بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين يسعدني أنا (الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف )أن ارحب بكم في مدونتي الثانية مدونة الدكتور ابراهيم خليل العلاف ..واود القول بانني سأخصص هذه المدونة لكتاباتي التاريخية والثقافية العراقية والعربية عملا بالقول المأثور : " من نشر علما كلله الله بأكاليل الغار ومن كتم علما ألجمه الله بلجام من نار " .
الثلاثاء، 9 أكتوبر 2018
تاريخ غابات الموصل ا.د. ابراهيم خليل العلاف
تاريخ غابات الموصل
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
كان من جملة الامور التي وضعناها نصب أعيننا ونحن نؤرخ
ونوثق للموصل ، التأكيد على ان الموصل كانت معروفة بإمتلاكها الميادين والساحات
الخضراء وقد ادركتها انا وابناء جيلي جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية .
كانت هناك في الموصل حديقتان عامتان هما (حديقة الشهداء) و(حديقة
الشعب) . كما كانت هناك ما يعرف ب(البقج جمع بقجة )وهي البساتين الصغيرة التي تنصب
عليها النواعير وتستغل في زراعة الخضراوات .
ولاننسى امتدادات
بساتين الفستق الى مساحات شاسعة ومنها تلك التي كانت تمتد من قرية النبي يونس الى
قرية يارمجة .. وكذلك كانت بساتين الزيتون
تحيط بمدينة الموصل وتنتشر على مساحات واسعة من الفاضلية وبعشيقة وبحزاني .
واتذكر انه لايمكن ان يكون هناك بيت في الموصل الا ووسط
(حوشه ) أي فنائه بستان لشجرة توث مثمرة والى جوارها بئر يستقى منه الماء للارواء
.
اتذكر اننا نادرا ما كنا نشعر بوجود ما يسمى اليوم ب(الطوز
) اي الغبار الذي خلفته المساحات الزراعية الكبيرة التي تعرضت للتجريف والتخريب
والتصحر خلال السنوات الماضية .كان جو
الموصل نقيا ، والسماء صافية وكنا ونحن نسير في شوارع الموصل وازقتها نتنسم عبير
وشذى الجنبد والشبو والقرنفل وغير ذلك من الازهار الفواحة .
على كل حال انا اريد اليوم ان اتحدث عن معلم مهم من معالم
الموصل.... الرئة التي تتنفس من خلالها مدينة الموصل الهواء النقي ، والتي تتمثل
بما نسميه اليوم (الغابات )لذلك حديثي اليوم هو عن غابات الموصل هذه الغابات التي
كانت موجودة بصورة طبيعية على ضفة نهر دجلة اليسرى .
وكنا نعرفها ونحن اطفالا صغارا في الاربعينات والخمسينات بإسم ( الحويكة ) ومن
بعد ذلك بدأت الدولة من خلال مديرية الزراعة ووزارة الزراعة تهتم بها وتحاول ان
تعطيعها جمالا ، ورونقا وتحولها لان تكون منتجعا سياحيا .
وهكذا ابتدأ العمل سنة 1954 عندما بدأ العمل في ترتيب
وتنظيم غابات الموصل والتي كانت تسمى (غابة
الحدباء النموذجية ) التي تأسست على مساحة قدرها (10 دوانم ) .
نقطة البداية في هذا المشروع الجميل كانت حقولا انوذجية .. ولازلت اتذكر كيف كان لكل
مدرسة حقلا تهتم به وكان حقل مدرستنا مدرسة ابي تمام الابتدائية للبنين في عبدو
خوب في مكان مدينة الالعاب حاليا وكنا نتعهده كل يوم اثنين في الاسبوع وهكذا بقية
المدارس .
في اطروحة الدكتوراه التي قدمها الاخ الدكتور ذنون يونس
الطائي واشرفت عليها وكانت بعنوان : (الاوضاع الادارية في الموصل خلال العهد
الملكي 1921-1958 ) وتحولت الى كتاب نشر سنة 2008 كتب بضعة اسطر عن (غابة الحدباء
النموذجية ) هذه وقال انها نظمت تنظيما فنيا ، وغرست بأنواع جيدة ومفيدة من الاشجار التي يمكن الإستفادة منها للاغراض الصناعية ، والإنشائية
.كما نظمت بطريقة تسهل اتخذها متنزها عاما لسكان
المدينة واضاف ان مساحتها قدرت بحدود (200 ) دونم وغرست فيها (30000 )
ثلاثين الف شجرة تتراوح اعمارها بين 1-3 سنة ..وتولت (شعبة الغابات ) التابعة
للادارة المحلية الاشراف عليها كما ورد ذلك في
ارشيف الادارة المحلية في الموصل والتي تتضمن مقررات مجلس اللواء لواء
الموصل للسنة 1955-1956 .
غابة الحدباء النموذجية ، لم تكن سوى مشتل كبير تنتج فيه شتلات اشجار
اليوكالبتس والاسبندار والجنار والدردار والصنوبر وغيرها من اشجار الغابات
المعروفة التي تتلائم وظروف الموصل المناخية .
وقد تحدث لي قبل
عقود المرحوم الاستاذ غانم الوكيل –ابو بشار كيف انهم اهتموا بالغابات وكيف انه هو
نفسه وكان مديرا للزراعة ، قد اشرف على زراعة الاف الشتلات والاشجار .وقد استمر
العمل في تطوير غابة الحدباء النموذجية سنة 1955 وكان رئيس بلدية الموصل انذاك عبد الله نشأت
(1954-1958 ) . اما المتصرف فكان رشيد نجيب (
1955-1957 ).
ففي سنة 1955 وكما تشير المصادر المتداولة تم تشجير قرابة
(200 ) دونم على الجهة الشمالية من الضقة اليسرى لنهر دجلة في الموصل وسرعان ما
توسعت الغابات الى قرابة (1000 ) دونم .
نقطة مهمة لابد ان اقف عندها وهي ان مشكلة الفيضان وبناء سد
الموصل والاهتمام بتدعيم السدود على ضفتي
دجلة في الموصل كان لهذا كله اثر في تأسيس
وتوسع غابات الموصل وتبليط هذه السداد وجعلها شوارع وساحات فسيحة وكان ذلك في الستينات
والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي .
ويذكر الحاج عبد
الجبار محمد الجرجيس في كتابه (بلدية الموصل ) انه في عهد رئيس البلدية عبد الله
صديق الملاح 1958-1963 قامت البلدية بعمل السدة الترابية على طول نهر دجلة في
الجانب الايسر من المدينة من منطقة حديقة الشعب الى منطقة الرشيدية لحماية المدينة
من الغرق خلال موسم الفيضان ثم قامت البلدية بتبليط سارع السدة هذا من بداية حديقة
الشعب الى نهاية السدة في منطقة الرشيدية وكان متصرف الموصل في حينه عبد الكافي
عارف (1957-1958 ) .
وقد تم انشاء العديد من الكازينوهات ، والمطاعم ، ووحدائق
العاب الاطفال وحديقة للحيوان وصالات للاعراس والمناسبات في الغابات الامر الذي ساعد على جذب الناس الىى
هذه المنطقة الجميلة ، وساعد على ذلك ان مقتربات الجسر الثالث (جسر ابي تمام
الطائي ) والجسر الخامس (جسر الموصل
) باتت تمر عبر جوانب الغابات وهذا ساعد
على ربطها بالمحلات السكنية في الجانب الايمن من الموصل .
وجاء بناء وافتتاح ( فندق نينوى اوبروي) ومساحته (6.6 كم مربع ) ليعطيها
اي يعطي الغابات دفعة الى الامام من
الناحية السياحية .وقد ربطت الغابات بنواح وقرى زراعية تقع على دجلة بشوارع
واسعة ومن هذه المناطق الرشيدية وبيسان والكبة والشريخان واصبح لمنطقة الغابات
كورنيش يمتد لبضعة كيلومترات من الرشيدية حتى الجسر القديم جسر نينوى .
لاننكر ان الغابات تعرضت لبعض محاولات التخريب خلال سنوات
الحصار الاقتصادي في التسعينات ، وبعد الاحتلال
الاميركي للعراق سنة 2003 الا ان ذلك لم يستمر طويلا فقد تدخلت الحكومة وسيجت بعض
المناطق في الغابات وفرضت قيودا مشددة على من يقتلع الاشجار أو يعبث بها وخاصة من
رعاة الاغنام .
كما تعرضت في بعض الفترات ومنها مثلا ما حدث سنة 2017 للحريق في بعض حافاتها ، ولكن فرق الدفاع المدني
الخاصة بالغابات اوقفت ذلك وهناك ايضا شرطة نهرية في منطقة الغابات لديها من
التعليمات ما يساعدها على القيام بواجباتها في مجال انقاذ الغرقى في النهر .
نقطة اخرى اود الاشارة اليها وهي ان غابات الموصل ضمت
منتجعات سياحية جميلة تمثلت ب (دور السدير ) كما كانت تضم كازينو سياحية قرب نادي
الطيران المدني (كازينو الغابات ) ، كثيرا ما كانت مكانا لبعض فعالياتنا العلمية
والثقافية وكذلك تأسس في غابات الموصل (المخيم الكشفي ) الذي كثيرا ما كان يستضيف
المؤتمرات والفعاليات الكشفية العراقية والعربية .
وكان في غابات الموصل حديثة جميلة للحيوان توقفت الان وخليت
من الحيوانات .
كما ان فيها جزيرة سياحية تضم مطاعا وكازينوهات وملاعب
للاطفال يعبر اليها بواسطة (دوبة ) جميلة ويتمتع الناس والسواح بالمناظر الخلابة
في هذه المنطقة الجميلة من المدينة
يقينا اننا ندعو الجهات المختصة في الحكومة المركزية ، والحكومة
المحلية الى الاهتمام بغابات الموصل ، واعادة تأهيل مرافقها السياحية وخاصة فندق نينوى
اوبروي وها هي قد اعيد نشاطها بعد التحرير بحاجة الى تطوير وتنمية حقيقية لتعود
مكانا أثيرا للناس يلجأون اليه للراحة والاستجمام وتزجية الوقت ، والتمتع برؤية
نهر دجلة الخالد وهو يدخل مدينة الموصل بكل رفق وجمال وبهاءَ.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
بديع الزمان الهمذاني ومقاماته - ابراهيم العلاف
بديع الزمان الهمذاني ومقاماته - ابراهيم العلاف وكما وعدتكم في ان اتحدث لكم في كل يوم عن شاعر ، واقول انني اعود الى كتب تاريخ الادب العربي ...
-
(السسي) من جرزات الموصل المشهورة - ابراهيم العلاف * وعندما تحدثت عن جرزات او كرزات الموصل وقفت عند السسي ويبدو ان هناك من يحب السسي وسأل...
-
أهلا بنابتة البلاد ومرحبا جددتم العهد الذي قد أخلقا لاتيأسوا أن تستردوا مجدكم فلرب مغلوب هوى ثم إرتقى مدتْ له الامال من أفلاكها ...
-
وردحاق صاق ناصي ..............ورد الحق وصاغ النصيب ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل حين قدمتُ حلقة ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق