لمناسبة مئوية الرئيس جمال عبد الناصر 1918-2018
جمال عبد الناصر و100 سنة على مولده : ابعاد تجربته ومشروعه النهضوي
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
ليس من السهل على الباحث ، أن يتعرف على الأبعاد الحقيقة لتجربة جمال عبد الناصر في مصر (1952 ـ1970) ولمشروعه النهضوي القومي ، وذلك لأسباب عديدة لعل من أبرزها هذا الكم الهائل من الحقائق والمعلومات المتوفرة عنه وعن عصره من جهة ، ولان عبد الناصر نفسه وحياته السياسية لاتزال عرضة للجدل والحوار . فالمؤرخون والكتاب الغربيون والمعادون لمشروعه ، وبدوافع مختلفة معظمها ينطلق من العداء والحقد ، أسهموا في تشويه صورته ودوره الحضاري وذلك لتعارض ، ما كان يدعو إليه من أهداف ومباديء مع مطامع الغرب الاستعمارية في المنطقة العربية الزاخرة بالثروات والإمكانات الاقتصادية والإستراتيجية .
ولم يكن عبد الناصر ليجهل طبيعة النظرة الغربية المملوءة بالحقد والريبة إيمانا منه بان تلك النظرة ليست إلا امتداد لتصورات استعمارية راسخة تطلق على كل من يقف أمام مشاريع الغرب ويعمل من اجل الحيلولة دون نجاحها ليس في مصر وحدها ، وإنما في الوطن العربي كله .
لقد عرف تاريخ العرب المعاصر دورا قياديا لمصر بدأ منذ منتصف الخمسينات تقريبا، وقد بني هذا الدور على مشروع قومي نهضوي ، بدأ بالتحرر من الاستعمار ثم أضيف إليه بعد ذلك هدفا ((الوحدة العربية )) و ((الاشتراكية العربية)) او العدالة الاجتماعية ، وان كان الهدف الأخير بالذات قد تراوح بين البروز والاختفاء حسب تطور علاقات مصر العربية . ويتفق معظم المؤرخين على ان ((القوى المحركة)) لذلك المشروع ، لم تكن سوى العلاقة الفردية التي نمت بين قيادة جمال عبد الناصر والجماهير العربية .
إن جمال عبد الناصر حسين ، وهذا هو اسمه الكامل لم يكن بعيدا عن هموم تلك الجماهير وتطلعاتها ، فلقد ولد في 15 كانون الثاني 1918 ، في عائلة عربية قروية تسكن صعيد مصر ، وتنتمي إلى عشيرة بني مر ، ولم يكن والده سوى موظفا حكوميا بسيطا في البريد . إلا انه كان معروفا ومحترما بين أبناء وسطه الاجتماعي ذي الطبيعة الفلاحية المحافظة المتدينة مع ميل شديد نحو الأفكار الوطنية والرغبة المتنامية في التخلص من حكم الأجنبي ومن هنا فقد استهوت المظاهرات السياسية التي شهدتها مصر في ثورة 1919 جمال عبد الناصر ، فاندفع نحوها وتعرض للضرب والاعتقال مع نخبة من زملائه الشباب ، يقول في كتابه ((فلسفة الثورة)) : ((وأنا اذكر فيما يتعلق بنفسي إن طلائع الوعي بدأت تتسلل إلى تفكيري وأنا طالب في المدرسة الثانوية اخرج مع زملائي ... احتجاجا على وعد بلفور الذي منحته بريطانيا اليهود ومنحتهم به وطنا قوميا في فلسطين اغتصبته من أصحابه الشرعيين )) .
ثم يقول كان يسير مع زملائه في الشوارع ويهتف بحياة الوحدة ، وبسقوط فرنسا المستعمرة لسوريا ولبنان .
وحين دخل الكلية العسكرية سنة 1937 وتخرج منها برتبة ملازم ثان في سلاح المشاة ، تبلور وعيه السياسي ، وبدأ يرسم لنفسه هدفا يقوم على البحث عن اية وسيلة يستطيع فيها خدمة وطنه . ويبدو ان حادثة 4 فبراير / شباط 1942 ، حين اجبر الإنكليز الملك فاروق بالدبابات التي حاصرت قصر عابدين على الإتيان برئيس وزراء يستطيع ضبط الشعور الوطني المتزايد ضد الانكليز ، ويعمل من اجل تعبئة المصريين لخدمة الأهداف البريطانية في تلك المرحلة من الحرب العالمية الثانية ، اثر كبير في نفس جمال عبد الناصر ، الذي اعتبر تلك الحادثة اكبر إهانة لحقت بكرامة بلاده واستقلالها ومن هنا فقد انعكست على توجهاته وفكره المعادية للمستعمرين . ثم جاءت هزيمة الجيوش العربية في فلسطين سنة 1948 ، ومنها الجيش المصري الذي حوصر آنذاك في الفالوجة ، وكان عبد الناصر يعمل ضمن تلك القوة المحاصرة ، لتجعله يدرك بان الانكليز هم العدو الرئيس للأمة العربية ، ولولاهم لما استطاع الصهاينة ان ينجحوا في مخططاتهم ، لذلك فقد قرر مع نفسه ومع قلة من زملائه ان طريق الخلاص ، لايبدأ إلا بتحرير مصر أولا .
كان عبد الناصر معجبا ببعض القادة والمفكرين العرب الذين عاصرهم ومنهم عزيز علي المصري وساطع ألحصري ، كان عزيز علي المصري أستاذه في الكلية العسكرية وقد ظل على اتصال به بعد تخرجه منها وعندما سأله مراسل جريدة نيويورك تايمس سنة 1961 عن الشخصية المعاصرة التي تأثر بها أجاب ((اعتقد أن أكثرهم تأثيرا علي كان الفريق عزيز علي المصري لقد أعجبت به عندما كنت ضابطا صغيرا . فلقد كافح في سبيل الاستقلال وأصر عليه .. )). أما فكريا فقد تأثر عبد الناصر واستفاد كثيرا من قراءته لعدد من المفكرين القوميين العرب ، وأبرزهم المفكر القومي والمربي المعروف ساطع ألحصري . ولقد أتاحت له دراسته في الكلية العسكرية ثم في كلية اركان الحرب ، الفرصة لدراسة كتابات كبار المفكرين العسكريين وفي مقدمتهم كلاوفتز وليدا ، هارث ولندسل وفولر كما اطلع على سير بعض القادة والزعماء أمثال بسمارك ونابليون وكمال أتاتورك وغيرهم .
نجح عبد الناصر في العمل مع بعض زملائه في تأسيس منظمة الضباط الأحرار ومع انه اتصل بالعديد من الأحزاب والقوى السياسية التي كانت تعمل على الساحة المصرية في مطلع الخمسينات ، للوقوف على أفكارها وآرائها . لكنه لم يحاول التفريط باستقلالية وسرية التنظيم الذي أقامه . وفي صبيحة يوم 23 يوليو ( تموز) 1952 ، استولى عبد الناصر على الحكم في مصر بالثورة . وقد حاول تحقيق أهدافه بالأساليب السلمية والعملية ، او كما قال ، عن طريق ((التجربة والخطأ )) .
كان هدف عبد الناصر الأول ، تحقيق استقلال مصر حيث كان يجثم على أرضها قرابة (85) ألف جندي بريطاني ، فسعى إلى إجلاء هذه القوات ...
وحرص على اقامة نظام جمهوري جديد محل النظام الملكي المندثر وفي سبيل تحقيق هذا الهدف ، اخذ يضغط على بريطانيا لإجلاء قواتها عن منطقة قناة السويس ثم إلغاء المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي كانت تكبل مصر بالقيود منذ زمن وتحد من استقلالها . وشعر عبد الناصر ان ذلك لن يتحقق إلا بتعبئة الشعب المصري وراءه فراح يؤكد على مبدأ ((العزة)) و((الكرامة)) الوطنية ، ورفع شعار ((ارفع رأسك يا أخي ، فقد مضى عهد الاستعباد)) . وكان موفقا في ذلك أيما توفيق .
أما الهدف الثاني فكان يتعلق بمشروعه العربي النهضوي لذلك اخذ عبد الناصر يضع أسسا لهذا المشروع الذي يرمي الى تحقيق النهوض والاستقلال الحضاري للأمة العربية .. وكان يدرك ان ذلك يتطلب ثورة شاملة وعميقة تتناول كل جوانب الحياة وتأخذ بنظر الاعتبار العمل على التحرر من السيطرة الأجنبية بكل أشكالها ، انطلاقا من أن المعيار الرئيسي للتقدم والتخلف ، هو الاستقلال وعدم التبعية ، والأمر في كل ذلك يتطلب تنمية اقتصادية اجتماعية تستهدف تحقيق الرفاه والتقدم لأوسع قطاعات الشعب وطبيعي ، يأتي هدف التمسك والاعتزاز بالهوية الحضارية العربية الإسلامية في مقدمة الأمور التي ينبغي النضال من اجله ، ذلك ان تفوق الغرب علميا وتكنولوجيا ، قد بني على استعباد الشعوب ونهب ثرواتهم وما زال يستمد تفوقه من تكريس تخلف وفقر هذه الشعوب ، ثم يأتي المطلب الإستراتيجي والمهم وهو تحقيق الوحدة القومية للأمة العربية ، وهذا شرط جوهري لاستكمال المشروع الحضاري العربي المستقل .
ومجمل القول في هذا المشروع انه يستند على دعامتين أساسيتين هما :
أولا :
الحفاظ على الجوهر الايجابي لتراثنا الحضاري المحدد لهويتنا القومية
والإنسانية المستقلة امتدادا تاريخيا متجددا لمعطيات الحضارة العربية
الإسلامية التي بناها أبناء هذه الأمة والقائمة على التوازن والتكامل
بين الجوانب المادية والروحية .
ثانيا :
التنمية المستقلة المركبة ، بكل مقوماتها الثقافية والسياسية
والاقتصادية المتمركزة حول الذات المستندة أساسا الى قدرة التجدد
الذاتي لامتنا العربية الملبية لاحتياجاتها والمجسدة لاستقلالية إرادتها
وقرارها .
عند ذلك شعر الغرب أن عبد الناصر وبحكم موقع مصر الإستراتيجي والتزاماتها نحو العرب ، لم يكن يكتفي بتحقيق سيادة مصر الخاصة بعد ان اكتشف مصادر القوة في الأمة العربية وهي : رباط معنوي هو الدين الإسلامي ورباط مادي هو الأرض والقوة الاقتصادية وهي النفط ، ولقد كان عبد الناصر يسعى للعمل من اجل المطالبة بتحرير كل العرب من ربقة الاستغلال والتسلط . ولم تقف دعوته عند هذا الحد ، بل خلفت تأثيرا فاعلا في دول العالم الثالث المتطلعة إلى توطيد استقلالها وإعلان رفضها الانحياز لأية قوة عظمى .
بدأ الغرب يضع العراقيل أمام نهوض مصر ويحول دون نجاح مشروعها القومي النهضوي ، وقد اتضح ذلك في البدء ، بعد حصول عبد الناصر على مصدر جديد للسلاح ، غير الغرب ، ثم خطا عبد الناصر خطوة أخرى ، باتجاه تأكيد الاستقلال في القرار السياسي وإزالة التوتر في المنطقة العربية وذلك برفضه أية محاولة لربط العرب بأية مشاريع وأحلاف دفاعية غربية . لكن سعيه هذا اكسبه عداء دول غربية وخاصة بريطانيا وفرنسا ، هاتان الدولتان ، اللتان خططتا مع إسرائيل للعدوان على مصر سنة 1956 احتجاجا على تأميمه قناة السويس .
لكن غبار العدوان ورصاصه سرعان ما انجلى عن ازدياد في شعبية عبد الناصر ليس في مصر وحدها وإنما في الوطن العربي كله . فبدأ اسمه يتردد على كل لسان ، وانعكس الصدى في اكثر من مدينة وقرية عربية ، مثلما تنعكس صور الألعاب النارية في الفضاء الواسع وازداد الحماس الشعبي العربي باتجاه الوحدة ، والتي بدأت بوحدة مصر وسوريا في شباط 1958 وقيام الجمهورية العربية المتحدة . لقد كان طموح العرب أن يروا ردا على الغرب من عبد الناصر ، وكان قيام الوحدة قمة قراراته الثورية والقومية في آن واحد وكان لحزب البعث العربي الاشتراكي دورا كبيرا في قيام هذه الوحدة . وهكذا استطاع جمال عبد الناصر وبتأييد من أبناء الشعب العربي أن ينقل الفكرة القومية العربية من النظرية الى التطبيق ومن الكتب إلى الواقع الحي .
ورددت القوى الغربية ، إن الغوغائية عماد الناصرية ، وهذا خطأ فادح .. فعبد الناصر بتنفيذه سلسلة من الإجراءات ، استطاع أن يعكس أماني العرب وطموحهم ويدافع عن حقوقهم القومية دفاعا حقيقيا ، لذلك تحول بسرعة كبيرة إلى رمز للحركة القومية والنهوض العربي المعاصر . ومما ساعد على ذلك ان عبد الناصر خصص جزءا كبيرا من وقته وجهده وأموال بلده في تثقيف الجماهير بالكتب والمجلات الشعبية الرخيصة الثمن والصحف والإذاعة ، وبتوسيع المدارس وفتح المصانع وإشراك الناس في مناقشة قضاياهم بكل صراحة ووضوح ، وباختصار سعى إلى كل ما يمكن فعله في محاولة تركيز الوعي في النفوس وتعميق وتنظيم الجماهير تنظيما فكريا . ولقد لخصت سياسية عبد الناصر العربية ما كان يحلم به كل عربي : الحيلولة دون التسلط والاحتكار وسيطرة رأس المال ، التأميم ، حياد في الصراع الدولي ، مناصرة المظلومين ، تعاون ايجابي مع الآخرين ، التزام بالأهداف القومية العربية ، مناهضة المستعمرين ، كشف العملاء والخونة والجواسيس ، تعرية الرجعيين ، تبني القضية الفلسطينية ، مؤازرة حركة الثورة العربية ، تأكيد عروبة مصر ، وكان لكل تلك الإجراءات خصوم فظهرت معارضة قوية لعبد الناصر ، وجاءت المعارضة القوية ليست من قبل الحكام الرجعيين والمتخلفين فحسب ، بل ومن الغرب الامبريالي ومن الولايات المتحدة الأمريكية التي دخلت لتحبط نهوض العرب وتحول دون نجاحهم في امتلاك ناصية العلم والتكنولوجيا .
لقد أتت تلك المعارضة ، بسبب تضارب أفكار عبد الناصر ، ومفهومه لأمن مصر القومي مع الخطط الدفاعية الغربية ، ومن أمن ( إسرائيل) ومع الأطماع الأجنبية في نفط العرب ، وكان هو الدافع لاتهام الغرب لعبد الناصر بأنه يعمل انطلاقا من مطامحه الشخصية ، وانه يرمي إلى إقامة إمبراطورية له وانه دكتاتور وانه ينشر الإرهاب ويحرض الشعوب على حكامها ويسعى للاستحواذ على النفط العربي ونلك اتهامات تعرض لها ويتعرض لها كل يوم ، من يقف أمام أطماع الغرب وحقدهم الدفين على العرب والإسلام .
لقد بدأت الولايات المتحدة الأمريكية ، تقود العالم الغربي في احتواء مشروع عبد الناصر ومحاصرته من خلال دعمها للكيان الصهيوني وللرجعية العربية وتتميز السنوات الواقعة بين 1961 و1970 بأهمية خاصة في التاريخ العربي المعاصر . ففي تلك السنوات نجح الغرب في تحقيق الانفصال بين مصر وسوريا وفي استعداء كثير من الحكام العرب على عبد الناصر ، وأكثر من ذلك إيقاع هزيمة فادحة من خلال عدوان صهيوني في 5 حزيران 1967 بمصر والعرب ، فشمت الكثيرون بعبد الناصر ، وتشفى الكثيرون وتآمر عليه اقرب الناس إليه ، وأعلن واحد منهم أن عبد الناصر ، قد انتهى في الهزيمة ، وهلل زعيم القوى الامبريالية الرئيس الأمريكي آنذاك ليندون جونسون وقال :
((لقد انتهت القضية ... والرجل )) ولكن عبد الناصر سرعان ما قام ، قومة برومثيوس بعدما اثخنته الجراح وعصفت به الآلام ، فاسترد قوته واستجمع طاقته ، واستمر بإصراره العنيد ضد أعدائه من الامبرياليين والرجعيين . ولم يمل النضال يوما ، وما تبدلت سماء الصمود فيه ، ولم يسلك يوما طريق الخداع والتضليل ، ظل شجاعا وصريحا وصارما ، محبا للعمل الجاد مضحيا بنفسه وبصحته في سبيل مصر وكرامتها وكرامة العرب .
وكان عبد الناصر يدرك أن هدف العدوان الغربي -الإسرائيلي هو فرض الإرادة الاستعمارية على العرب ، فبعد هزيمة 1967 قال: ((بان الولايات المتحدة تزود إسرائيل بكل الوسائل التكنولوجية والمعلومات الكاملة عن مصر . وهي تعمل كما قال دائما ، على خداعنا ، لذلك فإما ان نستسلم لأمريكا ونخضع للاستعمار العالمي أو نقاتل ونناضل )) . وأضاف إن سر العدوان على مصر هو سياستها المستقلة والأمريكان يعرفون ذلك جيدا ، وكانوا يريدون أن يخضعوا مصر لإرادتهم ، لكن مصر رفضت لأنها تعرف أهدافهم الخبيثة لذلك لايمكن ان تترك العرب عدوهم الأساسي فإما أن يسلم العرب إلى أمريكا ليحصلوا على مساعدات اقتصادية بشرط خضوعهم . او ان يقاتلوا ويناضلوا وختم كلامه بالقول: إن أمام أمريكا إما إن تهاجم مصر مباشرة تحت أي مبرر ، أو أن تدعم إسرائيل وتدفعها للقيام بهجوم على مصر .
وبعد 1967 اخذ عبد الناصر يعيد بناء مصر وقوتها المسلحة ويستعد للقتال وطرد إسرائيل من سيناء وقد شهدت السنة 1969 خطوات جادة على طريق الإعداد للمعركة ، لكن قلب عبد الناصر ، ما لبث أن توقف عن الخفقان ، بعد انتهاء مؤتمر القمة العربي الذي عقد من اجل فلسطين في أيلول-سبتمبر 1970 ، وإذا كان الجيش المصري قد عبر قناة السويس في أكتوبر ( تشرين الأول 1973) وحدث ما حدث من وجود ثغرة الدفرسوار ، وفك الارتباط وانحياز أنور السادات ، رئيس مصر بعد الناصر إلى الحلول الأمريكية والرضوخ لها وعقد معاهدة كامب ديفيد ، فان صرخة عبد الناصر لازالت في أذان كل مصري وكل عربي وهي تعلن : ((بأننا لن نستسلم وليأت غيرنا ليحكم ويستسلم .. فأمريكا لن تتركنا إلا مقابل سياسة يمينية كاملة .. والاعتقاد بان أمريكا تملك الحل ، ما هو إلا كلام فارغ .. نعم كلام فارغ )) .
لقد اشرأبت روح عبد الناصر بحب أمته ، وكانت عبقريته تكمن في إدراكه لحقيقة مصر العربية .
ولئن كان عبد الناصر قد واجه أعداء كبار لأقبل له بمواجهتهم .. فانه ظل جبلا من الإباء والكرامة ، فقيادات الشعوب، كما قال مرة ،ليست قيادة انتصارات فقط ، وإنما قيادة انتصارات وقيادة أزمات ونكسات أيضا . وهي كما تقبل تصفيق الجماهير أثناء النصر ، عليها أن تقبل طعنات الجماهير عند الهزيمة ، وهذه هي سنة الحياة . والمهم بعد هذا كله ان عبد الناصر مثل الإرادة العربية الصلبة في تلك المرحلة من مراحل تاريخنا العربي المعاصر .
*الصورة قديمة ومن ارشيفي واعتز بها وتاريخ وجودها عندي يعود الى سنة 1958
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق