الجمعة، 1 فبراير 2013

عبد الرحمن صالح ومذكرات العمر

عبد الرحمن صالح ومذكرات العمر *
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث-جامعة الموصل
عبد الرحمن محمد صالح ، مرب موصلي ، وعسكري مغوار ، وانسان فاضل ولا اعتقد ان احدا في الموصل لايذكره بالخير والعرفان . تتلمذت على يديه أجيال كثيرة من الطلبة .. وترك في معظمهم آثارا لاتمحى وعندما نستعيد اوراق وصفحات الماضي القديم ، وخاصة تلك المتعلقة بالتربية والتعليم ، فان إسم عبد الرحمن صالح يظهر بارزا من بين مئات من المدرسين والمربين الذين نعرفهم والذين لانعرفهم . كتبنا عنه اكثر من مرة ، وفي هذا الحيز نود تعريف القاريء الكريم بما تركه المرحوم عبد الرحمن صالح من مذكرات هي محفوظة لدى نجله ( الدكتور سهيل) على اغلب الظن ونتمنى لو يقدم على نشرها اسوة بما فعل اولاد سليمان فيضي بمذكرات ابيهم .
ولد عبد الرحمن صالح في الموصل في آب 1895 وتوفي في 13 كانون الثاني 1992 عن عمر يناهز ال (97) وقد درس في الموصل ودخل المدرسة العسكرية وتخرج ضابطاُ في الجيش العثماني وبعد انتهاء الحرب العالمية الاولى عاد الى الموصل ليتجه نحو التدريس . التقى به الاستاذ زهير جلميران في آذار 1973 وأجرى معه مقابلة شخصية نشرتها مجلة النبراس ( العدد 4 ، السنة 2 ، 1973) ومما قاله لجلميران: (( بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى عدت ورفقائي في الجيش العثماني فاتجه معظمهم الى الخدمة العسكرية في جيش الليفي التابع للقوة الانكليزية وكنت مع قليلين قد رجحنا خدمة الوطن بحرية في مجال التربية والتعليم ، وبهذا الدافع سلكت في حياتي الجديدة ( القلم والكتاب عوضا عن السلاح )) . واضاف بانه التحق بالخدمة في 19 آب سنة 1919 معلما في المدرسة الخضرية وكان مديرها يومذاك الاستاذ داؤد سليم ، وكانت مدرس ابتدائية ذات ستة صفوف .. وكانت تشغل بناية الاعدادية الشرقية اليوم )) .
وعن مكانة المعلم في ذلك الوقت قال : ((كانت مهنة التدريس هي الملجأ المحترم للمثقفين .. كان المعلم في المرتبة الممتازة في المجتمع)) . دعونا نعود الى مذكرات عبد الرحمن صالح الموسومة ( كتاب العمر) ، والتي اطلعني عليها رحمه الله في احدى زياراتي له يوم 14 حزيران 1973 وتقع في عدة اجزاء تتناول احداث العراق والمنطقة
كلها منذ اواخر القرن التاسع عشر حتى اواسط الستينات من القرن الماضي . لنقتطف منها شيئا يسيرا . يقول على الـصفحــة (76) : (( كانت فئات المجتمع الموصلي تتكون من علماء دين ، اتقياء ،عظماء ، اشراف ، ظرفاء ، اثرياء ، طبقة وسطى ، معدومون من عمال وعاطلين . ففيما يتعلق بالفئة الاولى يقول ان فيهم قلة بارزون منهم عبد الله النعمة ومحمد حبيب العبيدي واحمد افندي الجوادي . وعن (الاتقياء) يقول : (( فيهم اسر تقية تخرجت في مدارس الوعظ والقراءة وتعطرت ريح التصوف والزوايا .. ومن تلك الاسر الاسرة النقشبندية في الموصل . وعن العظماء يقول : (( هم بقايا العزة والقوة والسلطان طبقة ثبت اصلها واستغلظ ساقها فتعالت في سماء الحكم في القرنين الماضيين يوم انشغلت عاصمة الدولة بضعفها امام الزحف الاوربي ، فأرخت لهم العنان ، وأولتهم كرسي الولاية ، فجمعوا بين السيف والصولجان فكان منهم من رفع الابراج وصان الحمى من عادة البغاة ، انشأوا المساجد الكبيرة والحقوا بها المدارس وامنوا بقاءها بما اوقفوا من اسواق وحمامات وملكوا من طيب العمران والمزارع في المدينة والارياف وشمخت مجالسهم ومساكنهم تتحدث عن معاني القوة في الاقطاع والبذخ والثراء ..) ويذكر ان منهم الجليليون . ويأتي دور ( الاشراف) فيقول ((مجموعتان من الاسر ( السادة و العمرية) ومنها النسب فوق مستوى الطبقات ، فالاولى تتصل بالبيت النبوي …والثانية العمرية تسكن في حي جنوب المدينة محترمة لها في تاريخ الموصل اسماء من قائد وعابد وعالم واديب وليس لهم نقيب )) والظرفاء طبقة تتالف من عوائل الموظفين ، مدينيين وعسكريين تتميز بالقيافة الحديثة والثقافة وشيء من النظام في الحياة والهندام ..)) وهكذا يستمر في الحديث عن بقية الفئات .. المجال هنا لايتسع للمزيد ..لكن لابد من القول ان مذكرات المرحوم الاستاذ عبد الرحمن صالح ، مذكرات مهمة ومفيدة لكل من يريد ان يعرف تاريخ الموصل وما جاورها خلال تلك الحقبة الخطيرة من الزمن .
* * نشرت في جريدة فتى العراق العدد85 في8 ايلول 2005 أيلول2005.وكذلك في كتابي :"شخصيات موصلية " مكتبة الجيل العربي ،الموصل 2007

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عبد الستار ناصر وطقوس الكتابة

  عبد الستار ناصر وطقوس الكتابة -ابراهيم العلاف ولا اكتمكم سرا ، في أنني احب القاص والروائي العراقي الراحل عبدالستار ناصر 1947-2013 ، واقرأ ...