المراكز الثقافية العراقية في الخارج
ذكريات الاستاذ سامي مهدي
لم يكن عمل المراكز الثقافية العراقية في الخارج قبل الإحتلال عملاً دعائياً للنظام الحاكم يومئذ ، كما يظن بعض من لا معرفة لهم بعملها وبطبيعة نشاطها ، بل كان عملاً ثقافياً خالصاً . وإذا كان في هذا العمل الثقافي ما هو دعاية ، حسب هؤلاء ، فهي دعاية للثقافة العراقية وموروثها ، وإذا كان في هذه الدعاية ما هو دعاية للنظام نفسه فهي ليست سوى ما تعكسه برامج هذه المراكز ونشاطاتها من ازدهار الثقافة أو تراجعها في تلك الحقبة .
لقد كان للعراق يومئذ سبعة مراكز ثقافية ، حسب علمي ، ثلاثة منها في أوربا (لندن ، باريس ، مدريد ) وأربعة في الوطن العربي (القاهرة ، بيروت ، تونس ،الدار البيضاء ) . وكان لكل مركز من هذه المراكز برامجه الثقافية الخاصة ، وكان غنى كل برنامج يتوقف على مدى أهلية مدير المركز ، وحدود أفقه الثقافي . وكان كل مديري هذه المراكز ومعاونيهم من المثقفين الشباب في واقع الأمر ، ولكنهم نجحوا في عملهم بدرجات متفاوتة ، وهذا من طبائع الأمور .
ذلك لأن تجربة المراكز الثقافية كانت جديدة كلياً على العراق ، فلم تكن له أية تجربة سابقة فيها ، ولم تتوفر لمديري هذه المراكز خبرة متراكمة يبنون عليها في إدارتها ، ولم يكن للمديرية العامة التي كانت ترتبط بها هذه المراكز ، وهي مديرية الإعلام العامة في وزارة الثقافة والإعلام ، لم تكن لها خطط أو توجيهات بشأنها ، وهذا يعني أن برامج كل مركز ونوعيتها كانت تتوقف على مدى مبادرات مديره واجتهاداته وصلاته بالبيئة الثقافية في ميدان عمله .
ولست هنا في معرض تقويم أداء هذه المراكز ، ولذا سأكتفي بذكر نماذج مما قدمه المركز الثقافي العراقي في باريس من نشاطات بوصفي مديراً له من نيسان 1977 حتى تموز 1980 :
- معرض الحلي العراقية الأثرية ، وقد رافقت هذا المعرض حراسة أمنية عراقية مشددة جيء بها من بغداد مع الحلي واستمر وجودها طوال أيام العرض ، وعادت إلى بغداد معها .
- معرض الفن العراقي ، وقد صاحبه الفنان فائق حسن .
- معرض للسيراميك العراقي .
- معرض للأزياء العراقية التي كانت تنتجها دار الأزياء .
- معرض لزخارف المخطوطات العربية ورسومها ، ومنها على سبيل المثال رسوم الواسطي .
- أمسية موسيقية للفنان منير بشير .
- أمسية موسيقية للفنان سلمان شكر .
- أمسيتان موسيقيتان في مدينتي ( باريس ) و ( آرل ) للفنانة مائدة نزهت والجالغي البغدادي .
- أمسية عن الشاعر بدر شاكر السياب وقراءات من شعره بالفرنسية بترجمة المستعرب أندريه ميكيل .
- أمسية شعرية فرنسية .
- أماس سينمائية لعرض الأفلام العراقية الطويلة .
- أماس ثقافية عامة .
هذا بعض ما أتذكره من فقرات برامج المركز الثقافي العراقي أيام كنت مديراً له .
وقد كان أغلب هذه الفعاليات يجتلب جمهوراً غفيراً ( من الفرنسيين ومن العرب المقيمين في فرنسا ) أكثر بكثير جداً مما تجلبه ندواتنا وأماسينا الثقافية والأدبية هنا في بغداد ، ليس في أيام الإفتتاح فقط بل كذلك في سائر الأيام . ولا يعرف القيمة النوعية لهذه النشاطات ومدى الجهد المبذول فيها إلا من كان قريباً من المركز ومطلعاً عليها . وكانت للمركز هيئة استشارية من بعض المثقفين العرب المقيمين في باريس ، وهم كل من : الشاعر المصري أحمد عبد المعطي حجازي ، والكاتب المصري أمير اسكندر ، والناقد السينمائي اللبناني وليد شميط ، والفنان العراقي وضاح فارس . وكنا نعلن عن كل فعالية بملصقات كبيرة ( بوسترات ) ملونة ومتقنة الطبع في أماكن مختارة من المدينة وفي عقد محطات المترو وأحياناً في بعض الصحف . وكان بعض فعالياتنا ينقل إلى مراكز أخرى من مراكزنا . وقد عمل في مركزنا كل من الشاعر والفنان محمد سعيد الصكار والفنان صبيح كلش . وكانت كل هذه الفعاليات مستقلة عن أي نشاط سياسي أو دبلوماسي ، وكان المركز نفسه مستقلاً عن السفارة ونشاطاتها . وأذكر للتاريخ أن وزارة الثقافة والإعلام لم تبخل علينا قط في التمويل .
غير أن هذه المراكز تراجعت كثيراً وخبا بريقها بعد اندلاع الحرب بين العراق وإيران ، ولا أعرف اليوم ما شكلها وما برامجها ، وأي منها اختفى وأي منها بقي .
ذكريات الاستاذ سامي مهدي
لم يكن عمل المراكز الثقافية العراقية في الخارج قبل الإحتلال عملاً دعائياً للنظام الحاكم يومئذ ، كما يظن بعض من لا معرفة لهم بعملها وبطبيعة نشاطها ، بل كان عملاً ثقافياً خالصاً . وإذا كان في هذا العمل الثقافي ما هو دعاية ، حسب هؤلاء ، فهي دعاية للثقافة العراقية وموروثها ، وإذا كان في هذه الدعاية ما هو دعاية للنظام نفسه فهي ليست سوى ما تعكسه برامج هذه المراكز ونشاطاتها من ازدهار الثقافة أو تراجعها في تلك الحقبة .
لقد كان للعراق يومئذ سبعة مراكز ثقافية ، حسب علمي ، ثلاثة منها في أوربا (لندن ، باريس ، مدريد ) وأربعة في الوطن العربي (القاهرة ، بيروت ، تونس ،الدار البيضاء ) . وكان لكل مركز من هذه المراكز برامجه الثقافية الخاصة ، وكان غنى كل برنامج يتوقف على مدى أهلية مدير المركز ، وحدود أفقه الثقافي . وكان كل مديري هذه المراكز ومعاونيهم من المثقفين الشباب في واقع الأمر ، ولكنهم نجحوا في عملهم بدرجات متفاوتة ، وهذا من طبائع الأمور .
ذلك لأن تجربة المراكز الثقافية كانت جديدة كلياً على العراق ، فلم تكن له أية تجربة سابقة فيها ، ولم تتوفر لمديري هذه المراكز خبرة متراكمة يبنون عليها في إدارتها ، ولم يكن للمديرية العامة التي كانت ترتبط بها هذه المراكز ، وهي مديرية الإعلام العامة في وزارة الثقافة والإعلام ، لم تكن لها خطط أو توجيهات بشأنها ، وهذا يعني أن برامج كل مركز ونوعيتها كانت تتوقف على مدى مبادرات مديره واجتهاداته وصلاته بالبيئة الثقافية في ميدان عمله .
ولست هنا في معرض تقويم أداء هذه المراكز ، ولذا سأكتفي بذكر نماذج مما قدمه المركز الثقافي العراقي في باريس من نشاطات بوصفي مديراً له من نيسان 1977 حتى تموز 1980 :
- معرض الحلي العراقية الأثرية ، وقد رافقت هذا المعرض حراسة أمنية عراقية مشددة جيء بها من بغداد مع الحلي واستمر وجودها طوال أيام العرض ، وعادت إلى بغداد معها .
- معرض الفن العراقي ، وقد صاحبه الفنان فائق حسن .
- معرض للسيراميك العراقي .
- معرض للأزياء العراقية التي كانت تنتجها دار الأزياء .
- معرض لزخارف المخطوطات العربية ورسومها ، ومنها على سبيل المثال رسوم الواسطي .
- أمسية موسيقية للفنان منير بشير .
- أمسية موسيقية للفنان سلمان شكر .
- أمسيتان موسيقيتان في مدينتي ( باريس ) و ( آرل ) للفنانة مائدة نزهت والجالغي البغدادي .
- أمسية عن الشاعر بدر شاكر السياب وقراءات من شعره بالفرنسية بترجمة المستعرب أندريه ميكيل .
- أمسية شعرية فرنسية .
- أماس سينمائية لعرض الأفلام العراقية الطويلة .
- أماس ثقافية عامة .
هذا بعض ما أتذكره من فقرات برامج المركز الثقافي العراقي أيام كنت مديراً له .
وقد كان أغلب هذه الفعاليات يجتلب جمهوراً غفيراً ( من الفرنسيين ومن العرب المقيمين في فرنسا ) أكثر بكثير جداً مما تجلبه ندواتنا وأماسينا الثقافية والأدبية هنا في بغداد ، ليس في أيام الإفتتاح فقط بل كذلك في سائر الأيام . ولا يعرف القيمة النوعية لهذه النشاطات ومدى الجهد المبذول فيها إلا من كان قريباً من المركز ومطلعاً عليها . وكانت للمركز هيئة استشارية من بعض المثقفين العرب المقيمين في باريس ، وهم كل من : الشاعر المصري أحمد عبد المعطي حجازي ، والكاتب المصري أمير اسكندر ، والناقد السينمائي اللبناني وليد شميط ، والفنان العراقي وضاح فارس . وكنا نعلن عن كل فعالية بملصقات كبيرة ( بوسترات ) ملونة ومتقنة الطبع في أماكن مختارة من المدينة وفي عقد محطات المترو وأحياناً في بعض الصحف . وكان بعض فعالياتنا ينقل إلى مراكز أخرى من مراكزنا . وقد عمل في مركزنا كل من الشاعر والفنان محمد سعيد الصكار والفنان صبيح كلش . وكانت كل هذه الفعاليات مستقلة عن أي نشاط سياسي أو دبلوماسي ، وكان المركز نفسه مستقلاً عن السفارة ونشاطاتها . وأذكر للتاريخ أن وزارة الثقافة والإعلام لم تبخل علينا قط في التمويل .
غير أن هذه المراكز تراجعت كثيراً وخبا بريقها بعد اندلاع الحرب بين العراق وإيران ، ولا أعرف اليوم ما شكلها وما برامجها ، وأي منها اختفى وأي منها بقي .