الاثنين، 20 مايو 2019

قراءة في رواية : "من حي الزنجيلي /الموصل إلى حي النصر /بغداد " للكاتب العراقي المتميز الأستاذ ذياب فهد الطائي







قراءة في رواية : "من حي الزنجيلي /الموصل إلى حي النصر /بغداد "
للكاتب العراقي المتميز الأستاذ ذياب فهد الطائي 
بقلم :عسال مالكة‏ /الدار البيضاء -المغرب
1ـــ (عراق المجد تتكسر على صخرة النّقَم )
العراق مهد الحضارات السومرية، الأكادية، والبابلية، والآشورية، سابقا ،ومركز الدولة الإسلامية ي عهد أبي علي بن ابي طالب ،وكان لها عصرها الذهبي في الخلافة العباسية ،وبعد سلسلة من الغزوات ، العثمانية والبريطانية والمغول ،ينتهي بها الأمر لتصبح ذات كيان سياسي مستقل ،تعاقب على منبره عدة رؤساء آخرهم صدام حسين ..
ويبتلي مؤخرا بعاصفة ،تأتي على الأخضر واليابس ،
 فتصبح العراق المجيدة ، قطعة قماش في فم الذئاب ،تمزق كيانها ،وتهُد تماسكها ،وتعصف بحضارتها، وتثمر في تربتها عمليات الخطف والقتل والتهجير القسري للمدنيين، مع تهديدات متواصلة للأقليات الدينية التي تسببت في رحيل أفرادها جماعيا ،إما إلى الشمال أو إلى خارج البلاد.
وكاتبنا أرقته هذه الأوضاع المأساوية التي صار عليها وطنه ،بعدما كان في قمة الحضارة الإنسانية والشموخ، ومن منا لا تأكله ألسنة الغيرة على وطنه ،ويشقى ويتعب من أجله ليكون في مصاف الدول المتقدمة ،وكاتبنا ذياب كغيره هزه زلزال الحرقة على ما آلت إليه بلد الحضارات العراق ، وما ارتطمت به من جراح أحدثت شرخا عميقا في جوانبه النفسية ،فكان الترميم عن طريق ملاط ، ينسجه من حروفه ضمادا قويا ،يكفكف ذاك النزيف الداخلي ،ويرأب الأثلام المتناسلة ،فأنجب مخاضه الموجع هذا المنجز الذي بين أيدينا ((من حي الزنجيلي //الموصل إلى حي النصر/بغداد /))
 ***ـــ الرواية في سطور
 تتناول الرواية عقصة شاب ،ينحدر من طبقة هشة، تشتغل أمه بصنع الخبز وبيعه ،دخلَ الجندية ، ودافع إلى جانب الجنود عن وطنه من الموصل إلى بغداد ،فبترت ساقه ،وركّب أخرى اصطناعية ،ورغم هذه الإعاقة ،فأملُ الإقبال على الحياة مشتعلا ،حيث دخل بعد عناء شديد إلى الجامعة لإكمال دراسته ،ثم تزوج أخيرا بفتاة حسناء تحبه وتقدره.. تتوالى الأحداث ،وتتحرك الشخوص في مشهد درامي جد مؤثر؛ والقارئ للرواية سيمر بمرحلتين : ــ مرحلة الحركة والقصف والرصاص والأشلاء والجثث والدم ،الشيء الذي يدمي القلب ـــ ومرحلة الهدوء والسكينة ،والإقبال على الحياة بفرح وأمل كبيرين ،الشيء الذي يسر النفس .. الرواية تتسع ل 242 صفحة مجزأة إلى 13 فصلا
2ــــ بوابة العنوان قبل اقتحام المحتوى
 المثير في هذه الرواية ،العنوان: ((من حي الزنجيلي /الموصل إلى حي النصر /بغداد )) ذو النفس الطويل المتفرع إلى عنوانين مندمجين في واحد ،كان من الممكن القول ((من الموصل إلى بغداد )) ..أو بصيغة أخرى ((من حي الزنجيلي إلى حي النصر ))..لكن الكلمات النارية التي تتزاحم في الحلق،والتي لكل منها موضعها الخاص والهامّ في نفسية الشاعر ،توثبت بحرارتها في دفقة مندفعة، لترسم نفسها بعمق، وكأن بالمؤلف يريد أن يشاطر لهيبها ودفقها قرّاءَه ؛ واضعا إصبعه بحذر على مدينة موصل، ودودة د اعش الناخرة ، وما ألحقته بها من خسائر كبيرة، في معارك وتيرة ومواجهات ضارية ، حولت جنان العراق ، إلى أرض ألغام ،وكمائن فتاكة تحت احتلال التنظيم، عندما قتل مسلحوه العشرات من المدنيين الهاربين الناجين... فتناثرت جثثهم على أطراف الشوارع، وهذه الأشياء المؤلمة ،لكزت الجوانب النفسية لكاتبنا ..
 ****ــ الجوانب الفنية للغلاف ..
الغلاف من تصميم نبيل جاد الله ،قد يكون من إبداعه الخاص ،أو من وحي أفكار الكاتب ذياب فهد الطائي ؛ يتضمن الغلاف عدة إشارات وتلميحات، وعناصر باهتة، لكنها توحي بعمق إلى أشياء، نفذ الكاتب إلى جوهرها ، فكسر فيها بُعْد المسافة بالتحام شديد بينه وبينها ؛حيث شكّلَ منها لوحة برموز ملغزة ،ممكن فكها وتحليلها بسهولة ، حسب منظور كل متأمل /قارئ ..أول ما يسترعي انتباهنا لون الغلاف الأحمر ، فهو دلالة قوية وإشارة واضحة إلى لون الدم ،دماء الأبرياء ،التي هدرت في شوارع حي الزنجيلي ، وإلى عمليات القتل بكل أنواعها، التي لحقت بالسكان المدنيين، حد تطاير الأشلاء ،وتناثر الجثث((سقط وهو يصرخ بعواء جواف فيما انبثق الدم من صدره خيطا رفيعا من الدم ص: 12 )) ويخترق اللون الأحمر لون ضوئي، يدل بالكاد على بصيص من الأمل، أي أنه بَعْدَ هذا العدوان الغاشم ،لابد أن يأتي يوم تطلع فيه الشمس من حجبها منورة ساطعة، ويرفع جلال الظلام الخانق ،وتنتشر كفوف الحرية حاضنة أهل العراق في حُنُوٍّ ورأفة ..وبين هذا وذاك شخصان يمسكان ناصية طريق ممتد دون أمتعة ، إلى حيث لا يدرون ،لينفلتوا بجلدهم ،من عاصفة الموت الجائحة ..((تمتد المدينة تحت شراع الموت المرتفع ،وكأنه يقودها بفعل ريح مواتية إلى قبر يتسع للجميع ص:14 )). ..رمز قوي إلى الرحيل ،من أوضاع قاتلة حارقة إلى حيث الأمن والأمان ولو بطرق مشرِّدة ... وأمامهما أشجار تخلت عن أوراقها ،فتبدو أغصانها عارية ،وهي إشارة توضيحية ،إلى حرب حارقة قاتلة أتت على الأخضر واليابس ...
3ـــ الثيمات وتعدد المواضيع
 على الرغم من أن الموضوع الذي يشكل العمود الفقري للكاتب هو الحرب ،فقط تطرَّق مؤلفنا ذياب فهد الطائي إلى مواضيع جانبية ، ساهمت في إغنائها وإثارتها اللحظات الحرجة ،تنوعت ما بين الاجتماعية والعسكرية والثقافية والسياسية والإعلامية والاقتصادية ،في صور متتابعة ومتلاحقة ،فهو لم يلتصق بموضوع معين واحد كغيره من الروائيين ،بل تعداها إلى ما يؤرقه ،ليُشكّلُ أطباقًها على ناره الهادئة ،فيُقحِم نَهَم القارئ فيها بوعي منه أو بغيره..
 ****ــ الوضع السياسي والتيارات والتنظيمات السائدة
 عرج بنا الكاتب على الوضع السياسي في العراق ،وبعض التيارات السائدة التي يرجى فيها خيرا مثل الشيوعية ، واضعا إصبعه بثبات ،على بعض التحالفات الانتخابية ونتائجها الفارغة، لأنها نفعية وانتهازية مبنية على المصالح ،وغير راسية في مواقفها ،ولا في نهجها ،أضف إلى ما تنتهجه الحكومة من سياسات فاشلة ،تحبط سدادَ تعارضِ وجهات النظر ،والأفكار الهشة والفلسفات البراكماتية، والمناقشات الحادة ،حيث أصبح الوضع الراهن يعكس صورة معقدة وقاتمة، لما يجري على الساحة السياسية العراقية بشكل عام ،التي تسببت فيها نفس الوجوه بصنع حكومة فاشلة ، باتت تشكل قوى ضغط على الشارع السياسي العراقي، من خلال أذرعها المهيمنة ،وأحزابها السياسية في المجالس البلدية ،أو في الحكومة العراقية ،أو مجلس النواب العراقي , مصورا في لقطات ومشاهد دقيقة الأوضاع المزرية القاهرة ،مثل عزوف الشباب عن الانخراط في العمل السياسي ،أو الانتخابات، الإحباط والهروب من الانخراط في العمل السياسي، مادامت نفس الوجوه هي التي تحكم ،ولا تقدم ولا تؤخر شيئا .. وهذا يسري برمته على حكام الدول العربية ،حين يضربون بسيف النرجسي المصالح العامة للمواطنين ، من أجل المصلحة الخاصة، وتساهم في صنع قرارت لا تحتكم فيها إلى قيم مادية ومعنوية تخدم المجتمع ، ولا تلبي مطالب ملحة ،ولا تذعن لضغوط ارتقاء في صالح البلاد والعباد ،ولا تتم عن طريق تحقيق أهداف تنموية ،ضمن خطط أفراد وجماعات ومؤسسات ونخب ،مَحَليّة وإقليمية ودولية ،فنرى الحكومات تتعاقب بنفس المواصفات ،بنفس المؤسسات والتنظيمات ، مؤطَّرَة بخطوط فوقية حمراء لا يمكن المساس بها، أو الاقتراب منها ، (( المناقشات الحادة والصاخبة بسبب تعارض وجهات النظر كانت تنتهي دون الوصول إلى أية نتيجة ص:20))..والنتائج هي توسيع شرائح الفقراء بآليات إفقارهم وتجويعهم ،وإفساح المجال للأغنياء بتضخيم رساميلهم ،بكل الطرق والمساعدات الممكنة من قبل الحكام وحاشيتهم ..فما بالك بدولة تنهشها الحروب الأهلية من الداخل ،وتتكسر أسوارها من الخارج ..ومع ذلك يظل خيط الأمل يشع من فجاج الجبال الشاهقة من الظلم والظلام ...
 ****ـــ الجانب الثقافي بؤرة الرقي والارتقاء :
وإلى جانب الوضع السياسي يصور لنا الكاتب الوضع الثقافي ،باجتماع الكتاب والشعراء في المقاهي ،من أجل تحليل الأوضاع ،وتفسير القضايا ،ومحاولة وضع حلول ناجعة لها ،إلى درجة وضع ركن خاص بالمقهى للمكتبة لقراءة الجرائد ،وذلك لخلق بؤرة ثقافية إشعاعية ،تسهم في نشر الحقيقة ، و تتابع الوضع المأزوم بالتحليل والمناقشة من وجهة نظر أخرى ((أن يكون هناك ركن في المقهى لقراءة الجرائد ص:72))..وكيف لا ونحن نعرف العراق مهد الثقافات ،والتي تركت أثرها الواضح على حضارات العالم (في اختراع الكتابة المسمارية، وتخطيط المدن، وتطور علم القانون في العالم القديم)، ووصل العراق إلى قمة الشموخ والمجد في القرنين الثامن والتاسع الميلادي... وكاتبنا يرمز ((بمكتبة مقهى خليف الزاير )) إلى الوسط الثقافي الحقيقي على واقع العراق، وكيف يمكن ضخ الدم فيه ،ليصبح أداة حية خاصة للتصدي للتحديات الجديدة التي أحدثتها التغيرات المرتبطة ،دون أن نبخس بما قاموا به من إصدارات ورقية ،وطبع و نشر الكتب ،وما نظموه من معارض ،وتجمعات أدبية وفنية وثقافية في داخل الوطن وخارجه، غير أن اتساع الفوضى والإرهاب يؤديان لامحالة إلى قتل هذه الأحلام في مهدها ...
 ****ـــ الجانب الديني والخرافي والعقائدي
 لقد علا كعب المظاهر الدينية ،وتناسلت التيارات التكفيرية ،والبعثية والسلفية والطائفية ،والعصابات المنظمة ،تتناوب على حرق المكتبة الوطنية، وتخريب العديد من المؤسسات العلمية والإنسانية والاقتصادية ،وتحطيم وهد التركات الأثرية.. فسادت الطائفية كمصدر من مصادر تفريخ الإرهاب الأعمى ومرجعيته الدوغماتية القاتلة، لدعم أذهان رجعية فارغة ،لا تنبت إلا التيه والعمى، والخرافات والأساطير المبنية على التأخر، وتمجيد أطيافه .. في ظل هذه الأجواء الحلكة ،تسلل حماة الخراب بامتطاء صهوة أفكار خرافية ،تنحني لإطالة اللحاء ، والإكثار من التسبيحات الباطلة , ليغرسوا النصل الموجع في صدر الثقافة العراقية الحرة ،متسلحين بالجهل والخراب، للقيام بجرائمهم الشنيعة ،بأفكار فاشية نازعة إلى ثقافة القتل والاغتيال ،والتميز القومي والعرقي والمذهبي والسياسة الديماغوجية ،((وأخيرا مجموعة ملتحية تتحدث بلغة عربية أقرب إلى الفصيح ولكن بلكنة غريبة ص:70)) موجات من العبث الفكري ،والعبث بمصير الناس من قبل عصابات جاهلة، لا علاقة لها بالدين ولا بالحضارة ، تخدم فكرا سلفيا وطائفيا ،وفقا لمصالحها الذاتية لتسويق منتجاتهم، ممسوخة الهوية في الشارع العربي، الذي ظل حلبة المقابر الجماعية ،ومئات ألاف من اليتامى والأرامل والمعوقين والشهداء، لتخلي الساحة من عقل مدبر ،أو فكر متنور يدعو إلى الصحوة والنهوض .. والجدير بالذكر أن هذا الإرهاب لم يكن ليبلغ مداه من الوحشية والاستشراء، ما لم يتلقَّ الدعم الواسع، مادياً وإعلامياً وعسكرياً، من دول الجوار، أو دول عربية أخرى، وبمختلف الدوافع الطائفية ...
 ****ـــ الجانب الاجتماعي ودودة الفساد المهيمنة
 كما يسلط كاتبنا عدسته الشفافة على الجانب الاجتماعي ، وما يكابده العراقيون ـــ وهم يركضون خلف لقمة العيش ـــ من أوضاع رهيبة من الفقر ،والسكن غير اللائق في أحياء تعج بالمستنقعات النتنة ،خاصة حين يتأخر رجال البلدية عن جمع النفايات ،إلى حد إحساس السكان بالاختناق ، ،((اشترينا البيت الصغير ،وتركنا الكوخ الذي كانت تسكنه رائحة عطنة حين ينسد مجرى المياه الآسنة ص:44))، ويصف بدقة الوجوه المنتخبة التي بمجرد ما تعتلي مناصبها سياسيا ، تحترف طرق الغش والخديعة ، عوض تهييء خطط تنموية من أجل البناء ، فيبدأوا بسرقة الملايين ،واختلاس أموال الشعب ،ثم بناء قصور على أراض اغتصبوها ،وانتزعوها من المواطنين ((ويسرق الملايين من الدولارات يبني قصرا على ناصية الشارع وفوق الأرض التي اغتصبها ص:182))..أفكار تتلبس الذات المبدعة حيال الوطن ،والغيرة عليه ،وهو يتآكل بأنياب أنجبها هو نفسه ،فأصبحت خائنة ماكرة ..وهذه هي الدول التي تسوسها ضمائر تربت على الشح والأطماع، وخيانة الأمانة، تقودها الأنانية ،وحب الذات بشكل هيستيري فضيع ،وكأنهم سيخلدون ...
4 ــ اللغة والجوانب الفني ..
لا يمكن لأي مبدع أن يباشر الكتابة دون معجم مكتمل وطرق فنية ،وأسلوب مهنّد ،لإفراغ ما في علبة الصدر على صفيحة البياض ،يلتقطها عشاق الإبداع بنشوة وفرح ،فيتقاسمون معه مواجعه وآلامه ،ومواضيعه ،ومبدعنا باشر هذا المنجز بضمير المتكلم ((ال أنا )) كأنها سيرة ذاتية ،أو جانب منها ،حيث السارد يصف الأشياء بأدق تفاصيلها ،معقبا الأحداث: حدثا حدثا ،ممسكا خيوط الشخصيات ،ليحركها وفق ما يجول بالخاطر وما يأمله ، وحسب أمكنتها وأزمنتها ،بلغة بسيطة في متناول الجميع ،سلسة الأسلوب ، منمقة أحيانا بعبارات دينية عقائدية ((لنصلي على محمد وعلى آل بيت محمدص:133))، وأحيانا بصور شعرية ساحرة بكل ما تستدعيه التشبيهات لا تعسر القارئ للقبض على معناها ..((كان نومي مريحا تخللته أحلام قصيرة لكنها كالرسوم السرياليةص:223 ))
تتحاشى الإيحائي المنغلق ،والرمزي الغائر ،تخلو تماما من المراوغات والألاعيب اللغوية ،لتعانق المباشر المألوف ،حيث يسهل تناول الكتاب دون معجم ،تنساب في بعد درامي في بداية الرواية لتنتهي في هدوء تام ببحيرتها الساكنة في النهاية ..
مالكة عسال
 بتاريخ 16ماي - مايس -ايار 2019
المراجع :
ـــ من حي الزنجيلي الموصل إلى حي النصر/ بغداد للمؤلف ذياب فهد الطائي
 ــــ المثقفون العراقيون في مواجهة الارهاب /ماجد لفته العبيدى..
ـــ ثقافة العراق ويكيبيديا ((الموسوعة الحرة ))
ـــ التراث العراقي .. الى اين؟ مقال بالأنترنيت

15/05/2019
*شكرا للصديق الاستاذ ذياب فهد الطائي على ارساله المقال 

هناك تعليق واحد:

صلاة الجمعة في جامع قبع - الزهور -الموصل

                                                                    الشيخ نافع عبد الله أبا معاذ   صلاة الجمعة بسم الله الرحمن الرحيم :...