الدكتور داؤد ألجلبي ( 1879 ـ 1960 ) طبيبا وباحثا ومؤرخا
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
ينتمي داؤد الجلبي إلى أسرة امتهنت الطب في الموصل منذ فترة مبكرة من تاريخها الحديث . ولد في 16 كانون الأول ضن 1879 ودخل كتاتيب الموصل ثم التحق بمدرسة الآباء الدومنيكان، ثم في المدرسة الإعدادية الملكية ( المدنية ) بالموصل وبعدها سافر إلى استانبول سنة 1899 ليدخل المدرسة الطبية العسكرية ويتخرج منها طبيباً عسكرياً سنة 1909 وقد عاد بعدها إلى الموصل ليعمل في إحدى الوحدات العسكرية الطبية.
اهتم داؤد الجلبي بالتاريخ منذ وقت مبكر في حياته العلامة ، وقد قاده إلى ذلك اتجاهه القومي العربي وحقده على السياسة العثمانية التي يعزو إليها تأخر العرب . وقد التقى الجلبي بنخبة من زملائه العسكريين الموصليين في منطقة الشعيبة سنة 1915 ، وإبان المعارك التي دارت بين البريطانيين الغزاة والجيش العثماني . وكان في مقدمة هؤلاء مولود مخلص ، وقد كان الاثنان مندفعين نحو التيار القومي العربي ويسعيان من أجل الاستقلال عن الدولة العثمانية . وقد وقع داؤد الجلبي في أسر البريطانيين ولم يطلق سراحه حتى سنة 1916 ، وخلال هذه السنة حاول الالتحاق بالثورة العربية في الحجاز ، إلاّ أنه لم يوفق فعاد إلى الموصل بعد وقوعها تحت الاحتلال البريطاني سنة 1918، ليعمل مع مثقفيها القوميين في تأسيس النادي العلمي سنة 1919 وقد انتخب الجلبي رئيساً للنادي الذي أسس ليكون مركزاً من مراكز النشاط القومي المعادي للبريطانيين .
وبعد اجراء الانتخابات لأول مجلس نيابي انتخب داؤد الجلبي نائباً عن الموصل في المجلس التأسيسي العراقي الذي اجتمع سنة 1925 ليقرر الدستور . وبعد ذلك عاد إلى طبابة الجيش وعيّن مديراً بالأمور الطبية في الجيش العراقي في 17 تموز سنة 1930 ، وفي 1933 أحيل على التقاعد . وتقديراً لخدماته عيّن عضواً في مجلس الأعيان ( الشيوخ ) سنة 1937 لدورة واحدة أمدها أربع سنوات . وخلال هذه الفترة ظلَّ مداوماً على البحث والكتابة فضلاً عن ممارسته لمهنته في عيادته الخاصة الواقعة في شارع نينوى قرب السرجخانة حتى وفاته يوم الأحد 29 أيار-مايو 1960 .
يعـد داؤد الجلبي من أبـرز ممثلي التيار القومي العربي في الموصل والذي بدأ بالظهور منذ الانقلاب الدستوري العثماني سنة 1908 ، وقد أسهم ألجلبي في الجمعيات القومية التي برزت في الموصل ، وخاصةً جمعية العهد وكان من أعضائها النشيطبن .وبعد تشكيل الدولة العراقية ، وجد ألجلبي ان بلده بحاجة إلى نهضة شاملة ، وأن هذه النهضة لا يمكن أن تتحقق إلاّ بالعلم والقوة . ، لذلك أصبح من دعاة الإصلاح والتجديد وقد تجلى ذلك من خلال المحاضرات التي كان يلقيها في بعض مدارس الموصل ، وكان التاريخ فيها محوراً أساسياً ، لأنه كان يعتقد بأن التاريخ وسيلة مهمة من وسائل النهضة وقد انكب على دراسة مصادر التاريخ ،وأولع بمعرفة أسباب نمو الحضارات وعوامل تدهورها .
ومن أجل احياء التراث العربي ، واستخلاص مخزونه الثقافي ووضعه بين أيدي القراء قدّم الجلبي دعوة لجمع الكتب الموقوفة في المدارس الدينية والمساجد والجوامع الموصلية وتسجيلها ، لتكون أساساً لدار كتب عامة منظمة ومنسقة على نمط دور الكتب في البلاد المتقدمة . كما اهتم بجمع المخطوطات ودعا إلى الاعتناء بها ، وكان أول من عرف بمخطوطات الموصل ووثقها في كتابه القيم " مخطوطات الموصل " .
وكان لإجادة داؤد الجلبي لبعض اللغات الأجنبية كالفرنسية والألمانية أثر كبير في زيادة تأثيره الثقافي في حياة مدينته : الموصل . وقد دعا إلى رفد مكتبة الموصل المركزية العامة ، بما أنجزه الفكر الإنساني من كتب تتعلق بتراث العرب وحضارتهم وباللغات الأوربية المختلفة حتى أنه اقتنى مكتبة كبيرة احتوت على مئات الكتب،وكانت فيما بعد نواة لمكتبة خاصة به ، وهي مكتبة داؤد الجلبي التي ألحقت فيما بعد مكتبة الأوقاف في الموصل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق