يزيدية الموصل
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث الحديث المتمرس –جامعة
الموصل
اليزيدية ، جزء مهم من النسيج الاجتماعي
العراقي والموصلي ..عاشوا ويعيشون مع إخوتهم وأهليهم منذ الاف السنين .واجهوا ما
واجهه الموصليون من مشاكل وتحديات عبر
القرون ولهم مع الجميع ذكريات لايمكن محوها ولايمكن لآحد تجاهلها وعندما اريد ان
اتحدث عن يزيدية الموصل اقول انني ومنذ
خمسين سنة كتبت عنهم في اكثر من مكان ومن
ذلك انني تحدثت عنهم في بحثي عن الحياة الاجتماعية في ولاية الموصل والذي سبق ان
القيته في مؤتمر الولايات العربية في العهد العثماني الذي انعقد في تونس سنة 1982
.
وانا اتحدث عن يزيدية الموصل امامي الكثير من
المصادر والمراجع عنهم ، فلقد حظي اليزيدية بالكثير من الاهتمام منذ سنين بعيدة
كتبوا هم عن انفسهم . كتب عنهم اسماعيل جول في كتابه ( اليزيدية قديما وحديثا )
ووضع الاستاذ أمين فرحان جيجو قاموسا عربيا يزيديا سنة 2013 واهداني مشكورا نسخة
منه .كما أهداني ايضا كتابه الذي نشره ببغداد سنة 2012 بعنوان ( الديانة الايزيدية
بين السائل والمجيب ) .
وكتب عنهم كتاب مرموقون امثال الاستاذ صديق
الدملوجي والاستاذ هاشم البنا والاستاذ عبد الرزاق الحسني والاستاذ سعيد الديوجي والدكتور عبد العزيز نوار المؤرخ المصري المعروف
.
استطيع ان اقول ان كل من كتب عن التاريخ
الاجتماعي للعراق وحتى السياسي كتب عن اليزيدية وتاريخهم اصبح واضحا ويشكل مفصلا
مهما من مفاصل تاريخ العراق الحديث والمعاصر .
الذي يهمني هنا قوله : ان اليزيدية ك (قومية )
وك (دين ) مرتبطون بالارث التاريخي العراقي القديم ، وبعبارة أدق بالحضارات
الرافدينية العريقة ، ومنها الحضارة
السومرية والحضارة البابلية ، والحضارة الاشورية ، ويظهر هذا واضحا في لغتهم التي
يقول عنها الاستاذ امين فرحان جيجو ان جذورها تمتد الى عائلة اللغات العراقية
القديمة ، وان فيها مفردات كثيرة تدل على اتصالها الوثيق " بأسلافنا العظماء
في سومر وبابل واشور . ومن حسن الحظ ، وبالرغم من المأسي والويلات التي تعرض لها
اليزيديون ، فإنهم ظلوا متمسكين بلغة آبائهم واجدادهم والقاموس الذي وضعه والذي
اشرت اليه الان ويقع في (454 ) صفحة دليل على ذلك .
هذا فضلا عن أن اليزيدية يعتبرون النبي ابراهيم عليه السلام نبيهم الاسمى
ويعتبرون النبي نوح عليه السلام ثاني أب
للبشرية من بعد آدم عليه السلام ، وهم يقولون أن أدم أبو البشر يجمعنا عضويا وأبو
الانبياء ابراهيم يجمعنا روحيا .
أعود لأقول ان لليزيدية في الموصل ، وفي كل
مكان كتابين مقدسين الاول إسمه ( كتاب الجلوة ) . والثاني
إسمه ( مصحف رش ) وهما معروفان ويتداولهما اليزيدية مع ان هناك من يتحدث عن التكتم حولهما ، ولعل من اسباب التكتم السابق حوله الخوف من
السلطة الحاكمة . فضلا عن انهم كانوا يقولون ان العبادة هي شيء خاص بين الله ، وعبده
وليس بالضرورة ان يعلم احد بذلك . كتاب (الجلوة ) لعدي بن مسافر يتألف من
مقدمة وخمسة فصول وهو كتاب فيه الكثير من
الحكم والمواعظ من قبيل قول الله سبحانه وتعالى "حاضر أنا سريعا للذين يثقوا
بي ويدعونني حين الحاجة " .
أما مصحف رش فقد كتب بعد وفاة عدي بن مسافر
بنحو مائتي سنة ويبتدأ بعبارة " في البدء خلق الله الدرة البيضاء " اي الكون وخلق الله ملكا هو (عزازيل طاوس ملك
) وجَعَلَهُ رئيسا على الملائكة وخلق ادم وحواء وخلق اشجارا مثمرة وجبالا
لأجل زينة الارض .
عاش بين اليزيدية كتابٌ كثيرون عربا واجانب
وكتبوا عنهم ومن هؤلاء المؤرخ الموصلي الكبير صديق الدملوجي عاش بينهم كموظف حكومي
قرابة عشرين سنة ان كان ذلك في الشيخان او في سنجار والف عنهم كتابه اليزيدية .اما
الاستاذ هاشم البنا فقد زارهم وعاش بينهم والف كتابه عنهم سنة 1964 بعنوان (اليزيدون ) حتى ان الشيخ سعيد
بن الشيخ خضر حرر في سنجار في اليوم الاول
من كانون الثاني سنة 1963 كتابا قال فيه ان السيد هاشم البناء زارهم بهدف تأيف كتاب عن اليزيدية وقال :" لقد تصفحنا
الكتاب قبل نشره واجرينا عليه التصحيحات الكثيرة وازلنا الشوائب والادران التي
الصقها بعض المستشرقين والكتاب من ذوي الغايات غير الحميدة لذا فقد اصبح كتابه هذا
هو اقرب الكتب الى الحقيقة الصحيحة عن ديانتنا اليزيدية ونسأل الله ان يوفقه
ويوفقنا للخير العام في ظل جمهوريتنا الحبيبة " .
النقطة الاخرى التي اريد ان اؤكدها ان كلمة
اليزيدية مأخوذة من لفظة (يزد) وهي كلمة يزيدية مشتقة من الكلمة الفارسية (يزدان )
ويزدان تعني ( الله ) عزوجل .ولليزيدية امارات ومنها امارة في باعذره وهي قرية
موصلية وهناك دور للشيخ سعيد (ابو دخيل ) ودور للشيخ معاوية ( ابو فرعون )
واليزيدية في الموصل يتركزون في منطقتين رئيسيتين هما قضاء (سنجار ) و قضاء ( الشيخان ) والتي تسمى
ايضا ( عين سفني ) .
هناك من يربط بين اليزيدية والمتصوفة فالشيخ
عدي بن مسافر الهركي الاموي وهو نفسه الذي يسميه الناس الشيخ عادي رجل متصوف زاهد منقطع ولد ونشأ في بيت فار من اعمال بعلبك بالشام وبعد
ان بلغ مبلغ الرجال عكف على التعمق في الدراسات الدينية ووهب نفسه لاصلاح ما فسد
من امر العباد ولم يستقر في الشام وانما غادرها
الى كردستان العراق وكان هذا في
النصف الثاني من القرن السادس الهجري الثاني عشر الميلادي كما يقول الدكتور عبد
العزيز نوار في مقاله عن اليزيدية في مجلة الهلال عدد يناير –كانون الثاني 1965 .
عاش عدي بن مسافر في الاماكن المنعزلة ثم انزوى بين
اقوام بسطاء اعتقدوا بما كان يقوله وانقادوا لاراءه ومعتقداته وكان الشيخ عدي يسعى الى تهذيب القوم الذين عاش
بينهم وكان يبشرهم بالحسنة والبركة والموعظة وكان اجداد هؤلاء القوم من الزرداشتية
الذين كانوا يرون ان ثمة الهين في الكون اله للنور والخير واله للظلام والشر وهما (
اهورا مزدا ) و (اهريمن ) .ومن الطريف ان الكاتب المصري الكبير الاستاذ احمد تيمور
باشا الف كتابا عن اليزيدية بعنوان (
اليزيدية ومنشأ نحلتهم ) .
وقد جاء في كتاب (شرفنامه ) للامير شرف خان
ابن شمس الدين البدليسي والذي نشر في القاهرة سنة 1930 باللغة الفارسية وترجم الى
اللغة العربية من قبل الاستاذ الملا جميل الروزبياني وطبع ببغداد سنة 1953، ان اليزيدية من مريدي الشيخ عدي بن مسافر ، وهو
من التابعين وانهم أي اليزيدية يعتقدون بأن الشيخ عدي الذي دفن في جبل لالش من أعمال
الموصل قد تعهد بصومهم ، وصلاتهم وانه سيقودهم في آخر الزمان الى الجنة ..."
.وللشيخ عادي كتب مؤلفة ورسائل منها كتابه ( بهجة الاسرار ) ، وكتابه ( رسالة في آداب
النفس ) وكثيرا ما كان الشيخ عدي في رسالته يؤكد على ضرورة اقتران القول بالعمل
ويوصي اتباعه بالتوفيق بين الاقوال والاعمال
والسلوك .
ومن
خلفاء الشيخ عدي ابو البركات صخر بن صخر وحسن ابن ابي المفاخر عدي تاج العارفين . وثمة
مرقد للشيخ عدي الهكاري في جبل مقلوب عند وادي لالش في عين سفني كثيرا ما زرته في
السنوات الماضية ويزوره اليزيدية والمسلمون
ويتبركون به وكان الى جواره مدرسة
وثمة زخارف على المرمر تعلوها
صورتان لطاووسين متقابلين يتوسطهما اسدان متقابلان مرسومان على رخامة ثلاثية الشكل
وعلى المدخل عبارات باللغة العربية فيها :
بسم الله الرحمن الرحيم
خالق السماء والارض
اخفض هذا المنزل
محل شيخ عادي الهكاري
شيخ اليزيدية 695 (1296م )
وعلى الجدار عبارة تقول : سعى بتجديد هذا
المرقد علي بك بن حسين بك امير الشيخان 1324 هجرية- 1907 ميلادية .
لااريد الدخول في معتقدات اليزيدية ، فذلك
يحتاج الى وقت طويل لكني اقول ان هذه
المعتقدات تؤكد ان الله عز وجل هو من ابدع
الكون والسموات بغير عمد وانه انشأ النور واوجد الشمس والقمر والكواكب والنجوم
وخلق جميع الملائكة واولهم طاووس ملك رئيس الملائكة المسمى عندهم بعزازيل وبعد ذلك
خلق الملائكة السبعة الاخرين وشاء الله ان يخلق آدم وقال للملائكة انه سيخلق من
ادم ملة البشر على الارض ومنهم ملة طاووس ملك أي اليزيدية وتجلى الله على جبل لالش
في الارض المقدسة وخلق الله العناصر الاربعة وهي الماء والهواء والنار
والتراب وخلق آدم وادخله الفردوس واباح له فيها كل شيء فيما عدا شجرة الحنطة ،
وخلق حواء وطلب منهما عدم الاقتراب من شجرة الحنطة فأغواهما طاووس ملك فأخرجهما
الله من الجنة الى الارض وثمة تفاصيل
لامجال لذكرها في هذه العجالة تتناول العلاقة بين بني آدم وطاووس ملك والعلاقة بين اليزيدية وباقي البشر .
ومن حسن الحظ ان كثيرين من الباحثين منهم
عراقيين ومنهم عرب ومنهم اجانب تحدثوا عن معتقدات اليزيدية بالتفصيل وال من نشر ترجمة بلغة
اوربية هي الانكليزية لكتابي اليزيدية
المقدسين هو الاستاذ براون E.G.BRONNE سنة 1895 . وفي سنة 1909 ترجم الاستاذ عيسى يوسف الكتابين (الجلوة
ومصحف رش ) الى العربية ونشر الاب انستاس الكرملي نصا للكتابين باللغة الكردية سنة
1911 .
اريد ان اقول انه ليست لدينا احصائية دقيقة
عن عدد يزيدية الموصل في سنجار وعين سفني
وبعشيقة وبحزاني وفي كل القرى اليزيدية التي تزيد عن 1000 قرية واليزيدية من حيث
التنظيم الاجتماعي طبقات محددة تحديدا
واضحا حرم فيها الانتقال من طبقة الى اخرى فهناك المير او الامير الذي يأتي عن طريق الانتخاب والامير
معصوم من الخطأ ولايحاسب على اعماله وهذا لم يكن يعني الاستبداد في الحكم فقد اثبت
الامراء انهم ذوي ضمائر حية وبذل بعضهم دماءه دفاعا عن عقيدته ورعيته . ويلي
الامير في المرتبة بابا شيخ وبابا شيخ
يتحتم عليه ان يكون زاهدا وهناك بعده الشيخ
والبير والفقير والقوال ( وهم الذين يرتلون الاناشيد والملاحم الحماسية والدينية
ويدربون الاولاد عليها وعلى ضرب الدف والعزف على الناي وهذه الات اسسية جدا في
احتفالاتهم الدينية والقوالون لايتزوجون الا من داخل طبقتهم ) وهناك طبقة الكوجك او
الكواجك وهم من يخدمون مرقد الشيخ عدي بن مسافر ويستأجرون السنجق (طاووس ملك ) من
امير اليزيدية مقابل مبلغ يدفعونه له ثم يأخذون السنجق ويطوفون به في قرى اليزيدية
ومن حوله القوالون ينشدون الملاحم الدينية وهناك المريد والملائية وعندهم عبادة
الصوم :صوم العامة وصوم الخاصة وعندهم الصلاة ومنها صلاة الاشراق وصلاة الفجر
وصلاة الاموات ولهم دعاء ما بعد الصلاة وعندهم الحج الى مرقد الشيخ عدي في مواسم
خاصة من السنة وعندهم عيد الجماعية وعندهم الزكاة ويؤمنون بتناسخ الارواحويتبركون
بزيارة المراقد ومنها زيارة طاووس ملك اي طاووس الملائكة واليزيدية قبائل وفيهم
الامراء ومن عشائرهم الدنادية والشيخان والمهركان والسيفانة والكيبارية والداسنية
والهبابات والخالتي والفقراء والشهوان والسموقة والهسكان والرشكان والهكارية
وحتاري والجفرية والبكران.
ومن اعيادهم عيد رأس السنة
وعيد بلندة وعيد المحيي وعيد
مربعانية الشتاء وعيد خضر الياس وعيد مربعانية الصيف وعيد القربان وعيد الجماعية
والقاباغ .وفي عيد الجماعية يدخلون جبل لالش ويغتسلون في عين يسمونها زمزم .
ومن اعيادهم التي يشاركهم فيها الجميع
(الطوافة )وعندهم طوافات كثيرة والطوافة هي ان يطوفون بمراقدهم للتعبد والطواف
منها الطواف حول مرقد الشيخ عادي والطواف حول مرقد الشيخ محمد والطواف حول مرقد
الشيخ حسن فردرش وعندهم عيد حضور السنجق حيث يستقبله اليزيدية بالفرح والابتهاج
ويقولون ان روح الله تحل في القرية التي يحل فيها السنجق .
ومن قرى اليزيدية بردحلي وكهبل وبارة وباشوكوبكرانوجدالة
وديلوخان وجفرية وعين فتحي وكرسيوقزل كند وكري عرب وجدالة وعين غزال ومهركان
ومتارةوبوزان وخربة صالح وقصر يزدين وجكان وغيرها كثير .
اخيرا احد الاخوان سألني عن (الكريف ) واقول ان للمسلمين من الموصليين مكانة
محترمة ، ومتميزة عند اليزيديين ، فالكريف
أو ( المكليف أو الكليف وتعني من يكفله )
يعد بمثابة الاخ والكريف تعني في
جانب من جوانبها ( الخوة ) ، فاليزيديون يختنون
اطفالهم كالمسلمين ويجب ان يكون الطفل في
حضن رجل مسلم عند الختان وعندما تسقط نقطة دم على ثوب المسلم من جراء اختتان هذا
الطفل فإنه يصبح كريفا وابنا واخا ويحمي احدهم الاخر ويكون بين الاثنين اشتراك في
الدم وفي تحمل اي شيء في المستقبل .
بقي ان اقول ان التاريخ السياسي ليزيدية
الموصل يحفل بالكثير من الاحداث التي تحمل فيها اليزيدية عنت الحكام واستبدادهم
وتدخلاتهم في شؤونهم وابتدأ هذا في العهد العثماني يوم كانت ولاية الموصل من
ولايات الدولة العثمانية وقد ارسل العثمانيون الكثير من الحملات العسكرية وقمعوا
احتجاجات اليزيدية كما ان العثمانييين حاولوا تحويل اليزيدية الى الاسلام وارسلوا
الوعاظ والدعاة وخاصة في القرن التاسع عشر وبنوا المدارس لهذا الغرض لكن ذلك كله
فشل وبعد قيام الدولة العراقية الحديثة قام اليزيديون بالكثير من الاحتجاجات حول
اوضاعهم ورفضهم الخدمة العسكرية وقد قمعت حركاتهم تلك بالقوة .
لكن هذا لم يمنع اليزيدية من الانخراط في
الجيش وفي الاحزاب السياسية العراقية وفي النشاطات ولهم صحف ومجلات وادباء ومثقفين
كثر واساتذة واكاديميون احتفظ بكثير من الصداقات معهم وللاسف خلال سيطرة داعش على
محافظة نينوى منذ العاشر من حزيران 2014 تعرض اليزيدية لأبشع حالة من الاضطهاد
والسبي وبعد التحرير عاد الكثير منهم الى
قراهم ومدنهم واخذوا يمارسون نشاطهم
ويعمروا ما دمر حالهم حال اخوانهم في مدينة الموصل وباقي اجزاء محافظة نينوى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق