن البريطانية تشكيلا بحريا قاسما مؤلفا من سبع سفن من نوع (بغلة) و(ترانكي) لكن التشكيل البحري القاسمي، استطاع الإفلات ولم يحصل الإنكليز على أية نتيجة، لكنهم ظلوا يلاحقون أسطول القواسم حتى استطاعوا حرق سفينة في الحملة البريطانية الأخيرة والكبرى التي حدثت في السنة 1819 ـ 1820، وكان من نتائجها أن بريطانيا حققت خطوة رئيسية في سياستها الهادفة للسيطرة على الخليج العربي.

والبغلة تشبه (الداو) العربي وهو عبارة عن مركب كبير تتراوح حمولته بين 150 ـ 250 طنا. ويمكن التمييز بين الداو والبغلة بوجود دهليز طويل في مقدمة السفينة يختص به الداو من دون البغلة.

وكلمة (داو)، تقترن بالدوانيج وهي كلمة فارسية تعني سفينة صغيرة. وهناك من يقول إن (الداو) اسم سواحلي لم يستعمله العرب، ولكن الذي أشاعه هم الكتاب الإنكليز، ويطلق على معظم أنواع السفن الشراعية الأهلية، ويقابل كلمة (داو) في العربية اسم مركب. ولكل بغلة اسم، فهناك على سبيل المثال، بغلات عرفت في الخليج منها: المسالمي، والسلامي، والبدري، والمنصوري، وشط الفرات، وقطروشة.

(2) البوم: والجمع أبوام، وهو طراز قديم للسفن ينتهي بطرف حاد في كلتا المقدمة والمؤخرة، وتعرف بهذا الاسم العربي. ولأبي البحر جعفر بن محمد الحنطي العبدي المتوفي سنة 1619، قصيدة مطلعها:

وان سمعت مقالي فامض متكلا ** على الهك في الابوام بحارا

ويصلح البوم للمياه العميقة، وكان يعمل بالتجارة بين الكويت وزنجبار حتى مطلع القرن العشرين. وتختلف سفينة البوم، من بعض الوجوه، عن السفن الشراعية العربية في القرون الوسطى بأن ألواحها مسمرة وليست مخيطة، وأن معداتها حديثة الطراز بعض الشيء وأن لها صاريين. كما أن لها شراعا مثلثا.

ومن البوم ما يتشع لستين أو سبعين شخصا، ومنها صغيرة لا تسع إلا خمسة أو ستة أشخاص. ويعد البوم سفينة صالحة للمياه العميقة، وقد ظل البوم يستخدم في عمليات التجارة بين الكويت وزنجبار، وورد ذكر ذلك في سنة 1939، ويختلف البوم في بعض الوجوه عن السفن الشراعية العربية التي كانت معروفة في العصور الوسطى فألواحها مسمرة لا مخيطة، ولها دفة في المؤخرة لا دفتان على الجانبين ومعداتها حديثة إلا أنها لا تزال محتفظة بالطابع التقليدي. وهناك البوم الكبير وهو من أفضل السفن التي كانت تستخدم في الأسفار البحرية، لمتانته، وقدرته على نقل الحمولة الكبيرة.

وتشير المصادر المتداولة بأن أكبر سفينة شراعية صنعت في الكويت في الحقبة المعاصرة كانت (بوم) كبير اسمه: (فتح الخير) ويسمى الداو، وكانت ملكيته تعود لحمد عبدالله الصقر، وهو من أشهر تجار الكويت سنة 1914، وقد صنعه عبدالله بن راشد.

أما البوم المسمى (نايف)، فقد صنع في الكويت كذلك سنة 1921، ويعود إلى عبدالله بن ناصر بورسلي. وتحتفظ الكويت اليوم بسفينة شراعية كبيرة من طراز البوم اسمها (المهلب) يعود صنعه إلى سنة 1936، وصاحبها الأصلي هو ثنيان الغانم رحمه الله. وقد عرف الخليجيون أبواما عديدة، لها تسميات لطيفة، منها فضلا عما ذكرناه، فتح الكريم، وسمحان، وغالب، وطارق، وتيسير، ومنصور، وسهيل، ومرزوق.

(3) الجالبوط: والجالبوط غالبا ما يصل في حجمه لبوم كبير، أو بغلة، وحمولته تتراوح بين 20 ـ 50 طنا. ويستخدم في الخليج العربي ضمن أسطول صيد اللؤلؤ، وخاصة في الكويت والبحرين.

ويقال إن الجالبوط دخل مع الإنكليز إلى الخليج العربي، حيث يرد اسمه في المصادر الإنكليزية باسم "جلواط" وقد يكون اسمه مشتقا من مركب إنكليزي قديم يسمى جولي ـ بوت، لكن مما يدحض ذلك قول صاحب التحفة النبهانية، من أن الجالبوت، والسنبوق كانا من سفن البحرين، وكان لهم، أي للبحرينيين في السابق، ويقصد قبل القرن العشرين، سفنا متنوعة يسمونها (بغلة)، و(بتيل)، و(بوم), و(بقارة)، لكن هذه قل استعمالها واكتفى البحرينيون بالجالبوت والسنبوق، وأنهم يعبرون عن مجموع السفن بـ (الخشب)، وعددها يتراوح بين 3 ـ 4 آلاف سفينة.

(4) الغلافة: صنف خاص من السفن، كان لها دور مهم في الخليج العربي خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر. وقد ظلت هذه السفن شائعة الاستعمال على طول الساحل الغربي للهند، وفي منطقة الخليج العربي حتى نهاية القرن المذكور.

والغلافات، سفن حربية تتحرك بالمجاذيف عادة، وتتميز بأنها تستطيع السير في مناطق قليلة العمق، وأصل كلمة غلافة يعود إلى قلافة، ومنها قلف، وهو حرز ألواح السفينة بالليف وجعل القارف خلالها. ويبلغ طول الغلافة (84) قدما وعرضها (24) قدما، ويركب عليها (10) مدافع ومؤخرتها ذات نقوش. أما مقدمتها فناتئة وللسفينة شراع ضخم، كما أن لها صارية ضخمة، وفيها أربعة وعشرون مجذافا. وكان أسطول الشيخ سليمان رئيس قبيلة كعب يضم عشرة غلافات سنة 1765.

(5) الغراب: كلمة عربية تطلق على نوع من أنواع السفن التي كانت شائعة الاستعمال خلال القرون السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر على سواحل مالابار، والخليج العربي، والبحر الأحمر. والعادة أن يكون الغراب سفينة ذات ثلاث صاريات. والغراب نوع من السفن مشهور في أشعار المحدثين قال ابن الساعاتي:

وركبت بحر الروم وهو كجلبة ** والموج تحسبه جيادا تركض

كم من غراب للقطيعة أسود ** فيه يطير به جناح أبيض

وقد سمي الغراب بهذا الاسم لأن مقدمته تشبه رأس الغراب.

(6) التكنات: وهي سفن صغيرة تتميز بقعرها المسطح المطلي بالقار، وهي حربية، وكانت تؤلف العمود الفقري في أسطول (القابودان باشي أي رئيس الأسطول) العثماني في البصرة، وقد ظلت التكنات معروفة في الخليج حتى القرن الثامن عشر.

(7) الترانكي: نوع من السفن كان شائع الاستعمال في الخليج العربي في النصف الأول من القرن الثامن عشر، وقد انقرض الآن. وكان يسير بالمجذاف والشراع معا ويستخدم في الحرب والتجارة. وقد ورد اسم الترانكي في كتاب الرحالة نيبور على أنها سفن تحمل البن من الحديدة ويشببها بالبرميل الكبير الذي ليس له سطح، فألواحها رقيقة جدا، وتبدو وكأنها مرتبطة ببعضها ببعض فقط بدون أن تطلى بالزيت، وأجزاؤها مخاطة، ولا تستخدم فيها المسامير وتربط فيها الألواح بالحبال.

(8) السنبوق: ويقال سنبوك أيضا وكتبه ابن بطوطة بالصاد، والسنبوك سفينة صغيرة استعملها أهل الخليج، وسمي السنبوك من سنبك الدابة على التشبيه. وللسنبوك مقدمة طويلة تمتد فوق البحر حوالي (20) قدما ويزيد ارتفاع المركب كلما مضينا نحو المؤخرة حيث مقاصير عالية. وقد قدرت حمولته بـ (150) طنا، وترتفع صاريته المصنوع من خشب الساج (90) قدما على سطح البحر.

أما الشراع، فكان يصنع من جذوع أشجار ثلاث تربط أطرافها بقوة بقطع عديدة من الحبال القوية. وتضفي مقدمته على منظره جمالا، وهناك من يقول إن اسم سنبوك مشتق من CHINBOX الهولندية، وتعني الزورق الصغير المخصص لصيد اللؤلؤ. ويقول آخرون إن (سنبك) كلمة فارسية تعني زورق صغير. وقد وردت كلمة (صنبوك) كناية عن سفينة عمانية سادت في القرن الرابع عشر الميلادي. ويمتاز السنبوك بمقدمته المنحنية. ويبدو أن السنبوك قد تأثر بمجيء الأوروبيين، فحاول الأهالي جعله زورقا بخاريا.

وقد خلد الشاعر الخليجي الراحل إبراهيم الديحاني، السنبوك بقصيدة شعرية مطلعها:

يا راكب من فوق سنبوك أوشار ** طرز ومن سواه عاشت يمينه

أهل النظر حوله يديرون الافكار ** وأهل الخشب بالسبق مترحينه

(9) القنجة أو الغنجة: والجمع غنجات، وهي من سفن الأسفار القديمة، وتشبه البغلة في مؤخرتها، حمولتها تتراوح بين 130 ـ 300 طن، وطولها ما بين 75 ـ 100 قدم، وهي من سفن التجارة، واشتهر بصنعها ملاحو ميناء صور في عمان والقنجة سفينة مغطاة.

وهناك أنواع أخرى من السفن أهمها:

(البتيل): وكان شائعا في القرن الثامن عشر، وهو أصغر من الجالبوط، وله نهاية حادة ومقدمة ترتفع إلى الأعلى وكذلك مؤخرته. ويستخدم ضمن أسطول صيد اللؤلؤ، والبتيل من السفن الكبيرة، وتستعمل فيه صاريتين وشراعين والبتيل يمتاز بمقدمته الدائرية.

وهناك (الشوعي) وهو عبارة عن قارب صغير شائع في الكويت قريب الشبه بالسنبوك ما عدا أنه اصغر حجما، حيث تقدر حمولته بـ (15) طنا، ويعرف في العراق بـ (الشويعي).

أما (البقارة): فهي دون السفينة وأكبر من القارب، وأكثر ما تستعمل لصيد اللؤلؤ حيث تنقل فيها معدات الصيادين من مكان إلى آخر.

و(الزاروك): وهو ذو مؤخرة حادة كالسنبوك ولكنه أصغر حجما.

(والدنكية): التي تتميز بأن مؤخرتها أعلى من أي جزء آخر فيها.

وهناك (الهوري): وهو القارب الصغير الذي لا يعدو أن يكون جذع شجرة منقورة يجلب من الهند. (والمشحوف) وهو عبارة عن قارب طويل جدا ومستقيم المقدمة والمؤخرة.

أما مراكز صنع السفن في الخليج العربي، فأهمها الكويت التي كانت من الموانيء المهمة في الخليج العربي في القرن التاسع عشر وما بعد ذلك بقليل. وكان يبنى في الكويت سفنا تتراوح حمولتها بين (75 ـ 300) طن. ويستعمل في بنائها خشب التك الذي يجلب من الهند.

ولا تخطط هياكل السفن من قبل مهندسين، بل يتبع في عملية البناء النماذج التقليدية، كما تستعمل المطارق والمسامير لبناء هذه المراكب. وهناك من الأساتذة المتخصصين في تصميم وصناعة السفن، إما بتوجيه بعض التجار، أو النواخذة (القباطنة). كما ذكرت البصرة كمركز لصناعة المراكب، وكذلك البحرين التي كان لأهلها مهارة تامة في صنع السفن الشراعية الكبيرة.

ومهما يكن فأن الفرق بين السفن التي كانت تبنى في العصور الوسطى، وبداية العصور الحديثة في الخليج العربي، هو أن السفن الأولى، كانت تبنى بدون استعمال المسامير، كما قدمنا، أما المسامير فقد كانت إحدى التأثيرات الأوروبية التى دخلت إلى المنطقة.

لقد أخذت صناعة المراكب التقليدية بالتدهور والانقراض. فضلا عن أن بعض بناة السفن، أخذوا يعملون على إعادة تحويل مصانع سفنهم بقصد صنع سفن بخارية صغيرة. ومع أن بعض المؤسسات الحديثة في بعض مناطق الخليج العربي تبذل جهودا كبيرة من أجل الاحتفاظ بصناعة المراكب التقليدية، إلا أن ذلك لم يعد ممكنا أمام مغريات الحضارة والتكنولوجيا التي تعم منطقة الخليج العربي في الوقت الحاضر، ولعل من أبرز ما تم بهذا الشأن، سعي الدول الخليجية للتلاؤم مع متطلبات الملاحة الحديثة وذلك باعادة بناء الموانيء، وإنشاء الأرصفة الخاصة لما يعرف بـ (الحاويات)، وهي وحدات تعبئة كبيرة سهلة التحميل، والتفريغ، والنقل، بواسطة الآلات الرافعة، أو كذلك الساحنات مباشرة. وثمة خطوط منظمة بالحاويات تمخر عباب الخليج العربي.

وفي ختام عرض هذه القصة المجيدة لسفن ومراكب الخليج العربي، لا يسعنا سوى الدعوة إلى ضرورة الاهتمام بالتراث البحري الخليجي، وتوثيق أحداثه وشخوصه، وذلك من خلال إقامة (متحف) يضم أنواع السفن، وصورها، وأنواعها، وأشكالها، وكيفية بنائها، وسير أبرز البحارة، والتجار، والصناع، الذين مارسوا هذه المهنة العظيمة عبر التاريخ، ليكون معلما تهتدى به الأجيال القادمة، ودليلا على حيوية هذا الشعب العريق.
*المصدر :ميدل ايست اون لاين First Published: 2009-04-23
http://www.middle-east-online.com/?id=76554
صورة: ‏السفن والمراكب في الخليج العربي

بقلم : ا.د.. إبراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل

يرتبط تاريخ السفن، بتاريخ كفاح الإنسان الطويل، من أجل فك مغاليق أسرار الطبيعة. وللملاحة منزلة رفيعة بين اكتشافات الإنسان المتعددة، فهي دليل ناصع   على   جرأة الإنسان وعناده. ولكي نوضح القصة المجيدة لتأريخ السفن والمراكب في الخليج العربي، ينبغي أن نرجع قليلا إلى الوراء لنصل البحث بأولئك المجـاهدين الذين جابوا البحار من أرباب الحضـارات القديمة.

وبالرغم من توصل الباحثين، إلى نتائج مهمة حول الحضارات القديمة، إلا أنهم ما زالوا في خلاف شديد حول تحديد اسم البلد الذي ظهرت فيه الحضارة لأول مرة. ومعنى ذلك أنهم في خلاف أيضا، حول تحديد اسم البلد الذي ظهر فيه فن الملاحة.

يذهب بعض الباحثين إلى أن الفينيقيين، ملاحي صور وصيدا، هم أول من جاب البحار، وأول من أسس المستعمرات التجارية عبرها. ولكنهم حفظوا سرهم وكتموا ما توصلوا إليه من معلومات في مجال البحار، فكانوا أول الرواد الذين أبحروا غربا للتجارة والكسب.

أما كيف تعلموا ركوب البحر، فثمة أساطير تلقي أضواء على نشاطاتهم الأولى، ومنها أن الصدف شاءت أن يكون هناك قوم منهم يقطنون سواحل الشام في غابات واسعة الأرجاء، فضربت صاعقة رؤوس الأشجار، فاشتعلت، وامتد اللهب إلى أن التهم كل أشجار الغابة، ولما لم يجد أهل تلك المناطق نجاة من النار عمدوا إلى قطع أشجار تلك الغابة المحترقة ما أمكنهم وألقوها في البحر، واعتلوا متنها وكان قائدهم أوزوس، ثم سعى أولئك فيما بعد إلى تحسين هذا القارب البسيط.

وثمة رواية أخرى تقول بأن المصريين، هم أول من صنع المراكب وقادها في الأنهار والبحار. فقد بدأوا باعتلاء جذوع الأشجار من أحد شواطيء النيل إلى الشاطيء المقابلغ، ثم ربطوا الجذوع

إلى بعضها ببعض، وشدوا وثاقها بالأعشاب المتينة كالبردي، وكونوا منها كتلا من الخشب أمسكوها بأيديهم مستعملين أقدامهم كمحركات، ثم جعلوا فيها مقاعد واستعملوا أيديهم أو قطعا من الخشب كمجاذيف إلى أن اتقنوا صنعها، فحفروا تلك الكتل الخشبية وجوفوها، فصارت مراكب أخذت تطفو على سطح الماء.

ويرجع تاريخ أول صورة مركب شراعي مصري إلى سنة 6300 ق . م. ولئن أتقن المصريون ركوب البحار، فقد برع العراقيون كذلك في صنع وسائل لنقلهم عبر دجلة والفرات، وعلى جدران معابدهم ما يثبت ذلك، ففي خورسيباد مثلا رسوم تشبه "الكلك" المعروف. ومن منا يستطيع أن ينكر سفينة نوح التي كانت من أحكم وأتقن ما سبق ذكره من سفن ومراكب {وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون}.

ثم أخذ فن الملاحة نصيبه من التقدم على يد اليونانين، والرومان القدماء، ومع هذا فقد كان الرومان يستخدمون سفن الفينيقيين في حروبهم وتجارتهم.

وجاء دور العرب الذين لم يبرعوا في ركوب البحر قبل الإسلام، باستثناء أهل حمير وأهل سبأ في اليمن. فقد خاف العرب في الجزيرة العربية ركوب البحر، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى امتداد جبال الحجاز التي تفصل بينهم وبين البحر. وهناك من يقول "إن العرب، لبدواتهم، لم يكونوا مهرة في ثقافته وركوبه كالروم والافرنجة الذين لممارستهم أحواله ومرباهم في التقلب على أعواده مرنوا عليه وأحكموا الدراية بثقافته."

ولما ظهر الإسلام، وخفقت راياته على سواحل الشام ومصر، أزمع العرب على ارتياد البحر والركوب فيه. ويتناقل المؤرخون رواية تقول إن أول من ركب البحر منهم هو العلاء بن الحضرمي والي البحرين، في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( 13- 23 هـ /634-644)، والذي توجه بحرا لفتح بلاد فارس في اثني عشر ألفا من المقاتلين. لكنه فشل في تلك الغزوة فعادت سفن المسلمين إلى البصرة وقيل إنه لم يرجع منها إلا القليل، وغضب الخليفة عمر على العلاء وعزله.

ولما ولي عثمان رضي الله عنه الخلافة ( 23-35 هـ /644-656)، طلب منه معاوية بن أبي سفيان، وكان يعمل واليا على الشام آنذاك، أن يسمح له بغزو الروم بحرا، فوافق الخليفة على ذلك بشرط ألا يجبر أحدا من المسلمين على ركوب البحر، بل يجعل الأمر اختيارا.

ونجح معاوية في هدفه، وتشجع المسلمون، وأقدموا على العناية بالقوة البحرية والتي كان لها أثر كبير في اتساع رقعة الدولة الإسلامية. وقد يكون من المناسب أن نشير إلى موقعة ذات الصواري التي حدثت بين الأسطول الإسلامي والأسطول الرومي في البحر المتوسط سنة 34 هـ -656.

وكما هو معروف فأن الخليفة معاوية (40-60 هـ /660-680) قد أولع وخاصة، عندما تسلم الخلافة، بإنشاء السفن وقد وصل حجم الأسطول العربي الإسلامي في عهده إلى قرابة (1700) سفينة. وكانت المراكب البحرية العربية، أنواعا مختلفة فهناك السفن التجارية، وهناك السفن البحرية، والتي منها الصغار الخفاف السريعة، ومنها الكبار الضخام لقذف النفط المشتعل على الأعداء.

وكان في مقدمة المراكب حديدة حادة تسمى الفأس أو اللجام إذا صدمت مركب العدو خرقته وأغرقته، وهذا السلاح الحربي الفتاك يذكرنا برأس الكبش الذي كان يستعمل لثقب الأسوار، ودك الحصون في المعارك البحرية. كما استخدم المسلمون الأسطول في فتح الكثير من الجزر الكبرى في البحر المتوسط، أمثال صقلية ورودس وانتزعوها من أيدي البيزنطيين.

وقد اهتم العرب بعد ذلك بإنشاء دور الصناعة "الترسانة"، وأول دار للصناعة بنيت في تونس على عهد الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان سنة 54 هـ (674). وسمى العرب مجموع السفن (أسطولا) مستعيرين اللفظ اليونان وكانت السفن العربية أضخم من السفن البيزنطية. إلا أنها كانت أقل منها سرعة، وسرعان ما تحسنت السفن العربية.

ويدين العرب للبيزنطيين، بفضل تعليمهم الفنون البحرية، ولكن العرب الذين تعلموا هذه الفنون من البيزنطيين أصبحوا أساتذة بها. وقد انتشرت بعض الإصطلاحات البحرية التي استعملها العرب في أوروبا. ومن هذه الإصطلاحات لفظة أمير البحر Admiral وكلمة Coruette المأخوذة عن لفظة "غراب" العربية والتي تعني نوعا من أنواع المراكب العربية.

ويبدو أن تأثير العرب في مناطق حوض البحر المتوسط، كان أكثر من تاثيرهم في أوروبا، فقد استخدم البنادقة الغراب العربي في القرنين العاشر والحادي عشر إبان معاضدتهم للصليبيين.

لقد توزعت البحرية الإسلامية توزيعا جغرافيا بين بحرين: هما المحيط الهندي والبحر المتوسط، وتبعا لذلك تميزت السفن التي تمخر عباب البحر المتوسط عن نظيراتها في المحيط الهندي والخليج العربي. فقد كانت مراكب المحيط الهندي والخليج العربي تخاط بالليف، بينما كانت مراكب البحر المتوسط تدق بالمسامير.

وقد ترك لنا الرحالة العرب والأجانب وصفا لتلك السفن ولعل مراجعة بسيطة لما كتبه ابن جبير في القرن الثاني عشر، وماركو بولو في القرن الثالث عشر، دليل واضح على ما نقول.

ويمكن هنا الإشارة إلى أن ابن جبير قدم وصفا جميلا للخيوط المستعملة في تثبيت الألواح فهو يقول إن هذه السفن مخيطة بأمراس من القنبار وهو قش جوز النارجيل يرسونه (أي صناع السفن) إلى أن يتخيط ويفتلون منه أمراسا يخيطون بها المراكب.

ومهما يكن من أمر، فسفائن المحيط الهندي، والخليج العربي، والبحر الأحمر "لايستعمل فيها مسمار البتة، إنما هي مخيطة بأمراس من القنباري وهو قشر جوز النارجيل، يدرسونه إلى أن يتخيط ويفتلون منه أمراسا يخيطون بها المراكب، ويخللونها بدسر من عيدان النخل، فإذا فرغوا من إنشاء (السفينة) على هذه الصفة سقوها بالسمن أو بدهن الخروع، ويقصد أهل الخليج والمحيط أولئك، من إنشاء (السفين) على هذه الصفة سقوها بالسمن أو بدهن الخروع أو بدهن القرش وهو أحسنها ...."

وهدف أهل الخليج والمحيط من إنشاء مراكبهم بتلك الصورة ليلين عودها ويرطب لكثرة الشعاب المعترضة في (تلك البحار)، ولذلك لا يصرفون (فيها) المركب المسماري.

إن الخشب الذي تعمل منه تلك السفن كان يستورد من الهند، وهو شديد الصلابة، ولا يتحمل دق المسمار فيه وكثيرا ما يتصدع من جراء ذلك. وعلى العموم كانت سفن البحر الأحمر، والخليج العربي ذات قيعان عريضة، وذات سارية واحدة في الأغلب. ولم تكن السفن ذات الدفتين موجودة في غير البحر المتوسط.

ومهما يكن من أمر، فإن السفن المخيطة لم تبدأ بالزوال سريعا إلا حينما غيرت التجارة الأوروبية الوضع الاقتصادي كله في المحيط الهندي، وبصدد تركيب هيكل السفينة وحمايته من عوادي البحر. فإنه كان يدهن بمادة صلبة تسمى الجلفطة. وهناك من يقول إن الأمواج كانت تسد بمزيج القار أو الراتينج ودهن الحوت وكان القصد من ذلك حماية قاع السفينة من دودة السفن، وكان الطلاء عادة بدهن السمك، وللسفن العربية في الخليج العربي والمحيط الهندي ظهر، وثمة سفن كانت تحمل على ظهرها (400) رجل، وكانت دفة السفينة من النوع الوحيد من الدفات التي عرفها العالم، وكانت دفة كبيرة بين مؤخرة السفينة وجانبها. وكان لابد للسفن من دفة على كل جانب.

لقد برع العرب في الخليج العربي بصناعة السفن والمراكب منذ أقدم العصور ويرجع ذلك إلى مهارتهم في الملاحة ومعرفتهم التامة بعلم الفلك. وكان لموقع الخليج العربي الجغرافي، والاستراتيجي، دور في تطور الحركة الملاحية والتجارية وارتياد الخليجيين أماكن بعيدة شملت وادي السند وشرق آسيا.

لقد اختصت السفن الخليجية بالشراع المثلث، وهو شراع سائد حتى يومنا هذا. وكان للخليجيين دور مهم في نقل هذا الشراع إلى البحر المتوسط، ومما يؤكده الباحثون أنه لولا الشراع الخليجي المثلث لما قام الأوربيون برحلاتهم المحيطية التي استكشفوا فيها مناطق مجهولة من العالم، وينسج الشراع من أوراق جوز الهند أو سعف النحيل.

وفي القرن التاسع عشر رأى أحد البحارة الغربيين أن السفن الخليجية ليس فيها وسيلة لطي الشراع عندما يكفهر الجو. كما لوحظ بأن السفينة الخليجية تحمل فوق ظهرها مراكب صغيرة للنجاة وهي على نوعين: القارب، والدونيج. وقد يحمل القارب (15) رجلا مقابل (4) في الدونيج. وللسفن صاري يسمى الدقل وهو من جذع النخيل، وقد يصل طوله إلى (76) قدما. أما الانكر، أو المرساة فكان غليظا لا دفة فيه، وهو في السفن الخليجية يصنع من الحجر وفي وسطه ثقب للحبال. ومن الطريف الإشارة إلى أن السفن العربية الخليجية، لقوتها ومتانتها، عرفت في الهند باسم (ماداراتا) وفي الواقع، فإن ماداراتا تعني (مدرعات) العربية.

ثمة محاولات جادة تتم اليوم في بعض بلدان الخليج العربي من أجل تأصيل وتجذير صناعة السفن التقليدية، والأهم من ذلك السعي باتجاه المحافظة على النجارين المهرة القلائل الذين برعوا في بناء السفن والمراكب، والذين يستفاد منهم كذلك في صناعة أبواب البيوت الخشبية الجميلة، وكما هو معروف فإن الإمارات العربية المتحدة، كانت من أهم مراكز صناعة السفن في الخليج العربي حتى أنها نالت شهرة ما زالت باقية، ولم تكن هذه الصناعة مقتصرة على الاستخدام، بل كانت معدة للتصدير إلى الأسواق المختلفة.

وقد حمل عدد من الأهالي بجدارة لقب (قلاليف) جمع قلاف، وهو صانع السفينة على امتداد سواحل الخليج العربي. كما تطورت أشكال وأحجام السفن الخشبية حسب تطور المهن البحرية وتنوعها عبر التاريخ، وأساتذة صناعة السفن في الإمارات سعداء بما يصنعون حيث طبقت شهرتهم الآفاق حتى أن الهنود والباكستانيين والصينيين تعلموا منهم بعض أسرار مهنتهم.

وللأسف لا تتوافر لدينا قوائم بأسماء صناع السفن الخليجيين، لكن ثمة جهود تبذل لمتابعة ذلك. وقد ورد ذكر بعض صناع السفن المحدثين في الكويت، منهم الحاج سلمان وولده أحمد، والحاج صالح بن راشد، وأخوانه جاسم، وعبدالله، والحاج حمد بن بندر.

وظهرت في السنوات القليلة الماضية، بعض المراكز الثقافية الخليجية التي حرصت على استعادة سيناريوهات (مشاهد) صناعة السفن في الخليج العربي، خاصة وأن هذه الصناعة، ارتبطت بالخليجيين كأناس كانوا يرتادون البحر ويمخرون عبابه.

ومن الطبيعي أن تختلف صناعة السفن باختلاف استخدامها، فمن البانوش الذي ابتكر في الثلاثينيات من القرن الماضي، والذي حور لكي يعمل بالمحركات، وهو في ألاصل سنبوك غير شكل مقدمته إلى الشوعي، والبوم، والبغلة وغيرها من الأنواع التي تستخدم في صيد الأسماك والغوص عن اللؤلؤ ونقل البضائع والركاب.

ويمارس القلافون صناعة السفن بعد حصولهم على الأخشاب المستوردة من الهند، وهي أنواع خاصة من خشب الصاج أو النارجيل (الجوز الهندي) والصنوبر المقاوم للرطوبة. ومن الطريف الإشارة إلى أن حكومة بومباي إبان الحملة البريطانية على موانيء القواسم في سنة 1809، فرضت حظرا على تصدير الخشب من ساحل الملبار إلى الخليج العربي، في محاولة منها لمنع القواسم من بناء المزيد من السفن.

تبدأ صناعة السفينة في المكان المخصص لذلك على شاطيء البحر، حيث يحدد القلاف حجمها من حيث الطول والعرض والارتفاع ، بحسب نوعها، والغاية التي ستستخدم لها، ووفق قياسات متناهية في الدقة لكي تحفظ توازن السفينة عند إبحارها مما يعكس مهارة القلاف الخليجي.

وبعد تحديد الحجم يتم تركيبها بدءا من الهيكل الرئيسي لها، والذي يعتمد بناؤه على تثبيت (البيص)، ويعد العمود الفقري لها، والذي يحفظ توزانها، ثم تثبت عليه الأضلاع التي تكون متفاوتة في الحجم، وتكون مقوسة، وتمتد من مقدمة السفينة إلى مؤخرتها، ويكون كل ضلعين متقابلين متساويين في الحجم والوزن.

وبعد الانتهاء من صناعة الهيكل، يبدأ القلافون في تثبيت الألواح الخارجية، ثم يتم تركيب (الفنة)، وهي السطح العلوي للسفينة الذي يبدأ من المقدمة، وياـي دور الصاري (الدقل) المخصص لتثبيت الشراع، ويشد بالحبال، وبواسطته يقوم الربان بالتحكم بالسفينة. فضلا عن (الكمر) ويوضع في منتصف الهيكل، وهناك (الداعومة) التي توضع في أعلى (البيص) من الأمام للمحافظة على السفينة من الارتطام.

أما المرحلة الأخيرة من بناء السفينة، فتتلخص في وضع (الفتيل) المصنوع من القطن والصل، لسد الفراغات بين الألواح لمنع تسرب الماء. وتبدأ مرحلة الدهان الخارجي للسفينة بزيت الصل التي تشكل مادة دهنية عازلة للماء عن الخشب لحفظها من التآكل بسبب الرطوبة والحشرات. وأخيرا تنزل السفينة إلى البحر حيث تسحب على ألواح خشبية دائرية إلى أن تستقر في البحر.

ومما ينبغي ذكره أن هناك تقاليد ترتبط بصناعة السفن، وقد تحدثت السيدة لؤلؤة عن والدها النوخذة الكويتي المعروف عبدالوهاب عيسى عبدالعزيز القطامي (1898 ـ1967) فقالت إن أحد التجار إذا قرر بناء سفينة، فإن عليه أولا أن يبحث عن القبطان (النوخذة) الذي سيتولى قيادتها، فالنوخذة ليس هو ربان السفينة وحسب بل، هو المسؤول عن تجارتها وأموالها، وهو العالم بأسرار الرياح والأمواج، وهو الأب والأخ لكل بحار على ظهرها.

وثمة ما يشير إلى أن القوانين السائدة في الخليج العربي والمتعلقة بالعمل البحري، كانت تلزم جميع البحارة بامتثال أوامر النوخذة، وخاصة في موسم الغوص برا وبحرا، وليس لهم الحق في مخالفة أوامره.

ويسعى الخليجيون اليوم للمحافظة على تقاليد صناعة السفن، والاحتفاظ بالحرفيين القلائل الذين يبرعون في هذه الصناعة العظيمة، التي تعكس كفاح الإنسان الخليجي، واستجابة لتحديات البيئة، والزمن، عبر العصور التاريخية المختلفة.

وقد يكون من المناسب أن نذكر بأن صناعة السفن في الخليج العربي ظلت مزدهرة، على الاقل، حتى مطلع القرن الماضي. وقد ورد في مذكرات شاهد عيان عاش في الخليج، وكان فيه سنة 1910، أن الكويت وحدها، كانت تملك قرابة ثمانمائة مركب وسفينة، يعمل على ظهورها حوالي(20000) رجل، ولم يكن كلهم من الخليجيين، بل كانوا من مختلف أجزاء الخليج العربي.

ولحسن الحظ تتوافر لدينا بعض الإحصائيات الأولية عن أنواع وأعداد السفن المملوكة لموانيء الخليج العربي ومنها الإحصائية التي وردت في كتاب "دليل الخليج"، والمتعلقة بالمراكب السائدة في مطلع القرن العشرين.

ومما جاء في هذه الاحصائية أن جزر البحرين العديدة (مملكة البحرين حاليا) كانت تمتلك آنذاك (13) بغلة و(60) بتيل، و(22) بوم و(160) بقارة و(789) سمبوك وشويس و(694) شوعي وقوارب أخرى خفيفة ويكون المجموع (1760) سفينة يعمل على ظـهرها (18390) رجلا.

وفيما يلي وصف لأهم أنواع السفن في منطقة الخليج العربي:

(1) البغلة: وهي سفينة كبيرة، تتراوح حمولتها ما بين 100 ـ 200 طن. وتمتاز بأن مؤخرتها عالية ومنحوتة. أما مقدمتها فمدببة، ولها صاري رئيس مثبت في وسطها، وبها قمرة واسعة واحدة قائمة على سطح مائل، وبها قاعات ونوافذ بالمقدمة. وقد استخدمها العرب في التجارة بينهم وبين بلاد فارس، والساحل الهندي، ويتراوح عدد بحارتها بين 30 ـ 50 بحارا. وقد قل استعمالها الآن.

وفي القرن الثامن عشر سلحت (البغلة) بالمدافع، ولدينا ما يشير إلى أن واحدة منها بنيت عام 1750، وظلت تمخر عباب البحر حتى عام 1837. كما كان جزءا من أسطول القواسم البحري، يتألف من (البغلات)، و(الترانكي) حتى أن هناك ما يشير إلى المعركة التي وقعت صباح يوم 25 ديسمبر/كانون الأول 1818 بين الأسطولين البريطاني والقاسمي، وفيها اعترضت السفن البريطانية تشكيلا بحريا قاسما مؤلفا من سبع سفن من نوع (بغلة) و(ترانكي) لكن التشكيل البحري القاسمي، استطاع الإفلات ولم يحصل الإنكليز على أية نتيجة، لكنهم ظلوا يلاحقون أسطول القواسم حتى استطاعوا حرق سفينة في الحملة البريطانية الأخيرة والكبرى التي حدثت في السنة 1819 ـ 1820، وكان من نتائجها أن بريطانيا حققت خطوة رئيسية في سياستها الهادفة للسيطرة على الخليج العربي.

والبغلة تشبه (الداو) العربي وهو عبارة عن مركب كبير تتراوح حمولته بين 150 ـ 250 طنا. ويمكن التمييز بين الداو والبغلة بوجود دهليز طويل في مقدمة السفينة يختص به الداو من دون البغلة.

وكلمة (داو)، تقترن بالدوانيج وهي كلمة فارسية تعني سفينة صغيرة. وهناك من يقول إن (الداو) اسم سواحلي لم يستعمله العرب، ولكن الذي أشاعه هم الكتاب الإنكليز، ويطلق على معظم أنواع السفن الشراعية الأهلية، ويقابل كلمة (داو) في العربية اسم مركب. ولكل بغلة اسم، فهناك على سبيل المثال، بغلات عرفت في الخليج منها: المسالمي، والسلامي، والبدري، والمنصوري، وشط الفرات، وقطروشة.

(2) البوم: والجمع أبوام، وهو طراز قديم للسفن ينتهي بطرف حاد في كلتا المقدمة والمؤخرة، وتعرف بهذا الاسم العربي. ولأبي البحر جعفر بن محمد الحنطي العبدي المتوفي سنة 1619، قصيدة مطلعها:

وان سمعت مقالي فامض متكلا ** على الهك في الابوام بحارا

ويصلح البوم للمياه العميقة، وكان يعمل بالتجارة بين الكويت وزنجبار حتى مطلع القرن العشرين. وتختلف سفينة البوم، من بعض الوجوه، عن السفن الشراعية العربية في القرون الوسطى بأن ألواحها مسمرة وليست مخيطة، وأن معداتها حديثة الطراز بعض الشيء وأن لها صاريين. كما أن لها شراعا مثلثا.

ومن البوم ما يتشع لستين أو سبعين شخصا، ومنها صغيرة لا تسع إلا خمسة أو ستة أشخاص. ويعد البوم سفينة صالحة للمياه العميقة، وقد ظل البوم يستخدم في عمليات التجارة بين الكويت وزنجبار، وورد ذكر ذلك في سنة 1939، ويختلف البوم في بعض الوجوه عن السفن الشراعية العربية التي كانت معروفة في العصور الوسطى فألواحها مسمرة لا مخيطة، ولها دفة في المؤخرة لا دفتان على الجانبين ومعداتها حديثة إلا أنها لا تزال محتفظة بالطابع التقليدي. وهناك البوم الكبير وهو من أفضل السفن التي كانت تستخدم في الأسفار البحرية، لمتانته، وقدرته على نقل الحمولة الكبيرة.

وتشير المصادر المتداولة بأن أكبر سفينة شراعية صنعت في الكويت في الحقبة المعاصرة كانت (بوم) كبير اسمه: (فتح الخير) ويسمى الداو، وكانت ملكيته تعود لحمد عبدالله الصقر، وهو من أشهر تجار الكويت سنة 1914، وقد صنعه عبدالله بن راشد.

أما البوم المسمى (نايف)، فقد صنع في الكويت كذلك سنة 1921، ويعود إلى عبدالله بن ناصر بورسلي. وتحتفظ الكويت اليوم بسفينة شراعية كبيرة من طراز البوم اسمها (المهلب) يعود صنعه إلى سنة 1936، وصاحبها الأصلي هو ثنيان الغانم رحمه الله. وقد عرف الخليجيون أبواما عديدة، لها تسميات لطيفة، منها فضلا عما ذكرناه، فتح الكريم، وسمحان، وغالب، وطارق، وتيسير، ومنصور، وسهيل، ومرزوق.

(3) الجالبوط: والجالبوط غالبا ما يصل في حجمه لبوم كبير، أو بغلة، وحمولته تتراوح بين 20 ـ 50 طنا. ويستخدم في الخليج العربي ضمن أسطول صيد اللؤلؤ، وخاصة في الكويت والبحرين.

ويقال إن الجالبوط دخل مع الإنكليز إلى الخليج العربي، حيث يرد اسمه في المصادر الإنكليزية باسم "جلواط" وقد يكون اسمه مشتقا من مركب إنكليزي قديم يسمى جولي ـ بوت، لكن مما يدحض ذلك قول صاحب التحفة النبهانية، من أن الجالبوت، والسنبوق كانا من سفن البحرين، وكان لهم، أي للبحرينيين في السابق، ويقصد قبل القرن العشرين، سفنا متنوعة يسمونها (بغلة)، و(بتيل)، و(بوم), و(بقارة)، لكن هذه قل استعمالها واكتفى البحرينيون بالجالبوت والسنبوق، وأنهم يعبرون عن مجموع السفن بـ (الخشب)، وعددها يتراوح بين 3 ـ 4 آلاف سفينة.

(4) الغلافة: صنف خاص من السفن، كان لها دور مهم في الخليج العربي خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر. وقد ظلت هذه السفن شائعة الاستعمال على طول الساحل الغربي للهند، وفي منطقة الخليج العربي حتى نهاية القرن المذكور.

والغلافات، سفن حربية تتحرك بالمجاذيف عادة، وتتميز بأنها تستطيع السير في مناطق قليلة العمق، وأصل كلمة غلافة يعود إلى قلافة، ومنها قلف، وهو حرز ألواح السفينة بالليف وجعل القارف خلالها. ويبلغ طول الغلافة (84) قدما وعرضها (24) قدما، ويركب عليها (10) مدافع ومؤخرتها ذات نقوش. أما مقدمتها فناتئة وللسفينة شراع ضخم، كما أن لها صارية ضخمة، وفيها أربعة وعشرون مجذافا. وكان أسطول الشيخ سليمان رئيس قبيلة كعب يضم عشرة غلافات سنة 1765.

(5) الغراب: كلمة عربية تطلق على نوع من أنواع السفن التي كانت شائعة الاستعمال خلال القرون السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر على سواحل مالابار، والخليج العربي، والبحر الأحمر. والعادة أن يكون الغراب سفينة ذات ثلاث صاريات. والغراب نوع من السفن مشهور في أشعار المحدثين قال ابن الساعاتي:

وركبت بحر الروم وهو كجلبة ** والموج تحسبه جيادا تركض

كم من غراب للقطيعة أسود ** فيه يطير به جناح أبيض

وقد سمي الغراب بهذا الاسم لأن مقدمته تشبه رأس الغراب.

(6) التكنات: وهي سفن صغيرة تتميز بقعرها المسطح المطلي بالقار، وهي حربية، وكانت تؤلف العمود الفقري في أسطول (القابودان باشي أي رئيس الأسطول) العثماني في البصرة، وقد ظلت التكنات معروفة في الخليج حتى القرن الثامن عشر.

(7) الترانكي: نوع من السفن كان شائع الاستعمال في الخليج العربي في النصف الأول من القرن الثامن عشر، وقد انقرض الآن. وكان يسير بالمجذاف والشراع معا ويستخدم في الحرب والتجارة. وقد ورد اسم الترانكي في كتاب الرحالة نيبور على أنها سفن تحمل البن من الحديدة ويشببها بالبرميل الكبير الذي ليس له سطح، فألواحها رقيقة جدا، وتبدو وكأنها مرتبطة ببعضها ببعض فقط بدون أن تطلى بالزيت، وأجزاؤها مخاطة، ولا تستخدم فيها المسامير وتربط فيها الألواح بالحبال.

(8) السنبوق: ويقال سنبوك أيضا وكتبه ابن بطوطة بالصاد، والسنبوك سفينة صغيرة استعملها أهل الخليج، وسمي السنبوك من سنبك الدابة على التشبيه. وللسنبوك مقدمة طويلة تمتد فوق البحر حوالي (20) قدما ويزيد ارتفاع المركب كلما مضينا نحو المؤخرة حيث مقاصير عالية. وقد قدرت حمولته بـ (150) طنا، وترتفع صاريته المصنوع من خشب الساج (90) قدما على سطح البحر.

أما الشراع، فكان يصنع من جذوع أشجار ثلاث تربط أطرافها بقوة بقطع عديدة من الحبال القوية. وتضفي مقدمته على منظره جمالا، وهناك من يقول إن اسم سنبوك مشتق من CHINBOX الهولندية، وتعني الزورق الصغير المخصص لصيد اللؤلؤ. ويقول آخرون إن (سنبك) كلمة فارسية تعني زورق صغير. وقد وردت كلمة (صنبوك) كناية عن سفينة عمانية سادت في القرن الرابع عشر الميلادي. ويمتاز السنبوك بمقدمته المنحنية. ويبدو أن السنبوك قد تأثر بمجيء الأوروبيين، فحاول الأهالي جعله زورقا بخاريا.

وقد خلد الشاعر الخليجي الراحل إبراهيم الديحاني، السنبوك بقصيدة شعرية مطلعها:

يا راكب من فوق سنبوك أوشار ** طرز ومن سواه عاشت يمينه

أهل النظر حوله يديرون الافكار ** وأهل الخشب بالسبق مترحينه

(9) القنجة أو الغنجة: والجمع غنجات، وهي من سفن الأسفار القديمة، وتشبه البغلة في مؤخرتها، حمولتها تتراوح بين 130 ـ 300 طن، وطولها ما بين 75 ـ 100 قدم، وهي من سفن التجارة، واشتهر بصنعها ملاحو ميناء صور في عمان والقنجة سفينة مغطاة.

وهناك أنواع أخرى من السفن أهمها:

(البتيل): وكان شائعا في القرن الثامن عشر، وهو أصغر من الجالبوط، وله نهاية حادة ومقدمة ترتفع إلى الأعلى وكذلك مؤخرته. ويستخدم ضمن أسطول صيد اللؤلؤ، والبتيل من السفن الكبيرة، وتستعمل فيه صاريتين وشراعين والبتيل يمتاز بمقدمته الدائرية.

وهناك (الشوعي) وهو عبارة عن قارب صغير شائع في الكويت قريب الشبه بالسنبوك ما عدا أنه اصغر حجما، حيث تقدر حمولته بـ (15) طنا، ويعرف في العراق بـ (الشويعي).

أما (البقارة): فهي دون السفينة وأكبر من القارب، وأكثر ما تستعمل لصيد اللؤلؤ حيث تنقل فيها معدات الصيادين من مكان إلى آخر.

و(الزاروك): وهو ذو مؤخرة حادة كالسنبوك ولكنه أصغر حجما.

(والدنكية): التي تتميز بأن مؤخرتها أعلى من أي جزء آخر فيها.

وهناك (الهوري): وهو القارب الصغير الذي لا يعدو أن يكون جذع شجرة منقورة يجلب من الهند. (والمشحوف) وهو عبارة عن قارب طويل جدا ومستقيم المقدمة والمؤخرة.

أما مراكز صنع السفن في الخليج العربي، فأهمها الكويت التي كانت من الموانيء المهمة في الخليج العربي في القرن التاسع عشر وما بعد ذلك بقليل. وكان يبنى في الكويت سفنا تتراوح حمولتها بين (75 ـ 300) طن. ويستعمل في بنائها خشب التك الذي يجلب من الهند.

ولا تخطط هياكل السفن من قبل مهندسين، بل يتبع في عملية البناء النماذج التقليدية، كما تستعمل المطارق والمسامير لبناء هذه المراكب. وهناك من الأساتذة المتخصصين في تصميم وصناعة السفن، إما بتوجيه بعض التجار، أو النواخذة (القباطنة). كما ذكرت البصرة كمركز لصناعة المراكب، وكذلك البحرين التي كان لأهلها مهارة تامة في صنع السفن الشراعية الكبيرة.

ومهما يكن فأن الفرق بين السفن التي كانت تبنى في العصور الوسطى، وبداية العصور الحديثة في الخليج العربي، هو أن السفن الأولى، كانت تبنى بدون استعمال المسامير، كما قدمنا، أما المسامير فقد كانت إحدى التأثيرات الأوروبية التى دخلت إلى المنطقة.

لقد أخذت صناعة المراكب التقليدية بالتدهور والانقراض. فضلا عن أن بعض بناة السفن، أخذوا يعملون على إعادة تحويل مصانع سفنهم بقصد صنع سفن بخارية صغيرة. ومع أن بعض المؤسسات الحديثة في بعض مناطق الخليج العربي تبذل جهودا كبيرة من أجل الاحتفاظ بصناعة المراكب التقليدية، إلا أن ذلك لم يعد ممكنا أمام مغريات الحضارة والتكنولوجيا التي تعم منطقة الخليج العربي في الوقت الحاضر، ولعل من أبرز ما تم بهذا الشأن، سعي الدول الخليجية للتلاؤم مع متطلبات الملاحة الحديثة وذلك باعادة بناء الموانيء، وإنشاء الأرصفة الخاصة لما يعرف بـ (الحاويات)، وهي وحدات تعبئة كبيرة سهلة التحميل، والتفريغ، والنقل، بواسطة الآلات الرافعة، أو كذلك الساحنات مباشرة. وثمة خطوط منظمة بالحاويات تمخر عباب الخليج العربي.

وفي ختام عرض هذه القصة المجيدة لسفن ومراكب الخليج العربي، لا يسعنا سوى الدعوة إلى ضرورة الاهتمام بالتراث البحري الخليجي، وتوثيق أحداثه وشخوصه، وذلك من خلال إقامة (متحف) يضم أنواع السفن، وصورها، وأنواعها، وأشكالها، وكيفية بنائها، وسير أبرز البحارة، والتجار، والصناع، الذين مارسوا هذه المهنة العظيمة عبر التاريخ، ليكون معلما تهتدى به الأجيال القادمة، ودليلا على حيوية هذا الشعب العريق.
*المصدر :ميدل ايست اون لاين First Published: 2009-04-23
http://www.middle-east-online.com/?id=76554‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

هويتي في مكتبة المتحف البريطاني 1979 ...............ابراهيم العلاف

  هويتي في مكتبة المتحف البريطاني 1979 ومما اعتز به هويتي هذه الهوية التي منحت لي قبل (45) سنة أي في سنة 1979 ، وانا ارتاد مكتبة المتحف الب...