السبت، 19 يناير 2019

التاريخ في حوار بين الدكتور كاظم هاشم النعمة والدكتور ابراهيم خليل العلاف

                        ا.د.ابراهيم خليل العلاف                            ا.د.كاظم هاشم النعمة 

التاريخ في حوار بين الدكتور كاظم هاشم النعمة والدكتور ابراهيم خليل العلاف
تقديم :
سألني أحد الطلبة عن (التاريخ والتحليل التاريخي ) ، واجبته ومما قلته :" ان التاريخ تحركه قوانين كقوانين الطبيعة " ، وقد اطلع اخي وزميلي منذ (45) سنة في قسم التاريخ بكلية الاداب -جامعة الموصل الاستاذ الدكتور كاظم النعمة الكاتب واستاذ الستراتيجية والسياسة الدولية على جوابي ، فأراد ان يدلو بدلوه ويبدي رأيه في مسألة القانونية التاريخية والقانونية الطبيعية ودار بيني وبينه حوار جميل يقف انموذجا للحوار الذي نريد ، ونحتاج ، ووافق الدكتور على نشر الحوار تعميما للفائدة واثارة لحوارات اخرى مهمة ومفيدة .. وفيما يأتي نص الحوار الذي تم عبر الماسنجر (18-1-2019 ) : ....د. ابراهيم خليل العلاف
د.كاظم هاشم النعمة :
عزيزي دكتور ابراهيم كيف حالك. انا اتابع ما تسطر من تعقيبات ، فانت الوحيد الذي عرفني عن قرب أكاديميا في الموصل. أوقفني جوابك على استفسار طالب ، حول التفسير التاريخي. واشرتَ ان التاريخ تحكمه القانونية العلمية. الطبيعية. الجدل ليس في العلمية فهذه مرنة لكن في الطبيعية.
هناك شبه اجماع في مناهج البحث في العلوم الإنسانية التمييز بين العلية الطبيعية وقانونها ، والحدث بفعل انساني. التاريخ فعل انسان فردا ، جماعة ، مجتمعا. فعل اليوم وفاعله وما ترتب عليه ، هو تاريخ الغد. ما يميز قانون الطبيعة اولا التجريبية للتأكد من التكرارية.
ثانيا ثبات بيئة الفعل . ثالثا صحة وصدق السبب في كل مكان وزمان .. رابعا التطبيق كان يقول استاذ الفلسفة عندما كنت في البكالوريس: كي نفهم الحدث هناك مشكلة ان هل نستطيع ان نحل محله في صوغ الحدث. لا احد يستطيع الاحلال في الطبيعية. لكن الصوفية تزعم انها يحل فيها. خامسا. الطبيعة لها قانون ، لا علاقة له بالأنا او نحن اي المواقف غير الموضوعية لنقل الايديولوجية. كتبت هذا ليس لغيرك.
د. ابراهيم خليل العلاف :
حبيبي الغالي الاستاذ الدكتور كاظم هاشم النعمة نعم انا اعرف كم تركتَ من بصمات ، ولكن اود القول الطالب لم يسألني عن الفلسفة ، والتفسير التاريخي ، بل سألني سؤالا عن كيف يحلل الطالب الحدث التاريخي ..لو سألني عن التفسير لأجبته جوابك نفسه ..حبي ومودتي وقبلاتي
وان كنت تعترض على ان للتاريخ قوانين كما للطبيعة ؛ فإنني احيلك الى كتابين للمؤرخ والفيلسوف البريطاني الكبير كولنجوود (فكرة الطبيعة ) و( فكرة التاريخ ) ، وانا متأثر به ...نعم كما ان للطبيعة قوانين تسيرها فإن للتاريخ قوانين تسيره
د. كاظم هاشم نعمة :
شكرا ما زلت لا ترجح عندي القانونية في الحقول المعرفية الانسانية. حتى العلمية فيها جدل فكيف الحال في القانونية ؟ . ان كان الأمر قانونا لطبقناه على جميع التاريخات. لقد اذعن دارسو الحقول الانسانية الى الأخذ بالعلمية لإسباب. اولا : مواكبة تطور العلوم بصورة عامة. ثانيا : خشية التخلف عن الركب.ثالثا : إسباغ العقلية على التفسيرات لانها لا حدود لها.
خذ معي (المصادفة) في وقوع الحدث وهو ما لا يحصل في علوم الطبيعة. ماذا لو كان نابليون قد توفى في حملته على روسيا هل كانت امبراطوريته سوف تصمد بضعة عقود وتتطور اوربا على غير ما وقع. لا قانون يجيب قط كان تلميذ ليبي في ١٩٦٣ يدرس ماجستير كيمياء. بعد اشهر من تجربته ذهب بارقامه الى استاذه. انبهر البرفيسور. وشك في الامر. فقال له يا موسى هل انت متاكد من ارقامك. كان موسى ورعا ، وكنت اذهب معه ليلا الى المختبر ليدون ارقامه. طلب منه ان يعيد التجربة. اخذت اكثر من شهر. جاء بالارقام نفسها. شك البرفيسور. قال له يا موسى إما نحن فتحنا فتحا ، واما كتاب المنهجي لجامعة اكسفورد خطأ. بعث البرفيسور على المهندس للجهاز وشرح له الامر وطلب منه فحص جهاز موسى. اتدري ما ذا حصل كان الجهاز يسرب رطوبة من انبوب مطاطي فكانت تفاعلات العناصر تتاثر. فجاءت الارقام غير دقيقة . اين نحن من تفسيراتنا وبأي قانونية. اذا كنا ناخذ بالقانونية علينا ان نستسلم لكل ما يقع في نهر التاريخ. اي القدرية أي الحتمية. ليت ماركس ولينين يخرجان من قبرهما ، ويريان اين حتمية الديالكتيك كقانون. اتحاور معك فلا تستغيض.اتذكر كم كنت أغيض. تحياتي
اكبر فيك جهدك. فانا ايضا مستهدف من كثير من السائلين طلبا لنصيحة من دارسين جامعيين عرب وعراقيين
د. ابراهيم خليل العلاف :
اشكرك حبيبي الغالي والعزيز ولكن وانا اشتغل بالتاريخ منذ نصف قرن وعمري الان تجاوز ال70 بدأت الحتمية والقانونية تترسخ عندي .
ليس ثمة صدفة كل حدث تاريخي وراءه عوامل ، وانا لمست هذا بنفسي عند دخول داعش للموصل والله كانت هناك عوامل وظروف خلقت الحدث واحد زائد واحد يساوي اثنان انا منذ خلقت ارى بنفسي الاحداث ورائها قوانين تحركها والان انا استطيع ان اتكهن بالنتائج عندما أرى الاحداث اي عندما اتفحص الاسباب وادرسها اجد انها ستؤول الى ما سوف يحدث وانت انت من كنت تؤمن بالحتمية فما الذي جعلك تتغير ماركس كان ولايزال على حق ، وما علينا بما حدث ماحدث في الاتحاد السوفيتي السابق ايضا له اسبابه وكانت ثمة قوانين تحركه مثلا الظلم ما نتائجه الاستبداد التفرد بالحكم هو من كان سببا في وضع حبل المشنقة حول عنق كثير من الحكام عقابا على ما فعلوه واول ما كانوا يفعلونه قتلهم لرفاقهم في اول يوم يجلسون فيه على كرسيهم .. ها ماذا تقول حبيبي ابو علي ؟
د. كاظم هاشم النعمة :
لنعود الى القانونية وليس الحدسية. مشكلة الحدث التاريخي انه غير متكامل العناصر ليكون له قانون. الملك فيصل الثاني لم يقتل احدا وقتل. هذه لا تدعم الجدل. الامر في الموقف من مقاربة القانونية في التاريخ. كل تفاحة تسقط. ليست كل ديمقراطية ديمقراطية وليس كل قرار تاريخي يحكمه قانون. لذا لا قانونية في التاريخ. نحن لا نطبق فنحذر من الخطأ. نحن نفعل فنخطأ. الطبيعة لا تفعل فتسأل لماذا فعلت..ان قانونها ان تفعل هكذا ولا خيار آخر. نحن أمام خيارات لا حصر لها لأننا عقل بشر ، وليس عقل طبيعة. العلمية والقانونية في العقل لا اقصد المخ. المخ جهاز. ليتني معكم قريبا لنديم جدلا علميا ربما ينتفع منه البعض. وإن كان هناك كثيرون لا يروق لهم هذا. مودتي
د. ابراهيم خليل العلاف :
اولا حبيبي واخي الدكتور كاظم : فيما يتعلق بالملك فيصل الثاني الرجل قتل في ظرف غير طبيعي ولم يكن ثمة اتفاق بين قادة الثورة على قتله وحتى عندما قتل دفن بكل احترام في المقبرة الملكية لان الجميع كان يعرف انه بريء والامور كانت بيد نوري السعيد والامير عبد الاله لكن الفريق عبد الرحمن عارف رئيس الجمهورية بين 1966-1968 لم يقتل احدا ولم يتعرض له احد وتوفي بعد ان وصل التسعين والناس لاتزال تمتدحه وترى فترة حكمه من احسن الفترات التي مر بها العراق فمن يقتل يقتل وهكذا وكما ان الطبيعة تتحرك ضمن قوانين ، فإن التاريخ ايضا يتحرك ضمن قوانين ... انا الان مثلا امارس الظلم تجاه من حولي فكيف تتوقع ما سوف يحصل لي ؟ .. الحكومة تستفز شعبها وتفرض عليه ضرائب مجحفة ماذا ياترى ستون النتيجة ؟ ...ماذا كنت تتوقع لنوري السعيد ونظام حكمه حتى الانكليز نبهوا الى خطورة منع الجيل الجديد من الصعود .. ماذا كنت تتوقع من تعسف الاخوان المسلمين ايام مرسي وسياسة الاقصاء للاخرين ماذا كنت تتوقع من القذافي وهو قد حول ليبيا الى ضيعة له ولاقاربه يمارس فيها نزواته انه الفعل ويجيء رد الفعل مساو له ..ان لدينا مثل يقول : ( الظلم لو دام دمر) نعم الظلم عاقبته وخيمة فعل الظلم ونتيجة الظلم القانون التاريخي يقول هكذا .. اذا للتاريخ احكام وقوانين تسيره هذه هي اعتقاداتي التي تترسخ كل يوم وانا اتابع الحدث حتى على المستوى الشخصي عندما كان الدكتور كاظم يدرس بحب ويتفاعل وينفعل كان الطلاب يلتفون حوله كنت اعيب على اساتذة لايلتف الطلبة حولهم لماذا يلتفون حول الدكتور كاظم ولايلتفون حول الدكتور ( سين) ..ازرع تحصد وهذه حقيقة المسها بيدي حبي ومودتي
د. كاظم هاشم النعمة :
ما زلت اود اغاضتك. اظن ان جعلنا للتاريخ قانونا فيه ميل غير موضوعي. أمران.ان كان التاريخ نتيجة نرضى بها نسبغ شرعنة عليه فنسعد. وان كانت سلبية نذعن لها وناسف. وكلاهما بقانون أترك معك هذا الرأي ، ولا اطلب منك الاقتراب من ما اثرت. حجة بحجة. اتمنى لك الصحة والامان وفرحك بابنك حمو ، كما تدلعه.
د. ابراهيم خليل العلاف:
الإغاضة والاستفزاز هو ما احبه ، لانه يساعد في اثارة الجدل والنقاش ، وهي طريقتك التي أجدتها واحبك الناس بسببها وانا اخالفك استاذنا الفاضل وانت منهجك ومدخلك مدخل علوم سياسية ، وانا منهجي ومدخلي تاريخ نعم العلاقة بين التاريخ والسياسة كما يقول المؤرخ البريطاني (سيلي) علاقة جدلية لكن المدخلان لتناول الموضوع يختلفان انا اقول اذا اعتقدنا بوجود قوانين تحكم التاريخ ، فتلك هي الموضوعية بعينها ، وهو ما يريدنا المؤرخ الالماني ( ليوبولد رانكة ) ان نكونه .. التاريخ فعل انساني ويترتب على الفعل الانساني آثار ، والدولة كائن ويترتب على ما تقوم به آثار ، والزعيم كائن ويترتب على ما يقوم به آثار .. اذا ثمة قوانين تاريخية تحكمنا ، ولاسبيل لتجاوزها ، واذا ما اعتقدنا بوجودها يصبح للتاريخ معنى ليس العظة ، والاعتبار بل التنبؤ بالمستقبل ؛ فالتاريخ اذا - بالصورة التي أراها - يساعدنا في استشراف المستقبل
د. كاظم هاشم نعمة :
ما زلت أطمع أن تجد حجتي جادة الى منهجك. سياسة اليوم تاريخ في الغد إن بحثت عن قانون لن تجد ، مع مودتي.
د. ابراهيم خليل العلاف:
لك رأيك ، ولي رأيي وحجتي اتمنى ان تجد لها طريقا اليك ايضا .
نعم التاريخ سياسة ماضية ، والسياسة تاريخ حاضر، وصدق ( سيلي ) المؤرخ البريطاني الكبير ، واذا غصنا في احداث التاريخ ، وجدنا ان ثمة قوانين تحكمه وهذه القوانين هي ما يجب ان نعرفها ؛ فالتاريخ - كما يقول استاذنا ( بيوري ) : " علم لااكثر ولااقل" ، واذا ما آمنا بما يقوله استاذنا بيوري ، فأننا نقف عند قوانين التاريخ وما يتحكم بأحداثه .
د. ابراهيم خليل العلاف :
هل تقبل ان انشر نص الحوار ؟
د. كاظم هاشم نعمة :
اسعدت صباحا ، لا اظن ان فيما تحاورنا فيه على مستوى الاثارة اكاديميا ، لانه كان ردا مباشرا لما تكتب ، واكتب هذه معضلة فلسفية ، ومنهجية ولها مدارسها. وقد اشبعت طعنا في دوريات عالمية ، ومن طرف أهل اختصاص يذعن لهم. ومن العلم ان يعلم المرء كم لا يعلم . مودتي لا تنقطع عن التواصل.
د. ابراهيم خليل العلاف :
وصباحك اجمل حبيبي واخي الاستاذ الدكتور ابا علي وممنون ولك ما تريد نعم كما تفضلت والتواصل بيننا ينبغي ان لاينقطع قبلاتي الاخوية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...