محلة شهر سوق في الموصل
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس -جامعة الموصل
وقواتنا الباسلة وجيشنا العظيم وهو يحرر محلة شهر سوق ( اواخر
حزيران 2017 ) ويعيدها الى حضن العراق العظيم كانت يدي على
قلبي وانا اشاهد أنقاض جامع عمر الاسود و استعيد ذكرياتي في هذه المحلة العريقة
وجاء منشور الاخ الاستاذ الدكتور احمد الحسو وهو ابن شهر سوق وكذلك ما كتبه شقيقه الاستاذ سالم الحسو عن
ذكرياته في محلة شهر سوق ليدفعني إلى
التعليق على منشوره وكتابة شيء عن محلة شهر سوق او محلة جهار سوق اي محلة الاسواق الاربعة (جهار بالفارسية والكردية اربعة ) ..تلك فرصة عظيمة لاستعادة ذكرياتي مع هذه المحلة العريقة من
محلات وأحياء الموصل .
شهر سوق او جهار سوق حي الأسواق الأربعة حي عريق ومحلة عريقة من
محلات الموصل كان لجدي فيها أربعة دور يؤجرها قرب كنيسة مار حوديني انا ولدت في
محلة رأس الكور (الكوازين ) لكن ظروفا مالية أجبرت والدي ( رحمه الله ) أن ننتقل
إلى أحد دور جدي في شهر سوق سنة 1959 .. كان من يؤجر تلك الدور خليل شكورة ووالد الطيار
نذير بشير حسن ووالده كان عسكريا ولديه
محل للكهربائيات في مدخل شارع النجفي الجنوبي والبيت الثالث كان يسكن فيه ابو
الصديق امجد ويعمل في البلدية لااذكر
اسمه الان للاسف .
شهر سوق حيث بيوت ال طرية وال هبرايا وال عبد الرزاق وال شكورة وال طه المجيد وال علي بك وخاصة نوري علي بك وعزيز علي بك وابراهيم علي بك وال دلال باشي
وبيت الشهيد اسماعيل الحجار وبيت اللواء الركن الحاج محمود شيت خطاب وبيت السياسي
والشاعر والصحفي الاستاذ غربي الحاج احمد وبيت ال الجوادي ومنهم ابراهيم الجوادي النجار
الذي برع في صناعة آلة العود في محله بمنطقة الساعة (محلة الاوس ) وبيت الشيخ عبد
الله الحسو ومن اولاده الزميل الكبير الاستاذ الدكتور احمد .مرة شاهدته يخطب في
جامع عمر الاسود عوضا عن والده وكان مريضا .بيوت ال الجليلي وحديقتهم الجميلة بيت
الحلاق والمؤذن صديق -المدرسة العراقية للبنات وبيت حنون ومنهم الاستاذ نذير حنون وبيت ابراهيم الحلاوجي الذي كان كل موسم يعمل حلاوة الخضر و
بيت حموكة و بيت الطحان ومنهم الدكتور المحامي عبد الرحمن عبد الرزاق الطحان وبيت
قبع ومنهم رمزي عبد الرحمن قبع والمرحوم
عبد الرزاق كان معلما والمرحوم صبحي مدير الانواء الجويةزبيت حموكة وبيت دلال باشي وبيوت كريمة اخرى .
عن ماذا اتحدث لدي الكثير الكثير من الذكريات اتحدث عن صديقي
المرحوم محمد يونس الخياط اتحدث عن صديقي عادل يحيى دلال باشي اتحدث عن صديقي
الشاعر امجد محمد سعيد اتحدث عن صديقي اللواء الركن غائب احمد الغائب اتحدث عن
صديقي العقيد الركن يونس حديد اتحدث عن صديقي المربي الملا كريم اتحدث عن صديقي
الشهيد حازم نوري العلي بك اتحدث عن صديقي قيس ال علي بك اتحدث عن المقاهي
والدكاكين اتحدث عن منطقة محصورة بين محلة الأوس -الساعة ومحلة باب العراق والباب
الجديد هي الموصل القديمة العريقة بأهلها وبدورها ومساجدها وكنائسها ودكاكينها
و(جوماتها ) اي محلات الغزل والنسيج
من معالمها جامع عمر الاسود الذي كتب عنه استاذنا وشيخنا الاستاذ
سعيد الديوه جي فقال إن جامع عمر الاسود اسمه كذلك جامع شهر سوق وسمي بجامع عمر
الاسود لان بانيه هو عمر الاسود شقيق الحاج منصور التاجر الذي بنى جامع المنصورية
او جامع الشيخ محمد ...كنت أصلي في الجامعين وفي جامع المنصورية كنا يخطب فيه
الاستاذ اسماعيل الكتبي رحمة الله عليه وكانت خطيبا مفوها وله مكتبة في شارع
النجفي .قرب جامع عمر الأسود كانت ثمة مصبغة تسمى مصبغة شهر سوق ويقابل المصبغة
مسجد الملا عبد الحميد المعروف بمسجد الصوفية بينهما شارع لايزيد عرضه على المترين
وبعدها وسع الشارع ليكون امتدادا لشارع الفاروق ويقال ان عمارة جامع عمر الاسود
استغرقت ثلاث سنوات من سنة 1091-1093 هجرية ومكتوب في الجدار الشرقي من مصلى
الجامع :
بنى عمر من طيب ماله *** مساجد نال الخير فيها مع الظفر
وفي الجامع منارة مبنية من الآجر وهي مزينة بقطع من الآجر المزلج
وقد سقط معظمه ولم يبق منه إلا القليل وقبل سنوات سقط القسم الأعلى من المنارة
ووضع محله مشبك من الحديد وفي المصلى ثلاثة محاريب والمحراب الكبير تحت القبة
وللمصلى ثلاثة أبواب وفي الاروقة محرابان من المرمر وفي سنة 1239 هجرية أوقفت له
(خيري وهي أخت عمر الاسود ) أملاكا وعينت له متوليا وكانت إلى جانب الجامع مقهى
عامرة يرتادها أهل المحلة .
في محلة شهر سوق هناك أيضا مسجد الاحبيطي وال الحبيطي أسرة علمية موصلية
معروفة منهم الملا حسن الاحبيطي (الحبيطي ) والجامع عرف بإسمه وكان في هذا المسجد
مكتبة عامرة أدركتها .
كما ان في محلة شهر سوق مدرسة دينية عريقة هي ( مدرسة ال زكريا ) الدينية التي
تحولت الى جامع ...ومدرسة ال زكريا هي مدرسة الحاج زكريا التاجر الجد الخامس لصديقنا الاستاذ معن
عبد القادر ال زكريا ولازلت اتذكر انه كان يسكن فيها في الستينات رجل من اليمن لديه مكتبة
كبيرة فيها وكم اقتنيت منه كتبا دينية في حينه .
كما قلت كان في شهر سوق بيوت ال الجليلي وال عبيد اغا ..كان من الجليليين من يسكن في شهر
سوق والقسم الاخر في محلة الامام عون الدين واذكر بيت المحامي الأستاذ زياد
الجليلي في شهر سوق ومجلسه الثقافي والاجتماعي العامر .
يقينا ان التداخل كان قائما بين محلات شهر سوق وباب العراق وبالي
الجديد وبالب البيض التحتاني وامام عون الدين .كانت ثمة حمام قرة علي وحمام عبيد
اغا ودكان يحيى بن شيخة عزيزة وجايخانة صفو وشربت وطرشي صفو (مصطفى الفركاحي ابو
بشار ) ومكتبة راقي عبد الله ودكاكين كهربائيات للمرحوم خليل شكورة والحلاق صبري
والمختار عاصم وجايخانة علي الخجو وصالون الحلاق المرحوم نايف وبيت الزرقي
والمدرسة العراقية للبنات وثانوية كلية الموصل الأهلية 1944.تأسست المدرسة
العراقية للبنات سنة 1918 في بناية تعود للاسرة الجليلية التي حكمت الموصل بين
1726-1834 وقد ادركنا مديرتها الرائعة المرحومة الست مثيلة الحاج مجيد الدباغ التي
تولت إدارتها قرابة 30 سنة ويذكر الدكتور علي نجم عيسى في كتابه (مدارس الموصل )
ان من مديراتها كواكب جليميران وهنية مصطفى امين ووسناء الجليلي وزكية الدباغ
وعالية عبدالرحمن ال قبع ومن طالباتها المتميزة شاعرة الموصل الاستاذة الدكتورة
بشرى البستاني .
ولاننسى شخصية حتوت الحمال وحماره حيث كان يذهب بالحنطة لطحنها
والاطفال يعاكسونه وكان المختار السيد
بشير المختار ومن ثم الحلاق عاصم ابو حسام تلميذنا في كلية الاداب وتوفي وهو يعد
رسالته للماجستير .
كان هناك معمل للنجارة يعود للنجار احمد ودكاكين للعلافة ووكالة
لحلج الأقطان في الخمسينات من القرن الماضي لوالدي خليل العلاف قريبة من ثانوية
كلية الموصل الاهلية التي اسسها الاباء الدومنيكان سنة 1944 قرب محلة الأوس التي
كانت تسمى في العهد الثماني بمحلة الجولاق وتسمى اليوم محلة الساعة نسبة الى برج
ساعة كنيسة اللاتين و أول مدير لهذه الثانوية كان الأستاذ نجيب آدمو ومعاونه حنا
موريس فييه الفرنسي الجنسية وقد كتب عنها الاخ الاستاذ الدكتور ذنون الطائي .
كان التوجه القومي العربي هو السائد في محلة شهر سوق وكثير من
رموزها كانوا يحملون هذا التوجه واستطيع ان اورد أسماء عدد كبير من رموز هذه
المحلة ممن كانوا من العرب القوميين .وختاما اقول ان الشيخ محمد عبد الله الحسو
خلدها بقصيدة رائعة جدا نشرتها قبل سنين(2009 ) في مدونتي مدونة الدكتور ابراهيم
العلاف وعنوانها ( الحنين الى شهر سوق ) يقول فيها :
يا دارنا في شَهر سوق تكلمني
يا مهجتي هلاّ عرفت فتاكِ؟
هل تذكرين ملاعبي؟
هل تذكرين طفولتي وملاعبي؟
هل تذكرين مساربي بحِماكِ؟
أيام ألهو في الحمى بطفولتي
والقلب نشوانُّ بنفحِ شَذاكِ
والغيدُ تمرحُ في الدروبِ طَلِيقةً
من كل ساحرةٍ كطيفِ مَلاكِ
هل كان يعلم طفلنا أقداره
ومصيره من بَعدِ عيش زاكِ
يا دارنا.. لو تعلمين ببعض ما
كتب الزمانُ له مِن الأشواكِ
لوهبتِهِ دَفقَ الحَنان تلطفاً
ولكانَ ما قد مَسَّه
أبكاكِ
عبرتْ به غِيَرُ الزمان عصوفةً
فإذا به يبكي على ذكراكِ
وإذا ذكرتك في الخيال تصدعت
كبد تنزى لوعة بهواك
لم يبقَ لي إلاّ صداك مُرجَّعا
برحاب قلبٍ عَالقٍ برؤاكِ
أهفو إلى حُلوُ التراب بدارنا
في السطح..
في الغرفات..
في الشباك..
أين الزهور تفتحت بذُراك؟
يا زهرة نبتت على درب الهوى
وتناثرت
في غمرة الأشواك
يا دارنا في شَهر سوقْ
تحدثي..
يا حلوتي
هل تذكرين فتاكِ؟
أمسى ضباباً فوقَ بحرٍ صَاخب
أو كالسحابِ بذروةِ الأفلاكِ
يا دهرُ..
يا أفلاكُ
أين طفولتي؟
صَمَتَ الزمانُ
وذاب صوتُ الشاكي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق