بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين يسعدني أنا (الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف )أن ارحب بكم في مدونتي الثانية مدونة الدكتور ابراهيم خليل العلاف ..واود القول بانني سأخصص هذه المدونة لكتاباتي التاريخية والثقافية العراقية والعربية عملا بالقول المأثور : " من نشر علما كلله الله بأكاليل الغار ومن كتم علما ألجمه الله بلجام من نار " .
الجمعة، 29 أبريل 2011
مؤرخون في جامعة الموصل
مؤرخون في جامعة الموصل
صورة وثائقية لجمع من اساتذة التاريخ في قسمي التاريخ بكليتي الاداب والتربية -جامعة الموصل مطلع السبعينات من القرن الماضي وهم من اليمين الى اليسار
1.الدكتور مفيد محمد نوري رحمه الله
2.الاستاذ عبد الواحد الرمضاني
3.الاستاذ الدكتور عادل نجم عبو رحمه الله
4.الاستاذ الدكتور ناطق صالح مطلوب
5.الاستاذ الدكتور توفيق سلطان اليوزبكي رحمه الله
6.الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف
7.الاستاذ الدكتور عبد الواحد ذنون طه
الأربعاء، 27 أبريل 2011
احتجاب أقدم جريدة موصلية ..(فتى العراق) تغيب عن المشهد الصحفي
احتجاب أقدم جريدة موصلية ..(فتى العراق) تغيب عن المشهد الصحفي
بقلم : الأستاذ سعد الدين خضر
ها قد توقفت أعرق صحف الموصل... فقد صدر العدد رقم (318) من جريدة (فتى العراق) يوم الأحد 5 كانون الأول 2010 م حاملاً في صدر صفحتهِ الأولي مانشيتاً بارزاً يقول (جريدة " فتي العراق " تحتجب عن الصدور لأسباب مالية وفنية حتي إشعار آخر)!!؟.
و(فتى العراق) من الصحف الرائدة في الموصل، فقد صدر عددها الأول يوم 27 / 2 / 1934..، يومها كان المرحوم إبراهيم الجلبي مديراً لإدارتها قبل أن يشتري امتيازها من سعد الدين زيادة عام 1941 م ويصبح مالكها ومديرها.. يومها احتلت (فتى العراق) موقعها الصحفي والثقافي وباتت جريدة الموصل الأولي، ويعمل بها من أولاد إبراهيم الجلبي كل من المحامي محمود الجلبي الذي امتلك بعدئذٍ جريدة (اللواء) ثم أحمد سامي الجلبي الذي عرفتهُ الصحافة والثقافة والرياضة شاباً متحمساً دؤوباً منذ مطلع حياتهِ يوم اقتحم ميادين المطابع والصحف ونشط في تولي مسؤوليات التحرير في العديد من صحف الموصل الي جانب والدهِ إبراهيم الجلبي، مثل (فتي العراق) و(فتي العرب) و(اللواء) و(الرقيب) و(العمال) و(الهلال) و(الذكري) و(صدي الأحرار)... من هنا كان المرحوم احمد سامي الجلبي ذاكرة الصحافة الموصلية وفتاها، وقد أطلق عليهِ كاتب هذه السطور لقب (عميد الصحافة الموصلية) منذُ عام 2001 م وكان بحق عميدها وعمدتها. صدرت (فتي العراق) باسم (فتي العرب) منذُ عام 1963 م بسبب إلغاء امتيازها بالاسم القديم.
وعلي اثر صدور (قانون المطبوعات) العراقي رقم 206 لسنة 1968 م وتطبيق سياسة مركزية الإعلام...، عندئذٍ توقفت (فتي العرب) شأن الصحف الأخري في العراق، ويذكر الباحث الموصلي عبد الجبار محمد جرجيس انهُ يحتفظ بالعدد الأخير منها رقم 3159 في 6 كانون الثاني 1969 وبذلك يتأكد لنا تأريخ توقفها الفعلي عن الصدور، أي في مطلع كانون الثاني 1969 م.
وبعد احتلال العراق عام 2003 م عادت (فتي العراق) للصدور، فصدر عددها الأول من دورتها الجديدة بتاريخ 8 / 7 / 2003 م وتولي احمد سامي الجلبي رئاسة مجلس إدارتها، وكان رحمهُ الله صمام الأمان في مواصلة الإصدار، فقد تعرضت الجريدة الي مضايقات ومشاكل مع سلطة الاحتلال ومع قائد الفرقة الأمريكية في الموصل عام 2003 م وسوف نتعرض الي هذه المسألة في مقال آخر بإذن الله.
وقد عمل في أسرة تحرير (فتى العراق) مع سامي الجلبي كل من المرحوم الدكتور أديب الجلبي وصميم أحمد سامي الجلبي والمحامي حارث أديب الجلبي وإبراهيم اديب الجلبي في السنة الأولي من الإصدار الجديد، ثم أصبح صميم الجلبي مديراً للتحرير، وتولي المهندس يسار الدرزي سكرتارية التحرير، بينما أصبح الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف مستشاراً للتحرير، والحق يُقال أن الدكتور العلاف أعطي دفعاً قوياً لمسيرة الجريدة وعمل علي رفدها دائماً بكل جديد ومفيد من الموضوعات التي تستهوي القارئ والباحث، بل إنهُ كان أحياناً يستكتب الشخصيات الثقافية والأكاديمية للإسهام بتحرير (فتى العراق). وكنا نقرأ في (عمود البيانات) أسماء كل من السيد موفق السبعاوي والسيدة عزة نصر الله، كأعضاء في هيئة التحرير. وبعد وفاة المرحوم احمد سامي الجلبي عام 2009 م تولي رئاسة التحرير المرحوم المحامي محمود الجلبي ثم السيد نبيل الجلبي لفترة قصيرة قبل احتجابها. انت (فتى العراق) ومنذُ خمسينات القرن الماضي بؤرة استقطاب ثقافي، وخلية حيه من خلايا الثقافة في الموصل حتي أنها نشرت لبعض كبار أدباء العراق ناهيك عن أدباء الموصل الذين يدينون حتماً لهذه الجريدة بالفضل الأول في الأخذ بأيديهم إلي عالم النشر، وكان الراحل سامي الجلبي قد أقام علاقات وصداقات مع جميع أدباء الموصل وفنانيها ورياضييها لأنهُ حرصَ دائماً علي إثراء المشهد الثقافي وتنويع نشاطاتهِ ووضع (فتي العراق) في خدمة الإبداع الموصلي وتحولت الجريدة إلي (دار الفتى) وتحولت مكاتبها إلي (ندوة ثقافية) دائمة. وقد أصدرت (دار الفتى) العديد من الكتب والمطبوعات الثقافية في شتي فروع المعرفة، وكان سامي ألجلبي قد اختط شرعة جميلة في ذات السياق حيث اعتاد إقامة (ندوة ثقافية سنوية) في بيتهِ أو في بيت الدكتور إبراهيم خليل العلاف باسم (ندوة فتى العراق السنوية) وقد حرص علي اختيار الموضوعات الحية لتكون محاور الجلسات الفكرية والنقدية، منها مثلاً (مستقبل الصحافة الورقية في زمن الثقافة الالكترونية) وكذلك (إعادة كتابة التاريخ والتراث هل تخدمنا؟؟) و(قساوة المرحلة.. وانهزامية الأدباء الشباب!!) وأيضاً (واقع الصحافة الموصلية وآفاق تطورها) وأشار في افتتاحياتهِ دائماً إلي نقطتين أساسيتين هما:-
1. حاجة الموصل إلي مؤسسة صحفية مختلطة.
2. الدعوة إلي اعتبار (الموصل عاصمة للثقافة العربية) لسنة تحددها الجهات المختصة.
تلك بعض عناوين الندوات السنوية للجريدة، فضلاً عن موضوعات أخري تتصل بالراهن الثقافي العراقي عموماً والموصلي بخاصة. وكان حضور تلك الندوات يشمل العديد من القامات الثقافية والأكاديمية من المعروفين بتأريخهم وإسهاماتهم في ميادين الاختصاص أمثال الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف والأستاذ الدكتور عماد الدين خليل والأستاذ الدكتور هاشم الملاح والأستاذ الدكتور جزيل عبد الجبار الجومرد والدكتور وائل النحاس ومن مثقفي المدينة السادة موفق السبعاوي وعبد الجبار محمد جرجيس وعبد الوهاب النعيمي وسعد الدين خضر ويسار محمد الدرزي وصميم سامي الجلبي وغيرهم.. ومعذرة لمن نسيت!! وفي ختام هذه الموضوعة الموجزة أود أن أشير إلي أننا نشك في حقيقة كون الأسباب (المالية) و(الفنية) تقف وراء احتجاب الجريدة، إننا نري أن السبب الحقيقي هو (الفراغ) الذي تركهُ رحيل أحمد سامي ألجلبي.. ذلك الفراغ الذي لم يستطع من بقي في الجريدة من تجاوزهِ.. والله أعلم!!
* جريدة الزمان الدولية –العدد 3812 3-2-2011
الاثنين، 25 أبريل 2011
العلم ..والثقافة
أ.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث -جامعة الموصل
منذ سنوات ظهرت بعض الافكار التي ميزت بين العلم والثقافة، فهناك من يقول ان" الثقافة" ليست "علما "وانما هي اكبر من العلم .. وان من واجبات الثقافة توسيع مدارك الانسان، ومساعدته في ان يكون له موقف من الحياة والمجتمع..والفلسفة ،هي أس الثقافة .فالذي يقرأ الفلسفة ويتعامل معها يرى" الغابة" كلها في حين ان الذي لايقرأ الفلسفة لايرى الا "الشجرة" الواحدة .ومعنى هذا ان افقه يظل محدودا ونظرته الى الحياة تظل قاصرة .
المهم ان الجدل مايزال قائما ،حتى ان هناك من تحدث عن علوم انسانية وعلوم صرف.. واندفع البعض اكثر من ذلك ليقول ان العلوم الانسانية كالتاريخ والاقتصاد وعلم الاجتماع ليست من العلوم بالمعنى الدقيق .. مايهمنا التاكيد عليه ان المجتمع لايتقدم الا بالعلم والثقافة .. فالعلم مهم وضروري لبناء المجتمع والثقافة مهمة وضرورية للغرض ذاته فضلا عن ان الثقافة تهذب سلوك الانسان وتصقل تفكيره وتزوده بخبرات جديدة وتساعده على التصرف اللطيف غير الضار لغيره من بني البشر .
والطريف ان نشير هنا الى ان الكاتب الايرلندي الساخر برنادشو كان من اكثر الذين اهتموا بموضوع الفرق بين العلم والثقافة حتى انه اجاب عن سؤال يتعلق بمن هو المثقف قائلا: " المثقف هو الذي يعرف شيئا ما، عن كل شئ وكل شئ عن كل شئ ما" وهو في هذا ينطلق من مقته لاولئك الذين كانوا في زمانه يسرفون في التخصص الدقيق ودون ان تكون لهم وجهة نظر او رؤية متميزة لما يدور حولهم فهم يتجهون الى معرفة اكثر فاكثر عن اقل واقل، الى ان يعرفوا كل شي عن لاشئ.
ونحن نقول ان العصر الذي نعيش فيه اليوم هو عصر العلم والثقافة.. انه عصر المعلوماتية عصر الحاسوب والانترنت والفيسبوك والتويتر والستلايت والموبايل ....والعالم - بكل تلك الوسائل - صار كما يقولون قرية كونية صغيرة .. والانسان اليوم بات على معرفة دقيقة بكل مايجري حوله .. سواء في مدينته او وطنه او في العالم.. فخلال لحظات يصل الانسان من خلال اجهزة الاتصال الى مواقع الاحداث وهذا يتطلب منه ان يغير عقله لكي يستوعب كل هذه الامور وان لايبقى جامدا و ان لايفكر بعقلية جامدة .. الدنيا تغيرت وهو لوحده لايمتلك الحقيقة..وهناك امر اخر يجب ان يفهمه ويجب ان يتعامل معه..
والاسلام دفع الانسان للعلم وفوق كل ذي علم عليم، وللاسف فاننا مازلنا نرى البعض وهو عندما يتحدث او يكتب يصور نفسه وكأنه وحده يعرف الامور والحقائق في حين ان الحقائق نسبية وللعملة وجهان وماتراه انت صحيحا يراه غيرك غير صحيح ورحم الله الشافعي ورضي عنه عندما قال رأيك صواب الى ان يثبت خطاه، ورأيي خطأ الى ان يثبت صوابه.. وهذا فولتير يقول انني اخالفك بالرأي لكني مستعد ان اموت لاجعلك تعبر عن رأيك!!
الثقافة لم تعد ايها الاخوة والاخوات مجرد اصطلاح ومفهوم ولم تعد مجرد معرفة للمعلومات وانما هي سلوك وذوق فالانسان المثقف هو الانسان ذو السلوك القويم ..والعلم أداة ومنهج لفهم الحياة والكون واسرارهما..
وعلينا ان نتسلح ..بالعلم والثقافة اذا ما اردنا ان نكون وطنيين وان نبدا باسس قوية لاعادة بناء وطننا واسترداد سيادته واذا مااردنا ان نكون فاعلين منتجين .. اذ بدون (العلم) و(الثقافة) مجتمعين لايمكن لاي مجتمع ان ينهض ويعيد بناءه .. فلنكن متشبثين بالرؤية العلمية الموضوعية ،والافق الثقافي الواسع لنستحق الحياة ... والله سبحانه وتعالى جعل العلماء ومن هم في مرتبتهم من الذين يعلمون ويفقهون وينظرون ويدركون ويعقلون في مرتبة متقدمة .. ان اولئك هم حقا ورثة الانبياء اليس كذلك؟!.
التدوين عند العرب.. سياسة ورصد للواقع
التدوين عند العرب.. سياسة ورصد للواقع
الخميس ، 21 نيسان/ابريل 2011، آخر تحديث 00:15 (GMT+0400)
المدونون العرب يطمحون للتعبير عن أنفسهم من خلال مدوناتهم دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- ساهمت الأحداث الأخيرة في بعض البلدان العربية في إقبال الكثيرين على الكتابة والتعليق، حتى أصبح الكثير منهم مدونين يقدمون رأيا ومشاهد لما يجري من حولهم.
فالإعلام الاجتماعي، بدءا من التدوين إلى الفيسبوك وانتهاء بتويتر، كان له دوره الفاعل في تنظيم الكثير من المظاهرات بمصر واليمن وسوريا.
غير أن المدونات العربية لا تحفل فقط بالموضوعات السياسية، بل تناقش أيضا واقع الحال العربي اليومي في الشرق الأوسط.
وفي هذا التقرير، نرصد قائمة من 10عشرة مدونات عربية تعتمد اللغة الإنجليزية في الكتابة، ويتميز أصحابها بخلفيات ثقافية مختلفة، ويعالجون قضايا مهمة.
أرابيست
مدونة مصرية تناقش الأحوال اليومية للمصريين من منظور يتعدى السياسي في الغالب، والكاتب الرئيسي في هذه المدونة هو اسكندر العمراني، صحفي حر وكاتب في عدد من المنشورات العالمية.
Saudiwomen
صاحبة هذه المدونة هي إيمان النفجان، أم لثلاثة أطفال، أطلقت هذه المدونة كرد على جميع الآراء التي يطلقها خبراء من خارج السعودية حول بلدها. تقول النفجان: "أدركت أن الآوان قد حان لأمثل نفسي، وأقدم رأيي في الكثير من القضايا، منها ما يتعلق بالدين، وحقوق الإنسان، والحركات النسوية في السعودية، إضافة إلى الصراع العربي الإسرائيلي.
Mahmood's Den
صاحب هذه المدونة هو البحريني محمود ناصر اليوسف، الذي لطالما وصف بأنه الأب الروحي للتدوين في المنطقة. ومؤخرا اعتقلت السلطات البحرينية اليوسف، الذي يصف مدونته بأنها "محاولة رجل عربي في بناء الجسور الثقافية، وإحداث التغيير، والنجاح في فعل ذلك من وقت لآخر."
أفراح ناصر
مدونة يمنية لشابة لم يتجاوز عمرها الخمسة وعشرين عاما، تناولت مؤخرا المظاهرات الدائرة في اليمن. تقول أفراح: "أحب التدوين في الموضوعات السياسية منذ بدء الثورة، فهي طريقي نحو التعبير عن رأيي، غير أنها تسببت لي ببعض المشاكل."
Ranting of A Sand Monkey
صاحب هذه المدونة هو المصري محمود سالم، الذي أكد تعرضه لهجوم شرس قرب ميدان التحرير إبان الثورة الأخيرة. وقد حازت هذه المدونة مؤخرا على جائزة اختيار الجمهور التي يقدمها راديو دوتشيه فيلا الألماني.
السوسنة السوداء
صاحب هذه المدونة هو نسيم طراونة، وتناقش موضوعات تتعلق بالسياسة والأحوال الاجتماعية في الأردن. وقد حازت هذه المدونة على جائزة الهلال النحاسي لأفضل مدونة في الشرق الأوسط.
Live from Gaza
صاحبة هذه المدونة هي الفلسطينية لينا الشريف، طالبة الأدب الإنجليزي في الجامعة الإسلامية. وتقول الشريف، إن الهدف من إنشاء هذه المدونة هو تقديم الصورة الحقيقية لما يجري في القطاع، وكذلك في حياتها الشخصية.
Silly Bahraini Girl
صاحبة هذه المدونة هي البحرينية أميرة الحسيني، التي تؤكد على أن الفتاة البحرينية لا تزال محافظة على مكانتها ودورها في المجتمع.
248am
صاحب هذه المدونة هو اللبناني مارك مخول، الذي قام بإطلاقها في 2005، وتشاركه زوجته نتالي طويل من وقت لآخر بالكتابة فيها. وترصد هذه المدونة الحياة في الكويت، حيث يعيش مخول، وتغطي بعض المجالات، كالفن والتكنولوجيا وغيرها.
Maya's Amalgam
اشتهرت المدونة مايا زنكول عالميا بفضل موهبتها في رسم الكاريكاتير، التي تعرض الصفحة بشكل خاص لرسوماتها. وقد أطلقت زنكول هذه المدونة في عام 2009، كما قامت بنشر رسوماتها في كتابين.
ملكات العراق بين الأسطورة والتاريخ مقال للاستاذ صلاح سليم علي
صلاح سليم علي ـ كاتب وأستاذ جامعي سابق ـ كرستنساند
semiramis2005@yahoo.com
يعد علماء التأريخ الاجتماعي والاقتصادي الحضارات القديمة في وادي الرافدين مجتمعات تشكلت فيها اللبنات الأساس للاستغلال الطبقي ولنشوء السلطة الاستبدادية حيث تتمكن طبقة صغيرة من السيطرة على المجتمع بطريق العنف ثم بتشكيل سلطة يتعاون في تثبيتها الكهنة والملوك الذين يحتكرون وسائل الإنتاج ويحققون ثروات طائلة بطريق أعمال السخرة..وفي منظور ماركس إن أول أشكال السلطة قديماً تعد ائتلافات ثيوقراطية ارستقراطية تنصب نفسها ممثلة للآلهة على الأرض، فتفرض على الجماعات في بيئتها وخارج بيئتها الطاعة والسخرة بالقوة والدعاية، وإن سور الصين العظيم وإهرامات مصر وبرج بابل والمدن الآشورية ماكانت ستشاد لولا العنف وأعمال السخرة..مما جعل الدولة هي المالك الوحيد للأرض والمشاريع الكبرى التي تبنى عليها، وأطلق ماركس على هذا النمط من العلاقة بين السلطة والمجتمع بنمط الإنتاج الآسيوي وفي المرحلة الثانية لهذه العلاقة تتباعد المسافة بين الكهنة والملوك ويلجأ الملوك الى تبرير سلطتهم بطرق مختلفة منها زعمهم أنهم تحدروا من الآلهة وأن الحروب التي يشنونها هي كالمعابد التي يشيدونها ليست سوى تنفيذ لأوامر آلهة (نقلها) اليهم الكهنة او كما في حالة نابونيداس طرأت عليهم في أحلام أوحتها اليهم الآلهة..والمهم في رأي هذا النفر من العلماء أن الممتلكات لم تتضمن الأشياء وحدها، بل البشر الذين يقدمون وقوداً للحروب، ووسائلَ للأنتاج، ، وأن النساء يمثلن الحلقة الأضعف في المجتمعات القديمة حتى عندما يكن كاهنات أو اميرات، فهن، والرأي لهؤلاء المنظرين، يملن بسبب افتقارهن الى القوة، الى المكر والخداع مما ولد نمط شهرزاد التي تحافظ على رأسها بتوظيف عقلها على حد تعبيرهم.. وقد ولد هذا التنظير في شأن المرأة الشرقية نظرة تدوينية تبناها المستشرقون لدوافع آيديولوجية معممين مفردة (الحريم) على تأريخ المرأة الشرقية بأسره..وهم في نظرهم هذا إنما يحاكون علماء التأريخ الاجتماعي والاقتصادي في الذهاب بعيداً في تنظيرهم فيما يخص المرأة الشرقية...والحكم الأقرب الى الاعتدال هو أن النساء يشغلن الزاوية الأعتم في تأريخ الشرق ليس لعدم لعبهن لأي دور بل لتغييب ذكر تلك الأدوار من السجل التأريخي بحكم التقاليد ولهيمنة الرجل ملكاً ومشرعاً وقائداً عسكرياً على المجتمع في العالم القديم بأسره وليس في الشرق او الشرق الأدنى فقط ..إلا أن تلك المرحلة من تأريخ الشرق الأدنى صاحبتها عملية التشكل الحضاري وتطور الفنون والآداب والتشريع وبناء النظم الأجتماعية والاقتصادية والعقيدية وما اليها من مفاهيم أساسية عن الدولة وإدارتها واقتصادها فضلا ًعن الحرب والتجارة والري والزراعة والعلاقات بين الدول والأمم..وكانت المرأة تلعب في كل ذلك دوراً متميزاً..
ويواجه المؤرخ والبحاثة في الحياة الاجتماعية لتلك المرحلة من تأريخ الشرق الأدنى وتأريخ المرأة في العراق بوجه خاص صعوبات هائلة تنبثق من ندرة النصوص التي تؤرخ للحياة الإجتماعية مما يستوجب الاعتماد على الشواهد الآركيولوجية ومقارنتها بالنصوص المسمارية والروايات القديمة..ولابد في كل ذلك من اعتماد المؤرخ على مانطلق عليه بالدرس البلاغي (تعويض المحذوف) او الاستنتاج بطريق تأييد افتراض معين بالرجوع الى قرائن نعتمدها من خارج النص..او من مرحلة تأريخية سابقة او حتى لاحقة قد تصل الى مقارنة (لسانية) لمفردة في الأغلب بقريناتها في الوقت الحاضر، كوننا ورثة المنظومة القيمية والذوقية والحضارية لأسلافنا في هذه المنطقة الحبلى بالتأريخ من العالم..وفي كل الأحوال لابد من الرجوع الى الدراسات الحديثة التي تمثل حاصل تحصيل المجهود البحثي النصي والآثاري والمقارن المعاصر لتشكيل تصور مقارب للحياة الاجتماعية للمرأة في العهود القديمة ..ونحن بمحاولتنا المتواضعة تقديم هذه الصورة ننتهج التقليد هنا والابتكار هناك ريثما تجد افكارنا موطء قدم لها بين بصمات كتاب جلهم من الغرب، كلما هزت أصابع العازف الغربي وتراً ينهض روحنا الشرقية متحدية او ناقدة، ويبعث ايقاعاتها ويغازل عوالمها وأسرارها..ونحن مع كل ذلك، ندرك بأننا أشبه بمغامر يحاول زج ناطحة سحاب بعلبة كبريت..مع ذلك فحريى بنا ونحن أبناء نينوى وكالخو، كيش وبابل، أرابخا وأرباأيلو أن نلقي حجراً في ماء راكد.
تميط المدونات الآشورية الصروحية والأرشيفية التي تتناول منجزات الملوك الآشوريين في الألف الأول ق.م. اللثام عن مجتمع يهيمن عليه، في معظم مراحله، الرجال ويديرون الشؤون السياسية والعسكرية والدينية والاقتصادية فيه تاركين الإهتمام بالمنزل والأطفال، والمعابد أحياناً، للنساء اللاتي يشغلن الضمير الغائب في العراق القديم..وبالنتيجة أصبحت المدونات والمسلات والمنحوتات الآشورية، في معظمها، تؤرخ للملوك ومآثرهم العسكرية وتؤكد قوة الأمبراطورية وآيديولوجيتها موحدة بين سلطة الملك وغضب الآلهة وانتصار الآشوريين المحتوم في المعارك..فالدولة الآشورية عسكرية في تكوينها وترتكز على إدامة القوة الضاربة للجيش الآشوري وترسيخ القدرة السوقية (اللوجستية) وتوظيف الحديد في آلآت الهجوم والحصار ودك أسوار المدن المعادية وهدم تحصيناتها. فالحرب هي دين الدولة والقوة العسكرية عمادها..وهذا يفسر جعل آشور بديلا ًلمردوخ رباً للأرباب في الدولة الآشورية، وحتى عشتار نفسها تبناها الآشوريون رمزاً ليس للخصوبة والحب بل للحرب والقتال..فالجيش الآشوري في المصطلح العسكري الحديث جيش نار وحركة..أي جيش هجوم مستمر وليس جيش دفاع وهذا ينعكس بقوة في الفن الآشوري المعبر عن الآيديولوجية القتالية فالجداريات عبارة عن معارك حية والثيران المجنحة تغادر بوابات القصور ليلاً للتحرك على قوائمها الخمسة في المكان أما الإله آشور فيرفرف بعجلته فوق ميادين الوغى حاملا قوسه ونشابه يحمي ظهره نينورتا بحربته الرعدية ثلاثية الرؤوس..فبديهي والحال هذه أن لاتحتل النساء ولأقل المرأة في دولة الحرب هذه سوى هامش ضيق..مع ذلك فإن هذا الهامش لايخلو من أخبار بالطبيعة البطولية للآشوريات وأدوارهن المتميزة في تثبيت أركان الأمبراطورية والمساهمة في الجهد العسكري بطرق متنوعة ..ولاسيما مع إتساع الأمبراطورية الآشورية على عهد سنحايب وابنه وحفيده آسرحدون وآشوربانيبال على التوالي...وهي مرحلة تزايد خلالها تأثير الوجود الآرامي في شؤون الدولة سواءً من خلال التزوج بأميرات آراميات او من خلال توظيف الآراميين في مراكز عديدة في أسفل هرم الإدارة الأمبراطورية ووسطه، او من خلال إتساع الأمبراطورية غرباً وضمها لبابل..مما عزز تدريجياً مكانة مردوخ مجدداً على حساب آشور، وسين على حساب نركال، ونوسكو على حساب نينورتا..وأخيراً سين على حسابهم جميعاً.. وعلى الرغم من عدم معرفتنا بالدلالة الخارجية او النصية الصريحة بطبيعة التنافس على السلطة ضمن الأسر الآشورية المتتابعة منذ أواخرعصر شلمنصر الثالث وحتى عهد أدد نيراري الثالث فسرجون الثاني فابنه سنحاريب الذي اغتيل في طربيشو (شريخان- المصحفة من شريف خان في منطقة الرشيدية في الموصل)، إلاّ أن مشكلة تولية اسرحدون ثم الملكية المزدوجة، نقول على الرغم من اختفاء الأدلة النصية، يمكن الاستدلال بالقرائن على أن تنامي تأثير النساء غير المنظور في شؤون الأمبراطورية، كان واحداً من أعراض المنازعات في البلاط الآشوري وتراجع القوة الضاربة للجيش الآشوري على الرغم من إتساع رقعة الأمبراطورية، من جبال البرز وبحر قزوين شمالاً حتى الخليج العربي جنوبا ومن قبرص غربا حتى السفوح الغربية لزاكروس وبضمنها اجبتانا (همدان)، ولجوء الملوك المتأخرين مجدداً الى الزيجات الدبلوماسية والمعاهدات جنباً الى جنب مع الوسائل العسكرية - كمعاهدة عدم الاعتداء بين اسرحدون وملك عيلام، وتفكير اسرحدون بتزويج إحدى بناته لأحد ملوك كوركوم (مرعش) والمشكلات التي أعقبت تولي آشوربانيبال (668- 627 ق.م.) آخر الملوك الأشوريين الأقوياء الحكم بعيد وفاة أبيه في نينوى كالملكية المزدوجة في بابل ونينوى وتحالف شمش شموكين ملك بابل وشقيق آشوربانيبال مع تومان ملك عيلام وإرسال الأخير رسالة مهينة للملك الآشوري في نينوى تمخضت عن سحق عيلام وتعليق رأس ملكها تومان في عرائش العنب في حدائق تلقوينجق..ويبدو أن التأريخ يعيد نفسه فالمشكلات التي حاقت بالخلافة العباسية سبقتها قرائن مماثلة في أواخر العصر الآشوري الحديث فقد استخدم الملوك الآشوريين المتأخرين جنداً ميديين في بلاطهم تذكرنا باستقدام العباسيين للفرس ومن بعدهم الترك جنداً في دار الخلافة..فضلا ً عن توظيف الآراميين في الإدارة الآشورية ولاسيما في المناطق الشرقية والأناضول..وبينما لعب الآراميون دوراً بناءً، لاسيما النساء الآراميات اللاتي أصبحن ملكات في نينوى والنمرود، كون الآراميون ينتمون لأرومة حضارية وإثنية مماثلة للآشوريين، كان الميديون طابوراً خامسا في البلاط الآشوري..بدليل طبيعة التحالفات التي أدت الى تخريب نينوى وسقوط الأمبراطورية الآشورية..وسنبين لاحقا أن (ادة كوبي) أم نبونيداس ملك بابل كانت قد احتفظت بذاكرة قرن كامل من التحولات ومن رحيل الآلهة وعودتها وتغيرات السلطة تبعاً لذلك..في سياق دعائها الآلهة لمصالحة بابل ونينوى، وإرجاع السلطة لأبناء العراق مجدداً بعد أن انتزعت منهم.
تناولت دراسات عديدة دور المرأة في العراق القديم ، وأكثر هذه الدراسات أهمية أطروحة دكتوراه قدمتها شيري مكريكر في جامعة كاليفورنيا عام 2003 عنوانها (النساء في عالم العصر الآشوري الحديث)، وهي أطروحة تناولت سميراميس ونقية زكوتو فضلاً عن ملكات النمرود من خلال مكتشفات مقبرة القصر الشمالي الغربي في النمرود والمنحوتات الصروحية، واعتمدت منهجاً وصفياً وتركزت مصادرها على أدبيات واسعة حديثة في معظمها ، ثم أطروحة الدكتوراه التي قدمتها سارة شمبرلين ميلفل في جامعة ييل وعنوانها (دور نقية زكوتو في السياسة السرجونية)، ودراستها اللاحقة الرائدة المعنونة (النساء الملكيات في العصر الآشوري الحديث والهوية الذكرية: المكانة بصفتها أداة اجتماعية) نشرت في مجلة الجمعية الشرقية الأميركية، والترجمة الإنكليزية لمسلتي نابونيداس وامه أدة كوبي اللتان عثر عليهما في جامع أولو في حران، التي نشرتها مجلة الدراسات الأناضولية عام 1958 وذلك لتحليل النص من منظور اثني وحضاري للتعرف على دور أم نبونيداس بصفتها إحدى رائدات وحدة العراق وسيادة أبنائه على أرضه قديماً من منظورنا فقط ، ودراسة جورجيو بوتشلاتي المعنونة (القصر الملكي في اوركيش وإبنة نرام- سين) في مجلة الحوليات الآركيولوجية السورية العربية المنشورة عام 2001 وهي دراسة ميدانية تلقي ضوءًا جانبياً على تارآم أكادا ابنة حفيد سرجون الأول..ونعتمد فيها على إشارات في تحليلنا لعناصر فنية نفترض أن الملكة العراقية كانت هي من نقلها الى أوركيش (تل موزان) في شمالي سورية، وأحدثت تغييراً في الطابع الديني والسياسي والفني في العاصمة الحورية.. وهذا ما لم يقله أي من البحاثة سابقاً أضف الى ذلك محاضر المؤتمر المعنون (ضوء جديد على النمرود) الذي عقد في لندن عام 2002 ونشرعام 2008 بشكل كتاب تناولت المقابر الملكية في قصر آشورناصربال الثاني المكتشفة عامي 1989-1990..هذا فضلا ً عن المراجع الألكترونية التي لاتحصى..
وتبقى الصعوبة التي تواجه البحاثة كلهم قائمة هنا أيضاً..وهي نزرة المصادر التي تتناول المرأة في العصور القديمة وشحتها.. وتتمثل مبادرتنا في ربط الشواهد والدلالات النصية والصورية إحداها بالأخرى وتوظيف المعالجات المنطقية الممكنة كالاستقراء والاستدلال والمقارنة وصولاً الى تكوين صورة عن شخصية المرأة في العراق القديم ممثلاً لها بثلاث ملكات وملكة - كاهنة حاولنا جاهدين لملمة آثارهن ومآثرهن مستعينين على وفق الضرورة على النادر والخبيء في بطون الكتب وثنايا المصادر، وهذه الملكات وفقاً لتسلسلهن التأريخي هن تارآم أكادا وشمورامات (سميراميس) ونقية زكوتو وأخيراً أدة كوبي أم ملك بابل وكاهنة حران:
تارآم أكادا:
يقع تأثير تارآم أكادا ابنة نرام سين في سياق امتداد النفوذ الأكدي السياسي والحضاري في حوضي الخابور والفرات والأناضول..إذ نقرأ في أحد نصوص ايبلا الآتي (سرجون الملك ركع في توتول - تل البيعة- للإله داكان الذي وهبه الأراضي العليا ماري ويارموتي وايبلا وحتى غابة السدر وجبل الفضة)، ويقصد سرجون بجبل الفضة طوروس وغابة السدر في سفوح جبل أمانوس وليست نظيرتها في لبنان..وجاء تحرك سرجون الأكدي شمالا ً بحكم الضرورة لأن جنوب العراق يفتقر الى المعادن والأخشاب والخيول والحجارة..مما جعل السيطرة على حوض الخابور والأناضول مطلباً حيوياً ليس للأكديين ومن بعدهم الآشوريين فقط ، بل من قبل المصريين والسومريين أيضاً..غير أن هذه المنطقة تخللتها دويلات مدن عديدة تتأرجح بين القوة والضعف كأيبلا او مدينة الحجارة البيضاء (تل مرديخ) المنافسة لأكد وايمار وماري وأوركيش.. واعتمد الأكديون في توغلهم على الغزو والدبلوماسية .. فعمد نرام سين الى غزو الكنعانيين في أيبلا وحرق مدينتهم ومعابدهم وإنهاء وجودهم في شمالي سورية أما اوركيش الكنعانية (بالقرب من القامشلي) أصلاً فقد تجاوب ملكها مع ملوك أكد وقبل بسيادتهم مفضلاً التعاون معهم على حرب محسومة النتيجة لاسيما لأن اوركيش دويلة مدينة لم يتجاوز نفوذها السياسي مشارفها وأسوارها ولأنها محاطة بدويلات مدن يديرها الأكديون مباشرة كناجار (تل براك) وسخنا (تل ليلان) شوبات انليل عاصمة شمشي أدد الأول لاحقاً، ومدن أخرى ضمن شبكة تجارية واسعة تربط بين مدن القلب الرافدي بابل وكيش ولاكاش وأور ونيبور واكد وشوروباخ (اوروك) بماري وتوتول وأيمار وقطنا ومدن الساحل الفينيقي غرباً والأناضول شمالاً..وبدلاً من تعيين حاكم أكدي على اوركيش، عمد نرام سين الى تزويج إبنته تارآم اكادا للأندان حاكم اوركيش ربما كان الأندان توبكيش (الثاني؟) او تيش آكال..ويبدو من التنقيبات في اوركيش أن ترآم أكادا كان قد صاحبها عدد من الموظفين الأكديين مهمتهم الأشراف على المنتوج الزراعي وتأمين الطريق التجاري بين حران وكاركميش والمدن السورية والأناضولية الأخرى..ويتضح من مقارنة طبعات الأختام الأسطوانية الأكدية مع مثيلاتها في أوركيش وكانيش (كول تبة) تماثل في الطراز الفني وفي المضمون لاسيما في الأختام التي تمثل إله الصواعق تيشوب وهو نسخة من ادد الرافدي ورجال برؤوس ثيران أو ثيران برؤوس رجال ربما كانت الأساس في الترميز للإله آشوربالثور المجنح عند الآشوريين فيما بعد. ويرجح أن تفضيل نرام سين الإبقاء على استقلال اوركيش الصوري كان بسبب علاقات الملوك الحوريين فيها مع القبائل الجبلية في طوروس، وقيام الأخيرة بأعمال التنجيم وشحن الفضة والخيول والقصدير الضروري لعمل البرونز الى بلاد الرافدين..مع ذلك فإن تحولاً واضحاً في الرموز الدينية وفي الفن والإدارة حدث في اوركيش بسبب تأثير ملكتها الأكدية تارآم أكادا..حيث تصور لنا أكثر من ألف طبعة لأكثر من 100 ختم اسطواني منها 150 ختماً يحتوي على كتابات مسمارية متروكة على مداخل الأبواب والمخازن نماذج من الفن الأكدي كمشاهد القتال والأسود والثيران فضلا ً عن النجمة الأكدية الثمانية والخوذة ذات القرنين التي نطالعها في مسلة نرام سين، وفي ختم تارآم اكادا نطالع مشهداً مماثلاً لمشهد كلكامش وهو يقاتل أسداً غير أن ختم تارآم اكادا يمثل رجلاً بجسم ثور يقاتل أسداً من جانب ورجلاً عارياً يقاتل جاموساً من جانب آخر وبين الشكلين كتابات أكدية. ويماثل ختم اروين اتال ختم تارآم اكادا..كما عثرعلى ختم الحاكم الأكدي (ايشاربلي) يمثله جالساً وأمامه مهر يقفز وخلفه حارس يقود امرأة تحمل غزالا ً والى جانبها ثور مناخ (بضم الميم)..كما تم استظهار قسم مخصص للكتبة وعدد من الرُقم المدونة باللغة الأكدية تتناول مواضيع إدارية ونصوص تعليمية ...ويتبين من وجود ختم الملكة على الأبواب والمخازن أنها كانت تحت الإشراف المباشر لترآم أكادا او أنها اضطلعت بإدارة القصر..ويبدو من سيادة التصوير الميثولوجي الرافدي في الأختام أن تارآم أكادا قد غيرت او استقدمت هذا الفن الأكدي أصلاً في ايمار وانها انشأت مدرسة لتعليم الحساب فيها..وفي المصادر ان نرام سين كان يعتمد على بناته في إدارة المدن الرافدية والإشراف على المعبد الرئيسي في المدن المهمة فقد عين ابنته (أينمينانا) كاهنة على أور، و(توتا نبشوم) كاهنة على نيبور و(شومهانيتا-آسي) كاهنة على سيبار (تل ابوحبة شمالي بابل) وهي اكثر مدن الرافدين في الألف الثالث ق.م. أهمية..ولكن تارآم اكادا كانت ملكة لأوركيش يساعدها حاكم أكدي على الرغم من زواجها بأمير(اندان) حوري..كما أظهرت التنقيبات في اوركيش قصراً ملكياً يحاكي طراز عمارته القصور الأكدية في ناجار (تل براك) تحمل قطع اللبن التي شيد منها اسم نرام سين جنوبي أوركيش وأماكن أخرى..ويحفل المعبد الحوري في اوركيش الى جانب تيشوب وكوماربي بآلهة عراقية بابلية وأكدية كعشتار وأيا وشمس ونركال..ويعود تأسيس معبد نركال الى عهد تيش آتال المتزامن مع الملكة الأكدية مما يرجح أن بناء هذا المعبد جاء نزولا ً عند إرادة تارآم أكادا..كما يظهر من قراءة أحد زوايا تأسيس المعبد في قاعدة لتمثال اسد برونزي وضع لحراسة المعبد الصيغة عينها التي يدونها ملوك العراق في أركان وأسس قصورهم ومعابدهم إذ نقرأ على اللوح في قاعدة الأسد: (تيش آتال ملك أوركيش قد بنى معبدا للأله نركال..فليحافظ الإله نوباداك على هذا المعبد. وعسى نوباداك أن يدمر كل من يسعى في تخريبه، وعسى ألا يستجيب ربه لصلواته. وعسى سيدة ناجار، وإله الشمس شيميكا، وإله العواصف يلعن 10.000 لعنة أي شخص يسعى في خرابه)، ويقصد تيش آتال بسيدة ناجار الربة عشتار التي انتشرت عبادتها في الشرق الأدنى قبل انتقال الحوريين من أرض فلسطين (كنعان في أواخر الألف الرابع أو أوائل الألف الثالث) الى شمالي سورية..أما نابادوك، فلعله داكان (دجن) إله الخصب والصواعق الرعدية السامي الذي انتشرت عبادته في مدن الساحل الفينيقية وشمالي سورية لاسيما توتول (تل البيعة) وايبلا (تل مرديخ). وكان الإله دجن يشغل مكانة خاصة لدى سرجون الأول الذي قدم له الأضاحي في طريق حملته عبر الفرات في ترقا (تل العشارة)، سيرقو الآشورية وتوتول.. ويتجلى من قراءة دقيقة لمجمل الدلائل الآركيولوجية والنصية والمقارنة الدايكرونية والجغرافية لأوركيش وعصرها أن تارآم اكادا لعبت دوراً مهماً في عدد من المجالات شملت الفن والأقتصاد والإدارة والمعتقدات..فالرُقم الطينية التعليمية التي عثر عليها في قسم من القصر مخصص للكتبة الهدف منها تعليم الأكدية للطلاب، أما تختيم أبواب المخازن والغرف فيشير الى نشاط إداري واقتصادي ..ويتضح من وجود حاكم آشوري الى جانب الملكة أن مهمة الوجود الأكدي في اوركيش تشمل تنظيم التجارة مع بلاد الرافدين والأناضول كتجارة الخيول والأخشاب والمعادن والعربات وبعض المنتجات الزراعية..ولعل أبرز تأثير لوجود الملكة الأكدية نقل منظومة المعتقدات والفنون التشكيلية رفيعة الطراز الى شمالي سورية هذا فضلا ًعن أن أية مقارنة بين تمثال عشتار الطيني بأسد أوركيش ثم بالأختام الأسطوانية ستوضح بما لاغبار عليه أن تطور الفن في أوركيش يدين لتارآم اكادا الملكة الأكدية في شمالي سورية...
شمورامات (سميراميس):
يتداخل في شخصية سميراميس عدد من الروايات التأريخية والأساطير القديمة التي خلقت كياناً افتراضياً لاعلاقة له بسميراميس التأريخية. وينبثق معظم التصوير الأسطوري للملكة الآشورية من الروايات اليونانية لهيرودوتوس وامانيوس مارسيلينوس وديوديروس سيكيلوس الذين اعتمدوا في رواياتهم على جاستياس الطبيب اليوناني للملك الفارسي احشورش الأول. فسميراميس الأسطورة ولدت من حورية ماء في عسقلان على الساحل السوري وصياد وإن أمها هجرتها وانتحرت غرقاً عند ولادتها..وكبرت هي لتتزوج من قائد لنينوس الذي شيد على وفق المصادر اليونانية نينوى، وإن نينوس أعجب بها وهي تقاتل الى جانب زوجها في بختياريا (شمالي بلاد فارس) وإنه تزوجها بعد انتحار زوجها، وإنها أنجبت له نينياس ثم جرح نينوس في معركة في آسيا، فعمدت سميراميس الى إخفاء موته وواصلت غزوها لآسيا ثم ضمت مصر وآثيوبيا الى مملكتها..فالأسطورة تبدأ برواية أشبه بالف ليلة وليلة، لتنتقل الى رواية تذكرنا بزواج النبي داوود من ابيجال زوجة أحد قادته، ثم برواية أشبه برواية زنوبية ملكة تدمر المماثلة في بعض جوانبها لرواية شجرة الدر. والحقيقة التأريخية وراء النص أن الآشوريين قاموا بغزو بختياريا وتوغلوا في عمق زاكروس، وأنهم ضموا مصر على عهد اسرحدون الى امبراطوريتهم، كما أن سميراميس التاريخية حاربت الى جانب ابنها أدد نيراري الثالث في كموح (سمساط) وليس في بلاد فارس كما في الأسطورة..هذا فضلاً عن كون نينوس شخصية أسطورية لاوجود لها في التأريخ. وكما تعزا صروح قديمة الى الأسكندر المقدوني، يعزو هيرودوتوس الزقاق الصناعي الذي يمر به الفرات على ضفتي بابل اليها، وإن بوابة الجنائن المعلقة في بابل يطلق عليها بوابة سميراميس..ويطلق اسمها على حصن شلمنصر (قلعة الروم) في هالفتي (غربي بيريجيك) في تركيا، وعلى مدينة على بحيرة وإن هي (شميراماكيرد)، وكذلك على قناة حفرها مانوا ملك اورارتو وغيرها..وفي رواية إنها شيدت سور بابل وإنها أول من ابتكر حزام العفة وخصي الشباب واستخدامهم في البلاط والجيش..وحقيقة ذلك أن سميراميس التأريخية عاشت في عصر يستخدم فيه الخصيان في البلاط الآشوري وأن حفيدها تكلاثبليزر الثالث أعظم ملوك آشور اعتمد على الخصيان في إدارة المقاطعات الآشورية في أنحاء الأمبراطورية، وفي المصادر إن الحكيم احيقار والنبي دانيال كانا خصيين أيضاً..وترتبط سميراميس الأسطورية بالأسماك والحمائم، فقد عثر في معبد بمبيجا (ممبج او منبج السورية) الذي بنته ـ على وفق الروايات ـ سميراميس، على تمثال ذهبي يمثلها وعلى جبينها حمامة، أما ربط اسمها بحورية البحر فيأتي من تكريس تمثال لحورية البحر في مدخل معبد نبو في كالخو (النمرود) لأبنها أدد نيراري الثالث ..وتتعدد الروايات حول سميراميس الأسطورية إلا أن مايهمنا هنا هو سميراميس- شمورامات بمعنى (السماء العالية) التأريخية زوجة شمشي أدد الخامس ابن شلمنصر الثالث الذي بدأ حكمه بثورة أخيه ومعه 27 مدينة وبضمنها نينوى..وهي ثورة استمرت 6 سنوات وألحقت أضراراً كبيرة بالأمبراطورية..ولا يؤثر الكثير عن شمشي أدد الخامس سوى حروبه مع البابليين وقد ورد في مسلته المحفوظة في المتحف البريطاني أنه زوج شمورامات..ويبدو أنه تزوجها في أثناء حكم أبيه شلمنصر الثالث وأنها كانت الملكة الفعلية للأمبراطورية بعد وفاة زوجها لثلاث سنوات 811- 808، يساعدها القائد العام (الترتانو) شمشي - أيلو حاكم تل بارسيب والولايات الغربية.. ومرة أخرى نستعين بالقواعد التحويلية التوليدية في مجال التأريخ القديم للتوصل الى تصور واضح وتصوير دقيق قدر الممكن لدور الملكة العراقية المتميزة شمورامات..وهنا لابد من مقارنة ثوابت الدولة الآشورية بالمتغيرات ومن هذه الثوابت عدم ورود اسم ملكة في مسلة آشورية تؤرخ لمعركة وتكريس المسلات الملكية في الأمبراطورية الآشورية للرجال تحديداً دون النساء..وتلكما حقيقتان مشهودتان في تأريخ العراق القديم تعززهما بديهية كون المجتمع العراقي عموما وحتى الوقت الحاضر يميل الى هيمنة الذكر على الأنثى واحتكار الذكر للتأريخ ولتدوين التأريخ على الرغم من وجود إناث ربات بقوة الصاعقة وعنف القدر كعشتار وأنات ونينليل واينانا ونانا وغولا وغيرهن ووجود إناث ملكات موضوع مقالنا هذا.. غير أن هاته الإلهات وفدن من بابل وسومر..وهما حضارتان أكثر ميلاً الى الطبيعة والخصب والأنوثة أزاء الآلهة السامية الأكدية والآشورية المتخصصة بالحرب والعنف والقتال..أي سومر وبابل أزاء نينوى وكالخو..جنوب العراق أزاء شماله و الفن أزاء الحرب..ونعود من استطرادنا الى المتغيرين في حالة شمورامات فالملكة الآشورية يبدو أنها خرقت التقليدين الثابتين إذ نطالع اسمها الى جانب اسم ابنها أدد نيراري الثالث في مسلة عثر عليها في بازارجيك شرقي مرعش التركية..وهي مسلة وضعت أصلاً بأمر من الملكة الآشورية او ابنها أدد نيراري الثالث لتعليم الحدود بين كموح (سمساط) وكوركوم (مرعش). وكانت الملكة قد قادت بصحبة ابنها حملة لنجدة ملك كموح (شوبيلوليوما) حليف الآشوريين ودويلته التابعة للتاج الآشوري من تحالف يقوده (أتار شمخي) ملك ارباد وانضم اليه ملك كوركوم..فانتصر الآشوريون بقيادة الملكة وابنها، ولضمان أمن حليفتهم كموح عمداً الى وضع نصب صخرية لتعليم الحدود (تخومو) بين المملكتين ومن ضمنها المسلة التي ورد فيها: (صخرة حدود ادد نيراري ملك بلاد آشور وشمورامات سيدة القصر امرأة شمشي أدد ملك بلاد آشور وأم ادد نيراري ملك بلاد آشور وزوجة إبن شلمنصر الثالث ملك الجهات الأربع ملك بلاد آشور..عندما طلب شوبيلوليوما ملك الكوموخيين من أدد نيراري وشمورامات سيدة القصر عبور الفرات، خضت معركة طاحنة معهم)..نجد أن المتحدث بصيغة الشخص الأول غير محدد، مع ذلك فمن المؤكد أن سميراميس قد خاضت المعركة الى جانب ابنها ويرجح أنها هي من اقترح تعليم الحدود بين كوركوم وكموح لضمان عدم نشوب قتال بين المملكتين بعد عودتهما الى كالخو ونينوى..ويتمثل المنجز الآخر للملكة شمورامات في كالخو العاصمة العسكرية لملوك آشور فقد عثر على تمثال لنبو، ابن مردوخ وإله الكتبة وحارس الواح القدر، كرسه حاكم كالخو (بعل تراسي ايلوما) لملك بلاد آشور ادد نيراري ولشمورامات سيدة القصر ..ويتكرر التكريس نفسه في تمثال مماثل عثر عليه في آشور (قلعة الشرقاط)..يتضح من ورود اسم الملكة الى جانب اسم ابنها، وتلك ظاهرة فريدة إن لم تكن غريبة في التأريخ الآشوري، أنها لعبت دورا بالغ الأهمية على عهد ابنها ادد نيراري الثالث إذ يعزى بناء معبد نبو 798 ق.م. في كالخو اليها..ولعل الإهتمام بنبو البابلي على عهد أدد نيراري الثالث إذ يظهر بصفته ربا للحكمة والكتابة والفنون، كونه يرمز الى الحياة الثقافية لبابل وريثة سومر ومهاد المعتقدات الدينية على خلاف آشور، وريثة أكد، المولعة بالحرب يعود الى توجيهاتها..ولعل في ختام الكتابة المدونة على تمثال نبو (على كل من يأتي فيما بعد أن يضع ثقته بنبو وأن لايثق بأي إله آخر) مايشير الى تحول ايديولوجي في البلاط الآشوري انعكس على أربعة قرون من الاسترخاء النسبي في الإدارة الآشورية لم يبترها إلا مجيء تكلاثبليزرالثالث الذي أعاد الى الحرب عرباتها وانصالها وأولوياتها. وفي مطلع القرن الماضي عثر على صفين من المسلات بين السور الداخلي والسور الخارجي لمدينة آشور، تمثل المصفوفة الأولى موظفين آشوريين وتمثل المصفوفة الثانية ملوكاً آشوريين وثلاث ملكات إحداها لشمورامات (سميراميس) ويبلغ طول مسلة شمورامات الرخامية ثلاثة امتار بيضية الشكل في اعلاها ومدون عليها في المسمارية النص الآتي: (صرح شمورامات، امرأة قصر شمشي ادد، ملك الكون، ملك بلاد آشور، أم أدد نيراري، زوجة ابن شلمنصر ملك الجهات الأربع)، وعلى الرغم من عدم إلقاء مايكفي من الضوء في هذا النص على حياة سميراميس فإن مجرد وجود مسلتها الى جانب مسلات الملوك يؤكد أنها لعبت دوراً غير عادي في أثناء حياة ابنها ولربما زوجها أيضاً ويبدو أنها أسهمت في تثبيت السلطة الآشورية في سلالتها على الرغم من تنامي الدور السياسي لحاكم الغرب القوي قائد الجيش الآشوري شمشي - أيلو.
نقية - زكوتو:
نقية هو الاسم الآرامي لزكوتو الأسم الآشوري لها و يترجم اسم نقية بمعنى (النقاء)..ونقية اسم عربي أيضاً مايزال يستخدم بالمعنى نفسه صفة ايجابية تطلق على أشياء عديدة ..كما يحمل الاسم الآشوري (زكوتو) المعنى نفسه إذ مايزال موجوداً في التزكية وزكية وزاكي بمعنى طيب وطيبة والزكاة بمعنى صفوة الشيء ..ومهما يكن الاسم، فما يهمنا في موضوعنا منه إنه يؤكد أن نقية امرأة آرامية..تزوجها سنحاريب خلال ولايته للعهد وأنها لعبت دوراً يرقى الى دور سميراميس في توجيه الحوادث في الأمبراطورية الآشورية..وفي شمالي نينوى او بالأحرى في شماليها الغربي حيث معبد نركال والى جانبه قصر ولي العهد في طربيشو (شريخان) وحيث كانت نقية تقيم مع زوجها سنحاريب على عهد أبيه سرجون الثاني، وربما في أثناء ولاية عهد ابنها أسرحدون قبل اغتيال سنحاريب ايضا..لأن الأرجح أن القصر منقطع النظير في الزاوية الجنوبية الغربية لتلقوينجق والمجاور لمجرى دجلة قديماً حيث يمتد الشارع المؤدي لجامعة الموصل بعد جسر السويس حالياً، كانت تقيم فيه ضرتها زوجة سنحاريب الثانية (تاشميتوم شارات) بدليل نص سنحاريب: (ولزوجتي الملكة تاشميتوم شارات، زوجتي الحبيبة التي حبتها الآلهة بهيئة هي الأجمل بين النساء أفردت قصرا بنيته من الحب والبهجة والمسرة، وبإرادة آشور سيد الآلهة والملكة عشتار عسى أن نعيش حياة طويلة في هذا القصر وننعم بالسعادة الكاملة)..غير أن لرياح التأريخ إتجاهات لاترومها إرادات الملوك، فقد عزل سنحاريب ابنه الأكبر (اردا موليسي) من زوجته تاشميتوم شارات عن ولاية العرش، ليعين بدلاً منه ابنه الأصغر من نقية زكوتو اسرحدون، ويرسل الأخير الى المقاطعات الغربية لضمان سلامته. مما تسبب بغضب ولي العهد وثورته على أبيه واغتياله مع أخ (أخو- في الآشورية أيضاً) له من ابيهما سنحاريب في اثناء عبادته في معبد طربيشو..ويبدو أن نقية كانت قد صاحبت ابنها الى المقاطعات الغربية وربما تمكنت من تجنيد المساعدة له من أخواله الآراميين فعاد الى نينوى وتمكن من دحر التمرد وتسلم السلطة على الامبراطورية فهرب أردا موليسي الى اورارتا (أرمينيا) العدو التقليدي للأمبراطورية ألآشورية...وكان تسلم اسرحدون لمقاليد السلطة بداية تحول كبير في إتجاه ما نتعارف على تسميته في العصر الحديث بالدولة البوليسية..فقد دشن حكمه بإعدام المتآمرين وخصومه السياسيين، وأعدم المسؤولين عن الأمن في نينوى وكالخو واستبدلهم بجهاز أمني جديد..فقد بدأ اسرحدون حكمه بالشك وانعدام الثقة تماماً حتى بأفراد أسرته، بما يمكن أن نطلق عليه بهاجس المؤامرة فكان يستخدم العرافين والكهنة بالتنبوء وأخباره مسبقاً بكل من يخفي نوايا لإيذائه او الإطاحة به حتى من بين أعضاء أسرته نفسها..وشجعه في ذلك حالته الصحية المتدهورة فقد أصيب بمرض عجز العرافون والكهنة وطردة الأرواح الشريرة عن علاجه او تشخيصه..وفي كل ذلك لم تكن أمه نقية غائبة ففضلاً عنن دورها في تنصيبه ولياً للعرش بدلا ً من أخيه الأكبر على رأي عالم الآشوريات (سيمو بارابولا)، كانت تتلقى الرسائل من القادة والموظفين ويرجح أنها كانت ترد عليها وتوجه الأوامر للقادة بدلاً من ابنها..كما كانت تدير الممتلكات الخاصة و تخصص الأموال لبناء المعابد والقصور وتشرف عليها، وبديهي أنها ومنذ بداية حكم ابنها كانت تشارك في القرارات العسكرية فهي كما وصفها طارد الأرواح (مردوخ شكين شومي): (إنها بأقتدار آدابا وكلمتها نهائية، فما تباركه مبارك وماتلعنه لعين)..ولعل غزو مصر وضمها الى الامبراطورية، العمل الذي ينسب الى سميراميس، كان قام به اسرحدون بمشورة أمه نقية، ولأسباب نجهلها. كما نجهل سبب حظوتها الكبيرة لدى سنحاريب الذي خصص لها بعيد تسمية اسرحدون ولياً للعرش أرضاً معفوة من الضريبة هي ارض مدينة شبو (ربما شبانيبا- تل بلو الكائنة مقابل بعشيقة) مسمياً إياها في أمر التمليك (أم ولي العهد)، كما كان لها حصة من الإتاوات والذهب والثياب. وقد عثر على ختمين اسطوانيين في نينوى يمثلانها واقفة خلف الملك..كما عثر على منحوتة برونزية تمثلها واقفة وراء ابنها أسرحدون..كما توجد تماثيل لها في أماكن عامة في معبد نبو في كالخو وآخران في آشور وحران..وكان أحد اساليب تأكيد السلطة القيام بمشاريع بناء واسعة وتخليد اسم الملك والآلهة عليها بالكتابات النذورية والتأريخية، وهو امتياز يحتكره الملوك وحدهم، مما يجعل بناء نقية قصرا لأبنها (في أرض خالية من العاصمة السياسية نينوى وراء معبدي سين وشمش) عملا ً غير مسبوق في بلاد آشور بل وعلى غرار آشورناصربال الثاني، قامت بتقديم الأضاحي للآلهة وإقامة المآدب احتفالا بأكماله. ولكنها على الرغم من تكريسها القصر لابنها كانت هي من أقام فيه..
ولعل أهم منجزات نقية يكمن في ما نطلق عليه في الوقت الحاضر (صناعة الملوك) ليس بيولوجياً بل سياسياً : فقد تمكنت، على رأي العديد من البحاثة، من التأثير على سنحاريب بجعله يغير ولاية العرش من ابنه الأكبر الى ابنها اسرحدون، وعملت خلال سنوات حكم ابنها على استتباب الأمن في الأمبراطورية ..والأرجح أن السلام مع بابل وإعادة أعمارها ثم عقد إتفاقية سلم مع عيلام كان بتدبير منها..وربما كان غزو مصر وضمها الى الأمبراطورية هو الآخر بتخطيط منها أيضاً..وهنا نوظف علم الدلالة اللسانية مجدداً فنقية آرامية وقد شهدت العقود الأخيرة من حياة الأمبراطورية الاشورية تداخلاً حضارياً ولسانياً وسياسياً بين الآراميين والآشوريين..وكانت خطوتها المهمة الثانية أنها عملت مجدداً على التدخل في ولاية العهد قبيل وفاة ابنها أسرحدون لتفادي تكرارحدوث العاصفة التي هزت أركان الأمبراطورية وتسببت بمقتل سنحاريب..فوضعت وثيقتها الشهيرة باسمها الآشوري (وثيقة زكوتو) ونصت فيها على اقتسام الحكم بين حفيدها آشوربانيبال وأخيه (شمش- شمو- كين) فخصصت الامبراطورية بعاصمتها نينوى لآشوربانيبال وبابل لأخيه شمش شمو كين. ونلاحظ من نص المعاهدة أن المتعهد بصيانتها ليس الملك بل الملكة الأم (زكوتو لأن أم آشوربانيبال كانت قد ماتت منذ سنوات) وبنودها تنطبق على آشوربانيبال وحده بتسميته ملكاً بينما لاتخاطب شمش شمو كين بالاسم نفسه وتضعه ضمن الأطراف التي فرضت عليها المعاهدة..ويبدو أن المعاهدة صيغت بعيد وصول أنباء وفاة اسرحدون وأنها نفذت في ليلة تتويج آشوربانيبال بعد شهر من وفاة أبيه..ويبدو أن نقية - زكوتو قد لعبت الدور نفسه الذي لعبته سميراميس قبلها..ولابد أن أضيف أيضاً الى ماسبق أن تبدلاً تدريجياً في هرمية الآلهة كان يحدث في القرن الأخير من عمر الأمبراطورية يماثل تغليب آشور على مردوخ على عهد شلمنصر الأول وتكلاثبليزر الأول، وهذه المرة بالتأكيد على سين المقيم في حران ..وهذا ما سنتابعه مع أدة كوبي الأميرة الآشورية وأم نبونيداس.
أدة كوبي:
إن المتابع لحوادث هذه المرحلة من تأريخ العراق وإعادة تمثيلها وتدوينها من خلال النشاط البحثي والتأويلي، سيكتشف محاولات المؤرخين المعاصرين اليهود ولأسباب آيديولوجية التأكيد على دور إسرائيل وملوكها الأفتراضيين في توجيه الحوادث اوعزو الأنجازات في الشرق الأدنى القديم..ومن ذلك توشيج التأريخ الديني والأسطوري بالتاريخ الفعلي الموثق بالشواهد النصية والآركيولوجية، او بطرح تأويلات افتراضية ولسانية في أغلبها بهدف تصوير خارطة العالم القديم على نحو ينسجم مع نظرية القبائل اليهودية في الأناضول وشمالي العراق وسورية على أنهم أسرى هجرهم (بتشديد الجيم) الاشوريون الى تلك المناطق، بهدف التمويه الأثني، او بطريق استخدام عبارات الترجيح فيما يتعلق بالتوسع الآشوري في قلب الأناضول وزاكروس والساحل الفينيقي ووصف التحالفات ونتائج المجابهات العسكرية بين الآشوريين وخصومهم..وقد يلجأ هؤلاء المؤرخون الى مقارنة عمارة معبد كمعبد عين دارة ببناية في القدس تعزى الى انبياء اسرائيل بهدف توصيل نفوذ دولتهم شمالاً او شرقاً او الى افتراض أسماء آرامية بأنها أسماء عبرية كنقية مثلاً ، وهم في كل هذه المحاولات يعملون جاهدين لمد جذورهم في تراب تأريخنا..ومنهم من يعمد الى تمويه التأريخ الحضاري بزجه بالتأريخ السياسي فيضع فواصل بين الأكديين والآشوريين والبابليين والعرب باعتبارهم حضارات مختلفة وليسوا أمماً ودولاً تنتسب لحضارة واحدة، على ذلك نرى أن أدة كوبي تقدم نموذجاً فريداً للوحدة الحضارية في وادي الرافدين..وأدة كوبي أميرة آشورية زوجها امير بابلي مرموق تميز على عهد نبوخذنصر الثاني اسمه نبو بلاستو اقبي ( وربما تلفظ أخبي اوأكبي) كان والده نبوبلات اقبي حاكماً على حران وأمه (شوما دامقا) كاهنة رئيسة في الدولة الآشورية..عاصرت عدداً من الملوك الآشوريين والملوك الكلديين وآخرهم ابنها نبونيداس الذي تزوج ابنة نبوخذنصرالثاني من زوجته الميدية..مما يسر له تسنم العرش البابلي..ولابد لاستبار دور أدة كوبي من تتبع التحول في آيديولوجية الدولة الكلدية ومتابعة هذا التحول خلال العقود الأخيرة من عمر الأمبراطورية الآشورية..وقد تمثل هذا التغيير بالانتقال التدريجي من عبادة مردوخ ومركزية آشور الى عبادات أور وسومر القديمة التي تتمحور على آلهة القمر (سين) ونوسكو وربة الخصب والمرأة والقتال عشتار. وهو تحول صاحبه تدريجيا ً محاولة الكلديين التخلص من النفوذ الميدي، وإحياء التطلعات السيادية للآشوريين كم يتجلى ذلك في نبوخذنصر الثاني ونبونيداس..ويبدو أن النبلاء ورجال الدين الآشوريين والموظفين الآراميين استمروا في مراكزهم لاسيما في الأناضول والغرب على الرغم من المجازر التي أصابت عواصم القلب الآشوري..وفي رأينا أن أنشقاقاً سياسياً صاحب التوجهات الدينية لحكام بابل (الآشوريين) من جهة الأم على الأقل فبينما استمرت عبادة مردوخ، انصرف نبونيداس كلياً لعبادة القمر بل هجر بابل للإقامة في قلب الصحراء العربية..وأصبح الهلال رمز الإله سين والنجمة رمز الربة عشتار من أكثر الرموز الدينية أهمية لنيبونيداس.. ومانزال نشاهد في أعلام المشرق الأسلامي العربي هذين الرمزين القديمين منذ العصورالغابرة..والمهم بعد هذا الاستطراد، الذي لايخلو من صلة بموضوعنا، إن أدة كوبي فسرت سقوط نينوى وبعدها حران والخرائب التي حلت في وادي الرافدين بغضب الإله سين، ومغادرته الأرض الى مكان آخر..وهي بصفتها الكاهنة الرئيسة في حران، عملت على التضرع لسين وتقديم النذور والانقطاع الى العبادة لإرجاع بلاد الرافدين الى سابق عهدها..وكانت الكاهنة قد سجلت الحوادث التي عصفت ببلاد الرافدين منذ عهد آشوربانيبال وحتى وفاتها على عهد ابنها نبونيداس آخر الملوك الكلديين على أربع مسلات كتب أحدها ابنها بعد وفاتها ووضعت كل واحدة في ركن من أركان المعبد الأربعة. وتخبرنا أدة كوبي عن رحيل سين غاضباً بسبب تدمير نينوى فيما يخبرنا ابنها عن عودته مع عودة السومريين والأكديين من خلال أحفادهم الآشوريين من ذوي الشعر الأسود الى السلطة في بابل. وبحس نافذ بالتأريخ تخبرنا أدة كوبي عن أبرز الحوادث التي عاشتها فقد ولدت في السنة العشرين من حكم آشوربانيبال، اي عام 649 ق.م. وتؤكد أنها عاصرت ملوكا آشوريين وبابليين ..وقد وجد البحاثة تطابقاً بين التواريخ التي ذكرتها والحوادث التأريخية الفعلية ..إذ جاء في مسلتها : (وفي السنة السادسة عشرة لحكم نبوبلاصر، ملك بابل، عندما غضب سين سيد الألهة على مدينته ومعبده وغادرهما الى السماء فحل في المدينة الخراب وهلك اهلها)، وكان بنوبلاصر قد حكم بابل بين عامي 625 ق.م. و605 ق.م. وكان سقوط حران وتخريبها عام 609 ق.م. أي في السنة السادسة عشرة لحكمه..وحران هي آخر معاقل الآشوريين التي لجأ اليها آشوراوباليت الثاني بعد سقوط نينوى عام 612 ق.م. وبينما غادر الجميع المدينة بقيت أدة كوبي بالقرب من معبدها المهجور متضرعة الى الإله حتى عثرت على مئزر ارجواني موشى بالذهب منذور له بين الأنقاض فأمسكت بأطرافه، وكأن الإله متجسما فيه يصغي الى تضرعاتها راكعة تضخ الدمع على مالحق بلاد الرافدين من خراب: (أن انت قررت العودة الى مدينتك، فأن الناس من ذوي الشعور السوداء كلهم سيعبدوك) ..وتلكم صفة يستخدمها السومريون في نعت أنفسهم..غير أن أستخدام ادة كوبي لهذه العبارة بعد 1500 سنة من زوال الوجود السياسي للسومريين يعني أنها تتحدث عن أحفادهم من الأكديين والآشوريين، بمعنى عودة السلطة الشرعية الى أهلها ممثلا ًلها بأبنها نبونيداس الذي وحد بلاد مابين النهرين تحت إرادة سياسية واحدة عام 555 ق.م. ..حيث تمضي أدة كوبي في نصها:
(سين سيد الآلهة، نظر بعطف الى تضرعاتي فدعى ابني الوحيد نبونيداس.. فلذة رحمي الى الملوكية على سومر وأكد، وعلى الأراضي كلها من حدود مصر ومن البحر الأعلى الى البحر الأدنى، ووضع ثقته بإدارتها في يديه).. وبهذا يفسر انتصار نبونيداس على إنه انتصار للإله الآشوري سين على الإله البابلي مردوخ، مما اغضب الكهنة في بابل وحفزهم للثورة على نبونيداس ثم للتآمر مع قورش لأسقاط بابل هذه المرة..نستدل من هذه الحوادث بين حران وبابل والصراع بين الكهنة ونيبونيداس بسبب معتقداته الدينية الغريبة الى إن السياسة والدين ماهما سوى وجهين لعملة واحدة..فنبونيداس كان يتصرف على وفق ماتملي عليه رؤياه التي كان يتصورها رسائل من الآلهة ولعله للسبب نفسه غادر بابل الى الصحراء العربية وكأنه ابراهيم (عليهالسلام ) في بحثه عن إله واحد أحد هو غير سين ومردوخ..ولعل من غرائب الصدف أن يكون القمر معبود أدة كوبي ونيبونيداس، كوكبا للشعراء والحالمين ورمزاً للحضارة العربية وللزمن العربي..
وقد ماتت أدة كوبي عن عمر يناهز الـ 104 عام في السنة التاسعة لحكم ابنها..وقد وصف ابنها نبونيداس في مسلته في حران وفاتها في 546 ق.م.: ( حملها قدرها فدفن نبونيداس ابنها ووليد رحمها جثمانها موشاة بثياب ملكية من الكتان الأبيض الطاهر..وزينها بالحلي الرائعة من الذهب المطعم بالحجارة الكريمة..وبالزيوت العطرة كسى جسمها ووضعها في مقرها الأبدي في مكان سري..وذاع نعي أم الملك فقد قدم الناس من بابل وبورسيبا من الأصقاع البعيدة، وقدم الملوك والأمراء والحكام من تخوم مصر ومن البحر الأعلى وحتى البحر الأدنى ينوحون ويبكون الملكة، واستمر العويل والنواح ..سبعة أيام)..
نخلص من ذلك الى إن المرأة الرافدية قد لعبت دوراً في تأريخ العراق القديم.. وأنني في تناولي لثلاث ملكات وكاهنة مجتهداً هنا ومترجماً هناك ومغامراً هنا وهناك، أكون قد أخذت نموذجاً جاد علينا به التأريخ حتى لحظة كتابة هذه السطور..لأن ما تم استظهاره على حد تعبير الدكتور طارق مظلوم والحديث عن تلقوينجق (لايعدو أن يكون سوى وخزات أبرة في عملاق راقد)..مع ذلك فثمة نساء كثيرات عشن في البلاط الآشوري الحديث ولعبن أدواراً تتراوح بتأثيرها وقوتها ومن خلال أزواجهن او آبائهن او أشقائهن الملوك كما لمحت لنا المقبرة الملكية في النمرود..ومن أبرز تلك النساء (موليسوموكانيشات نينوا) زوجة آشورناصربال الثاني و(يابا) زوجة تكلاثبليزر الثالث، و(تاليا) زوجة سرجون الثاني، و(أيشارا حمات) زوجة اسرحدون، و(شادوتو) شقيقته، و(ليبالي شارات) زوجة آشوربانيبال..وغيرهن ممن وهبن العراق ميتات، كنوزا منقطعة النظير تعكس تطور الذائقة الفنية لأسلافنا وقوتهم وثروتهم منذ آلاف السنوات، ووهبنه حيّات، نموذجاً للمرأة العراقية في صورة عشتار وهي تقود عربة تجرها الأسود تنطلق في تحد صارخ للموت أماً وأختاً وابنة وزوجة وروحاً خالقة...
© جميع حقوق النشر محفوظة لدار الكتب والوثائق 2006
رقم الايداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 1014 لسنة 2008
العراق في صور ، لمُعدِّهِ ومُصممهِ نوري الراوي
العراق في صور ، لمُعدِّهِ ومُصممهِ نوري الراوي
أعداد : كوثر جاسم
مجلة الموروث-دار الكتب والوثائق
العراق.. أرض مابين النهرين، موئل الأوائل في التأريخ.. إنه الارض التي وجدت عليها أول حياة زراعية مستقرة، فيه اكتشفت العجلة واستعملت لاول مرة في حياة الانسان، وفيه قامت اول جامعة، وخرج أول فلكي ، وسنت أول الشرائع، وأنشئت اول موسوعة.
هذه الارض العجيبة التي ولد عليها الانسان، وولدت معه المخيلة المجنحة، والحرف الرامز،والصوت المسربل بالمعاني في ارفع ادب عرفه العالم القديم.
عن المعالم الحضارية التي يزدهر بها وادي الرافدين جمع نوري الراوي معلومات وصوراً في كتاب ضم العديد من الشخوص الحضارية التي لازالت حتى الآن اثارا عتيقة تجدر بالاهتمام والدراسة، حمل الكتاب عنوان (العراق في صور) وهو في 140 صفحة وبالحجم المتوسط ، وقد صدر بغداد 1966 . تحدث جزؤه الاول عن الملوية وهي اهم آثار سامراء الباقية – وهو في الواقع اكبر جامع في العالم- فيشاهد منه الان اسواره الضخمة المشيدة بالاجر بابراجها نصف الدائرية وهي تحيط بساحة مستطيلة طولها 240 مترا وعرضها 160 مترا. وفي ظلال هذه الاسوار العالية، يحط الوافدون رحالهم ليستمتعوا بالاصداء الحية تنبعث من الاثر الباقي عبر القرون.
ومدينة الحضر وبقايا معبد الشمس كان لها مكان في هذا الكتاب اذ قال عنها معد الكتاب انها تقع في منخفض من البادية الواسعة بين النهرين وهي الارض المعروفة بـ(الجزيرة) على بعد ثلاثة كيلومترات من الضفة الغربية لوادي الثرثار،اشتهرت هذه المدينة بحارتها وتجارتها وكذلك بمناعة اسوارها وشجاعة اهلها، بحيث انها صدت هجوم الامبراطور الروماني (تراجان) في عام 117م،ان مدينة الحضر تداني بالجلال والعظمة وجمال الفن العماري معبد جوبتر في بعلبك، ويصبح قبلة السائحين والزائرين وموضعا فريدا لاقامة المهرجانات الدولية والعربية في قابل الايام.
وأيضا نقرأ في الكتاب عن القصر العباسي في هذا الكتاب الذي انشئ على ضفة دجلة اليسرى، وتكمن قيمة هذا القصر في انه البناء العباسي الذي ظل محتفظا رغم عوادي الزمان ببعض تفاصيله الزخرفية ومقرنصاته وعقوده، كما تتجلى في كونه النموذج المتفرد الذي نقل الى زمننا هذا فن البناء الاسلامي ومابلغه من احكام عمارة وجمال زخرف، ودقة فن يبلغ حد الاعجاز.
ومن اروع المشاهد التاريخية وانفسها واجملها نقوشا في بغداد، والذي كان له نصيب في كتاب (العراق في صور) مرقد الكاظمين، والذي يضم تحت قبتيه الهائلتين المغشاتين بالذهب الخالص ضريحي الامامين الطاهرين موسى الكاظم وحفيده محمد الجواد، كان موضعه في العصر العباسي الاول مدفنا يطلق عليه اسم (مقابر قريش)، وغشيت قبتاه ومناراته الاربع بالذهب الخالص، كما ازرت اسواره بالقاشاني الملون، وحليت عقوده ومقرنصاته بالبلور والمرايا البراقة، وغشيت ابوابه بالفضة ذات الكتابات والزخارف الدقيقة البارزة، وهو من المراقد المقدسة الشهيرة التي تحظى باكبار ملايين المسلمين حيث يؤمها الوف مؤلفة من الزوار كل عام.
وكذلك تحدث المعد عن مرقدي الامامين الهادي والعسكري في سامراء، هو البناء الجميل القائم الان بنقوشه البديعة وزخرفته الاسلامية التي تناظر مثيلاتها في مراقد الائمة الكرام.
وتحدث مؤلف الكتاب ايضا عن القبة المخروطية لتربة الشيخ الزاهد شهاب الدين ابي حفص عمر البكري السهروردي العالم الصوفي المشهور وهي تشبه من حيث الطراز البناء القبة التي تقوم اليوم في الكرخ على قبر السيدة زمرد خاتون زوجة الخليفة المستضئ بامر الله وام الخليفة الناصر لدين الله.
ومن المعالم الحضارية في وادي الرافدين عقرقوف (دور كوريكالزو)، التي يشاهد الزائر آثار برجها الهائل القائم وسط السهول المترامية الاطراف في الجانب الغربي من بغداد.
وكذلك طاق كسرى الذي يعود تاريخ هذا البناء الضخم الى حدود القرن الرابع بعد الميلاد، ويعد اوسع طاق شيد من الطابوق غير المسلح في العالم.
ومن الالات الموسيقة التي تعتبر معلما حضاريا قديما هي الة القانون التي يعشقها العرب بعد العود، ويقابل عند الشرقيين الة البيانو الغربية باعتبارها الة ثابتة الاصوات. ورجح الباحثون انه عراقي الاصل والمنشأ، فقد عرف الاشوريون في القرن السابع قبل الميلاد الة موسيقية كانت تدعى باللغة الاشورية (ايشيرلو).
وتطرق المعد الراوي الى نواعير الفرات وهي نوع من الروافع المائية البدائية التي مازالت تستعمل لارواء الاراضي الواقعة على جانبي الفرات الاعلى والتي هي في الغالب اعلى مستوى من مجرى النهر.
واخيراً كان للمدرسة المستنصرية نصيب في هذا الكتاب الذي ضم ابرز المعالم الحضارية في العراق، اذ تحدث عنها المعد قائلا انها تعتبر من الابنية العباسية المهمة الباقية اليوم في العراق،وكان لهذه المدرسة ساعة مائية عجيبة اقيمت في ايوان بني امامها سنة 633هـ ، وحفلت المستنصرية ايام عزها بمكتبة عظيمة بلغ عدد مجلداتها 80 الف مجلد ضاعت على مر العصور.
فضلاً عن هذه الشخوص الحضارية التي تطرق اليها المعد، فقد ضم الكتاب ملحقا بالصور الآثارية القديمة النادرة ومعها تعليق باللغتين العربية والانكليزية.
كتاب جديد للاستاذ حميد المطبعي ..موسوعة أعلام وعلماء العراق - الجزء الاول
تأليف : حميد المطبعي
884 صفحة، حجم كبير-الجزء الاول
مؤسسة الزمان للصحافة والنشر
ترجمة الأعلام وتدوين سيرهم قديمة قدم الإنسان نفسه، ولاشك في إنها ظهرت مع الكتابة واستخدمتها في مسائل حياتها او في مسائل الترف العقلي الذي يجيء بعد استكمال الضروريات، وكثيراً ماتجيء الترجمة مع التأريخ موازية له في النشأة لأنها نوع من التأريخ للرجال على نسق معين، وقد عرفت الأمم تراجم رجالها من أجل الفخر بهم وتعظيم تأريخ تلك الأمم لذلك كانوا يلجأون في كثير من الأحيان الى اختلاق بعض الشخصيات من بنات خيالهم ليضيفوا اليهم أحداثاً تأريخية كانت قد وقعت فعلاً او كادت تقع، وحين تقادم العهد على هذه الشخصيات صارت جزءًا لايتجزأ من تأريخها، والأمثلة على ذلك كثيرة ولم يسلم التأريخ العربي القديم من مثل هذه الظاهرة يوم كانت الحياة تقوم على استشراف البطولة والصفات الحميدة وتشريف القبيلة فحيكت تراجم لرجال كادت الأجيال التي جاءت بعدهم تصدق أن هذه الشخصيات الحقيقية. ولكن الأمر اختلف تماماً حينما بلغ الفكر العربي الذروة في الوثاقة والصدق وتوخي الدقة العلمية والموضوعية لاسيما بعد بزوغ فجر الإسلام حيث رأى العرب المسلمون ضرورة تخليد رجالهم وتوثيق حياتهم بغض النظر عن ماهية تلك الشخصية وإتجاهاتها في المعتقد او منزعها في الفكر او انتمائها الى هذه القبيلة او تلك وحين أرادوا أن ينسبوا هذا الفن الجديد لديهم فإنهم نسبوه الى الأدب.
إن كاتب التراجم قد يكون متأثراً بعوامل شخصية او صلات رحمية او صهرية إلا إنه حين يكتب فإنه لاينسى أنه يؤرخ ولاينسى أن التاريخ يتطلب منه الصدق.. إن هذه المصداقية في القول هي مسؤولية شرعية وأخلاقية يدين بها، فهو عندما يترجم لهذا الشاعر او ذاك الفقيه او تلك الشخصية السياسية او الفنية او الأدبية فيجب أن يترجم بتجرد بعيداً عن العاطفة في المحاباة و الكراهية.
إن العمل الموسوعي ليس عملا ًكتابياً كسائر الأعمال الأدبية، بل هو عمل تربوي يمنح الباحث والمتتبع صورة واضحة من خلال استحضار الشخصية المترجم لها في الإحاطة والدراسة للجوانب المتباينة التي تميزت بها من الآخرين، ومن خلال مشاركاتها الاجتماعية لتطوير حركة المجتمع والتأثير فيه، ولما كان استحضار الشخصية هو استحضار الواقع المعاشي برزت من هنا أهمية الموسوعة في تدوين حركة التأريخ لأية أمة من الأمم فكانت ترجمة أي علم من أعلام المجتمع وتسجيل حركته وفاعليته وتأثيره عمل جبار يوثق النشاط الثقافي والحضاري للأمة.
ولهذا أولت الامم المتحضرة إهتماما ً متميزاً بتسجيل سير أعلامها ورجالاتها الذين أثروا في مسيرة حياتها وأحدثوا انعطافا ثقافياً وحضاريا ً وتاريخياً متميزاً، فبرزت أهمية الموسوعة في تدوين حركة التأريخ لأية أمة من الأمم، ولهذا لايمكن الفصل بين تدوين التأريخ العام و تدوين السير والتراجم لأن الحدث يتصل بمحدثه وهي علاقة جدلية صرف.
لقد ابتكر المحدثون أساليب جديدة مشوقة للتعريف بالأعلام الذين كان لهم في صنع التأريخ نصيب،وقد أتفقت هذه الموسوعات في طريقة تأليفها على وفق الحروف الهجائية وهذا هو عين مافعله الكاتب حميد المطبعي في هذه الموسوعة التي نحن بصددها مضيفاً اليها صور المترجم لهم مع بعض الوثائق الشخصية المهمة التي تتعلق بهم، وكانت مصادره في تثبيت المعلومات: المترجم له نفسهم - إن كانوا أحياء – او من أقاربهم او ذويهم او من الصحف والمجلات او من الكتب التي أصدرها المترجم له نفسه كما أضاف المؤلف نماذج لخطوط بعض المترجم لهم في الموسوعة او صورة لختمه وتوقيعه.
عرض: كوثر جاسم- مجلة الموروث -دار الكتب والوثائق -بغداد
السبت، 23 أبريل 2011
بكاء منفرد للشاعرة العراقية رشا فاضل
رشـــا فاضــل
اهبط ..
ياسيد الضوء ..
ورقصات المطر
في قلب الحقول
يامداد الربابة
وشجن المواويل
يارائحة الرغيف المعتّق في رحم التنانير
وحكايا الجدات
ياناي الحكايات
ورائحة النهر العتيق
وانت تعتلي صهوة الموت برشاقة عاشق ..
اهبط قليلا ..
لعلك تقص علينا حكاية الذئب الذي ابتلع البلاد
والبلاد التي تاهت في بطن الحوت
والقمر المرتجف فوق خيام الليل
والليل العاري من الشمس
والشمس المنشغلة باقتفاء حفيفك
وهو يعتلي ركامنا
واحلامنا..
اهبط ..
لترمي النعاس فوق حمم صحونا
وتغلق منافذ الملح
وتعلق ايامنا امانة
في عنق صبح بعيد
اهبط ..
ايها العاق بدموعنا
وانتظارنا
وانت تدوس بحوافرك
وصايا كلكامش
وعشبة الحياة المستحيلة
فوق تابوت
منقوش بخرائطنا
ومسمر بملامحنا
فتمهل .. قليلا
تمهل
وانت تعبرنا
امهات.. واطفال
واعداء يتناسلون بعدد حبات الوقت
المنفرط من مسبحة العمر
...
تمهل
وانت تتواطأ مع نداء البحر
وجنيات الزرقة
بعيدا عن متناول اللهب
وفوق احتمالات التشظي
والرماد
اصيح .. وقد اصطخب الدمع في حنجرتي
اهبط
فنحن عراة الوطن
نتسلق موتنا المقدس باكفان سود
ونرتل الحياة بنشيج الرحيل
فقد اذاب اللهب
الحد الفاصل بين
شهقة الموت
وعناق الولادة
اهبط
ولاتقصص رؤياك على احد
فدمك يبلل راحة الوقت
الذي قدّ من دبر
فتناثرت ساعاته
واريقت فصوله
على الارصفة العابرة
بكعبها العالي
فوق هياكلنا
الخاوية ........
الاديبة والشاعرة رشا فاضل في سطور
أديبة وإعلامية عراقية من مواليد عام 1975م.
بكالوريوس في اللغة الإنكليزية من جامعة تكريت، سنة 1997م.
عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين.
معدّة ومقدمة برامج في فضائية صلاح الدين .
محررة صفحة ثقافية في عدد من الصحف المحلية.
حاصلة على ثلاث شهادات دولية من جمعية الهلال والصليب الأحمر الدولي.
عملت مدربة في الهلال الأحمر على الإسعافات الأولية، وعملت كناشرة للوعي الصحي في المدارس والقرى، ومسؤولة في البحث والتحري عن الأسرى والمعتقلين في السجون الأمريكية.
حازت العديد من الجوائز الأدبية. ـ حصلت على الجائزة الأولى في المسابقة الأدبية في الموسم الثقافي في جامعة تكريت 2004م، في مجال السرد (القصة القصيرة). ـ جائزة تقديرية في مسابقة الزمان للقصة القصيرة، عام 2005. ـ جائزة من إذاعة صوت البلاد/ العراق ، (نصوص نثرية).
شاركت في العديد من الملتقيات والمؤتمرات، منها:
1. ملتقى القصة القصيرة جدًا في حلب، عام 2005
2. المؤتمر التأسيسي لنادي القلم الدولي في دمشق، عام 2007
3. تأسيس المؤتمر الأعلى للثقافة في عمان، بتاريخ 14/5 / 2007
الإصـدارات :
1. أحلام كالفراشات : مجموعة قصصية. بغداد 2003م.
2. رقصة فوق خراب الوطن : نصوص. دار تالة، دمشق 2008م.
3. فيروس سردي : مجموعة قصصية. شمس للنشر والإعلام، القاهرة 2008م.
4. مزامير السومري : قراءات في المنجز الإبداعي لـ"عبد الرزاق الربيعي". شمس للنشر والإعلام، القاهرة 2008م
---------------------------------------------------------
rasha200020@yahoo.com
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)
صلاة الجمعة في جامع قبع - الزهور -الموصل
الشيخ نافع عبد الله أبا معاذ صلاة الجمعة بسم الله الرحمن الرحيم :...
-
(السسي) من جرزات الموصل المشهورة - ابراهيم العلاف * وعندما تحدثت عن جرزات او كرزات الموصل وقفت عند السسي ويبدو ان هناك من يحب السسي وسأل...
-
أهلا بنابتة البلاد ومرحبا جددتم العهد الذي قد أخلقا لاتيأسوا أن تستردوا مجدكم فلرب مغلوب هوى ثم إرتقى مدتْ له الامال من أفلاكها ...
-
وردحاق صاق ناصي ..............ورد الحق وصاغ النصيب ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل حين قدمتُ حلقة ...