التاريخ الاقتصادي وأهميته
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس -جامعة الموصل
يخطئ من يظن ان التاريخ هو العلم الذي يهتم بالتحولات السياسية وسير الحكام والسلاطين والملوك .ان هذه النظرة الى التاريخ قد انتهت مع الحركة الانسانية التي شهدتها اوربا في اعقاب انتهاء العصور الوسطى وبدأ الاهتمام بالانسان بأعتباره محور الحركة التاريخية .وحركة الانسان في الزمان والمكان لاتقف عند حدود اقامته لانظمة الحكم وتشريعه القوانين التي تنظم الحياة فحسب وانما تتسع لتشمل سعيه وراء معاشه وبناء المدن وتنظيم الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وعلى هذا الاساس تطورت الدراسات التاريخية لتأخذ فضلا عن الابعاد السياسية البعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .وهكذا بدأ المؤرخون يهتمون بالتاريخ الاقتصادي والتاريخ الاجتماعي والتاريخ الثقافي .وبقدر تعلق الامر بالتاريخ الاقتصادي فأن البعض يربطون بين الاهتمام بالتاريخ الاقتصادي والنظرية المادية التاريخية التي جاءت بها الماركسية وهذا ليس صحيحا فالمؤرخون في الغرب يهتمون بالتاريخ الاقتصادي ويضعون بعد انجاز دراساتهم في هذا الميدان القواعد والقوانين التي تفسر التطورات التاريخية وهنا يختلفون مع الذين يذهبون مذهب الماركسية فالماركسيون يفسرون التاريخ وفق نظرية مسبقة prejudgment
ويقولون بأن البشرية مرت بخمسة مراحل هي المشاعية البدائية والرق والعبودية والاقطاع والرأسمالية ولابد وان يأتي اليوم الذي يقيم فيه الانسان مجتمعه الشيوعي . وبذلك فهم يضعون النظرية ويغوصون في اعماق التاريخ ليأتوا بالاحداث التي تدعم نظريتهم .في حين ان المؤرخين الموضوعيين الذين يهتمون بالتاريخ الاقتصادي يبدأون بدراسة الاحداث التاريخية من دون ان تكون لهم نظرية معينة او تفسير محدد والدراسة العلمية المنهجية المعتمدة على جمع المادة وتحليلها وتفكيكها ومن ثم اعادة تشكيلها من جديد هي التي تهديهم الى ما يساعدهم على تفسير الاحداث تفسيرا علميا يأخذ بتعددية العوامل ويرفض اي تفسير احادي الجانب .
من حسن الحظ فأن رائدي التاريخ الاقتصادي العربي هم من المؤرخين العراقيين واقصد الاستاذ الدكتور صالح احمد العلي والاستاذ الدكتور عبد العزيز الدوري فكليهما اهتم بالتاريخ الاقتصادي والاجتماعي حتى ان احد النقاد اجاب على سؤال يتعلق بأهم ما انجزه العرب على صعيد التريخ الانساني في القرن العشرين فقال ان ما قدمه المؤرخان العراقيان العلي والدوري هو من اهم ما قدم للبشرية من منجز علمي .
ان دراسات الاستاذين الدكتورين الدوري والعلي في مجال التاريخ الاقتصادي والاجتماعي تعد في طليعة الدراسات الاقتصادية لجديتها وتفردها بمعلومات ونتائج قيمة اذ تعد تلك الدراسات رائدة –بحق- فبدايات الاستاذ الدكتور العلي كانت في اواخر الاربعينات من القرن الماضي مع دراسة "التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة في القرن الاول الهجري .. في حين كانت بدايات الاستاذ الدكتور الدوري مع" تاريخ العراق العراق الاقتصادي في القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي " .ومن الطبيعي ان تنمو الدراسات الاقتصادية في الوطن العربي بعد منجزي العلي والدوري وتتسع وتتزايد فلدينا اليوم كم هائل من الدراسات الاقتصادية العربية التي وجدت في دراستي الدوري والعلي حافزا للعناية بدراسة التاريخ الاقتصادي للمجتمعات العربية سواء على صعيد التاريخ الاسلامي او التريخ الحديث .
ان مما تهتم به الدراسات التاريخية الاقتصادية الاسلامية والحديثة تقديم اطار عام يشتمل على حقول الاقتصاد والمفردات الاقتصادية من عوامل انتاج وتضخم وانكماش ونقود وضرائب وتنظيمات مالية ومؤسسات اقتصادية ومصرفية واحكام اراض وزراعة واصلاح زراعي وصناعة وتجارة وصناعة واصناف وتنظيمات حرفية فضلا عن دراسة ظروف الازدهار الاقتصادي او التدهور الاقتصادي والازمات المالية والنشاط الاقتصادي الخاص ووضع القوى الاقتصادية من طبقات وسطى ومن عمال او فلاحين او كسبة او رأسماليين وطنيين اسميهم انا بالاقتصاديين الوطنيين الذي ناضاوا الاستعمار ليس بالادوات السياسية بل بالفعاليات والمشروعات الاقتصادية امثال طلعت حرب في مصر وعبد الحميد شومان في فلسطين والاردن ونوري فتاح ومصطفى الصابونجي وعبد الهادي الجلبي وال الخضيري في العراق واميل البستاني في لبنان وغيرهم .
ان الانسان عندما وجد على ظهر الارض وانشأ الحضارات القديمة ومنها حضارة وادي الرافدين وحضارة اليمن القديمة وحضارة وادي النيل فأنما عرف بذلك الزراعة والصناعة والتجارة وتنظيم المجتمع والدولة وعرف العلوم ودون اعماله على الطين والحجر والاجر فمن هو الباحث الجدير بمتابعة كل تلك الانجازات سواء التي قام بها اجدادنا او التي نقوم نحن بها اليوم أليس هو المؤرخ ؟ ومن يمتلك ادوات البحث ومناهجه للولوج في هكذا ميدان غير المؤرخ .وما هي غاية التاريخ ؟ اليست غايته الكشف عن ما فعله ويفعله الانسان وما الذي يفعله الانسان ؟ اليست النشاطات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ..لماذا نهتم بالنشاطات السياسية ولانهتم بالنشاطات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ؟ .
لقد مضى الزمن الذي نقف فيه عند نشاطات الحكام والخلفاء والسلاطين فالتاريخ هو تاريخ الانسان تاريخ العامل والتاجر والحرفي والصانع والفلاح والمثقف ..نعم انه تاريخ الانسان وتاريخ مؤسساته ونظمه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية .
واذا كان كارل ماركس قد عد القوة المنتجة اساسا للمجتمع وقاعدة سفلى له وما اقامه الانسان من نظم وابدع فيه من افكار قاعدة عليا فان التاريخ الاقتصادي يرى بأن الانسان هو المحور ..هو الاساس وللانسان حاجات نفسية وبيولوجية وهو بقدر ما يحتاج الى الطعام واللباس والمسكن والنظام الاجتماعي فأنه بحاجة الى الافكار والرؤى والفن ويقينا ان قوة الدولة الاقتصادية من قوة الافراد الاقتصادية والطرفين يستندان الى ما هو متوفر من موارد طبيعية وموارد بشرية للقيام بالاعمال التي تغير من واقع المجتمع .نعم التريخ لايمكن ان يكون وراءه عامل واحد بل عوامل متعددة لسبب بسيط هو ان الحياة معقدة ومتفاعلة والعامل الاقتصادي هو احد القوى المحركة للتاريخ ويظهر اثره في وقائع اكثر مما يظهر اثره في وقائع اخرى وكما هو معروف فأننا اذا اردنا ان ندرس على سبيل المثال الثورة الصناعية فأننا سوف نهتم \بالانتاج والاسواق والسلع والبضائع والدخل والضرائب والاستهلاك ورؤوس الاموال وانتقالها واستثمارها والبنوك ..التفسير الاقتصادي للتاريخ ودراسات التاريخ الاقتصادي تؤكد على المؤسسات المهنية والحرفية والمالية والمصرفية والتجارية والصناعية والتجارية وهو في كل الاحوال جزءا لايتجزأ من التاريخ العام .
وكما هو معروف فأن المؤرخ الاقتصادي ينبغي ان يتسلح بأسلحة خاصة في مقدمتها تأتي المعرفة بعلمي الاقتصاد والاحصاء ولااقول المعرفة الدقيقة وانما لابد ان يكون المؤرخ على معرفة ولو يسيرة بمكنونات هذين العلمين المهمين وهذا طبيعي في الدراسات التاريخية فالقاصي والداني يعرف ان المؤرخ لابد وان يستعين في دراساته وبحوثه في ما يسمى "العلوم المساعدة " أو "العلوم الموصلة " ومنها " الجغرافية "و " الاقتصاد " و"علم النفس " و" الاحصاء " و" الادب " و"اللغة " وغيرها وحسب نوع وصنف الدراسة التاريخية التي يقوم بها .
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس -جامعة الموصل
يخطئ من يظن ان التاريخ هو العلم الذي يهتم بالتحولات السياسية وسير الحكام والسلاطين والملوك .ان هذه النظرة الى التاريخ قد انتهت مع الحركة الانسانية التي شهدتها اوربا في اعقاب انتهاء العصور الوسطى وبدأ الاهتمام بالانسان بأعتباره محور الحركة التاريخية .وحركة الانسان في الزمان والمكان لاتقف عند حدود اقامته لانظمة الحكم وتشريعه القوانين التي تنظم الحياة فحسب وانما تتسع لتشمل سعيه وراء معاشه وبناء المدن وتنظيم الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وعلى هذا الاساس تطورت الدراسات التاريخية لتأخذ فضلا عن الابعاد السياسية البعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .وهكذا بدأ المؤرخون يهتمون بالتاريخ الاقتصادي والتاريخ الاجتماعي والتاريخ الثقافي .وبقدر تعلق الامر بالتاريخ الاقتصادي فأن البعض يربطون بين الاهتمام بالتاريخ الاقتصادي والنظرية المادية التاريخية التي جاءت بها الماركسية وهذا ليس صحيحا فالمؤرخون في الغرب يهتمون بالتاريخ الاقتصادي ويضعون بعد انجاز دراساتهم في هذا الميدان القواعد والقوانين التي تفسر التطورات التاريخية وهنا يختلفون مع الذين يذهبون مذهب الماركسية فالماركسيون يفسرون التاريخ وفق نظرية مسبقة prejudgment
ويقولون بأن البشرية مرت بخمسة مراحل هي المشاعية البدائية والرق والعبودية والاقطاع والرأسمالية ولابد وان يأتي اليوم الذي يقيم فيه الانسان مجتمعه الشيوعي . وبذلك فهم يضعون النظرية ويغوصون في اعماق التاريخ ليأتوا بالاحداث التي تدعم نظريتهم .في حين ان المؤرخين الموضوعيين الذين يهتمون بالتاريخ الاقتصادي يبدأون بدراسة الاحداث التاريخية من دون ان تكون لهم نظرية معينة او تفسير محدد والدراسة العلمية المنهجية المعتمدة على جمع المادة وتحليلها وتفكيكها ومن ثم اعادة تشكيلها من جديد هي التي تهديهم الى ما يساعدهم على تفسير الاحداث تفسيرا علميا يأخذ بتعددية العوامل ويرفض اي تفسير احادي الجانب .
من حسن الحظ فأن رائدي التاريخ الاقتصادي العربي هم من المؤرخين العراقيين واقصد الاستاذ الدكتور صالح احمد العلي والاستاذ الدكتور عبد العزيز الدوري فكليهما اهتم بالتاريخ الاقتصادي والاجتماعي حتى ان احد النقاد اجاب على سؤال يتعلق بأهم ما انجزه العرب على صعيد التريخ الانساني في القرن العشرين فقال ان ما قدمه المؤرخان العراقيان العلي والدوري هو من اهم ما قدم للبشرية من منجز علمي .
ان دراسات الاستاذين الدكتورين الدوري والعلي في مجال التاريخ الاقتصادي والاجتماعي تعد في طليعة الدراسات الاقتصادية لجديتها وتفردها بمعلومات ونتائج قيمة اذ تعد تلك الدراسات رائدة –بحق- فبدايات الاستاذ الدكتور العلي كانت في اواخر الاربعينات من القرن الماضي مع دراسة "التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة في القرن الاول الهجري .. في حين كانت بدايات الاستاذ الدكتور الدوري مع" تاريخ العراق العراق الاقتصادي في القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي " .ومن الطبيعي ان تنمو الدراسات الاقتصادية في الوطن العربي بعد منجزي العلي والدوري وتتسع وتتزايد فلدينا اليوم كم هائل من الدراسات الاقتصادية العربية التي وجدت في دراستي الدوري والعلي حافزا للعناية بدراسة التاريخ الاقتصادي للمجتمعات العربية سواء على صعيد التاريخ الاسلامي او التريخ الحديث .
ان مما تهتم به الدراسات التاريخية الاقتصادية الاسلامية والحديثة تقديم اطار عام يشتمل على حقول الاقتصاد والمفردات الاقتصادية من عوامل انتاج وتضخم وانكماش ونقود وضرائب وتنظيمات مالية ومؤسسات اقتصادية ومصرفية واحكام اراض وزراعة واصلاح زراعي وصناعة وتجارة وصناعة واصناف وتنظيمات حرفية فضلا عن دراسة ظروف الازدهار الاقتصادي او التدهور الاقتصادي والازمات المالية والنشاط الاقتصادي الخاص ووضع القوى الاقتصادية من طبقات وسطى ومن عمال او فلاحين او كسبة او رأسماليين وطنيين اسميهم انا بالاقتصاديين الوطنيين الذي ناضاوا الاستعمار ليس بالادوات السياسية بل بالفعاليات والمشروعات الاقتصادية امثال طلعت حرب في مصر وعبد الحميد شومان في فلسطين والاردن ونوري فتاح ومصطفى الصابونجي وعبد الهادي الجلبي وال الخضيري في العراق واميل البستاني في لبنان وغيرهم .
ان الانسان عندما وجد على ظهر الارض وانشأ الحضارات القديمة ومنها حضارة وادي الرافدين وحضارة اليمن القديمة وحضارة وادي النيل فأنما عرف بذلك الزراعة والصناعة والتجارة وتنظيم المجتمع والدولة وعرف العلوم ودون اعماله على الطين والحجر والاجر فمن هو الباحث الجدير بمتابعة كل تلك الانجازات سواء التي قام بها اجدادنا او التي نقوم نحن بها اليوم أليس هو المؤرخ ؟ ومن يمتلك ادوات البحث ومناهجه للولوج في هكذا ميدان غير المؤرخ .وما هي غاية التاريخ ؟ اليست غايته الكشف عن ما فعله ويفعله الانسان وما الذي يفعله الانسان ؟ اليست النشاطات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ..لماذا نهتم بالنشاطات السياسية ولانهتم بالنشاطات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ؟ .
لقد مضى الزمن الذي نقف فيه عند نشاطات الحكام والخلفاء والسلاطين فالتاريخ هو تاريخ الانسان تاريخ العامل والتاجر والحرفي والصانع والفلاح والمثقف ..نعم انه تاريخ الانسان وتاريخ مؤسساته ونظمه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية .
واذا كان كارل ماركس قد عد القوة المنتجة اساسا للمجتمع وقاعدة سفلى له وما اقامه الانسان من نظم وابدع فيه من افكار قاعدة عليا فان التاريخ الاقتصادي يرى بأن الانسان هو المحور ..هو الاساس وللانسان حاجات نفسية وبيولوجية وهو بقدر ما يحتاج الى الطعام واللباس والمسكن والنظام الاجتماعي فأنه بحاجة الى الافكار والرؤى والفن ويقينا ان قوة الدولة الاقتصادية من قوة الافراد الاقتصادية والطرفين يستندان الى ما هو متوفر من موارد طبيعية وموارد بشرية للقيام بالاعمال التي تغير من واقع المجتمع .نعم التريخ لايمكن ان يكون وراءه عامل واحد بل عوامل متعددة لسبب بسيط هو ان الحياة معقدة ومتفاعلة والعامل الاقتصادي هو احد القوى المحركة للتاريخ ويظهر اثره في وقائع اكثر مما يظهر اثره في وقائع اخرى وكما هو معروف فأننا اذا اردنا ان ندرس على سبيل المثال الثورة الصناعية فأننا سوف نهتم \بالانتاج والاسواق والسلع والبضائع والدخل والضرائب والاستهلاك ورؤوس الاموال وانتقالها واستثمارها والبنوك ..التفسير الاقتصادي للتاريخ ودراسات التاريخ الاقتصادي تؤكد على المؤسسات المهنية والحرفية والمالية والمصرفية والتجارية والصناعية والتجارية وهو في كل الاحوال جزءا لايتجزأ من التاريخ العام .
وكما هو معروف فأن المؤرخ الاقتصادي ينبغي ان يتسلح بأسلحة خاصة في مقدمتها تأتي المعرفة بعلمي الاقتصاد والاحصاء ولااقول المعرفة الدقيقة وانما لابد ان يكون المؤرخ على معرفة ولو يسيرة بمكنونات هذين العلمين المهمين وهذا طبيعي في الدراسات التاريخية فالقاصي والداني يعرف ان المؤرخ لابد وان يستعين في دراساته وبحوثه في ما يسمى "العلوم المساعدة " أو "العلوم الموصلة " ومنها " الجغرافية "و " الاقتصاد " و"علم النفس " و" الاحصاء " و" الادب " و"اللغة " وغيرها وحسب نوع وصنف الدراسة التاريخية التي يقوم بها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق