السبت، 25 فبراير 2012

سعاد خيري ..في ذكرى ميلادها ال 83 عاما


        سعاد خيري  ..في ذكرى ميلادها ال83 عاما
ا.د.إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث –جامعة الموصل
      منذ أكثر من 40 عاما  ، وأنا اقرأ  للكاتبة والباحثة والمؤرخة  سعاد خيري  .ولعل أول ماقرأت لها كتابها عن "تاريخ الحركة الثورية المعاصرة في العراق " في جزءه الأول الذي يغطي الحقبة من سنة 1920 وحتى سنة 1958  . وعندما قرأته أفدت منه في معرفة جوانب لم يكن مألوف تناولها في الأدبيات التاريخية المعروفة .. وأنا اقرأها عرفت أن المؤلفة شيوعية التوجه ، ويسارية النظرة،  وبالتالي فهي –بالقياسات المنهجية التاريخية الصارمة - منحازة وليست حيادية إزاء ماتكتب خاصة ، وأنها تبرز دور القوى اليسارية وتفسر التاريخ وفق  النظرة المادية الديالكتيكية .وفي موقع الحوار المتمدن (الالكتروني ) ، وهي لاتزال تكتب وتنشر مع ان عمرها تجاوز ال80 عاما  ، عرفت هي نفسها بعبارة دقيقة وبليغة أعجبتني كثيرا  ،فلقد قالت بأنها : "كاتبة ، وناشطة شيوعية عراقية كرست كل طاقاتها منذ وعت في الثامنة عشر من عمرها لخدمة شعبها ، والإنسانية ، وتعزيز ثقة قرائها بأنفسهم وبشعوبهم ، وبالإنسانية لتنطلق طاقاتهم في تحرير أنفسهم وشعوبهم والمساهمة في تحرير البشرية وبناء العالم المتحرر من جميع إشكال الاستغلال والاستعباد " .
    عاشت سعاد خيري أل السنوات ال83 من عمرها في ظروف ليست صعبة فحسب وإنما مؤلمة . وأكاد اجزم ان ما من امرأة عراقية عاشت مثلها .إنها امرأة مخضرمة حقا عاصرت العهد الملكي الهاشمي والحكم القاسمي وحكم العارفين وحكم البعث ورأت بلادها وقد وقعت تحت الاحتلال الأميركي .أسهمت في تأكيد استقلال العراق وانتفضت مع من انتفض في وثبة كانون الثاني 1948 ضد معاهدة بورتسموث الجائرة بين العراق وبريطانيا  ، وقبلها اعترضت على تقسيم فلسطين سنة 1947 وخرجت مع من خرج من الشباب والشابات تنادي "فلسطين عربية" ، ومع أنها عراقية يهودية إلا أن جدها العراقي اليهودي زرع في نفسها حب العراق والتفاني والى شيئ من هذا القبيل تشير بالقول"  أن جدها  شاؤول شينا  ، كان له الفضل في ربط مصيري منذ الطفولة بمصير شعبي العراقي وبالإنسانية "  . وكما هو معروف فأن جدها كان مديرا لمدرسة ابتدائية في مدينة العمارة .
    ولدت ببغداد في 19 آذار سنة 1929  وذلك في بيت جدها لامها في حين كان والدها وعائلتها تسكن مدينة العمارة وعن هذه المرحلة من حياتها  وكان أسمها  " سعيدة مشعل " . تقول : " عشت طفولتي هي العمارة وتربيت على ضفاف دجلة وخضت مياهه العذبة واستقبلت صباحاته الجميلة وتمتعت بأمسياته الرائعة وجمال نجومه في ليالي الصيف الهادئة, تتخللها أصوات العاشقين العذبة بأنغام شجية تجوب الضفاف مشيا او تعبر دجلة بقوارب صغيرة,المشاحيف,.لقد تركت تلك الأجواء الرومانتيكية الساحرة عشرات القصص الغرامية التي تفوق روايات مجنون ليلى وروميو وجولييت" .وأكملت دراستها الابتدائية والمتوسطة والثانوية في بغداد ودخلت  الكلية الطبية العراقية وقضت فيها السنة الأولى لكنها فصلت، وانتقلت بعدها  إلى فرع الرياضيات في دار المعلمين العالية ولم تكمل دراستها إذ  فصلت ثانية واعتقلت وحكم عليها بالسجن المؤبد عشر سنوات في سنة 1949 ولم يطلق سراحها إلا بعد نجاح ثورة 14 تموز 1958 .وقد حاولت العودة للدراسة في كلية التجارة والاقتصاد وقبل ان تتم السنة الأولى اضطرت إلى الاختفاء سنة 1960 .  عن تأثرها بالوعي الوطني وتشبثها بالأفكار الشيوعية قالت : " إن بيتنا  في مدينة العمارة كان يتميز بأرقى مستوى من الأناقة والثقافة, بفضل جدي وأمي .فقد دخل الراديو في بيتنا منذ أواسط الثلاثينات من القرن الماضي .وكان الجميع يستمع لنشرات الأخبار . وتتسرب المفاهيم السياسية والمشاعر الوطنية عفويا إلى عقول الصغار . قتل الملك غازي  في نيسان 1939 ولبسنا السواد في المدرسة , ولكن في البيت علمنا بان مؤامرة انكليزية مع عميلهم نوري السعيد. لان الملك غازي كان وطنيا . ولبسنا الخاكي وكان لي ثلاث خيوط لتفوقي بالدراسة في فترة رشيد عالي الكيلاني. وتظاهرنا في المدرسة فرحا بإسقاط طائرة بريطانية , واخيرا تبين انها كانت عراقية . وفرحنا عندما أعفينا من الامتحان باللغة الانكليزية في بكلوريا الصف السادس عام 1941 كرها للمستعمرين . وفي السنوات المتقدمة من الحرب العالمية الثانية كنت الاحظ أمي وأحد أخوالي يذهبان ليلا الى السرداب حاملين الراديو ليستمعا الى إذاعة موسكو , ويفرحا بالانتصارات التي حققها الجيش الاحمر على الفاشية الهتلرية. وحتى الاجتياح الغوغائي للمحلات والبيوت اليهودية والأعمال الوحشية التي راح ضحيتها الكثير في بغداد , لم تؤثر على مشاعر العائلة وعلاقاتها . فقد جرى تعليله بتدابير الانكليز لعودة نفوذهم   " .وأضافت : " شاهدت بغداد لأول مرة عام 1941 , وقد أنهيت توا المرحلة الابتدائية. كم تجولت في شارع الرشيد وبهرني عنفوانه الذي تجسده حركة الجماهير وحيويتها رغم مظاهر الحزن العميق والحقد الدفين.وكم سحرتني واجهات المحلات الكبيرة بمعروضاتها . وتجولت في حديقة غازي في الباب الشرقي, وأعجبت بتمثال عبد المحسن السعدون.حيث كنا نقيم في بيت عمة أمي الواقع في الباب الشرقي.في حين تسكن عمتي في شارع غازي الذي أصبح اسمه شارع الكفاح بعد ثورة 14/تموز. وعلى الرغم من كل اهتمام عمتي وأولادها بنا,كنت لا اميل للبقاء عندها للفارق الحضاري بين شارع غازي وباب الشرقي والبتاوين.فالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في شارع غازي لا تختلف كثيرا عنها في العمارة. حيث كثافة السكان الكادحين ومعاناتهم التي تعكسها سحنتهم والازقة المزدحمة بالأطفال الحفاة . أما في الباب الشرقي والبتاوين , فترى الأبنية الجميلة والحدائق الغناء والجماعير المترعة والسيارات الفارهة والنسوة الجميلات السافرات المرتديات احدث الموديلات . ومع ذلك بقيت في ذاكرتي تلك الجولة في محلة أبو سيفين وهي من محلات شارع غازي.حيث تجلس النسوة على عتبات البيوت يحكن الصوف او يطرزن أو يبعن الكبة وأنواع الأغذية . وكثيرا ما يتشاجرن بسبب الأطفال"  .
    قالت أن خطيب شقيقتها  (حبيبة ) حسقيل قوجمان كان له تأثير مباشر في اعتناقها الفكر الماركسي : " استطاع حسقيل  قوجمان أن يغذي شغفي لمعرفة كل شيء عن الشيوعية ولاسيما عن قوانين الديالكتيك التي شرحها لي مرفقة بالأمثلة العملية. وهكذا بدأت أتبين الواقع وأقيس العلاقات الاجتماعية واعدت النظر بكل مواقفي وعلاقاتي واخترت سبيل حياتي وحددت أهدافي. ثم جاءت محاكمة الرفيق فهد العلنية ونشر وقائعها في الصحف, لتحدث انعطافا حاسما في حياتي" . لقد استطاع الرفيق فهد أن يحول المحاكمة إلى محاكمة للنظام الذي كان يتعاون مع المستعمرين لنهب الوطن واضطهاد الشعب. كما جسد وطنية الشيوعيين قائلا, "كنت وطنيا قبل أن أصبح شيوعيا ، وعندما أصبحت شيوعيا شعرت بمسؤولية أكبر تجاه وطني" ,وعبر عن تواضع الشيوعيين وتقديرهم للحركة الوطنية ودورها في النضال الوطني , رافضا اعتبار كل النشاطات الجماهيرية من اجل القضايا الوطنية والعربية بقيادة الشيوعيين وحدهم. وكان لشموخه وهو مهدد بحكم الإعدام تأثير معنوي كبير على الجماهير عموما وعلى الشبيبة خصوصا , وكنت منهم. فكنا نتلقف الصحف يوميا لنقرأ وقائع المحاكمة ونحلق بأحلامنا وآمالنا بالسير على طريقه. وكان للضجة العالمية التي أحدثها حكم الإعدام لأسباب سياسية في وقت كانت البشرية لم تتذوق الحرية إلا لماما بعد النصر على الفاشية , أثرها في اضطرار الحكومة الى تغيير الحكم إلى المؤبد وعزز الثقة بقدرة البشرية على تحقيق أهدافها.
ومنذ ذلك الحين اتخذت قراري في تكريس حياتي لخدمة شعبي والإنسانية عن طريق النضال الوطني والاممي , في سبيل وطن حر ..وشعب سعيد يسهم في تحرير البشرية وتطوير حضارتها"  .
     اتخذت من الكتابة وسيلة نضال على مدى نصف قرن ، وتعترف بأن لزوجها زكي خيري دور كبير في تشجيعها على التوجه لخدمة أهداف الحزب الشيوعي العراقي في خلق حياة سعيدة للعراقيين والتخلص من كل أشكال الاستغلال والعبودية والظلم وبناء عالم جديد تسوده قيم الحرية والسلام .
    تزوجت من زكي خيري  في تشرين الثاني سنة 1964 وأنجبت ولدا اسمه يحيى ( مواليد 1965 ) وابنة اسمها  وداد (مواليد 1968 )  .ومع أن عمرها عند كتابة هذه السطور 83  سنة ،إلا أنها لم تقض في العراق سوى 44 عاما عشرة منها سجن النساء المركزي في بغداد .وقد امتدت السنوات العشر من 19 شباط 1949 وحتى 27 آب 1958 ومنها ثلاثة أشهر في سجن البصرة .وكانت سعاد خيري قد حكمت بالسجن المؤبد لتوجها الشيوعي ولم يكن عمرها آنذاك يزيد على ال20 سنة .وفي السنوات التالية لسنة 1958 سجنت مرات ومرات ، واضطرت للاختفاء مرات ومرات ، وانتقلت للعيش في دمشق  ومن ثم في موسكو  وبراغ  وأخيرا في استوكهلم بالسويد   .
     في  سنة 1961 واصلت دراستها العالية في موسكو 1961  ودخلت فرع الاقتصاد والتخطيط  ونالت الماجستير سنة 1967 وحصلت على شهادة الدكتوراه  في الاشتراكية العلمية  من جامعة الصداقة في موسكو سنة 1976  .لم تمارس العمل الوظيفي في حياتها سوى سنة واحدة إذ عملت اثر إطلاق سراحها بعد نجاح ثورة 14 تموز 1958 وسقوط النظام الملكي وتأسيس جمهورية العراق ، موظفة في مصرف الرافدين وبعدها تفرغت للعمل الحزبي وخاصة في صحافة الحزب الشيوعي وفي مدرسته المركزية  وفي القضايا التنظيمية والتثقيفية .وفي براغ  عملت سنة 1980 في مجلة قضايا السلم والاشتراكية .
   ألفت عددا من الكتب  منها:  الجزء الأول من كتابها الموسوم : "من تاريخ الحركة الثورية المعاصرة في العراق 1920-1958 وطبع في مطبعة الأديب ببغداد سنة 1974 و"فهد والنهج الماركسي  الللينيني  في قضايا الثورة " وطبع سنة 1974 وكتاب "المرأة وآفاق التطور في العراق " ، وطبع في مطبعة الرواد ببغداد سنة 1975 ، وكتاب " تاريخ الحركة الثورية المعاصرة في العراق " وهو الجزء الثاني وتتحدث فيه عن ثورة 14 تموز 1958.وكتاب " دراسات  في تاريخ الحزب الشيوعي " وقد ألفته مع زوجها زكي خيري وصدر لمناسبة الاحتفال باليوبيل الذهبي للحزب الشيوعي 1934-1984 وطبع سنة 1984 .وكتاب " ثورة 14 تموز 1958 بعد أربعة عقود وطبع في السويد سنة 1998 وكتاب " المرأة العراقية : كفاح وعطاء " وطبع في السويد سنة 1998 وكتاب " العولمة :وحدة وصراع النقيضين ..العولمة الإنسانية والعولمة الرأسمالية " وطبع في السويد سنة 2000 . وقد  أعدت كتابين لزكي خيري هما  : كتاب "صدى السنين في كتابات شيوعي عراقي مخضرم " وطبع في السويد سنة 1996 ، وكتاب " مراجعات ماركسية لزكي خيري " الطبعة الأولى في دار الكنوز الأدبية في السويد والطبعة الثانية في بغداد سنة 2006 .  هذا فضلا عن كتابتها لمئات المقالات والدراسات في صحافة الحزب الشيوعي العراقي  وفي الانترنت وفي موقع الحوار المتمدن لديها أكثر من 500 مقالة .ومن أمنياتها أن تعود إلى وطنها العراق .
*منشور في موقع الحوار المتمدن http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=296663-25-2-2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...