يستعد
لنشر مذكراته
ويدعو
الى "خطاب عراقي موجه للعرب وللجوار وللعالم "
الدكتور إبراهيم خليل
العلاف ل" للعالم" : أبناء كلكامش قادرون على تخطي الصعاب وعلى
السياسيين أن يكونوا رجال دولة ويضعوا العراق فـي حدقات عيونهم
القاهرة : محسن حسن
http://www.alaalem.com/index.php?aa=news&id22=48732
هو أحد الوجوه
الأصيلة في الفكر العراقي الحديث والمعاصر على يديه تربى جيل كامل من العراقيين
الشباب في مجال الدراسات التاريخية على المستوى الأكاديمي المتخصص والتربوي العام،
فقد أشرف على ما يزيد على خمس وثلاثين أطروحة ما بين رسالة ماجستير ودكتوراه من
خلال موقعه السابق كرئيس لقسم التاريخ بكلية التربية - جامعة الموصل، بالإضافة إلى
موقعه حاليا كمدير لمركز الدراسات
الإقليمية بذات الجامعة . ومن يدقق النظر في حياة المؤرخ العراقي الكبير الأستاذ
الدكتور " إبراهيم خليل العلاف " فسوف يجد حياة مليئة بالجهد المخلص
والعطاء المتواصل منذ الخطوات الأولى في عالم التحصيل والدرس وهو ما تؤكده "
موسوعة أعلام الموصل في القرن العشرين للأستاذ الدكتور عمر محمد الطالب "
والتي ذكرت أن المؤرخ الكبير بدأ دراسته في مدرسة " أبي تمام "
الابتدائية ومنها إلى المتوسطة المركزية ثم الإعدادية الشرقية، ليلتحق بعد ذلك
بكلية التربية في بغداد عام 1964 ليتم تعيينه بعد التخرج عام 1969 مدرساً للتاريخ
في متوسطة فتح في الشورة ثم مديراً لها بعد ذلك إلى أن تنطلق دراساته العليا في
كلية الآداب بجامعة بغداد فيحصل على درجة الماجستير عن رسالته المعنونة بـ "
ولاية الموصل : دراسة في تطوراتها السياسية 1908ـ 1922 " وذلك عام 1975، ثم
يستمر كفاحه العلمي ليحصل على درجة الدكتوراه بعد ذلك بخمس سنوات أى في عام 1980
عن رسالة حملت عنوان " تطور التعليم الوطني في العراق 1914ـ1932 "،
وباستمراره في العطاء والإنجاز يتم تعيين الدكتور العلاف مدرساً بكلية الآداب
جامعة الموصل، ثم تعيينه سنة 1980 رئيساً لقسم التاريخ بكلية التربية بذات
الجامعة، ولتتعدد نشاطاته وتتوسع إسهاماته بعد ذلك فيشارك في تأسيس مركز الدراسات
التركية ( الإقليمية ) بجامعة الموصل عام 1985 ثم حصل بعدها على وسام المؤرخ
العربي من اتحاد المؤرخين العرب عام 1986 اعترافاً بجهوده الكبيرة في مجال التاريخ
العربي المعاصر، ثم ليتوج ذلك كله بدرجة الأستاذية عام 1991. وتأبى سيرة الدكتور
العلاف الذاتية إلا أن تسجل له العديد من الإنجازات التي لا يتسع المجال لذكرها،
والتي تخطت داخل العراق إلى خارجه، كما تخطت مجال الدراسات الجامعية إلى الدراسات
الصحفية وشغل العديد من المناصب في العديد من الصحف والمجلات .. " العالم
" حاورت المؤرخ العراقي الكبير في شئون العراق والشرق الأوسط وتوجهت إليه
بالعديد من التساؤلات التي أجاب عليها خلال السطور التالية .
* بداية .. إلى أين
يتجه العراق خلال المرحلة القادمة؟
ـ العراق يتجه نحو
الاستقرار وتعميق العمل الديمقراطي وليس ثمة مجال للعودة إلى النظام الفردي وماحدث
في التاسع من نيسان 2003 كان زلزالا ترك آثارا عظيمة على بنية المجتمع وأخلاقياته،
وليس من السهولة عودة الأمور إلى طبيعتها، بل يحتاج الأمر إلى سنين أخرى.
* من خلال رؤاك
التاريخية المتمرسة .. ما السر في محن العراق المتكررة عبر التاريخ ؟ وهل من سبب
متصور لهذه المحن؟
ـ السر أنه منذ أن
كان العراق عراقاً، وهو ساحة للصراع بين القوى الإقليمية والدولية بسبب موقعه
الاستراتيجي، وثرائه البشري والمادي، وعمقه الحضاري. وجاء النفط وأمن إسرائيل
ليضيفا عوامل أخرى من أجلها يستهدف العراق .لذا فعلى العراقيين أن يدركوا أهمية
بلدهم ويتفاعلوا مع ذلك وأن تكون استجابتهم للتحديات بنفس قوتها .
* إلى أي حد تغيرت
العقلية العراقية من وجهة نظر التاريخ ؟ وما الذي طرأ حديثاً على هذه العقلية؟
ـ العقلية العراقية
لم تتغير، فالله سبحانه وتعالى أودع في العراق أمرين مهمين هما: العلم والرحمة.
وللأسف لم تتوفر للعراق قيادة تستطيع أن تفهم هذه العقلية وتوظفها لخدمة البلد
ورفاهيته.العراقيون نشيطون وبناة حضارات ولابد من قيادة تحسن إدارة البلاد بما
يحفظ كرامة العراقيين وتطوير قدراتهم .
* في رأيك إلى أي
مدى يؤثر العامل الإقليمي في توتر الإنسان العراقي؟
ـ العامل الإقليمي
مهم، ولي دراسة تشير إلى أن العراق ساحة للصراع بين القوى الإقليمية : التركية،
والإيرانية، والعربية. ومن الطبيعي أن تكون لكل من هذه القوى مصالح وأجندات، وحتى
نفوذ ولكن على العراق أن يكون قويا بما فيه الكفاية فعندما يكون العراق قويا تضعف
قابلية الأخرين على التدخل والعكس بالعكس.
* من واقع دراساتك
الإقليمية.. ما نقاط الضعف العراقية التي بسببها يعاني المجتمع العراقي حالياً ؟
وما نقاط القوة بالنسبة لأعداء هذا المجتمع؟
ـ نقاط القوة هي أن
يكون العراق موحدا، متماسكا، قويا قادرا على أن يحفظ أمنه واستقراره ونقاط الضعف
عندما يكون هناك انقسامات بين السياسيين، وطغيان للنزعات العشائرية والمذهبية
والعرقية.ومتى تخلص العراق من هذه النزعات فلن يستطيع أحد أن يضعفه أو يتلاعب
بأمنه الداخلي وباستقراره.هكذا يقول التاريخ ويجب أن نحترم دروس التاريخ، ونتصرف
بموجبها وعلى السياسيين أن يكونوا رجال دولة ويضعوا العراق في حدقات عيونهم
ويتركوا مصالحهم الشخصية خلف ظهورهم .
* من وجهة نظرك السياسية
.. كيف يتمكن العراق حالياً من لملمة أوراق اللعبة السياسية في يده؟
ـ يستطيع العراق أن
يلملم أوراقه ويتعالى على جروحه عندما تستيقظ الروح الوطنية الحقيقية عند سياسييه،
..الخلاصة لايمكن لأي إنسان يشرب من ماء دجلة والفرات ويتنسم هواء العراق وليست
لديه أية علاقة بدولة أخرى ولايحمل جنسية أحد غير جنسية العراق إلا أن يكون مخلصا
للعراق عاملا على إنهاضه ورفاهية شعبه.
* هل أصبح الفكر
القومي العربي متداعياً نحو الانهيار قريباً، أم العكس؟
ـ الفكر القومي صامد
وليس من السهولة أن يتنازل أي إنسان عن قوميته ونحن نعيش عصر التكتلات القومية
والإنسان عندما يعتز بقوميته فإنه يعتز بقوميات الآخرين .هل من الممكن أن نقول بأن
الفرنسيين يتنازلون عن قوميتهم لصالح التوجه الأممي ؟ إنهم يعتزون بعناصر قوميتهم
وأقصد لغتهم -هويتهم وتاريخهم المشترك ومصالحهم وآمالهم ومستقبلهم . وهكذا العرب
وهكذا الإنكليز وهكذا الروس .. انظر إلى الروس في عصر بوتين كيف يحرصون على تراثهم
حتى القيصري منه ومن قبل بوتين كان لينين نفسه أبقى كل تراث القياصرة وقال إنه
تاريخنا وتراثنا فما بالنا نحن لانعتز بتاريخنا وتراثنا وبلغتنا وبقوميتنا ؟!.
* " تركيا ..
إيران .. أميركا " .. أي هذه الدول في رأيك تتعارض توجهاتها مع فكرة استقرار
العراق واستتبابه الأمني ؟
ـ لا إيران ولا
تركيا ولا أميركا ولا أية دولة تتعارض سياستها مع سياستنا إذا كانت لدينا نحن
استراتيجية وطنية تأخذ مصالح البلد وأمنه واستقراره بنظر الاعتبار وكما يقول الشاعر
الكبير نزار قباني رحمه الله : "مادخل اليهود من حدودنا بل نفذوا من
عيوبنا" ..فعلينا أن نضع سياسة خارجية تعكس فلسفة الدولة في العراق
واستراتيجيتها بنظر الاعتبار. العراق بلد عربي مسلم يتفاعل مع محيطه العربي
والإقليمي والدولي .. الدول العربية وإيران وتركيا دول مجاورة للعراق ونحن نقر
بمصالحهم وبحقهم في حماية مصالحهم بشرط الحفاظ على مصالحنا وعدم التدخل في شؤوننا.
نعم هناك مشاكل لكن هذه المشاكل تعالج بالكلمة الطيبة، والموعظة الحسنة، وبالحوار
وبالمفاوضات فألف سنة من المفاوضات أفضل من يوم واحد من الحروب.
* كيف تقيّم الدور
العربي تجاه المحن العراقية والواقع العراقي حتى الآن؟
ـ الدور العربي
واضح، والعرب ينظرون إلى العراق على أنه بلد فاعل وليس من المعقول أن يتركوا
العراق ضعيفا منقسما وعلى العراق أن لا ينسلخ عن إخوانه ولابد أن يتفاعل معهم
ويتفهم مخاوفهم ويتعاون من أجل أن يكون الجميع أقوياء وأعتقد أن العرب بدأوا يعون
أن العراق لابد أن يستعيد عافيته وأكبر دليل على ذلك أن مؤتمر القمة العربي الأخير
انعقد في بغداد وعلى السياسيين العراقيين أن يدفعوا باتجاه أن يكون العراق فاعلا
في الساحة العربية وأن يترك بعضهم التصريحات التي لا تدفع بهذا الاتجاه الخلاصة أن
يكون هناك " خطاب عراقي موحد " موجه للعرب وللجوار وللعالم .
* ثورات الربيع
العربي تمخضت عن أنظمة تعتمد الإسلام السياسي في تونس ومصر وغيرها.. هل هناك تماس
من هذه الأنظمة مستقبلاً مع الواقع العراقي؟
ـ القوى الإسلامية
بدأت، في بعض الدول العربية التي شهدت ربيعا، تصل إلى السلطة وهي تؤكد بأنها ستعمل
من أجل إقامة الدولة المدنية الديموقراطية بمرجعية إسلامية وليس ثمة مخاوف من ذلك
خاصة إذا سلكت مسلك النظام التركي الحالي وهو أن تعمل من أجل العدالة والحرية وأن
يكون السياسيون نظيفين ..يحبون بلدهم ويعملون من أجل تقدمه ورفاهيته .ولاخوف من
ذلك والعراق يمكن أن يتعاون مع كل هذه الدول ..وبدون أية مشاكل .يجب أن نحترم
خيارات الآخرين بقدر احترامهم لخياراتنا.
* في رأيك هل من
آلية عراقية ممكنة للتغلب على ملف الطائفية ومؤثراتها السياسية على الواقع العراقي
؟
ـ النزعة الطائفية
ليست أصيلة في المجتمع العراقي، والعراق لم يشهد في تاريخه أبدا صراعا طائفيا وقد
جاءت إلينا بعد الاحتلال والآن في طريقها إلى الزوال وأعتقد أن من يلعب بنارها سوف
يحترق بأوارها .العدالة والمساواة واحترام الآخر والتماسك الاجتماعي وإشاعة الفكرة
الوطنية من قبل المثقفين ووسائل الإعلام والمربين والسياسيين كفيلة بالتغيير ..أنا
شخصيا أتلمس ذلك من خلال صلاتي مع الآلاف من العراقيين عبر المواجهة الشخصية ومن
خلال الفيسبوك والإنترنت. العراقيون يمقتون الطائفية، ويمقتون التعصب المذهبي،
ويمقتون التشدد .. إنهم قوم متحضرون هم أبناء كلكامش الذي رأى كل شيئ فكيف يكون
ابن سومر ضد ابن آكد وكيف يكون ابن آشور ضد ابن بابل؟ .
* بأية وسائل يمكن
أن يسهم مركز الدراسات الإقليمية بجامعة الموصل في النهوض بالمجتمع العراقي وحل
مشكلاته المزمنة؟
ـ مركز الدراسات
الإقليمية بجامعة الموصل تأسس قبل ربع قرن، وهو مركز بحوث يهتم بتقديم الدراسات
والبحوث ويصدر الكتب والنشرات ويعقد الندوات والمؤتمرات والحلقات النقاشية من أجل
أن يطور علاقات العراق بدول الجوار وهو يقدم كل ذلك إلى صناع القرار في العراق
وهناك ردود فعل طيبة ومتفاعلة كما أنه يقدم خدماته للباحثين وطلبة الدراسات العليا
وللمجتمع من خلال نشرياته وإصداراته وموقعه الإلكتروني وصفحته الفيسبوكية ونحن
مرتاحون لما نسمعه من إطراء على جهودنا سواء من الجهات الرسمية أو الشعبية.
*بعد هذه الرحلة
الطويلة من العطاء والكفاح، كيف ينظر الدكتور إبراهيم العلاف إلى الإنسان العراقي؟
ـ الإنسان العراقي
إنسان بكل ما تحمله كلمة إنسان من معنى ..إنه جاد،ومخلص، ودؤوب، وبان للحضارات،إنه
مؤمن ورحيم ولماح وذكي وقادر على التكيف مع كل منجزات الحضارة ..لقد ظلم العراقي
من حكامه الذين لم يفهموه بالشكل الصحيح وتصوروه خانعا خاضعا. إنه يحب الحرية
وعندما يصمت فليس معنى هذا أنه يقبل بالأمر الواقع إنه ينتظر اللحظة المناسبة
للثورة وثورته دائما عنيفة تتناسب مع حجم الظلم وحجم الاستبداد الذي عانى منه.
* وأنت من المؤرخين
العراقيين الكبار.. هل نجح المؤرخ العراقي في إحداث تأثير فاعل في مكونات الشخصية
العراقية المعاصرة ؟
ـ نعم نجح المؤرخ
العراقي في أن يكون دوره فاعلا في المجتمع، فكتابات المؤرخين العراقيين تحظى
بالمصداقية لرصانتها ودقتها والتزامها بالمنهجية التاريخية الصارمة وتلك هي
مواصفات المدرسة التاريخية المعاصرة ..العراقيون يحبون التاريخ ويتابعون المؤلفات
التاريخية والأيدي تتلاقفها وأملنا في أن يبقى المؤرخ العراقي على هذا المنوال وأن
يعمق فهمه للمجتمع وأن لا يأخذ الربح بنظر الاعتبار عند إصداره أي كتاب عليه أن
يعرف بأنه يؤدي رسالة .
* بما أنك الرئيس
لاتحاد كتاب الإنترنت العراقيين.. هل باتت هذه الاتحادات مؤثرة وإيجابية؟
ـ خلال سنة استطعنا
أن نستقطب في اتحاد كتاب الانترنت العراقيين 85 عضوا وشروطنا صعبة، وهي أن العضو
لابد وأن يمارس كتابة البحوث والمقالات على الانترنت فليس كل من يتعامل مع
الانترنت يمكن أن يكون عضوا في اتحاد كتاب الانترنت العراقيين ويجب أن تكون له
كتابات رقمية في مواقع معتبرة وإن شاء الله سأسعى في الدورة الثانية 2012-2016 أن
أطور الاتحاد مع إخواني وأن نعقد مؤتمرا للثقافة الرقمية في العراق وأن نعمل على
أن يكون هناك تشريعا يحمي حقوق كتاب الانترنت العراقيين ويساعد في تطوير عملهم
وأنا أشكر الاستاذ باسم محمد حبيب رئيس الاتحاد الأسبق على جهوده في نقل الاتحاد
من مجرد فكرة إلى واقع وقد كنت أعمل معه ومعنا كل الأخوة والأخوات أعضاء الاتحاد .
* ماذا عن مؤلفاتك
الحديثة في مجال تخصصك الفكري والتأريخي؟
ـ كما قلت أعمل على
إصدار الجزء الثالث من موسوعة المؤرخين العراقيين وقد تناولت عبر الأجزاء الثلاثة
سير وحياة ومجهودات قرابة 180 مؤرخا عراقيا معاصرا كما أصدرت كتاب :تاريخ العراق
الثقافي المعاصر" وأعده فتحا جديدا في الدراسات التاريخية فالاهتمام كان في السنوات
المائة الماضية منصبا على التاريخ السياسي، ثم بدأ الاهتمام بالتاريخ الاقتصادي،
فالتاريخ الاجتماعي والآن جاء دور الاهتمام بالتاريخ الثقافي . وأنا وضعت حجر
الأساس لهذا التوجه بإصداري كتاب "تاريخ العراق الثقافي" الذي يؤرخ
لحركة الرواية والشعر والأدب وللرموز الأدبية والثقافية وللجمعيات وللمجلات
وللحركات الثقافية عبر ال70 سنة الماضية .
* في الختام هل من
أمنيات لا تزال طي التطلع لم تتحقق بعد في سلسلة الإنجاز الشخصي لديك؟
ـ والله أنا أطمح
لأن أكمل الأجزاء الأخرى من "موسوعة المؤرخين العراقيين المعاصرين"، كما
أنني باشرت منذ العام الماضي في كتابة مذكراتي بعنوان : "جني العمر ..سيرة
وذكريات " وإن شاء الله أنا جاد في إكمالها ونشرها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق