#رحلة القس خدر الكلداني الموصلي الى روما
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
في حلقات سابقة من برنامجنا هذا برنامج (موصليات ) تحدثت عن (الموصل في عيون الرحالة العرب ) و( الموصل في عيون الرحالة الاجانب ) . واليوم اتحدث لكم عن رحالة موصلي قام برحلة مشهورة في التاريخ الحديث الى روما ، وهذا الرحالة هو القس خدر (ويسمى ايضا خضر ) الموصلي والمتوفى سنة 1755 ميلادية .
وقد قام بهذه الرحلة من الموصل عبر حلب وبيروت الى روما ودامت الرحلة سنة كاملة دون فيها ملاحظاته واخبار المدن التي مر بها وزارها .
ومن حسن الحظ انه كتب وقائع رحلته هذه في مخطوطة عثر عليها الاب لويس شيخو اليسوعي الموصلي ونشرها في مجلة (المشرق ) البروتية في اربعة أعداد متتاية ومنذ آب سنة 1910 .
ومما يلحظ ان المخطوطة كانت ناقصة بدليل ان الاب لويس شيخو كتب يقول انه يريد من مواطنيه أهل الموصل ان يوافوه بما لديهم من اخبار ومعلومات عن هذه الرحلة إن وجدوا ذلك .
يذكر الاب لويس شيخو في ما كتبه عن القس خدر الكلداني الموصلي ، انه من مواليد تشرين الثاني من سنة 1679 في الموصل .. وقد اتقن منذ حداثة سنه اللغات الكلدانية والسريانية والعربية والتركية ، وكان نسطوريا حتى بلوغه الثلاثين من العمر ، وكان مغرما بالقراءة والعلم وقد فتح (سكولا ) اي مدرسة لبني ملته يعلمهم فيها الكلدانية والعربية وقد وصل عدد تلاميذ هذه المدرسة بعد فترة قليلة من تأسيسها الى خمسين تلميذا .
ويضيف الاب لويس شيخو ان التلاميذ كانوا يتقاطرون على مدرسته وهو يسميها (سكوله ) من الموصل وكركوك وحتى من بغداد وقد بقي يدرس في هذه المدرسة نيفا وثلاثين سنة .
وفي اثناء ذلك رقاه بطريرك طائفته النسطورية ايليا التاسع المعروف بمار اوكين الى درجة الكهنوت وسلمه اولاد اخيه ليتخرجوا في اسكوله.
وفي تلك الاثناء كانت الحركة الكاثوليكية قد نمت واتسعت في الموصل بفضل الاباء الكبوشيين لذلك انتبه القس خدر الى ذلك فأخذ يدرس كتبها ويتردد على المرسلين الكبوشيين الذين كانوا في الموصل الى ان تحقق من صحة المذهب الكاثوليكي فإنتقل اليه واخذ ينشره بين اهل ملته ولاسيما تلاميذه وقيل انه تحول من النسطورية الى الكاثوليكية سنة 1700 ميلادية وكان وراء تحوله احد القبارصة المارونيين الذين ارسلتهم روما الى بلاد المشرق لجمع المخطوطات القديمة ونقلها الى الفاتيكان وقد جاء هذا في الجزء الثاني من كتاب نصري الكلداني الموسوم ( ذخيرة الاذهان ) وقد كاتب البطريارك الكاثوليكي يوسف الثاني الذي كان يومئذ مقيما في آمد واعلن له ايمانه .
من الاعمال والمنجزات التي حققها القس خدر الموصلي ، انه عندما ذهب الى روما بذل جهودا كبيرة من اجل اقناع المسؤولين في الفاتيكان لتأسيس معهد كهنوتي في الموصل وقد نجح في ذلك فصدر في 14 تموز سنة 1748 أمر رسولي يوعز الى الاباء الدومنيكان بتوجيه الخدمة في بلاد ما بين النهرين .
وفي العاشر من كانون الثاني وصل اثنان من الاخوة الدومنيكان ليفتتحوا رسالة تبشيرية فيها .وفي سنة 1878 اسسوا (معهد مار يوحنا الحبيب ) في الموصل لاعداد طلبة الكهنوت .
إن من الامور التي اريد تأكيدها ان رحلة القس خدر الموصلي الى ايطاليا بين سنتي 1724 -1755 تعتبر من رحلات العرب والمشرقيين الاولى الى ايطاليا والغرب ومن الجميل انه دون وقائعها وهذا مما جعلها تعد مصدرا من مصادر تاريخ الرحلات في الادب العربي الحديث .
لقد حرص القس خدر ان ينقل ما شاهده في رحلته بكل دقة وتفصيل وقد صادف عندما كان في روما ان توفي البابا بندكتوس الثالث عشر في 21 شباط سنة 1730 فكتب يقول : " انهم عملوا له جنازا ثم انزلوه الى كنيسة القديس بطرس وكان المطارين يقصد المطارنة يحملون التابوت فأدخلوه الكنيسة بالصلوات وهو لابس لبس الكهنوت ...طبعا هذا اسلوبه اي اسلوب القس خدر الموصلي في كتابة مشاهداته وقال وضعوا البابا ووجهه مكشوف في كنيسة القديس بطرس وخلو رجليه خارجا ليقبلها الناس وتركوه ممدا ثلاثة ايام وكل الناس اتوا ليكرموه واجتهدت انا الفقير القس خدر بأن اقبل رجليه في تلك الايام الثلاثة فما قدرت من تزاحم الناس وخفت ان يدوسوني تحت ارجلهم وبعد ذلك قبروه في الليل وعملوا له كاتالكوا اي سريرا شبه القبر او التابوت في وسط هيكل كنيسة مار بطرس " .
وهكذا يواصل القس خدر كتابة ما شاهده لينتقل الى موضوع آخر وهو كيفية وطقوس اختيار البابا الجديد كما وقف عند ما اسماه هو في كتاب رحلته ( سلطنة التعليم المسيحي) فتحدث عن تعليم البنات والبنين في مدارس الفاتيكان وكيفية تعليمهم الحوار والجدال واختيار الطالب المتفوق في هذا الميدان وهكذا كتب عن كل ما شاهدة بدقة وتفصيل وبإسلوب جميل عكس اساليب عصره في الكتابة .
واخيرا لابد لي ان ادعوا الى ان يكلف احد طلبة الدراسات العليا لدراسة هذه الرحلة المهمة وتحقيقها وكتابة اطروحة دكتوراه عنها لاهميتها في مجال دراسة اقدم رحلات المشارقة الى العالم وما عكسته تلك الرحلة من اهتمام الموصليين بالسفر والتعلم والدراسة .
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
في حلقات سابقة من برنامجنا هذا برنامج (موصليات ) تحدثت عن (الموصل في عيون الرحالة العرب ) و( الموصل في عيون الرحالة الاجانب ) . واليوم اتحدث لكم عن رحالة موصلي قام برحلة مشهورة في التاريخ الحديث الى روما ، وهذا الرحالة هو القس خدر (ويسمى ايضا خضر ) الموصلي والمتوفى سنة 1755 ميلادية .
وقد قام بهذه الرحلة من الموصل عبر حلب وبيروت الى روما ودامت الرحلة سنة كاملة دون فيها ملاحظاته واخبار المدن التي مر بها وزارها .
ومن حسن الحظ انه كتب وقائع رحلته هذه في مخطوطة عثر عليها الاب لويس شيخو اليسوعي الموصلي ونشرها في مجلة (المشرق ) البروتية في اربعة أعداد متتاية ومنذ آب سنة 1910 .
ومما يلحظ ان المخطوطة كانت ناقصة بدليل ان الاب لويس شيخو كتب يقول انه يريد من مواطنيه أهل الموصل ان يوافوه بما لديهم من اخبار ومعلومات عن هذه الرحلة إن وجدوا ذلك .
يذكر الاب لويس شيخو في ما كتبه عن القس خدر الكلداني الموصلي ، انه من مواليد تشرين الثاني من سنة 1679 في الموصل .. وقد اتقن منذ حداثة سنه اللغات الكلدانية والسريانية والعربية والتركية ، وكان نسطوريا حتى بلوغه الثلاثين من العمر ، وكان مغرما بالقراءة والعلم وقد فتح (سكولا ) اي مدرسة لبني ملته يعلمهم فيها الكلدانية والعربية وقد وصل عدد تلاميذ هذه المدرسة بعد فترة قليلة من تأسيسها الى خمسين تلميذا .
ويضيف الاب لويس شيخو ان التلاميذ كانوا يتقاطرون على مدرسته وهو يسميها (سكوله ) من الموصل وكركوك وحتى من بغداد وقد بقي يدرس في هذه المدرسة نيفا وثلاثين سنة .
وفي اثناء ذلك رقاه بطريرك طائفته النسطورية ايليا التاسع المعروف بمار اوكين الى درجة الكهنوت وسلمه اولاد اخيه ليتخرجوا في اسكوله.
وفي تلك الاثناء كانت الحركة الكاثوليكية قد نمت واتسعت في الموصل بفضل الاباء الكبوشيين لذلك انتبه القس خدر الى ذلك فأخذ يدرس كتبها ويتردد على المرسلين الكبوشيين الذين كانوا في الموصل الى ان تحقق من صحة المذهب الكاثوليكي فإنتقل اليه واخذ ينشره بين اهل ملته ولاسيما تلاميذه وقيل انه تحول من النسطورية الى الكاثوليكية سنة 1700 ميلادية وكان وراء تحوله احد القبارصة المارونيين الذين ارسلتهم روما الى بلاد المشرق لجمع المخطوطات القديمة ونقلها الى الفاتيكان وقد جاء هذا في الجزء الثاني من كتاب نصري الكلداني الموسوم ( ذخيرة الاذهان ) وقد كاتب البطريارك الكاثوليكي يوسف الثاني الذي كان يومئذ مقيما في آمد واعلن له ايمانه .
من الاعمال والمنجزات التي حققها القس خدر الموصلي ، انه عندما ذهب الى روما بذل جهودا كبيرة من اجل اقناع المسؤولين في الفاتيكان لتأسيس معهد كهنوتي في الموصل وقد نجح في ذلك فصدر في 14 تموز سنة 1748 أمر رسولي يوعز الى الاباء الدومنيكان بتوجيه الخدمة في بلاد ما بين النهرين .
وفي العاشر من كانون الثاني وصل اثنان من الاخوة الدومنيكان ليفتتحوا رسالة تبشيرية فيها .وفي سنة 1878 اسسوا (معهد مار يوحنا الحبيب ) في الموصل لاعداد طلبة الكهنوت .
إن من الامور التي اريد تأكيدها ان رحلة القس خدر الموصلي الى ايطاليا بين سنتي 1724 -1755 تعتبر من رحلات العرب والمشرقيين الاولى الى ايطاليا والغرب ومن الجميل انه دون وقائعها وهذا مما جعلها تعد مصدرا من مصادر تاريخ الرحلات في الادب العربي الحديث .
لقد حرص القس خدر ان ينقل ما شاهده في رحلته بكل دقة وتفصيل وقد صادف عندما كان في روما ان توفي البابا بندكتوس الثالث عشر في 21 شباط سنة 1730 فكتب يقول : " انهم عملوا له جنازا ثم انزلوه الى كنيسة القديس بطرس وكان المطارين يقصد المطارنة يحملون التابوت فأدخلوه الكنيسة بالصلوات وهو لابس لبس الكهنوت ...طبعا هذا اسلوبه اي اسلوب القس خدر الموصلي في كتابة مشاهداته وقال وضعوا البابا ووجهه مكشوف في كنيسة القديس بطرس وخلو رجليه خارجا ليقبلها الناس وتركوه ممدا ثلاثة ايام وكل الناس اتوا ليكرموه واجتهدت انا الفقير القس خدر بأن اقبل رجليه في تلك الايام الثلاثة فما قدرت من تزاحم الناس وخفت ان يدوسوني تحت ارجلهم وبعد ذلك قبروه في الليل وعملوا له كاتالكوا اي سريرا شبه القبر او التابوت في وسط هيكل كنيسة مار بطرس " .
وهكذا يواصل القس خدر كتابة ما شاهده لينتقل الى موضوع آخر وهو كيفية وطقوس اختيار البابا الجديد كما وقف عند ما اسماه هو في كتاب رحلته ( سلطنة التعليم المسيحي) فتحدث عن تعليم البنات والبنين في مدارس الفاتيكان وكيفية تعليمهم الحوار والجدال واختيار الطالب المتفوق في هذا الميدان وهكذا كتب عن كل ما شاهدة بدقة وتفصيل وبإسلوب جميل عكس اساليب عصره في الكتابة .
واخيرا لابد لي ان ادعوا الى ان يكلف احد طلبة الدراسات العليا لدراسة هذه الرحلة المهمة وتحقيقها وكتابة اطروحة دكتوراه عنها لاهميتها في مجال دراسة اقدم رحلات المشارقة الى العالم وما عكسته تلك الرحلة من اهتمام الموصليين بالسفر والتعلم والدراسة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق