عندما كنت طالبا في قسم التاريخ بكلية
التربية –جامعة بغداد قبل اكثر من 40 عاما
كان لي اصدقاء في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وفي كلية التجارة وفي كلية الادارة العامة ،وكثيرا
ما كنت اسمع منهم ومن غيرهم عن استاذ النظرية النقدية الدكتور فوزي عبد الله
القيسي وبعد سنوات علمت من صديقي وزميلي
الاستاذ الدكتور سامي عبد الحافظ القيسي المؤرخ المعروف انه ابن عم الدكتور فوزي القيسي . وللأسف لم اقرأ طيلة السنوات الماضية شيئا عن الرجل رحمه الله
بأستثناء مقالة مقتضبة كتبها الاستاذ الدكتور ماهر موسى العبيدي بعنوان :
" الدكتور فوزي القيسي الاقتصادي والإداري
المتميز " وقال فيها ان الدكتور فوزي القيسي :"كان عالماً اقتصادياً متخصصاً بالنظرية النقدية الكنزية,
أدار كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة بغداد ومصرف الرافدين, والبنك العربي
الفرنسي, ووزارة المالية العراقية بتفوق وتميز. وأضاف :
"شاهدت الدكتور فوزي القيسي عميدًا لكلية التجارة
والاقتصاد في جامعة بغداد عند التحاقي بها سنة 1958, وكان ذلك في نادي الكلية
عندما حصل نوع من التأزم والشد بين الطلبة في الأشهر الأولى من عمر الثورة, اذ بدأ
في وقتها الانشقاق والاختلاف بين الكتل السياسية , فجاء (رحمه الله) الى النادي
واعتلى إحدى المناضد, ليخطب بنا خطبة وطنية عصماء داعيًا لنا للتمسك بالوحدة وعدم
التفرقة لكي لا نكون عرضة لعملاء الاستعمار فيندسوا بين صفوفنا.ومرت السنون ,
وتخصصنا في قسم الاقتصاد ليدرسنا هذا العالم الكبير النظرية النقدية, وهي في مجملها
تمثل نظريات وأراء العالم الاقتصادي الانكليزي كينز منقذ الرأسمالية من أزمتها
الشهيرة في الثلاثينيات من القرن الماضي .فكان بارعاً في شرح تلك الأفكار وأهدافها
ومراميها وتأثيراتها الاقتصادية ودورها في القضاء على البطالة, ونمو الدخل القومي,
وما زالت تلك النظريات من ذلك العالم الكبير شاخصة في أذهاننا كرسوخ ذكراه وحبه في
قلوبنا" .
ولد الدكتور فوزي
القيسي سنة 1926 ، وقد قضى طفولته في محلة بني سعيد ببغداد وهي من المحلات العريقة
،واغلب الظن ان اصل اسرته من البصرة .حصل على الدكتوراه في السنة 1958 وتقلب في المناصب حتى تسلم إدارة مصرف الرافدين
وللمدة من 1968-1970 , فكان أداءه متميزاً جداً كعادته, ثم تسلًم محافظية البنك
المركزي ألعراقي فكان من أكفأ من تسلم كرسي المحافظية فيه, ثم كلّف بإدارة البنك
العربي - الفرنسي وكان ناجحاً في إدارته أيما نجاح, ثم بعد ذلك كله تسنّم منصب وزير
المالية . كان رحمه الله متمكنا من تخصصه ،واثقا
من نفسه ،صادقا متواضعا مخلصا للعراق وقد عٌرف بخفة دمه ،وبحضور النكتة لديه .وكان
دائم البشاشة ، انيقا في ملبسه ، أحبه تلامذته واصدقاءه ، لكنه دائم التدخين فأحرق
حنجرته بالسيكارة التي احبها حتى أصابته مقتلاً .
رصد الاستاذ الدكتور صباح نوري المرزوك في
معجم المؤلفين والكتاب العراقيين 1970-2000 مؤلفات الدكتور فوزي القيسي واشار الى
واحد منها فقط ، وهو كتاب "ميزانية الجمهورية العراقية لعام 1978 "والذي
طبعته جمعية الاقتصاديين العراقيين ببغداد في السنة ذاتها ويقع في 78 صفحة واغلب
الظن انه تفصيل لمحاضرة
القاها في الجمعية المذكورة ضمن نشاطها الثقافي
. من كتبه المنشورة :" النظرية النقدية" وقد طبع اكثر من مرة اولها في مطابع دار التضامن ببغداد سنة 1964.
كتب الدكتور جواد هاشم وزير التخطيط الاسبق
في مذكراته عن الدكتور فوزي القيسي فقال
ان رئيس الجمهورية الاسبق احمد حسن البكر 1968-1979 غضب مرة من الدكتور فوزي القيسي المدير العام لمصرف الرافدين، وطلب من الدكتور
جواد هاشم الذي كان وزيرا للمالية
بالوكالة بالإضافة إلى كونه وزيرا للتخطيط إحالته إلى التقاعد تمهيدا لاعتقاله،
فأسر الدكتور جواد هاشم إلى الدكتور فوزي القيسي بالسفر فورا إلى بيروت تحت غطاء زيارة
فرع المصرف هناك والبقاء في بيروت إلى حين تهدئة الأمور، وأمكن بالفعل بعد أيام من
تهدئة البكر العدول عن اعتقاله بل بالعكس عينه محافظا للبنك المركزي ووزيرا للمالية، وعده من الكفاءات
النادرة، من ارائه ان العراق يتمتع بأمكانات ضخمة ومجالات واسعة للاستثمار في المجالات الاقتصادية المختلفة كما انه يمتلك مستلزمات التنمية الاقتصادية وهو لايشكو مثلا من قلة السكان او المصادر الطبيعية او المياه او الارض الصالحة للزراعة ان كل ما يحتاجه العراق هو وضع الخطط الاقتصادية الطموحة والتشديد في التنفيذ والمتابعة الى حد السباق مع الزمن
وعندما توفي سنة 1979 شُيعت جنازته في مشهد مهيب لم يحظ به وزير من المدنيين انذاك " ...رحم الله الدكتور القيسي فقد خدم وطنه العراق .
وعندما توفي سنة 1979 شُيعت جنازته في مشهد مهيب لم يحظ به وزير من المدنيين انذاك " ...رحم الله الدكتور القيسي فقد خدم وطنه العراق .
*نشر المقال لاول مرة في موقع الحوار المتمدن http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?t=0&userID=2101&aid=314741
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق