الخميس، 26 يناير 2017

حركة العميد الركن الطيار عارف عبد الرزاق في 15 ايلول 1965 في شهادة الاستاذ صبحي عبد الحميد يرويها العميد الركن الدكتور صبحي ناظم توفيق




 د. صبحي ناظم توفيق
 عميد ركــن متقاعد.. دكتوراه في التأريخ
21/1/2017
تمــهيـــــــــد
بعد أن نشر هذا الموقع الأغر مقالتي التي إحتوت تلك المعلومات الشيّـقة -غير المسبوقة- التي نوّرني بها "الرائد المتقاعد إحسان عارف آغا بيراقدار".. إلاّ أنه، وبحكم رتبته ومنصبه المتواضعين من جهة، وكونه على غير ذي علاقة ((تنظيمية)) بـ"كتلة الضباط القوميين" ومحاولتهم الإنقلابية من جهة أخرى، فإنه -مع جلّ إحترامي لشخصه- لا يعدو أكثر من شاهد عيان للحدث الجلل خلال ساعاته الأخيرة فحسب، ومن دون أن يكون من صُنّاعِه ومُخطّطيه ومُنفّذيه... لذلك فقد أرغَمَي حديثه -لكوني أبحث ببعض العمق في بعض تأريخ العراق المعاصر- إلى اللهث جدياً لإجراء مقابلات خلال عام (1997) مع عدد من صناع الحدث وأصحاب القرار، والخلاف الأكبر الذي فرض أوزاره بين المتصارعين في حينه.. فكان الحديث الأهم مع شخص الأستاذ "صبحي عبدالحميد/أبو رافد"، الذي زوّدني مشكوراً بـ(10) صفحات كتَبَها بخطّ يده عن تلك الحركة الإنقلابية.
وفيما يأتي ملخّصها:-
((لم يكن قد مضى أكثر من شهرين على نجاحنا في حركة (18/ت2/نوفمبر/1963) والتي جعلت من "المشير الركن عبدالسلام محمد عارف" رئيساً حقيقياً للجمهورية العراقية، وليس رئيساً صورياً كما كان عليه حاله بعد (14/رمضان-8/شباط/فبراير/1963) ولـ(9) أشهر متعاقبات، حتى إلتأم شمله مع الرئيس "جمال عبدالناصر" في "القاهرة" حيث عَقَدا معاً جلسات عديدة على هامش إجتماعات "مؤتمر القمّة العربي الأول" المنعقد أواسط (ك2/يناير1964)، والتي حضرتُها جميعاً بصفتي وزيراً للخارجية.
كان الرئيس "عبدالناصر" يتحدث مع الرئيس "عبدالسلام" عن تجربته الرئاسية التي طالت (12) سنة في الحكم، ناصحاً إياه بضرورة التوصّل الى حلّ جميع مشاكل العراق بالطرق السلمية والحكمة، مؤكداً على:-
المحافظة على وحدة العراق وأرضه وشعبه، بقومياته وطوائفه ومذاهبه المختلفة، ومعاملة الجميع كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات.
حلّ المشكلة الكردية المستعصية سلمياً، وحتى إن أدّى ذلك الى منحهم حكماً ذاتياً.
تشكيل تنظيم سياسي يستند عليه الحكم ويُسنده.
تأسيس "تنظيم سري خاص" بمستوى القوات المسلحة يرتبط به ويُعتَمَد عليه، كما هو الحال في "مصر".
إستمع الرئيس "عبدالسلام" إلى تلكم النصائح بإهتمام، وإقتنع بها... لذلك، فحال عودتنا الى بغداد كلّفني بتشكيل ذلك "التنظيم السري الخاص" رغم كوني وزيراً للخارجية وعلى غير تماس مباشر مع القوات المسلحة وضباطها، وإضطراري للسفر خارج العراق -بحكم منصبي- ولربّما لعدة مرات خلال الشهر الواحد... وعلى الرغم من تكرار إعتذاري له إلاّ أن إصراره جعلني مضطراً لمفاتحة زملائي السابقين الذين شكّلنا معاً -في عهد"عبدالكريم قاسم"- تنظيماً سرياً شارك في القضاء على حكمه خلال ثورة (14/رمضان-8/شباط 1963)، وقبل أن نقرّر -نحن- على حلّه بُعَيد نجاحها.
لم يمضِ سوى شهر واحد، حتى إكتشفتُ أن أنباء هذا "التنظيم العسكري السري الخاص" -المُعاد تشكيله- قد تسرّبت إلى كبار ضباط القوات المسلحة... فتطوّع المشاغبون -وما أكثرهم- بالدَسّ ضدّنا لدى رئيس الجمهورية، مصوّرين له أننا نُعيد تنظيماً من ضباط القوات المسلحة للإطاحة به.
والغريب في الأمر أن "الرئيس" قد إستمع لهذا الشغب، بل وصَدَّقَه، من دون أن يواجه أولئك المشاغبين ويُدافع عنا ويُسكتهم، كونه هو الذي أمرني بإعادة تأسيسه، وأنه يفترض أن يعتبر شخصه على رأس هرمه وعلى إتصال مباشر به.
كان في مقدمة أولئك أخوه "اللواء عبدالرحمن عارف" وقد نَصَّبَه رئيساً لأركان الجيش بالوكالة، والذي كان يردّد دوماً أننا جميعاً أعضاء في حزب يسمى "حركة القوميين العرب".. وذلك إفْكٌ وإفتراء وبُطلان لا صحّة له مطلقاً.
وبدلاً من أن يتمسّك الرئيس بتنظيمنا ويدعمه، فقد أهمله وتجاهله، وأوعز سراً إلى "العميد سعيد صليبي" -قائد موقع بغداد- بتشكيل منظّمة تضم ضباطاً من أقرانه... كما طلب لاحقاً من "العقيد الركن بشير عبدالرزاق الطالب"-آمر لواء الحرس الجمهوري- بإقامة تنظيم مشابه آخر من الضباط الموصلّيين... وإلى أخيه" اللواء عبدالرحمن عارف" بتهيئة تنظيم ثالث.
وهكذا تكوّنت في القوات المسلحة العراقية (4) كتل من كبار الضباط المتنفذين في أمور الدولة، إضافة إلى كتلة خامسة يقودها "العميد عبدالهادي الراوي"، وأمست جميعاً تتنافس في إستمالة الضباط إلى صفوفها بطريقة أو بأخرى.
وليتَه طلب مني الكفّ عن الإستمرار في تنظيم كتلتنا وصرف النظر عنها ليتولّى هو قيادتها بشخصه بدلاً من تلك الفوضى التي باتت تعّم وحدات الجيش ومؤسساته.... ولما إضطررتُ إلى مصارحته بذلك، أنكر علمه بوجود مثل هذه التنظيمات.
وفي شهر (آذار/مارس1964) وبعد أن إكتشفنا شكوك "عبدالسلام عارف" حيال كتلتنا، فقد قرّرنا على العمل بصورة مستقلة عنه، ولكن من دون أن تكون لدينا أية نيّة للعمل ضده أو الإنقلاب عليه أو الإستحواذ على السلطة، بل كانت غايتنا تحصين القوات المسلحة وصَون البلد من إحتمالات أن يجازف بعض المغامرين ويقفزوا على السلطة بَغتةً من خلال إستثمار واحد أو أكثر من تلك التنظيمات.
ولما كنتُ -ومعي العميد الركن عبدالكريم فرحان- معارضاً لفكرة أن يقود شخص واحد تنظيمنا، لإيماني بـ((القيادة الجماعية))، فقد قرّرتْ قيادة التنظيم عكس ذلك خلال الشهر الاخير من عام (1964) فإجتمعت دون إستدعائي، وأقدَمَ أعضاؤها على إنتخاب قائد القوة الجوية "عميد الجو الركن عارف عبدالرزاق" رئيساً لقيادة الكتلة.
باشر الرئيس "عبدالسلام عارف" بالتخطيط للتخلّص من كتلتنا، وذلك قبل مدة من الخلاف الذي أدّى الى تقديم السيد "عبدالكريم فرحان" وزير الثقافة والإرشاد لإستقالته أواخر (حزيران/يونيو1965) والتي تفاقم إلى مستوى "أزمة تموز الوزارية"، وذلك بتمزيقنا من الداخل، متقرِّباً إلى شخص "عارف عبدالرزاق" رئيس الكتلة المـمُنتَخَب وذي المنصب الخطير (قائد القوة الجوية)، محاولاً بشتى الطرق والأساليب كسبه الى جانبه وإبعاده عن صفوفنا... موعِزاً إلى صديقَي "عارف عبدالرزاق" الحميمَين "العميد سعيد صليبي والعقيد حميد قادر" للتأثير عليه.
ولمّا إستنتج "عارف عبدالرزاق" ذلك فقد صمّم من جانبه أن يكشف خطة "عبدالسلام عارف" ونواياه ومناوراته، وأخذ يتردّد عليه دوماً مُبدِياً له الودّ والإخلاص، محاولاً نصحه وإعادته إلى النهج السليم في بادئ الأمر، ومؤكداً له أن الجميع يحبّونه ويقدّرونه ويحترمونه، وأن معارضتهم لبعض قراراته ليست إلاّ من قبيل دافع الحرص على المصلحة العامة.
في أول يوم من (ايلول/سبتمبر/1965) إستدعى "عبدالسلام عارف" وزير الدفاع "اللواء الركن محسن حسين الحبيب"، مُسَلِّماً إياه ورقة تحتوي أسماء (10) ضباط، طالباً منه نقلهم الى خارج "بغداد"، وكان على رأس القائمة "العميد الركن محمد مجيد- معاون رئيس أركان الجيش".. والعقداء الركن "عرفان عبدالقادر وجدي- آمر الكلية العسكرية، هادي خماس- مدير الإستخبارات العسكرية، محمد يوسف طه- مدير الحركات العسكرية"، وجميعهم من قياديّي الكتلة.
لم يقتنع وزير الدفاع بتنفيذ الأمر، وبعد أن إستشار زميله "اللواء الركن ناجي طالب" وزير الخارجية بالأمر، قرّر كلاهما تقديم إستقالتَيهما من منصبَيهما، رافضَين أن يتحوّلا الى ((مِعوَل)) بيد "عبدالسلام عارف" للتخلص من ضباط زملاء للوزراء الذين إستقالوا من مناصبهم أوائل شهر تموز من العام نفسه.
بخروج وزيرَين مهمّين من وزارة "الفريق طاهر يحيى" الثالثة، وبدلاً من إجراء تعديل ثانٍ عليها، فقد قرّر "عبدالسلام عارف" تكليف "عارف عبدالرزاق" -قائد القوة الجوية- بتشكيل وزارة جديدة بعد إقالته لتلك الوزارة من دون إعلان مسبق.
ولكن... وقبل ذلك بأشهر، ومنذ إنتخاب الكتلة لـ"عارف عبدالرزاق" رئيساً لها، فقد عقد قادتها إجتماعات عديدة خلال النصف الاول من (1965)، عارضين خلالها مواقف "عبدالسلام عارف" من كتلتهم، ودارسين مضامينَها دراسة مستفيضة، إذ كانوا قد توصّلوا إلى الآراء الآتية حولها:-
أن "عبدالسلام عارف" أخذ يتّجه للإنفراد بالسلطة، وقد جَمَّدَ بشكل شبه نهائي أعمال "المجلس الوطني لقيادة الثورة".
أنه عاد يعتمد على القوى الرجعية ويُغازلها، ويتهكّم أمامها على الوحدة والإشتراكية، وكذلك على "الإتحاد الإشتراكي" الذي لم يَتسَنّ له أن يخلق منه تنظيماً يتبع شخصه، وأن ليس من واجبه سوى الهتاف والتصفيق له.
إن كرسي الحكم قد أغراه، وأمسى عنصراً لتعويق الوحدة الموعودة مع الجمهورية العربية المتحدة.
أنه بات يشجّع تأسيس تنظيمات سياسية متعددة داخل الجيش، مُحرِّضاً الواحد ضد الآخر، ومستهدفاً في المقام الأول تحريض الضباط من ذوي الرتب الكبيرة ضد كتلتنا التي تُعتَبَر أول كتلة مُسانِدة له.
أن عنصر الإنسجام لدى السلطة العليا للدولة إنفرطت أواصره، وأن الثقة بين قادتها وبينه إهتزّت، وأن الواحد أضحى يتربّص بالآخر.
لا بدّ من بذل كل الطرق والوسائل لإعادة الثقة بين رئيس الجمهورية وقادة كتلتنا، والضغط عليه لتغيير نهجه الفردي، وإعادة إيمانه بالوحدة والإشتراكية، والإعتماد عليهم بمثابة سند قوي ليحموه من المؤامرات والإنقلابات.. وأن لا هدف لـ"الكتلة" سوى حماية النظام القائم وترصينه والمحافظة عليه.
إذا لم تَفِدْ كل تلك المحاولات مع "عبدالسلام عارف"، وأصرَّ على الإستمرار في نهجه، فلابد من التفكير بتبديله.
وهكذا.. فعندما رفض "عبدالسلام عارف" حلّ جميع الكتل السياسية المتنوعة في عموم القوات المسلحة، وإكتشف "عارف عبدالرزاق" نواياه في التخلّص من قادة "كتلتنا القومية بالتدريج، فقد تبلورت فكرة تنحيته عن الحكم بشكل جدي منذ مطلع (حزيران/يونيو1965).
وجاء تشكيل "عارف عبدالرزاق" لوزارته أوائل (أيلول/1965) ليطرح أسماء وزراء إنتخبهم هو، فرفضها "عبدالسلام".. فتشكّلت الوزارة من عناصر غير معروفة بدت ضعيفة، وهاجمتها القوى القومية بشدة... ولم يسلم "عارف عبدالرزاق" نفسه -وهو المعروف بتوجهاته القومية والوحدودية- من النقد اللاذع، وأُتُّهِمَ بقبول ترؤّسه للوزارة طمعاً في إشغال هذا المنصب الأرفع.
ونظراً للصداقة الحميمة التي كانت تربط "عارف عبدالرزاق" بـ"العميد سعيد صليبي"، فإنه كان يشكو له -في جلساتهما الشخصية- من فردية "عبدالسلام" وإبتعاده عن الخط الوحدوي، وميله للإعتماد على القوى الرجعية... ولكن "سعيد صليبي" -الذي كان يحاول المناورة بين (3) إتجاهات- أولها "عبدالسلام عارف"، وثانيها "أحمد حسن البكر" وعناصر قيادية من حزب البعث الذي كان يتقرّب إليهم ويغازلهم، ناهيك عن صداقته الشخصية والحميمة مع "عارف عبدالرزاق" ومحاولاته الهميمة لإبعاده عن كتلتنا.
وعندما شكّل "عارف" وزارته، كان رأي "سعيد صليبي" أنه ما دام قد بات قريباً من شخص رئيس الجمهورية أكثر من أي وقت مضى، فإن عليهما أن يمنحاه فرصة (3) أشهر يحاولان خلالها إقناعه بمبدأ الحكم الجماعي وتحقيق الوحدة المنشودة، فإن لم يقتنع ولم يعمل بهذا المنحى، فإن "سعيد" مستعد للمشاركة في إزاحته.
ومن ناحية أخرى، إعتقد "عبدالسلام عارف" أنه إستطاع كسب "عارف عبدالرزاق" إلى جانبه تماماً حين جعله رئيساً للوزراء ووزيراً للدفاع في وقت واحد، وأن الأخير غدا مستعداً لتنفيذ جميع رغباته، وأنه إبتعد عن كتلته القومية... ولغرض جعله أكثر بُعداً، فلا بدّ أن يطلب منه نقل أولئك الضباط الذين رفض وزير الدفاع السابق "محسن حسين الحبيب" نقلهم قبل أن يقدّم إستقالته بسبب ذلك.
ولكن "عارف عبدالرزاق" نفّذ أمراً واحداً ضمن باكورة أعماله، حين أصدر أمر نقل "العميد الركن محمد مجيد" -وكان يومها في "لندن" لغرض المعالجة- من منصب "معاون رئيس أركان الجيش" إلى منصب "آمر كلية الأركان"، تحت ذريعة أنه ينبغي أن يحوز على ثقة "عبدالسلام عارف" تمهيداً لتنفيذ ما إتّفقت عليه "الكتلة" حالما يحين الوقت المناسب.
ولدى سفر "عبدالسلام" إلى "المغرب (12/أيلول/1965)، لم يَنْسَ أن يسلّم "عارف عبدالرزاق" في المطار الدولي، ورقة تحتوي إسمَي "العقيد الركن عرفان عبدالقادر وجدي، والعقيد الركن محمد يوسف طه" طالباً ضرورة نقلهما من منصبَيهما الحسّاسَين إلى منصب "آمر لواء" ضمن تشكيلات الجيش خارج "بغداد"... وبذلك يمكن فصل "عارف عبدالرزاق" عن كتلته بشكل نهائي وخصوصاً إذا ما صدر أمر النقل وهو في "المَغرِب"، إذْ يمكنه أن يزعم مستقبلاً أنه لا علم له بذلك، لأن مثل هذه الصلاحية مخوّلة لوزير الدفاع.
إتصل "عارف عبدالرزاق" بي هاتفياً -والكلام لازال للسيد صبحي عبدالحميد- وأخبرني بالأمر، وسألني الرأي، فقلت له:-
((لا تُنفّذ، بل صارِحْهُ عند عودته بأنك لست على إستعداد لأن تنفّذ أمراً رفض وزير الدفاع السابق إصداره، وأن لا داعي لإجراء مثل هذه التنقّلات، بل الأفضل العمل على حلّ جميع الكُتَل تمهيداً لإبعاد الجيش عن السياسة)).
ولتلافي الإحراج الذي وقع فيه "عارف"، فقد إستدعى في تلك الليلة الضابطَين المذكورَين، بغية إقناعهما بالموافقة على النقل قبل إصدار أمره... ولكنهما أوضحا له:-
((ليكن في علمك، إننا سنكون أوّل الغيث، لأن رئيس الجمهورية عندما يعود فإنه سيطلب منك المزيد... ولكن، على أية حال، إن أصدرت الأمر فكلانا مضطرّان لتنفيذه وفق التقاليد العسكرية، وعليك موازنة النتائج المترتّبة على ذلك، لكوننا نشغل منصبَين مهمّين ستخسرهما إذا ما قرّرت القيام بحركة في المستقبل)).
وعندما خرج العقيدان من مكتبه، ظلّ "عارف عبدالرزاق" في حيرة من أمره، على الرغم من صلابته وشجاعته وقدرته المشهودة على تحمّل المسؤوليات مهما كانت خطورتها، وبالأخص عندما واجهه ضباط آخرون بإعتراضاتهم، مُذكِّرين إياه بأن الدَور سيأتي على الباقين، وأن "عبدالسلام" لا يستهدف سوى تشتيت جميع "الكتلة القومية" ليستفرد بـ"عارف عبدالرزاق" تمهيداً لإقالته من جميع مناصبه في المستقبل القريب، حينئذ يخسر سمعته السياسية، لا سيما وأن وزارته -التي شكّلها قبل أيام- غير مقبولة من حيث الأساس في الشارع العراقي، إضافة إلى فقده المؤكد لسمعته العسكرية والمعنوية، كونَه نَقَلَ أعواناً وأصدقاءَ حميمين طالما إعتمد عليهم، وكانوا سرّ قوّته أمام "عبدالسلام عارف"... لذلك فإن الوقت قد حان فعلاً للتخلّص من نظام حكمه، وأن وجوده في "الدار البيضاء" لهو فرصة ذهبية للإطاحة به.
بات "عارف عبدالرزاق" ليلته تلك في دوّامة لا يستقر على قرار.. فمن جهة فقد وعد "سعيد صليبي" بمنح "عبدالسلام عارف" فرصة (3) أشهر لتصحيح أخطائه، فليس من المعقول القيام بإنقلاب في حين لم يَمضِ على ذلك الوعد وعلى تشكيل وزارته سوى أيام معدودات، إذْ أن الرأي العام لا يمكن أن يستوعب ذلك، وأنه سوف لن يجد مبرّراً واحداً يمكن أن يقنع الشعب به... فهل من المعقول أن يوضّح للعامة من الناس أنه أطاح بـ((رئيس جمهورية)) لأنه طلب نقل عدد من الضباط من مواقعهم؟؟ ولذلك أمسى في موقف حرج للغاية، ويا ليته أخذ بنصيحتي.
زرتُه صباح (13/أيلول)، فَرَوَى لي ما عاناه في الليلة الماضية، وقصّ عليّ الضغط الكبير الذي يمارسه ضباط "الكتلة" للإطاحة بـ"عبدالسلام عارف"، فأعدتُ عليه ما إقترحتُه في الليلة السابقة:-
((موقفك في الشارع وفي أوساط الجيش  أصبح سيّئاً، إذاً فلا بدّ من الإقدام على خطوة تسترجع بها شعبيّتك... لذلك فإن أمامك حلاّن لا ثالث لهما:-
الأول: أن تستثمر فرصة غياب "عبدالسلام" وتُنَحّيه عن السلطة نزولاً عند رغبة ضباط "الكتلة".
والثاني: أن ترفض تنفيذ طلب النقل، وتنتظر عودة "عبدالسلام" لتواجهه بصراحة تامة، مُلوِّحاً بقوة الجيش والقوة الجوية التي أنتَ مُستَند عليهما، وتطلب منه الكفّ عن إتباع سياسة "فرّق.. تَسُد"، وتفرض عليه ضرورة إجراء تعديل وزاري لتدخل في وزارتك عناصر قومية بارزة تختارهم أنت... وبذلك تنال رضا الشارع العراقي الذي خاب ظنّه في وزارتك الحالية... وإني على يقين أن "عبدالسلام" سيرضخ لكل مطاليبك، لأنه غير قادر -في هذه المرحلة- على إقالتك ما دامت وزارتك جديدة، وأن الجيش يقف وراء ظهرك، والشارع يشدّ أزرك"... وتركتُه متصوّراً إنه قد إقتنع بالحل الثاني)).
ولكن.. في مساء اليوم نفسه حضر إلى مسكني "المقدم الركن رشيد محسن" مدير الأمن العام، موضّحاً أن ضغوط الضباط على "عارف عبدالرزاق" قد زيدت هذا اليوم، وأنه إقتنع بضرورة إجراء حركة ينحي بها "عبدالسلام"، وأنه بعثني إليك لبيان تصوراتك عن خطة يمكن أن تُنفَّذ.
أوضحتُ للأخ "رشيد محسن" أنه على الرغم من تفضيلي الحل المقترح الثاني، فإنني -نزولاً لمشيئة الأخ "عارف عبدالرزاق" وضباط "الكتلة القومية"- أقترح تنفيذ الحركة وفقاً لما يأتي:-
أولاً: أن يستدعي كلاً من "العميد سعيد صليبي" و"العقيد الركن بشير الطالب"- و"المقدم الركن ابراهيم الداود-آمر فوج الحرس الجمهوري الثاني"- إلى مكتبه في رئاسة مجلس الوزراء تحت ذريعة مناقشة خطة أمن بغداد، وذلك عند إنتصاف نهار(15/أيلول/1965).. وحال حضورهم يتمّ حجزهم في مبنى المجلس، حيث يوضعون تحت حراسة ضباط يُهيّأون لهذا الغرض.
ثانياً: يُنذَر جميع القطعات العسكرية المتواجدة في "بغداد" تحسّباً لأي طارئ.
ثالثاً: وبكل هدوء، يذهب "عارف عبدالرزاق" إلى دار الإذاعة والتلفزيون ليذيع بياناً بتنحية "عبدالسلام عارف" من جميع مناصبه، وتشكيل "مجلس قيادة الثورة" مجدّداً إلى جانب تأليف وزارة جديدة.
كان "رشيد محسن" على قناعة تامة بهذه الخطة البسيطة وغير المعقّدة، ومتّفقاً على إمكانية تنفيذها بكل سهولة... ولكن يبدو أن آخرين** أقنعوا "عارف عبدالرزاق" بوضع خطّة بديلة تحدّد موعد تنفيذها الفعلي مع منتصف ليلة (14/15أيلول).
إعتمدت الخطة الجديدة على:-
أولاً: نزول مجاميع من الدبابات المتواجدة في معسكر "أبي غريب" بقيادة "الرائد عبدالامير الرُبَيْعي" بعد منتصف تلك الليلة لتتمركز في مواقع محددة وساحات معينة من "بغداد"، وخصوصاً أمام دار الإذاعة والتلفزيون في "الصالحية"وحواليها.
ثانياً: يتواجد البعض من قادة "الكتلة القومية" مع الدبابات*عند وصولها الى منطقة الإذاعة والتلفزيون، ويبقون هناك حتى الصباح إستحضاراً لإستقبال "عارف عبدالرزاق" لدى حضوره لقراءة "البيان الأول" للحركة.
ثالثاً: توضع الكلية العسكرية بالإنذار تحت قيادة "العقيد الركن عرفان عبدالقادر وجدي" للتحرّك عند حدوث أي طارئ.
رابعاً: تحلّق طائرات من القوة الجوية بتشكيلات إستعراضية فوق "بغداد" مع الصباح الباكر ليوم (15/أيلول).
مع حلول مساء (14/أيلول) إستدعى "عارف عبدالرزاق" صديقه "العقيد حميد قادر" مدير الشرطة العام، وصارحه بعزمه على تنحية "عبدالسلام عارف" من سدّة الحكم، طالباً منه تحقيق لقاء مع "العميد سعيد صليبي" وضرورة إقناعه بأحد أمرين:- إمّا المشاركة الفعلية في هذه الحركة... أو الإنتظار في دار سكناه دون إبداء أية معارضة.
ولكن، ما أن أباح "حميد" هذا الأمر لـ"سعيد صليبي" حتى ثارت ثائرته، فأنذَرَ جميع القطعات العسكرية المرتبطة به ((قيادة قوات بغداد، وبضمنها وحدات الحرس الجهوري)) وأبدى تصميمه على المقاومة... فإضطر "عارف عبدالرزاق" لإستدعائه إلى مجلس الوزراء محاولاً إقناعه... ولكنه فور ما علم أن من أقطاب الحركة كل من "العقيد الركن عرفان عبدالقادر، والمقدم الركن فاروق صبري، والرائد عبدالأمير الربيعي" -الذين كان يكرههم ويخشاهم- فقد رفض المشاركة بأي شكل كان.
غدا الموقف حرجاً للغاية، فإستدعى "عارف" "سعيد صليبي" للمرة الثانية، وأصدر أوامره لكل من "العقيد الركن هادي خماس" و"المقدم الركن رشيد محسن" المرابطَين في مبنى مجلس الوزراء، وبإمرتهما أكثر من (30) ضابطاً بإعتقال "سعيد" إذا فشل في إقناعه.
في خضمّ مناقشة عقيمة بين "سعيد" و"عارف" تلقّى "هادي خماس" مكالمة هاتفية من شخص مجهول - قيلَ بعدئذٍ أنّه الملازم أول عامر الحَمدان، أحد ضباط الدبابات المشتركين بتنفيذ الحركة- أخبره من خلالها بفشل "الرائد عبدالأمير الرُبَيْعي" في الإستيلاء على معسكر "أبي غريب"، وأن آمر مدرسة الدروع هناك "العقيد صبري خلف" قد أعاد سيطرته الكاملة على المعسكر وإعتقل "الرائد عبدالأمير"........ بينما كانت الحقيقة غير ذلك تماماً.
حاول "هادي خماس" الإتصال بمعسكر "أبي غريب"، فوجد الخطّ الهاتفي مقطوعاً.... في حين لم يحاول، وكذلك "رشيد محسن"، إيفاد أحد الضباط إلى ذلك المعسكر لمجرّد التأكّد من صحة الخبر... فلو بعث أي شخص إلى هناك لوجد النقيض، فقد كان "عبدالأمير" مسيطراً على المعسكر، ومُعتَقِلاً لـ"صبري خلف"، وأن الدبابات قد أُخرِجَت إلى الشارع العام المؤدّي إلى قلب "بغداد"، وأنها مستعدة للتوجّه نحو أهدافها... ولَسَمعَ من "عبدالأمير" أنه قطع خط الهاتف السلكي -فقط- لمّا إستشعر أن "صبري خلف" يحاول إستخدامه... علماً أن ذلك التصرّف كان خطأً قاتلاً من "عبدالأمير" لما قطع كل إتصال بينه وبين أي شخص آخر، بمن فيهم "عارف عبدالرزاق" أو أولئك الذين يقودون هذه الحركة على جانبيه.
ومن المستغرب أن يعتبر "هادي خمّاس" و "رشيد محسن" معاً إعتقال "عبدالأمير الربيعي" على يد "صبري خلف" أمراً مُسَلَّماً به... إذْ دخل "رشيد محسن" على "عارف عبدالرزاق" في مكتبه، وتحدّث همساً على مسامعه، مُخبِراً إياه بالموقف الطارئ الذي حصل، وطالباً منه ضرورة التفاهم مع "سعيد" بأي ثمن... أوانئذ إضطر "عارف" لإخبار "سعيد" بأنه قرر تأجيل الحركة... فعاد "سعيد" إلى مكتبه في "قيادة قوات بغداد"، فيما ذهب "عارف" الى مسكنه.
لم يعلم "رشيد محسن" بالموقف الميداني للرائد "عبدالأمير الرُبَيعي" إلاّ بعد أن إنتصف الليل... ومن دون أن يستشير "عارف عبدالرزاق" هرع إلى "سعيد صليبي" في مكتبه مُحاولاً إغراءه بمناصب عليا إذا ما شارك في هذه العملية... لكن "سعيد" -الذي بات في موقف قويّ- رفض ذلك، وطلب من "رشيد" التوجّه إلى معسكر "أبي غريب" ليُقنع "عبدالأمير" بإعادة الدبابات إلى ثكناتها، وإطلاق سراح "العقيد صبري خلف".
وعلى مضض، أعاد "عبدالأمير" الدبابات، بعد أن جاهد "رشيد" في إقناعه بأن إصراره على النزول إلى "بغداد" يعني أن قطعات الجيش ستتقاتل فيما بينها بسبب تصميم "سعيد صليبي" على المقاومة.
هرع "عبدالامير" ممتعضاً الى مسكن "عارف عبدالرزاق" في "زيونة"، شارحاً الموقف أمامه وعارضاً عليه الحضور معه إلى حيث "معسكر أبي غريب" ليشرف بشخصه على أرتال الدبابات المُصطفّة على الشارع العام ويقود الحركة بذاته ... ولكن "عارف" كان قد أيقَنَ أن الحركة إنكشفت، وأن "سعيد" إتصل بالبعض من قادة فرق الجيش أيضاً، وأن جميع القوات العسكرية الموالية للرئيس "عبدالسلام عارف" ستقف ضد الحركة، لذلك فإنه لا ينبغي أن يكون سبباً في كارثة دموية قد تحصل نتيجة تصادم وحدات الجيش العراقي بعضها مع بعض.
وفي الصباح الباكر ليوم (15/أيلول) -والحديث ما زال للسيد صبحي عبدالحميد- إتّصل بي "رشيد محسن" هاتفياً ليعرض فكرة قيام "نقابات العمال" -التي كانت تحت سيطرة "الحركة الإشتراكية"- بإضراب، إذْ ينزلون إلى الشارع بغية إجراء مظاهرات تعطي مبرّراً لتدخّل وحدات الجيش لغرض السيطرة على الوضع العام، حينئذ يتم تنفيذ خطة الإنقلاب وفق ذريعة معقولة.
إلاّ أني رفضت ذلك لكونه مقترحاً سَقيماً، وأن الأمر بات خارج سيطرتنا، وأمسى مفتاح كل شيء بيد "سعيد صليبي" ووحدات الحرس الجمهوري... ناهيك عن أن إستحضارات إخراج العمال للتظاهر تحتاج إلى إستعدادات قد تستغرق يومين كي تكون التظاهرات مُسَيطَراً عليها... ولكن "رشيد محسن" أوضح لي أن هذا هو رأي "عارف عبدالرزاق"، ورَجا مني أن أذهب اليه بغية التوصّل إلى حل ناجع ينقذ الموقف القائم.
توجّهتُ إلى دار "عارف" لأجد هناك "العقيد الركن محمد يوسف طه" مدير الحركات العسكرية، وأوضحتُ له الرأي نفسه.... فقال:- "وما الحلّ في نظرك"؟؟
قلت لصديقي "عارف":-
((إذهب إلى مكتبك وكأن شيئاً لم يحصل، وكرّر العملية الإنقلابية هذه الليلة، ولكن وفق إجراءات حاسمة وإستحضارات جيدة))...
وقد أيّدني "محمد يوسف" في هذا الطرح.
ولكن "عارف" عارض ذلك رافضاً أن يتحمل مسؤولية أي تصادم بين القوات المسلحة في شوارع العاصمة.. فقلت له:-
((حسناً... لا بأس أن تنتظر عودة "عبدالسلام" لتواجهه بقوة، وتُخَيِّرَه بين أن يكفّ عن مناوراته، وبين أن يُعَرِّض البلد إلى كارثة)).
ولكني علمتُ بعد ذلك أن "سعيد صليبي وحميد قادر" قد زارا "عارف" في مسكنه، متوسِّــلَين اليه أن يغادر "العراق" حقناً للدماء، لأن القوات المسلحة قد تنقسم على نفسها.
ونزولاً من "عارف" لذلك الرجاء، فقد ضَحّى بسمعته، على الرغم من أنه الشجاع الذي لا يهاب الموت... فقرّر فعلاً السفر إنقاذاً للبلاد، فغادر وطنه وبصحبته كل من "هادي خمّاس، عرفان عبدالقادر وجدي، رشيد محسن، فاروق صبري، وعبدالأمير الربيعي".
موقف القاهرة
كان وصول "عارف عبدالرزاق" -والحديث ما زال للسيد "صبحي عبدالحميد"- بصحبة أقرانه إلى "القاهرة" إحراجاً للحكومة المصرية التي لم تكن على علم مسبق بالحركة، وما كانت توافق أو تؤيد أي إنقلاب حيال "عبدالسلام عارف" في ذلك الوقت، بل كانت تكتفي بعلاقات قوية ومتينة بين البلدين وفق سياسة عربية ودولية متناسقة بينهما... وكانت تلك قائمة ومُحققة مع "العراق" في حينه.
وبينما تلقّى الرئيس "عبدالناصر" -وهو في "الدار البيضاء"- برقية من "القاهرة" تعلمه بهذه المحاولة، فقد أخبر الرئيس "عبدالسلام" بها. 
وفي "بغداد" إجتمع مجلس الوزراء برئاسة "اللواء عبدالرحمن عارف" -عضو "مجلس الرئاسة"- الذي ينوب عن الرئيس "عبدالسلام" في تلك الأيام، فقرّر إيفاد "الدكتور عبداللطيف البدري- وزير الصحة" بطائرة خاصة إلى "المملكة المغربية" لإبلاغ رئيس الجمهورية بالحدث.
وعندما عاد الرئيس "عبدالسلام" الى "بغداد" بسلام، كانت باكورة أعماله أن وَضَعَني و"العميد الركن عبدالكريم فرحان -وزير الإرشاد والثقافة السابق"- تحت الإقامة الإجبارية في مَسكـنَينا، وأصدر أمراً بتوقيف باقي الضباط من قادة الكتلة القومية، وفي مقدّمتهم "العقيد الركن محمد يوسف طه" -مدير الحركات العسكرية، والعقيد الركن عدنان أيوب صبري- سكرتير رئيس أركان الجيش".
أما "العميد الركن محمد مجيد" الذي تسنّم منصب "آمر كلية الاركان" مؤخراً، وكذلك "العميد نهاد فخري- مدير مخابرة الجيش" فقد إختفيا في "بغداد" قبل أن يصلهما أفراد من مفارز الإنضباط العسكري وأوقفوهما.
أسباب الإخفاق
وربما أستطيع أن أُعزي أسباب الإخفاق التي صاحبت هذه الحركة إلى ما يأتي:-
أولاً- تبديل الخطة المقترحة:- وقد إستفسرتُ بعمق من الإخوة "عارف عبدالرزاق، هادي خماس ورشيد محسن" عن الذي تسبَّبَ في تغيير أساس الخطّة المنطقية المقترحة؟؟؟ فظلّ كل منهم يتّهم الآخر.... فلم أتوصل إلى نتيجة مقنعة، لذا بقيت الحقيقة مجهولة لديّ.
ثانياً- المُفاتحة المبكرة:- إذْ فاتح "عارف" كلاً من "سعيد صليبي وحميد قادر" بالحركة قبل البدء بتنفيذها، وذلك ما ساعد "سعيد" أن يُنذِر القطعات العسكرية التي تحت إمرته، ويتهيّأ لإحباطها.
ثالثاً- غموض الموقف في "أبي غريب" :- ظلّ الموقف الذي كان سائداً في معسكر "أبي غريب" غامضاً لسبيين:-
1.قطع "عبدالأمير الربيعي" للخط الهاتفي الوحيد بين معسكر "أبي غريب"، مـا تسبّب في عدم معرفة حقيقة الموقف هناك.
2.عدم إقدام أي من "هادي خمّاس ورشيد محسن" على إتخاذ خطوة للتأكد من الموقف القائم في المعسكر بعد تلك المكالمة الهاتفية الغامضة التي وردت من ((مجهول)) زعم من خلالها إخفاق "عبدالأمير" بالإستيلاء على المعسكر.
رابعاً: عدم التجّرؤ في الإستمرار على تنفيذ الخطة بعد أن علم "رشيد محسن" حقيقة سيطرة "عبدالأمير" على "أبي غريب".
خامساً: القرار الذي إتخذه "عارف عبدالرزاق" بمغادرة "بغداد" إلى "القاهرة" قبل أن يستنفد جميع السُبُل المتاحة لإعادة الكَرّة.
وبعد تكليف الرئيس "عبدالسلام عارف" للأستاذ "عبدالرحمن البزاز" -نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية في حينه- بتشكيل وزارة عراقية جديدة، وهو الرجل الكُفء المشهود له بالحزم والهدوء والتروي، والذي تمكّن فعلاً من الحدّ من إندفاعات "عبدالسلام" بإتهام "القاهرة" بالمشاركة في تلكم الحركة الإنقلابية، أو علمها بها، ناهيك عن الحدّ من تماديه في توقيف الضباط إلاّ إذا ثبت إشتراكهم في الحركة بشكل عملي.... وبعد ضغط من "الأستاذ البزّاز" طال حوالي (3) أشهر، رفع "عبدالسلام" الإقامة الجبرية عني وعن "عبدالكريم فرحان". 
رأي حيال عبدالسلام عارف 
بعد حوالي (7) أشهر على تلكم الحركة، ولما لقي الرئيس"عبدالسلام عارف" حتفه في حادث الطائرة السَمتية، فقد أسفتُ لوفاته، بل حزنتُ عليه كثيراً، وإستعرضتُ في ذاكرتي تلك العلاقات الطيبة التي ربطتني معه منذ (14/تموز/1958) والخلافات غير الشخصية التي حدثت بيننا... لذلك فإن شعوري لم يكن قد تبدّل نحوه، بل بقيتُ أحفظ له الودّ دوماً وأترحّم على روحه.
فرحمة الله على"عبدالسلام محمد عارف"، إذْ لم أكن أتمنى له تلك النهاية المحزنة.
((إنتهى حديث السيد "صبحي عبدالحميد")).
__________________________________
* المصدر مجلة الكاردينيا 

هناك تعليق واحد:

  1. ضباط 8 شباط الاسود ومن جاء بهم هم سفاحي العراق الا لعنة الله عليكم يا اولاد الزنا

    ردحذف

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...