خضر عبد الغفور
العاني : سيرته ودوره في تاريخ العراق المعاصر
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
في تاريخ العراق المعاصر ، رموز وشخصيات لايمكن إلا أن نقف عندها طويلا نظرا لما قدمته من مجهودات ، ونشاطات فكرية وثقافية وسياسية وتربوية على مدى سنوات .ومن حسن حظي وطالعي انني عرفت الكثيرين من هؤلاء معرفة مباشرة ولعل من ابرز هؤلاء الاستاذ خضر عبد الغفور استاذ الرياضيات الشهير عندما كنت طالبا في قسم التاريخ بكلية التربية –جامعة بغداد بين سنتي 1964-1968 ، وكان هو واحدا من ابرز اساتذة الكلية .
وقد تحدثت قبل ايام عنه مع الاخ الاستاذ الدكتور مجيد رشيد العاني الاستاذ في كلية طب جامعة بغداد والمتقاعد حاليا والذي يمتلك معلومات وافية عن الاستاذ خضر عبد الغفور العاني .
الاستاذ خضر عبد الغفور (1909 - 1994 ) مرب ، واستاذ وسياسي عروبي خدم العراق ، وله مواقفه المشرفة وخاصة في الستينات من القرن الماضي . ولد في مدينة عانة شنة 1909 وعانة (عنة ) من المدن العراقية العريقة تبعد حوالي 100 كيلومتر عن مدينة البوكمال السورية الحدودية) وقد أنهى دراسته الإبتدائية والمتوسطة في عنه بعدها سافر الى العاصمة بغداد ليلتحق بدار المعلمين الإبتدائية التي تخرج فيها معلما في شباط 1933.
عين معلما في قلعة سكر في لواء المنتفك (محافظة ذي قار-الناصرية ) جنوب العراق ثم نقل الى لواء الدليم (محافظة الأنبار) وعمل فيها معلما في عدد من النواحي والقرى (وخاصة في قرية المعاضيد) ، ثم انتقل الى بغداد معلما في احدى مدارس الأعظمية. في 16/11/1939 استقال من وظيفته في التعليم وإلتحق بالجامعة الأمريكية في بيروت ، ونال شهادة البكالوريوس في الرياضات سنة 1942. عاد الى العراق في سنة 1943 حيث عمل باحثا علميا في الشؤون الفنية في وزارة المعارف أي (وزارة التربية حاليا ).
في 1/9/1946 استقال من عمله مرة اخرى ، والتحق بجامعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية لمواصلة دراسته العليا وحصل على شهادة الماجستيرفي الرياضيات (مع التركيز على تطبيقات الرياضيات في الهندسة المعمارية) ثم بدأ مرحلة الدراسة للدكتوراه إلا أنه وبسبب نشوب حرب فلسطين سنة 1948 وعدم قدرته على ان يظل بعيدا عن احداث وطنه العربي الكبير ، قرر قطع دراسته والعودة الى العراق ليعين بعد عودته مدرسا في دار المعلمين العالية ، وقد تدرج في المراتب العلمية فحصل على مرتبة استاذ مساعد ثم رقي الى مرتبة استاذ .
في خمسينيات القرن الماضي ، ىشغل عدة مناصب في وزارة المعارف منها مدير عام البعثات, ثم مديرعام تعادل الشهادات, وكذلك مدير عام التعليم المهني.
إنخرط في العمل السياسي الوطني خلال العهد الملكي .وكانت له مواقف مشهودة منها أنه قام مع مجموعة من الشخصيات القومية والوطنية امثال الاستاذ عبدالرحمن البزاز, والدكتور أحمد عبدالستار الجواري, والدكتور جابر عمر, والاستاذ خيرالله طلفاح وغيرهم بتأسيس (نادي البعث الرياضي ) بهدف ممارسة النشاط الوطني والقومي من خلاله.
وبعد قيام ثورة 14 تموز سنة 1958 استمر في نشاطه الوطني والعروبي ، وقد أُختير ليكون وزيرا للتربية في وزارة الفريق طاهر يحيى في تموز 1965 ، وبعد ذلك في وزارة الاستاذ عبدالرحمن البزاز الأولى في أيلول 1965 في عهد رئيس الجمهورية المرحوم عبد السلام محمد عارف ومن ثم وزيرا للتربية (ووزيرا للأوقاف وكالة) في وزارة البزاز الثانية في نيسان 1966 في عهد رئيس الجمهورية الفريق عبدالرحمن محمد عارف.
كل ما يقال عن الاستاذ خضر عبد الغفور رحمة الله عليه انه كان انسانا وطنيا ، ورجلا عصاميا إعتمد على نفسه في كل مراحل حياته .. ومن الطريف انه كان يجيد الحياكة في الجومة مع اهله في عنه اثناء العطلة الصيفية عندما يعود من بيروت ليجمع بعض مايحتاجه من مصاريف حتى أنه اصبح بارعا في تلك المهنة وقام بعمل جومة في داره في حي الجامعة في بغداد وأستمر في الحياكة فيها من باب الهواية وتوفير بعض مقتنياته من الملابس وخاصة سترته وعباءته اللتان كان يحيكهما من وبر الجمال.
كما كان شخصية متزنة ، ومؤثرة في علاقاته الإجتماعية والوظيفية , يقول الحق ولو على نفسه, له مواقف عديدة في الحزم والصدق , يتميز بنزعة إنسانية لاحدود لها ويشعر بأحاسيس المحتاجبن ومنهم عدد من الطلبة المتعففين في الجامعة ماديا رغم تميزه بالشدة والصرامة في الحفاظ على المستوى العلمي, حيث أنه كان لايمكن ان يعطي ولو درجة واحدة لمن لايستحقها.
كان يتميز بعلاقاته المتينة والمتميزة مع عدد من الشخصيات الوطنية المشهود لهم بالكفاءة العلمية والإجتماعية والوطنية ومنهم المرحوم يوسف الحاج ناجي (المصرفي المعروف), والمرحوم الاستاذ عبدالرحمن البزاز (رئيس وزراء العراق الأسبق وأول أمين عام لمنظمة الدول العربية المصدرة للنفط – أوابك ) , والمرحوم الاستاذ الدكتور أحمد عبدالستار الجواري (وزير تربية ووزير أوقاف سابق), والمرحوم الدكتور أحمد صميم الصفار عميد كلية طب جامعة بغداد سابقا والطبيب الإنساني المعروف بمعالجة الفقراء مجانا في عيادته في منطقة الجعيفر ببغداد.
كان المرحوم الاستاذ خضر عبد الغفور ، يتميز بحس فني علمي مرهف وبدقة العمل الذي يقوم به وكان بيته تحفة فنية حيث يجد الداخل اليه ان لمساته المعمارية والتراثية بادية عليه وظاهرة للعيان . هذا فضلا عن انه كان يحتفظ بنوادر من التحف واللوحات الفنية التي كان يقتنيها من خلال سفراته السنوية خاصة الى اوربا بسيارته الخاصة . وقد كان يمتلك ارقى انواع العدد اليدوية والكهربائية لإستعمالات البيت. وحديقته كانت جنة غناء فيها انواع النخيل وكان قد طور سلما لخدمتها بنفسه, كما وقام بتطوير تنور متحرك في الحديقة.
كتب لي الاخ الدكتور مجيد رشيد العاني يقول : ان الاستاذ خضر عبد الغفور العاني كان يمتلك سيارة مرسيدس بنز موديل 1954 فريدة من نوعها كان قد جلبها معه من المانيا تتميز بأن داخلها مصنوع من الخشب الصاج وكان يقوم بصيانتها سنويا في سفراته فيها في شركة مرسيدس, إلا أنه وفي ثمانينات القرن الماضي وما بعدها لم يعد من السهولة السفر (بسبب ظروف البلد) حيث كان يجب ان يستبدل احدى قطع الغيار العاطلة فيها والغير متوفرة آنذاك في بغداد (لأنه كان يرفض استعمال أية قطعة غيار ليست ذات منشأ أصلي), وبذلك إضطر لإبقائها في مرآب بيته مرفوعة على مساند. قام أحد الأشخاص من هواة جمع السيارات بسؤال المرحوم خضر طالبا شراء السيارة فكان الجواب هو الرفض ولكن ذلك الشخص (وهو أحد اولاد المرحوم الحاج محمود بنيه) لم ييأس ، وكرر الأمر عدة مرات وجوبه بالرفض. ثم أخذ ذلك الشخص بالتحري عمن يؤثر على المرحوم خضر فتوصل الى صديقه المرحوم الاستاذ الدكتور أحمد عبدالستار الجواري للتوسط وجاءا اليه ونظرا لطبيعة الصداقة القوية والقديمة بينهما فقد قال له المرحوم خضر بأنه من المستحيل بيع السيارة ، ولكنه مستعد لمنحه إياها مجانا بشرط أن يحتفظ بها مع القيام بصيانتها فقام بأخذ تلك السيارة وقدم بدلا عنها مسبحة لتكون ذكرى للسيارة ، وللاسف لانعرف ما الذي جرى للسيارة اليوم ويقينا ان شركة مرسيديس لعرفت بها لقامت بإستبدالها بأحدث وأرقى الموديلات.
حصل المرحوم خضر عبدالغفور على شهادة البكالوريوس في الرياضيات من الجامعة الأمريكية في بيروت في سنة 1942 وكان من تقاليد الجامعة أن يقوم الخريجون بتقديم هدية تذكارية الى إدارة الجامعة فأقترح المرحوم خضر على زملاءه الخريجين تقديم خارطة منسوجة للوطن العربي خالية من الحدود بين الدول العربية (ترون صورتها الى جانب هذه السطور ) وتم انجاز تلك الخارطة في معمل نسيج ( مطران الزوق) في بيروت, حيث تم تقديمها الى اللجنة المختصة في الجامعة ولكن بدورها رفضت إستلامها لأنها تخلو من الحدود المعترف بها, وما كان من المرحوم خضر إلا أن دفع قيمتها ، وإحتفظ فيها لنفسه وبقي يحتفظا بها في بيته طوال حياته.
كان رحمه الله معروفا بإقتناءه للانتيكات العراقية القديمة من أعمال خشبية ونحاسية ، وغيرها حيث كان يجوب الاسواق والمحلات القديمة بحثا عن ذلك .. وقد خصص غرفة جانبية كبيرة في بيته لتكون ورشة عمل له لإصلاح مايحتاج الى اصلاح من تلك المقتنيات القديمة. هذا فضلا عن تخصيصه غرفة خاصة للجومة وملحقاتها لغرض حياكة مايحتاج اليه من الصوف والوبر. كان رحمه الله جامعا للسجاد القديم الأصيل ، وخاصة القطع الصغيرة وله خبرة في ذلك . كما وكان خبيرا في السبح . اشتهر في العائلة بانه يجيد اعداد الاكلات الشعبية القديمة جدا والمشهورة في عنه أوائل القرن الماضي ، فكان يذهب الى اسواق معينة في بغداد لشراء محصول ( الاذرة البيضاء) حيث يقوم باعداد شوربة منها والتي كانوا يسمونها ( سميده) .. كما وكان يشتري (الدخن) من محلات معينة في بغداد ويقوم بفركه للتخلص من قشوره ومن ثم اعداد شوربة الدخن اللذيذة. كان يحن الى كل ماهو قديم ويعتبره إرثا حضاريا. وهو فوق هذا وذاك كان مثقفا ثقافة رفيعة .. يقرأ بنهم ويتابع التطورات العلمية .
كان همه الاول هو مشروع نهضة الأمة العربية وتحررها وله افكاره العروبية المتنورة حول ذلك. يتميز بالدقة المتناهية في جميع أموره وامور البيت اليومية حيث أن ترتيب مافي بيته كان يتم وفق نظام دقيق لهذا كانت دارته من أنظف وارتب البيوت في بغداد.
أوصى بإهداء محتويات مكتبته العامرة الى من قد تعمه الفائدة منها وتم إهداء جزء كبير منها الى كلية التربية- إبن الهيثم في جامعة بغداد. توفي رحمه الله في سنة 1994. وهو متزوج من السيدة مطيعة مكي حبيب (خريجة كلية الحقوق/جامعة بغداد) والتي توفيت رحمها الله في 22/07/2018.
للاستاذ خضر عبد الغفور بحوث منشورة في المجلات الاكاديمية المحكمة في حقل تخصصه .. وقد رأيت بعض بحوثه منشورة في مجلة ( الاستاذ) وهي مجلة دار المعلمين العالية .. وكانت مجلة محكمة ورصينة ومن اولى المجلات الاكاديمية العراقية .كما ان له مقالات وتصريحات منشورة في الصحف وبالامكان ان يكون الاستاذ خضر عبد الغفور العاني موضوعا لرسالة ماجستير خاصة وان هناك من المصادر ما يمكن الرجوع اليها في حالة الكتابة ومنها مقالنا هذا ، وما كتبه الاخ الدكتور مجيد رشيد العاني وما يتوفر عند الاستاذ هاشم عيد الحاج حادث العاني الذي كتب كراسا بعنوان ( خواطر الايام وايام زمان ) فضلا عن كراس تحتفظ به اسرته ودفتر خدمته الوظيفي الشخصي .
رحم الله الاستاذ خضر عبد الغفور وجزاه خيرا على ما قدم فالرجل – بإختصار - كان مستقيما يقول الحق حتى على نفسه وكان يبدي رأيه وجها لوجه ومهما كانت ردود الافعال. وكان متحدثا لبقا وكانت تحليلاته للأمور صائبة دائما وكان اجتماعيا يحب اللقاءات العائلية ويشجع عليها .
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
في تاريخ العراق المعاصر ، رموز وشخصيات لايمكن إلا أن نقف عندها طويلا نظرا لما قدمته من مجهودات ، ونشاطات فكرية وثقافية وسياسية وتربوية على مدى سنوات .ومن حسن حظي وطالعي انني عرفت الكثيرين من هؤلاء معرفة مباشرة ولعل من ابرز هؤلاء الاستاذ خضر عبد الغفور استاذ الرياضيات الشهير عندما كنت طالبا في قسم التاريخ بكلية التربية –جامعة بغداد بين سنتي 1964-1968 ، وكان هو واحدا من ابرز اساتذة الكلية .
وقد تحدثت قبل ايام عنه مع الاخ الاستاذ الدكتور مجيد رشيد العاني الاستاذ في كلية طب جامعة بغداد والمتقاعد حاليا والذي يمتلك معلومات وافية عن الاستاذ خضر عبد الغفور العاني .
الاستاذ خضر عبد الغفور (1909 - 1994 ) مرب ، واستاذ وسياسي عروبي خدم العراق ، وله مواقفه المشرفة وخاصة في الستينات من القرن الماضي . ولد في مدينة عانة شنة 1909 وعانة (عنة ) من المدن العراقية العريقة تبعد حوالي 100 كيلومتر عن مدينة البوكمال السورية الحدودية) وقد أنهى دراسته الإبتدائية والمتوسطة في عنه بعدها سافر الى العاصمة بغداد ليلتحق بدار المعلمين الإبتدائية التي تخرج فيها معلما في شباط 1933.
عين معلما في قلعة سكر في لواء المنتفك (محافظة ذي قار-الناصرية ) جنوب العراق ثم نقل الى لواء الدليم (محافظة الأنبار) وعمل فيها معلما في عدد من النواحي والقرى (وخاصة في قرية المعاضيد) ، ثم انتقل الى بغداد معلما في احدى مدارس الأعظمية. في 16/11/1939 استقال من وظيفته في التعليم وإلتحق بالجامعة الأمريكية في بيروت ، ونال شهادة البكالوريوس في الرياضات سنة 1942. عاد الى العراق في سنة 1943 حيث عمل باحثا علميا في الشؤون الفنية في وزارة المعارف أي (وزارة التربية حاليا ).
في 1/9/1946 استقال من عمله مرة اخرى ، والتحق بجامعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية لمواصلة دراسته العليا وحصل على شهادة الماجستيرفي الرياضيات (مع التركيز على تطبيقات الرياضيات في الهندسة المعمارية) ثم بدأ مرحلة الدراسة للدكتوراه إلا أنه وبسبب نشوب حرب فلسطين سنة 1948 وعدم قدرته على ان يظل بعيدا عن احداث وطنه العربي الكبير ، قرر قطع دراسته والعودة الى العراق ليعين بعد عودته مدرسا في دار المعلمين العالية ، وقد تدرج في المراتب العلمية فحصل على مرتبة استاذ مساعد ثم رقي الى مرتبة استاذ .
في خمسينيات القرن الماضي ، ىشغل عدة مناصب في وزارة المعارف منها مدير عام البعثات, ثم مديرعام تعادل الشهادات, وكذلك مدير عام التعليم المهني.
إنخرط في العمل السياسي الوطني خلال العهد الملكي .وكانت له مواقف مشهودة منها أنه قام مع مجموعة من الشخصيات القومية والوطنية امثال الاستاذ عبدالرحمن البزاز, والدكتور أحمد عبدالستار الجواري, والدكتور جابر عمر, والاستاذ خيرالله طلفاح وغيرهم بتأسيس (نادي البعث الرياضي ) بهدف ممارسة النشاط الوطني والقومي من خلاله.
وبعد قيام ثورة 14 تموز سنة 1958 استمر في نشاطه الوطني والعروبي ، وقد أُختير ليكون وزيرا للتربية في وزارة الفريق طاهر يحيى في تموز 1965 ، وبعد ذلك في وزارة الاستاذ عبدالرحمن البزاز الأولى في أيلول 1965 في عهد رئيس الجمهورية المرحوم عبد السلام محمد عارف ومن ثم وزيرا للتربية (ووزيرا للأوقاف وكالة) في وزارة البزاز الثانية في نيسان 1966 في عهد رئيس الجمهورية الفريق عبدالرحمن محمد عارف.
كل ما يقال عن الاستاذ خضر عبد الغفور رحمة الله عليه انه كان انسانا وطنيا ، ورجلا عصاميا إعتمد على نفسه في كل مراحل حياته .. ومن الطريف انه كان يجيد الحياكة في الجومة مع اهله في عنه اثناء العطلة الصيفية عندما يعود من بيروت ليجمع بعض مايحتاجه من مصاريف حتى أنه اصبح بارعا في تلك المهنة وقام بعمل جومة في داره في حي الجامعة في بغداد وأستمر في الحياكة فيها من باب الهواية وتوفير بعض مقتنياته من الملابس وخاصة سترته وعباءته اللتان كان يحيكهما من وبر الجمال.
كما كان شخصية متزنة ، ومؤثرة في علاقاته الإجتماعية والوظيفية , يقول الحق ولو على نفسه, له مواقف عديدة في الحزم والصدق , يتميز بنزعة إنسانية لاحدود لها ويشعر بأحاسيس المحتاجبن ومنهم عدد من الطلبة المتعففين في الجامعة ماديا رغم تميزه بالشدة والصرامة في الحفاظ على المستوى العلمي, حيث أنه كان لايمكن ان يعطي ولو درجة واحدة لمن لايستحقها.
كان يتميز بعلاقاته المتينة والمتميزة مع عدد من الشخصيات الوطنية المشهود لهم بالكفاءة العلمية والإجتماعية والوطنية ومنهم المرحوم يوسف الحاج ناجي (المصرفي المعروف), والمرحوم الاستاذ عبدالرحمن البزاز (رئيس وزراء العراق الأسبق وأول أمين عام لمنظمة الدول العربية المصدرة للنفط – أوابك ) , والمرحوم الاستاذ الدكتور أحمد عبدالستار الجواري (وزير تربية ووزير أوقاف سابق), والمرحوم الدكتور أحمد صميم الصفار عميد كلية طب جامعة بغداد سابقا والطبيب الإنساني المعروف بمعالجة الفقراء مجانا في عيادته في منطقة الجعيفر ببغداد.
كان المرحوم الاستاذ خضر عبد الغفور ، يتميز بحس فني علمي مرهف وبدقة العمل الذي يقوم به وكان بيته تحفة فنية حيث يجد الداخل اليه ان لمساته المعمارية والتراثية بادية عليه وظاهرة للعيان . هذا فضلا عن انه كان يحتفظ بنوادر من التحف واللوحات الفنية التي كان يقتنيها من خلال سفراته السنوية خاصة الى اوربا بسيارته الخاصة . وقد كان يمتلك ارقى انواع العدد اليدوية والكهربائية لإستعمالات البيت. وحديقته كانت جنة غناء فيها انواع النخيل وكان قد طور سلما لخدمتها بنفسه, كما وقام بتطوير تنور متحرك في الحديقة.
كتب لي الاخ الدكتور مجيد رشيد العاني يقول : ان الاستاذ خضر عبد الغفور العاني كان يمتلك سيارة مرسيدس بنز موديل 1954 فريدة من نوعها كان قد جلبها معه من المانيا تتميز بأن داخلها مصنوع من الخشب الصاج وكان يقوم بصيانتها سنويا في سفراته فيها في شركة مرسيدس, إلا أنه وفي ثمانينات القرن الماضي وما بعدها لم يعد من السهولة السفر (بسبب ظروف البلد) حيث كان يجب ان يستبدل احدى قطع الغيار العاطلة فيها والغير متوفرة آنذاك في بغداد (لأنه كان يرفض استعمال أية قطعة غيار ليست ذات منشأ أصلي), وبذلك إضطر لإبقائها في مرآب بيته مرفوعة على مساند. قام أحد الأشخاص من هواة جمع السيارات بسؤال المرحوم خضر طالبا شراء السيارة فكان الجواب هو الرفض ولكن ذلك الشخص (وهو أحد اولاد المرحوم الحاج محمود بنيه) لم ييأس ، وكرر الأمر عدة مرات وجوبه بالرفض. ثم أخذ ذلك الشخص بالتحري عمن يؤثر على المرحوم خضر فتوصل الى صديقه المرحوم الاستاذ الدكتور أحمد عبدالستار الجواري للتوسط وجاءا اليه ونظرا لطبيعة الصداقة القوية والقديمة بينهما فقد قال له المرحوم خضر بأنه من المستحيل بيع السيارة ، ولكنه مستعد لمنحه إياها مجانا بشرط أن يحتفظ بها مع القيام بصيانتها فقام بأخذ تلك السيارة وقدم بدلا عنها مسبحة لتكون ذكرى للسيارة ، وللاسف لانعرف ما الذي جرى للسيارة اليوم ويقينا ان شركة مرسيديس لعرفت بها لقامت بإستبدالها بأحدث وأرقى الموديلات.
حصل المرحوم خضر عبدالغفور على شهادة البكالوريوس في الرياضيات من الجامعة الأمريكية في بيروت في سنة 1942 وكان من تقاليد الجامعة أن يقوم الخريجون بتقديم هدية تذكارية الى إدارة الجامعة فأقترح المرحوم خضر على زملاءه الخريجين تقديم خارطة منسوجة للوطن العربي خالية من الحدود بين الدول العربية (ترون صورتها الى جانب هذه السطور ) وتم انجاز تلك الخارطة في معمل نسيج ( مطران الزوق) في بيروت, حيث تم تقديمها الى اللجنة المختصة في الجامعة ولكن بدورها رفضت إستلامها لأنها تخلو من الحدود المعترف بها, وما كان من المرحوم خضر إلا أن دفع قيمتها ، وإحتفظ فيها لنفسه وبقي يحتفظا بها في بيته طوال حياته.
كان رحمه الله معروفا بإقتناءه للانتيكات العراقية القديمة من أعمال خشبية ونحاسية ، وغيرها حيث كان يجوب الاسواق والمحلات القديمة بحثا عن ذلك .. وقد خصص غرفة جانبية كبيرة في بيته لتكون ورشة عمل له لإصلاح مايحتاج الى اصلاح من تلك المقتنيات القديمة. هذا فضلا عن تخصيصه غرفة خاصة للجومة وملحقاتها لغرض حياكة مايحتاج اليه من الصوف والوبر. كان رحمه الله جامعا للسجاد القديم الأصيل ، وخاصة القطع الصغيرة وله خبرة في ذلك . كما وكان خبيرا في السبح . اشتهر في العائلة بانه يجيد اعداد الاكلات الشعبية القديمة جدا والمشهورة في عنه أوائل القرن الماضي ، فكان يذهب الى اسواق معينة في بغداد لشراء محصول ( الاذرة البيضاء) حيث يقوم باعداد شوربة منها والتي كانوا يسمونها ( سميده) .. كما وكان يشتري (الدخن) من محلات معينة في بغداد ويقوم بفركه للتخلص من قشوره ومن ثم اعداد شوربة الدخن اللذيذة. كان يحن الى كل ماهو قديم ويعتبره إرثا حضاريا. وهو فوق هذا وذاك كان مثقفا ثقافة رفيعة .. يقرأ بنهم ويتابع التطورات العلمية .
كان همه الاول هو مشروع نهضة الأمة العربية وتحررها وله افكاره العروبية المتنورة حول ذلك. يتميز بالدقة المتناهية في جميع أموره وامور البيت اليومية حيث أن ترتيب مافي بيته كان يتم وفق نظام دقيق لهذا كانت دارته من أنظف وارتب البيوت في بغداد.
أوصى بإهداء محتويات مكتبته العامرة الى من قد تعمه الفائدة منها وتم إهداء جزء كبير منها الى كلية التربية- إبن الهيثم في جامعة بغداد. توفي رحمه الله في سنة 1994. وهو متزوج من السيدة مطيعة مكي حبيب (خريجة كلية الحقوق/جامعة بغداد) والتي توفيت رحمها الله في 22/07/2018.
للاستاذ خضر عبد الغفور بحوث منشورة في المجلات الاكاديمية المحكمة في حقل تخصصه .. وقد رأيت بعض بحوثه منشورة في مجلة ( الاستاذ) وهي مجلة دار المعلمين العالية .. وكانت مجلة محكمة ورصينة ومن اولى المجلات الاكاديمية العراقية .كما ان له مقالات وتصريحات منشورة في الصحف وبالامكان ان يكون الاستاذ خضر عبد الغفور العاني موضوعا لرسالة ماجستير خاصة وان هناك من المصادر ما يمكن الرجوع اليها في حالة الكتابة ومنها مقالنا هذا ، وما كتبه الاخ الدكتور مجيد رشيد العاني وما يتوفر عند الاستاذ هاشم عيد الحاج حادث العاني الذي كتب كراسا بعنوان ( خواطر الايام وايام زمان ) فضلا عن كراس تحتفظ به اسرته ودفتر خدمته الوظيفي الشخصي .
رحم الله الاستاذ خضر عبد الغفور وجزاه خيرا على ما قدم فالرجل – بإختصار - كان مستقيما يقول الحق حتى على نفسه وكان يبدي رأيه وجها لوجه ومهما كانت ردود الافعال. وكان متحدثا لبقا وكانت تحليلاته للأمور صائبة دائما وكان اجتماعيا يحب اللقاءات العائلية ويشجع عليها .
وبعد نشري لهذا
المقال في صفحتي في (الفيسبوك) وفي ( صفحة التاريخ الحديث والمعاصر) ، وصلتني رسالة من
الاخ الاستاذ هاشم عيد الحاج حادث العاني الرسالة التالية وانا اشكره على ذلك كما
ارسل لي دفتر خدمته كما ترون الى جانب هذا الكلام ونص رسالته : "استاذنا الدكتور ابراهيم
العلاف المحترم
لكم مني جزيل الشكر والتقدير لمنشوراتكم للسير الذاتية للشخصيات
الوطنية ومنهم الاستاذ خضر عبد الغفور العاني المربي والسياسي والوزير والانسان )
حقا" انه كذلك ، الانسان المتميز بين البساطة والانسانية المتناهية بإحساس
وشعور الاخرين وبين الحزم والصرامة واحقاق الحق طيله حياته في عمله الوظيفي
والأجتماعي وهو في هذا العمر المتقدم وموقعه الاجتماعي المتميز ما أهله للقدوة
الحسنة لجميع اقاربه ومعارفه ومحبيه .
وبحكم قرابتي منه ومجالستي الكثيرة له قبل
وبعد تقاعده السنين الطوال الى اخر يوم من حياته يوم توفي بازمة قلبية رحمه الله
الا ان ارادة الله ومشيئته الا تكون له ذرية وكونه قريب لي وابن عمتي فقد كتبت
شيئا في سيرة حياته في الفصل الاول من الكراس العائلي الخاص المعنون (خواطر الايام
وايام زمان)الذي ورد ذكره في منشوركم السابق .
لا اريد تكرار ما نقله لكم الاخ الدكتور
عبد المجيد رشيد العاني بارك الله فيه . ما أريد ذكره لكم يتمحور حول انسانية هذا
الرجل في حسن التعامل يوم كان في عمله الوظيفي وبعده ما اكتبه ليس معلومات منقوله
او سماعا" بل كانت احاديث وجها" لوجه عند زياراتي المتكررة له بداية
تكون يوم صدور المرسوم الجمهوري بتعيينه وزيرا في حكومة المرحوم طاهر يحيى الا
واسرعت الجهة المسؤولة الى تبليط الشارع الترابي الرابط بين دار سكنه والشارع
العام يوم كان في الكرادة داخل ومجاورا الى الجسر المعلق ولا يبعد كثيرا عن جامعة
بغداد يومها لم تكن مكتملة البناء ، لم يستسغ ذلك اتصل ب " الجهات المسؤولة
معاتبا" لها وقال لهم ماذا سوف يقول عنا الجيران في الشارع الترابي المجاور
لنا ؟ فكان له مااراد . ترأس وفدا" تربويا" الى جمهورية مصر العربية
وهناك اهدي لكل منهم جهاز تلفزيوني صناعة مصرية ،قلت له اذا كان ممكنا"
مشاهدة تلفزيون الصناعة المصرية أبتسم وقال أهديته الى الوزارة قبل أن يصل الى
البيت وقال عندنا واحد يكفي ولسان حاله يقول أكثر من جهاز واحد نوع من البطر ! أين
نحن الأن مما كان .. كان يحاسب القوي قبل الضعيف التقاعد لزوجة وزير ( زميلا"
له) في نفس الوزارة (ع.م) كثرت الشكاوى على مديرية ثانوية البنات في حي الأعظمية
اخرها من مشرفة اختصاص مصرية الجنسية وبعد التأكد من صحة الشكاوى واطلاعه على
اضبارتها الشخصية كان لها خدمة تؤهلها للتقاعد ، أمر بأحالتها على التقاعد ولم
تنفع الأتصالات ومن جهات مسؤولة وكل الذي حصل تم تعيينها في غير وزارة التربية .
بيضة الديج يوم كان مديرا" عاما" للبعثات وتعادل الشهادات ، أحدى
المعاملات كانت غير مكتملة الشروط تعود الى شقيق زوجة وزير المعارف(خ.ك)رحمه الله
، بعد مراجعة صاحب المعاملة للمرة الثانية للاستفسار ومن غير تحفظ قال هاا ماباض
الديج ! أجابه السيد المدير و بحزم أنتظر ، بعد عرض المعاملة وتداول مع السيد
الوزير استشعر السيد المدير أن الوزير لا يمانع من أنجازها ! قال له السيد المدير
هل تكون سابقة لغيرها ؟ مما أحرج السيد الوزير وقال له روح سوي ماتريد . صاحب
العلاقة كان ينتظر على أحر من الجمر وماان خرج السيد المدير سأله ها هل تمت
الموافقة ؟ أجابه من يبيض الديج ، ولم تنجز المعاملة . هذا الرجل المشبع
بالحكمة والأنسانية ورجاحة العقل قليل الكلام عميق في التفكير الصائب . مرة اهدى
لي ستارة (بردة ) شباك من الانتيكات التي كان يحتفظ بها و اصر الا ان يثبتها بيده
في مكانها وقال لي ( انت ماتدبرها ) ، وجاء معي من حي الجامعة الي حي العامرية .
(أذكروا محاسن موتاكم ) كثيرا مايتجول في اسواق بغداد القديمة لعله يجد مايعجبه
.اشترى مسبحة وبقيت عنده أكثر من عشرين عاما" وفي السنوات الأخيرة من عمره
التقى ب الشخص الذي اشتراها منه وتذاكرا في يوم شرائها وسعرها الزهيد طلب صاحبها
الشراء منه رفض بيعها و قال له أعطني ماأعطيت لك وكفى ! ولم يأخذ منه شيئا".
هذه الشواهد المشرقة التي تركها لنا في شعوره الوطني والأنساني كانت القدوة الحسنة
لنا ولجميع معارفه ومحبيه .
"معلومة لم اكن اعرفها مسبقا":- في زيارتي لأحد معارف
المرحوم خضر عبدالغفور فاجأني بهذه المعلومة قال : لي صديق دكتور وعالم مشهور
عالميا" وهو الان خارج العراق . وفي حديثي معه قال لي في احدى زياراتي الى
بيت المرحوم (خضر) سألني عن شخص ( خ.ع) وهو دكتور وعالم معروف عالميا" قال لي
قل له خضر عبد الغفور يسلم عليك وكفى. بلغت السلام الى الدكتور (٧خ.ع) وتفاجأ واخذ
يكثر من المديح بحقه وحسن تعامله مع طلابه في الجامعة وحبهم له واورد لي هذه
المعلومة .. قال : كنت أحد طلابه أيام زمان في الجامعة . أفتقدني بعد أنقطاعي عن
الدوام كوني من المتميزين عنده وكان انقطاعي لظروف مادية ، وتركت الدراسة ورجعت الى
عائلتي في الديوانية وعودتي كانت لظروف مادية . ما كان منه الا ان يأتي مع زوجته
الى مركز محافظة الديوانية ويسأل عني وبسيارته الخاصة (جاكوار ). التقيت به وسألني
لماذا تركت الدراسة أذ كان يعرف مسبقا" ماهو السبب الا ان شعوره الأنساني دفعه
الى السؤال عني . وقال لي أريدك ان تذهب الى بيتكم الان وتأتي بحقيبتك وأنا هنا
بأنتظارك ، ولم يكن خيار لي الا الاستجابة وعدت برفقتهما وفي سيارتهم الخاصة حتى
أوصلني الى الجامعة وبالاتفاق مع عميد الكلية أستطاع أيجاد غرفة صغيرة مجاورة الى
حارس الكلية وهيأ لي سريرا" مع فراش وتكفل بما احتاجه من مصروف طيلة مدة
الدراسة الجامعية ولولا هذا الأنسان الشريف بعد الله سبحانه وتعالى لما وجدتني
بهذا الموقع وانا مدين له، رحمه الله
حقا" انه رجل معطاء وكريم يعطي
ولا يأخذ حيث قام باهداء داره العامرة وما فيها لمن إتمنه على الحفاظ عليها من
الضياع كما سبق وان اهدى سيارته المرسيدس الفريدة من نوعها حفاظا" عليها من
الضياع الى احد اولاد بنية بعد أن عجزوا على اقناعه بشرائها"
برفقة هذه الرسالة صفحات من دفتر
خدمته الفعلية من ١٩٣٢ حتى أحالته على التقاعد نلاحظ جمالية تنظيم هذا الدفتر
بالخط الجميل والعناية الفائقة ملاحظة لكم الخيار حذف ما لا تراه مناسبا" مع
الشكر والتقدير
ختاما" أخي الدكتور ابراهيم لي الشرف بدعوتكم واستقبالكم في (حي
الجامعة ) وفي الدار التي ذكرتها لكم في أول زيارة تقوم بها الى بغداد مع اصدقاء لكم
او مع عائلتكم المحترمة والسلام عليكم الحاج هاشم عيد الحاج حادث العاني