اللواء الركن مزهر الشاوي المصلح الوطني المتنور الكبير يعود إلى البصرة
مقال بقلم : الاستاذ كاظم فنجان الحمامي
جريدة المستقبل العراقي 6/6/2012
عاد المصلح الوطني الكبير مزهر إسماعيل الشاوي إلى مدينة البصرة مساء يوم
الثاني من حزيران من عام 2012, وكان بانتظاره حشد كبير من العاملين في الموانئ
العراقية, استقبلوه هناك في حفل مهيب أقيم له بمناسبة إزاحة الستار عن نصبه
التذكاري بجوار السفن الراسية على أرصفة ميناء المعقل, كان محافظ البصرة الدكتور
خلف عبد الصمد على رأس المستقبلين, ووقف معه المدير العام للموانئ العراقية, ومدير
شرطة البصرة, ومدراء موانئ أم قصر, والمعقل, وخور الزبير, وأبو فلوس, ومدراء
الأقسام والشعب البحرية. .
عاد مزهر لكي يعيد عقارب الساعة إلى زمن الازدهار والتألق, ويجدد مسيرة
الإبداع والتميز التي أرتقت بالموانئ العراقية حتى بلغت بها في ستينيات القرن
الماضي أعلى المراتب, فتفوقت على الموانئ الأوربية والأمريكية واليابانية. .
كانت الموانئ العراقية في زمنه رمزا دوليا من رموز التعامل الحضاري المرن
مع خطوط الشحن البحري, وكانت المعقل في زمنه عبارة عن مزهرية كبيرة مزدانة
بالمتنزهات الوارفة الظلال, والأحياء السكانية الحديثة التي تتخللها الحدائق
والأماكن الترفيهية العامة, لم يكن (مزهر) منتميا إلى فئة سياسية, ولم يكن متحيزا
لحزب ما, ولم يكن طائفيا أو متعصبا لقومية ما, أو لطبقة من طبقات المجتمع, بل كان
عراقيا نزيها متعففا صادقا مخلصا لوطنه, قريبا من فقراء البصرة, متعاطفا مع
الفلاحين الذين نزحوا من ميسان بعد تحررهم من قيود الإقطاع الزراعي, فجاءت
التوسعات الهائلة التي شهدتها الموانئ وقتذاك متوافقة تماما مع حجم العمالة
الوافدة إليها من خارج المحافظة, وكانت مبادرة (مزهر) ببناء مدينة الأُبِلَّة
الأولى, ومدينة الأُبِلَّة الثانية, ومدن حطين, والكندي, وحي طارق, والمسفن,
والفاو, والنجيبية, ودور أم قصر, والحي المركزي, والتوسع الهائل الذي شهدته
المدينة في بناء المساجد, والمدارس, والمكتبات, والمسابح, والقاعات الرياضية, ودور
السينما, وتأسيس الفرق الموسيقية, كانت كلها بمثابة الحلم الذي نقل الفقراء
الفارين من الجحيم إلى الجنة, ونقلهم من البؤس إلى الترف, ومن الضيق إلى الفرج. .
لقد وفرَّ لهم (مزهر) أجمل مستلزمات الأمن والاستقرار والعيش الرغيد, ووفر
لأبنائهم فرص الدراسة في أرقى المعاهد والكليات البريطانية, كانت معايير التنافس
بين الطلاب في زمنه قائمة على العدل والإنصاف, وكانت الفرص متاحة للجميع من دون أي
تميز بين ابن الغني وأبن الفقير, ومن دون الخوض في الفوارق الطائفية أو العرقية أو
الطبقية, فالكل سواسية في النهج الذي اعتمده (مزهر) نحو تطبيق الأسس الصحيحة في
إدارة الموانئ العراقية, حتى بلغت في ذلك الزمن أرقى المراتب العالمية, ولسنا
مغالين إذا قلنا إن مدينة المعقل كانت تضاهي ضواحي فيينا من حيث الهدوء والجمال
والنظافة والتنظيم, كان عمال الأرصفة يتدفقون نحو بوابات الموانئ في ساعات الذروة
بدراجات هوائية حديثة مصنوعة خصيصا لهم في معامل (فيليبس), يرتدون بدلاء العمل
وواقيات السلامة, ينتعلون أفضل ما أنتجته معامل (بـــاتـــــا) اللندنية من
الأحذية الجلدية الطبيعية, يعتمرون أرقى القبعات الرمادية الأمريكية. .
كان (مزهر) مثالا رائعا من أمثلة العفة والنزاهة, كرس اهتماماته كلها لخدمة
أبناء الشعب العراقي, وتفانى في تقديم أسمى درجات العطاء على كافة الأصعدة, إلى
المستوى الذي فكر فيه ببناء منتجع ترفيهي لموظفي الموانئ في مصايف أربيل على نفقة
مصلحة الموانئ العراقية, فكتب إلى وزير النقل (حسن الطالباني), للحصول على موافقته
في المباشرة بالتنفيذ, كان الوزير نفسه من الناقمين على انجازات مزهر, فجاء جوابه
بالرفض, فكتب (مزهر) في تعليقه على رفض الوزارة العبارة التالية: (الحكومة حكيمة),
كان (مزهر) أديبا شاعرا, يميل إلى صياغة هوامشه الإدارية بطريقة لا تخلو من الطرفة
والمداعبة, كتب ذات يوم على مذكرة غياب مدير إدارة الدائرة القانونية (فرج فرنسيس)
التعليق التالي: ((لا حرج على فرج, يعفى فرج), فصار هامشه هذا مثلا شعبيا يردده
الناس حتى يومنا هذا (لا حرج على فرج). .
كان رحمه الله رائدا اجتماعيا من الطراز الأول, وكانت له لمساته التشجيعية
التي لا تنسى, أذكر انه كان يقيم مسابقة سنوية للأم المثالية التي أنجبت العدد
الأكبر من الأبناء, ونجحت في رعايتهم وتربيتهم, كانت الجائزة السنوية عبارة عن
سوار من الذهب المطعم بالجواهر, وكانت السيدة (أم جمال) زوجة الأستاذ عزيز هرمز
أول من استحق السوار الذهبي لأنها أنجبت عشرة من الأبناء, نذكر منهم نجلها الأكبر
جمال, وسهيل (مدرس وبطل بالسباحة), وأولادها وليد (موظف بالصحة), وعصام (مدرس)
وغسان, وسعد (موظف) وسناء. .
حضر أبناء المعقل مساء هذا اليوم 2/6/2012 ليحيوا حفل إزاحة الستار عن
تمثال هذا الرجل الذي مازالت أعماله الجليلة تتحدث عنه في كل زاوية من زوايا
المدينة, كنت أنا عريف الحفل, وكانت تردني اتصالات هاتفية من البحرين والسعودية,
منهم الكابتن فهمي حمود السعدون من الذي رافقوا الحدث عبر اتصالاته الهاتفية
المباشرة, حضرت وكالات الأنباء كلها, وسجلتها عدسات الفضائيات العراقية, وانتهزت
الموانئ العراقية هذه المناسبة لتكرم نخبة من الرواد الذين عاصروا مزهر الشاوي,
كان في مقدمتهم رئيس ربابنة المرفأ الكابتن (صلاح إبراهيم شكوري), وربان الموانئ
النفطية الكابتن (طارق محمد حمزة), والمرشد البحري الأقدم (أياد مصطفى ولي),
والربان (هاشم غني محمد حسن), والمرشد البحري (عبد السلام عبد الرسول الصالحي),
وكابتن نادي الميناء والمنتخب الوطني في ستينيات القرن الماضي, اللاعب الدولي
الكبير (كريم علاوي), شارك في هذه المناسبة نخبة من الشعراء والفنانين, من بينهم
الفنان الكوميدي الشامل (هاشم سلمان), الذي جاء من بغداد, وأصر على تقبيل أيادي
الرعيل الأول من الربابنة والمرشدين البحريين الذي أسهموا في بناء مجد الموانئ
العراقية في عصر الازدهار الذي صنعه (مزهر). .
ختاما لابد لنا من تقديم أسمى عبارات الشكر والتقدير لرئيس المهندسين
المبدع السيد (علي خريبط) على مبادرته الرائعة, التي عبرت عن وفاء أبناء البصرة
لمزهر الشاوي, ولتغطيته تكاليف هذا النصب التذكاري الجميل, الذي سيعيد إلى البصرة
صورتها المينائية المشرقة على ضفاف شط العرب. .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق