الثلاثاء، 30 أكتوبر 2012

هل يتقاعد الأستاذ الجامعي ؟

                      هل يتقاعد الأستاذ الجامعي ؟
ا.د.إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث –الموصل
    لم تعد الجامعات في كل بلاد العالم ، كما كانت سابقا مجرد ميدان للتدريس، إنما تعددت مهامها وتنوعت مجالات عملها فهي اليوم مراكز للبحث العلمي ولتطوير المجتمع وبيئة توطنها سياسيا واقتصاديا وعسكريا وإداريا .
    والجامعات لكي تؤدي هذه الواجبات وتتحمل هذه المسؤولية ، لابد لها من تهيئة الكوادر اللازمة والمتمكنة وفي مقدمتها الأستاذ الجامعي بدرجاته العلمية المختلفة ومواصلة تطوير قدراته الإدارية والعلمية وتوسيع آفاق فكره ومجالات اطلاعه عن طريق إسهاماته في الندوات والمؤتمرات داخل بلاده وخارجها ليزداد خبرة وعلما ينقله إلى  طلبة جامعته .
   وإذا ما أريد للبلد والمجتمع والوطن أن يتقدم ويزدهر ويتطور فان عليه أن يهيئ للأستاذ الجامعي فرص التطور والتكامل والنضوج واستمرار العطاء بما اختزن وامتلك وتزود من علم ومعرفة وتجربة وعلى الدولة حينذاك أن تسعى للاستفادة من هذا العطاء وحتى إلى آخر أيام قدرته على العمل لتسديد ما بذمته للبلد والوطن والمجتمع من دين وأمانة لاالتعامل معه كموظف عليه مغادرة عمله في سن معينة رغم قدرته على العمل وامتلاك الخبرة التي تؤهله لنقلها إلى طلبته في الدراسات الأولية الجامعية أو في الدراسات العليا بما فيها الدبلوم والماجستير والدكتوراه .فضلا عن كونه مفكرا ومصدرا تستمد منه المعلومات والحقائق في اختصاصه . ولهذا كله اعتمد الكثير من الدول المتقدمة وحتى دول الجوار للعراق وبعض الدول العربية إلى الاحتفاظ بالأستاذ الجامعي إلى اكبر قدر ممكن من الخدمة وعدم شموله او إخضاعه للتقاعد .ففي مصر مثلا يظل الأستاذ الجامعي في الخدمة طالما كان قادرا على العمل والعطاء ..يدرس ويشرف على رسائل الدراسات العليا يناقش الأطروحات ويقدم الخبرة والاستشارة لمؤسسات الدولة والمجتمع هذا إذا لم يتم اختياره وزيرا فمعظم وزراء مصر من الجامعات .
    من هذا المنطلق فان الواجب الوطني يفرض علينا الاعتزاز بأساتذتنا  الجامعيين لا التخلي عنهم بجرة قلم بحجة وصولهم إلى السن 65 عاما والانكى من ذلك حرمانهم من كثير من حقوقهم ووصل الأمر في إحدى جامعاتنا إلى إحالتهم إلى التقاعد بأثر رجعي وسحب هوياتهم وتذاكر دخول سياراتهم إلى الجامعة في تصرف فردي وغريب لم تألفه جامعاتنا العراقية في كل تاريخها مما ينم عن جهل بمهام ورسالة الأستاذ الجامعي وحساسية دوره في الدولة والمجتمع .
     لقد نسي هؤلاء أن إسرائيل في سنة 1967 نقلت أكثر من أربعة ألاف أستاذ جامعي وباحث وخبير خارج إسرائيل حفاظا عليهم  . وقال ابرز مسؤول إسرائيلي ان هؤلاء هم من سيعيد بناء البلد بعد الحرب ..إن الأساتذة عندنا من جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية قد تلقوا علومهم في جامعات علمية رصينة فهم القاعدة العلمية التي ترتكز عليها الجامعات بل ويرتكز عليها المجتمع ومؤسساته واذا ما فكرنا بتقاعدهم فان الجامعات ستخلوا من الخبرات والكفاءات العلمية العالية خاصة وان معظم هؤلاء في مرتبات علمية متقدمة اي ان معظمهم أساتذة وأساتذة مساعدين وان اتخاذ أي إجراء لتقاعدهم أو إخراجهم من الجامعات معناه عرقلة فرص تقدم المجتمع وحرمان الأجيال الجديدة  من الاستفادة المطلوبة فضلا عن  ان الاستغناء عن هذه الكفاءات وتحجيم دورها التعليمي والتربوي والثقافي التنويري سيقود في النهاية الى تسربها خارج البلد للعمل في جامعات غير عراقية مما يمثل خسارة لايمكن تعويضها في وقت نحن أحوج مانكون فيه إلى الاعتماد على الصفوة العلمية المتميزة من أبنائه الذين أسهموا في بناء جامعاته في المجالات كافة وفي صنع وتخريج كفاءاته المتنوعة في المجالات الإنسانية والعلمية على حد سواء باعتبارهم من البناة الأوائل لجامعاتنا وتطويرها ووضع تقاليدها طوال عقود من الزمن جعلتهم مرجعية علمية فذة ينهل من ينابيعها الكادر الذي سيليها ويتزود الجيل الجديد من نبعها بكل ما يؤهله لتولي المسؤولية ومواصلة الخدمة والعطاء .ونعرج هنا على أكذوبة التخصصات النادرة التي لايمكن تحديدها بقائمة كانت معدة من قبل وفي ظل ظروف الحروب  والتصنيع العسكري إبان ال35 سنة الماضية فمن يقول أن الفيزياء هي التخصص النادر بينما النحو ليس تخصصا نادرا وكم أستاذ في الفلسفة لدينا في العراق ؟ كل تخصص علمي هو نادر والعراق لكي  يبنى من جديد بحاجة إلى كل التخصصات العلمية الصرف والإنسانية والاجتماعية والاقتصادية .
     ان مجتمعنا الذي يعتز كل الاعتزاز بالصفوة من أساتذة جامعاتنا الذين أفنوا أعمارهم في ميادين العلم والعمل وشاب رأسهم وتحملوا ما تحملوا من شظف العيش والعوز وظلوا يواصلون ويعملون ويعلمون ويدرسون ويقدموا خدماتهم الجليلة بعيدا عن التفكير بالمردود المادي المتضائل أمام إسهاماتهم في خدمة وطنهم والإسهام في تعليم وتربية أبنائه وبناته تعليما أكاديميا يساعدهم في بناء وتطوير بلدهم ومؤسساتهم المختلفة .
    إن مصلحة البلاد الوطنية تدعو  بل وتفرض مواصلة الأستاذ الجامعي لخدمته وعدم منعه او إيقافه  عن العمل أو تقاعده عن الخدمة والعطاء طالما هو على استعداد لمواصلته .
   دعوة صادقة متجردة ونبيلة ومخلصة لبلدنا ولأولادنا ولأحفادنا ولوطننا وأجيالنا  المقبلة ودعوة لأولي الأمر ولكل من يمتلك قدرة غرس شجرة خير وخدمة لهذا الوطن أن يغرسها لديمومة المسيرة والحفاظ على ماتبقى فيه من اشجار الخير والعلم والحضارة من أساتذة أجلاء فيهم الخير كل الخير الاستفادة من خبرتهم وكفاءاتهم وتجربتهم واستمرار خدمتهم وعطائهم لا في تقاعدهم والله من وراء القصد .
*نشرت لأول مرة في جريدة فتى العراق (الموصلية ) العدد 207 السنة الخامسة ،الأحد 23 آذار 2008 غفلا عن اسمي  وككلمة افتتاحية في الصفحة الأولى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

العلامة محمد بهجت الاثري ( 1904-1996) في المؤتمر الثقافي العربي الاول 1947 ا.د.ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل قبل أيام نشرت مقالة عن أول مؤتمر ثقافي عربي عقد سنة 1947 ، وعن حضور العلامة المؤرخ العراقي الكبير الاستاذ الدكتور جواد علي وهو من اساتذتي درسني في الصف الاول في كلية التربية -جامعة بغداد سنة 1964 مادة (تاريخ العرب قبل الاسلام) ، وقد علق الاخ الاستاذ شهاب سالار الاثري على ما كتبته ، وقال ان العلامة الاستاذ محمد بهجت الاثري اللغوي والمؤرخ والمحقق العراقي الكبير كان من اوائل الحاضرين في هذا المؤتمر وكان يمثل العراق وقد القى كلمة مهمة . يقول الاستاذ شهاب سالار الاثري بعد ان نقل تحيات الاستاذ يسار محمد بهجت الاثري :" الاخ الاستاذ الدكتور ابراهيم العلاف ، بعد ابداء مايليق بالجناب من اعطر التحيات واجملها فأني ارجو ان تكونوا بخير وصحة وعافية . قرأت مقالكم الفخيم حول المؤرخ الدكتور المرحوم جواد علي (رحمه الله). (ومشاركته في المؤتمر الثقافي العربي الأول) الذي انعقد سنة 1947 ويبدو لي ان الاستاذ حسام الساموك قد التبس عليه التاريخ وكتب سنة 1945 بدلاً من سنة 1947 ونشرها في مجلة افاق عربية ولربما أن الخطأ وقع من المطبعة . وتم انتخاب الأستاذ الأثري في هذا المؤتمر رئيساً للجنة اللغة والقواعد. وشارك المرحوم الاستاذ الدكتور جواد علي في القاء محاضرة عنوانها (الثقافة العربية ومقامها من الثقافات العالمية) .. . العراق شارك في اعمال هذا المؤتمر العتيد ..المؤتمر العربي الأول المقام على ارض لبنان برعاية رئيس جمهورية لبنان الشيخ بشاره الخوري في بيت مري للفترة من ٣ إلى ١١ أيلول - سبتمبر سنة ١٩٤٧م ، وعن اوليات عقد المؤتمر قال ان اللجنة الثقافية للجامعة العربية فكّرت بعقد أول مؤتمر عربيّ، وكانت أهم المواضيع المطروحة للبحث في: آداب اللغة العربيّة، والجغرافية والتاريخ، والتربية الوطنيّة. وما أن أُعلن عن المؤتمر حتى تقدّمت إليه الطلبات الكثيرة من شتّى الأقطار العربيّة من رجال ونساء وبلغ عدد المؤتمرين (300) ثلاث مئة شخصٍ. حضرت وفود من الدول العربية التالية : ١- مصر. ٢- لبنان. ٣- سوريا. ٤- العراق. ٥- فلسطين. ٦- المغرب. وضم الوفد العراقي وكان برئاسة العلامة الاستاذ محمد بهجت الاثري عضو المجمع العلمي العربيّ بدمشق وعضو لجنة التأليف والترجمة (كانت نواة للمجمع العلمي العراقي فيما بعد) . كلا من : الدكتور جواد علي سكرتير لجنة التأليف والترجمة. الأستاذ إبراهيم شوكت (الدكتور ابراهيم شوكت استاذ الجغرافية في كلية الاداب جامعة بغداد فيما بعد) الأستاذ المساعد بدار المعلمين العالية. الأستاذ محمد ناصر (الدكتور محمد ناصر التربوي الكبير ووزير التربية السابق ) الملحق الثقافيّ بالمفوضيّة العراقية بالقاهرة. كان من المقرر مشاركة الأستاذ منير القاضي عميد كلية الحقوق وحرمه للمؤتمر، لكنّه تخلّف عن الحضور. وهذه اسماء من شارك من العراقيين : ١- السيدة صبيحة المقدادي شوكت ثانوية الأعظمية للبنات. ٢- السيد عبد الرحمن البزاز (الاستاذ عبد الرحمن البزاز رئيس وزراء العراق فيما بعد) حاكم محكمة بداءة بغداد. ٣- الآنسة بهيجة محمد رؤوف القطان مدرسة متوسطة البتاوين - بغداد ٤- الآنسة جولي متري حاج وزارة المعارف العراقية. ٥- الآنسة مهيبه برباري وزارة المعارف العراقية. ٦- لندا عازر كرم وزارة المعارف العراقية. ٧- السيد خلدون الحصريّ (الدكتور خلدون ساطع الحصري المؤرخ العراقي) ٨- السيدة حرم الأستاذ سعيد فهيم بك ٩- الآنسة فيكتورين ميخائيل خمو طالبة بمعهد الملكة عالية - بغداد. وألقى العلامة الاستاذ محمد بهجة الأثـــريّ كلمة العراق في الحفل الافتتاحي للمؤتمر وأيضاً في ختامه. وقد تم اختيار العلّامة محمد بهجة الاثريّ رئيساً للجنة اللغة والقواعد. من الجميل ان وقائع المؤتمر الثقافي الاول الذي انعقد في بيت مري بلبنان من 2 الى 12 ايلول - سبتمبر سنة 1947 ، صدرت عن جامعة الدول العربية في كتاب حمل عنوان ( المؤتمر الثقافي العربي الاول المنعقد تحت رعاية فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية في بيت مري - لبنان 1947 من 2 الى 12 ايلول - سبتمبر 1947 -القاهرة ) وقد طبع الكتاب سنة 1948 في (مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ) . مندوب جريدة (الزمان ) البغدادية وكما هو منشور في العدد الصادر يوم 24 ايلول - سبتمبر 1947 ، التقى العلامة الاستاذ محمد بهجت الاثري وسأله عن اهمية المؤتمر فقال الاستاذ الاثري :" أرى ان هذا المؤتمر ،كان الحجر الاساسي الاول لاقامة صرح جديد للثقافة العربية على امتن الاسس واقواها ،والاتجاه بها الى القومية الصحيحة الرصينة وتكوين الفكر العربي المستقل بوعيه والمتميز بخصائصه ..." . كان الاستاذ محمد بهجت الاثري قد القى كلمة ضافية في المؤتمر قال فيها :" تحية العراق الى الوطن العربي الاكبر من البصرة وتخوم طوروس الى ضفاف الاتلنتيك ،والعراق كان ومابرح ولن يبرح الى مايشاء من تلك المراكز العربية الاصيلة الملامح والسمات التي بحمل ابناؤها في الحواضر والقرى والارباض والارياف انبل العواطف واسمى المشاعر لكل قطر عربي حيث كان ولكل ماهو عربي وفي كل زمان ومكان ..." . كان في المؤتمر ، ثمة لجان منها لجنة الادب ، ولجنة اللغة والقواعد وترأس لجنة اللغة والقواعد الاستاذ محمد بهجت الاثري في حين تولى الاستاذ اسحاق موسى الحسيني ومن اعضاء اللجنة الاستاذ خليل السكاكيني والاستاذ عبد الله المشنوق . وفي حفل الافتتاح توالت كلمات الافتتاح وكان العلامة الاستاذ محمد بهجت الاثري من بين الذين القوا كلمات الى جانب رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري والاستاذ حميد فرنجية والاستاذ احمد امين والدكتور قسطنطين والاستاذ اسماعيل القباني . كان مؤتمرا تاريخيا مهما .رحم الله من غادرنا وحفظ الباقين.

العلامة محمد بهجت الاثري ( 1904-1996) في المؤتمر الثقافي العربي الاول 1947 ا.د.ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...