الاثنين، 22 يناير 2018

يوم في حياة الموصليين


                                                                                السقا
                                                                      اسرة موصلية 
                                                            اولاد واحفاد الدكتور ابراهيم العلاف
                                                        لوحة للدكتور خليف محمود المحل
                                                                          المزملة 
                                              المربية لطفية الجراح مديرة المدرسة تكرم التلميذات 
                                                                            إمرأة موصلية 

                                                  احفاد الدكتور ابراهيم العلاف وولده حمو 
                                                               اسرة الاستاذ سالم نامق 
                                                                        سفرة عائلية 
                                                              امرأة موصلية تطبخ 

                                               سفرات الموصل الى ظاهر المدينة في الربيع 
يوم في حياة الموصليين 
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل
وأنا اتابع ما كتبه ويكتبه المؤرخون الاجانب لفت نظري كتاب المؤرخ والاثاري الكبير هاري ساكز استذ اللغات السامية في جامعة لندن وعضو البعثات البريطانية للتنقيب في النمرود وتل الرماح والموسوم : " الحياة اليومية في العراق القديم" .
وفي هذا الكتاب واستنادا الى الالواح الطينية والكتابات المسمارية يرسم الكاتب صورة رائة للمجتمع العراقي إن كان ذلك في بابل أو آشور ويتحدث عن الاطعمة والوجبات الغذائية عن الخبز والسمك والزيتون والبصل والثوم والعسل والفواكه والخضراوات واللحوم التي كان يتناولها الانسان العراقي ومنها لحوم الدجاج ..ما كان يتناوله الفقير وما كان يتناوله الغني .
وقد وددت اليوم ان اتحدث لكم عن الحياة اليومية للموصليين على الاقل في الايام التي ادركتها انا في الاربعينات من القرن الماضي القرن العشرين وما بعدها وطبيعي ان الحياة اليومية للموصليين كانت بسيطة وواضحة وليس فيها من العقد والاشكاليات التي نراها اليوم .
وكان من اهم ما يتصف به الموصلي في هاتيك الايام الرضى نعم الرضى بالقسمة والنصيب ولم يكن احدهم يتطلع الى ما في يد غيره كان الانسان الموصلي انذاك قنوعا راضيا بما قسمه الله سبحانه وتعالى الفقير يعرف انه فقير والغني يعرف انه غني والمتوسط اي من ينتمي الى الطبقة الوسطى كان يعرف حده وحدوده وكان يتصرف في المجتمع على هذا الاساس .
اذا كان المجتمع الموصلي مؤلفا من طبقة فقيرة وطبقة غنية وطبقة متوسطة .
وطبيعي كانت الطبقة المتوسطة هي الطبقة التي وقعت عليها مسؤوليات الحفاظ على قيم المجتمع وتقاليده وكانت هي الطبقة الديناميكية التي تحرك المجتمع وتسعى من اجل تقدمه وإزدهاره .
كانت الطبقة المتوسطة تتألف من الموظفين والعسكريين والحرفيين والتجار والاطباء والمحامين والمهندسين والمعلمين والمدرسين .
لقد قام المعلمون والمدرسون بدور كبير في تنوير المجتمع وتحديثه ..كانوا يسمون (الافندية ) وكان الافندي هو من يبني دارا وهو من يخيط بدلة وهو من يمتلك سيارة وهو من يسافر الى خارج العراق خلال العطلة الصيفية وجاءت الجمعيات التعاونية للاسكان لتسهم في توزيع الاراضي وتشجيع المعلمين والمدرسين على بناء الدور وهكذا نشأت احياء المثنى واليرموك والقادسية .ثم تقدمت جمعيات الاسكان الاخرى للموظفين وللعسكرين لتقوم بما قامت به جمعيات الاسكان للمعلمين فظهرت لدينا احياء لموظفي الماء والكهرباء والصحة والبلديات والمشراق .
الحياة اليومية للانسان الموصلي وخاصة اذا كان حرفيا او تاجرا او لديه مشروع تجاري خاص . اليوم يبدأ مع اذان الفجر ويذهب رب الاسرة الى الجامع للصلاة وقد يذهب الى الحمامات الشعبية التي كانت تزخر بها الموصل وبعدها يفتح دكانه ويظل حتى المساء ويعود الى البيت في الساعة الخامسة مساء لتجتمع العائلة على مائدة العشاء مع الاب .
كان رب الاسرة يرسل الحمال الى البيت في الضحى ليحمل ما يحتاجه البيت من لحوم وخضراوات وفواكه وهذا يكون يوميا ولم تكن سيدة البيت تطبخ ظهرا بل مساء وتقوم بتلهية اطفالها بأكلات بسيطة من قبيل الطحينية والحلو او القسب او الخبز الحار وفوق الدهن الحر .
كانت الاسرة تتحلق حول الاب او حول الجدة وهما يرويان للاطفال الحكايات ومنها حكاية السعلوة وحكاية المطلقات السبع .وبعد ظهور الراديو كانت الاسرة تتحلق حول الرادو او الكرامافون وبعد ظهور التلفزيون الاسود والابيض كانوا يتبسموةن حول هذا الجهاز العجيب الغريب ليتابعوا المسلسلات المصرية والتمثيليات العراقية الجميلة .ولم يكن ثمة مانع امام العائلة لتذهب برفقة الاب او الابن الاكبر الى صالة السينمات الكثيرة التي كانت تعج بها الموصل لمشاهدة الافلام العربية والهندية والاجنبية ومنها الافلام الاميركية .
كما لم ثمة مانع امام الاسرة لكي تخصص يوم الجمعة للخروج بنزهة الى ظاهر المدينة .
كانت الموصل تضم صالات لعرض الافلام السينمائية وكانت تضم مسارحا وكانت تضم مكتبات عامة وكانت تضم كازينوهات عائلية كثيرا ما ترتادها العائلات بدون اي حرج وقد شاهدنا ايضا في الموصل مجيء ممثلين مسرحيين عرب ومطربين عرب وفرق للسيرك وكان حضور العوائل الى تلك الفعاليات عاديا ولايوجد اي احراج امامها .
في يوم الجمعة كان رب الاسرة يذهب الى الجامع لاداء صلاة الجمعة وسماع خطبتها وعندما يعود يروي لاولاده وزوجته ما قاله الشيخ عمر النعمة او الشيخ بشير الصقال او الشيخ اسماعيل الكتبي او الشيخ عبد الله الاربيلي وغيرهم من الخطباء الذين كثيرا ما كانوا يتناولون في خطبهم موضوعات تفيد الناس والمجتمع .
وفي الاعياد والمناسبات يتبادل الناس التهاني كما كانت الاسر الموصلية في الاحياء القديمة وهي احياء اكثر حميمية من الاحياء الكونكريتية الحديثة الصماء تتبادل الاطعمة وتتبادل السلام وكان ابناء المحلة الواحدة يعرفون بعضهم البعض معرفة اولية .
الاطفال كانوا يمارسون اللعب في الزقاق وكانت لهم العابهم الخاصة بهم للصبيان العاب وللفتيات العاب .
ويلتقي ابناء المحلة الواحدة اقصد ارباب الاسر في مقهى المحلة ويتبادلون الاحاديث عن شؤون الدنيا وكانت لرمضان ولياليه طقوس خاصة ومعروفة .
لم تكن العائلة تعرف اللحم كل يوم ولم تكن تعرف الفواكه كل يوم ولم تكن تعرف الرز او التمن كل يوم ولم تكن تعرف القيمر كل يوم . اللحم يشترى بالحقة والست اواق والشاي يشترى طبخة بطبختها والفواكه وخاصة التفاح والبرتقال يشترى بالمناسبات ويهدى للمرضى والقيمر في الاعياد وبعض الجمع ورب الاسرة يعود اولاده وبناته على القناعة وعلى كبح النفس ويروي لهم بإستمرار قصة ذلك التاجر الذي جاءه ولده وقال له ياوالدي الجمل ببارة فرد عليه ما لنا ياولدي شغل بذلك وبعد فترة جاءه وقال له ياوالدي الجمل بليرة فقال له خذ وهات لنا 100 جميل فقال الولد ياوالدي ما هذا قال له ياولدي عندما كان الجمل ببارة لم يكن لدينا بارة اما اليوم فلدينا ليرات .
اللحم ادركته يكبس بالبراني وسمعت وانا ارى المزملة في بيتنا ان السقا كان يجلب الماء الى البيت ولم تكن هناك حمامات في البيت فالاستحمام يكون في الحمامات العامة وللرجال حمامات وللنساء حمامات وللبنات الابكار حمامات .
وادركت ان في البيت بئرا وبستانا وشجرة توث مثمرة .وادركت الكتاب (الملا ) والملا اسماعيل والملاية فوزية وفي عهد الزعيم عبد الكريم قاسم اي بعد ثورة 14 تموز 1958 عين بعض الملالي والملايات معلمات في المدارس الابتدائية بعد ان اجري لهم اختبارا في الكفاءة .
ثورة 14 تموز 1958 احدثت نقلة سياسية واجتماعية وثقافية في البلد .في الموصل لم يكن الكل بقادر على ان يرسل ولده او ابنته الى المدرسة لان المدرسة تكلف الاسرة مالا كثيرا وبعد الثورة فتح الباب على مصراعيه للتعليم اي صار التعليم ديموقراطيا مفتوحا امام الشعب .وكانت الكفاءة هي المقياس في التقدم وكان تلاميذ مدارس الموصل الاوائل في الامتحانات الوزارية العامة على كل مدارس العراق كان كل معلم ومدرس مدرسة قائمة بذاتها وكان المعلم مرب اكثر منه معلم .وقد تعلمنا في المدرسة الكثير الكثير من القيم والتقاليد والسلوكيات الرائعة .
علمونا :لاتقل اصلي وفصلي هكذا ***إنما اصل الفتى ما قد حصل
وعلمونا : كن إبن م شئت واكتسب ادبا ***يغنيك محموده عن النسبِ
وعلمونا الصبر على تحمل هموم الدنيا وعلمونا الشجاعة وكانوا يسمونها الشجاعة الادبية وعلمونا التفائل وعلمونا الرضى بالمقسوم وعلمونا الدين الحقيقي لم نكن نعرف ان هذا كذا وكذا وانما علمونا اننا عراقيين نقف امام العلم العراقي ونقول :عش هكذا في علو ايها العلم ...بك بعد الله نعتصم ُ.
وكانت ثمة تقاليد اذا ولد للعائلة مولود او اذا تزوج شاب او شابة او اذا جرت عملية الطهور لطفل حديث النشأة وكان يقوم بذلك رجال يسمون (السعرتية ) يتجولون في الازقة وبين المحلات .
كانت تجري بين المحلات مباريات تسمى ( الكدش ) وبعدها صارت مباريات كرة القدم .كنا نذهب الى ملعب الادارة المحلية مع التلاميذ وبرفقة معلم الرياضة لحضور المهرجات الرياضية كان شفيق الجليلي مراقب الرياضة في الموصل يقف في وسط الساحة ليجهر بصوته لتصمت الساحة كلها كنا نسميه (ملك الموت ) كان صرخة منه تكفي لآن يصمت الجميع صمت القبور .هكذا كنا نحترم اساتذتنا وهكذا كنا نحترم كبار السن .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في اهمية العودة الى الثوابت القيمية الاخلاقية

                                                                      ابراهيم خليل العلاف   ومساؤكم خير .........................وليلكم جميل...