الثلاثاء، 6 أغسطس 2019

الرئيس العراقي الاسبق المشير الركن عبد السلام محمد عارف 1963-1966 يرفض التدخل الايراني في شؤون العراق ويؤكد عروبة شيعة العراق




الرئيس العراقي الاسبق المشير الركن عبد السلام محمد عارف 1963-1966 يرفض التدخل الايراني في شؤون العراق ويؤكد عروبة شيعة العراق 

 مقال بقلم : الاستاذ محسن حسين
كاتب وصحفي عراقي مخضرم - لبنان

من بين الحوادث المهمة التي شهدتها في عملي الصحفي ذلك اللقاء المثير بين رئيس الجمهورية عبد السلام عارف والسفير الايراني مهدي بيراسته.
كان ذلك في نيسان 1964 ذهبت الى القصر الجمهوري لاحضر بصفتي الصحفية امثل وكالة الانباء العراقية (واع) في مراسم تقديم اوراق اعتماد السفير الايراني الدكتور مهدي بيراسته الى الرئيس عبد السلام عارف.
كان بيراسته وزيرا للداخلية في بلاده قبل تعيينه سفيرا لايران في العراق وعرف عنه انه مقرب من شاه ايران محمد رضا بهلوي.
في القاعة التي تقدم فيها اوراق اعتماد السفراء كان وزير الخارجية صبحي عبد الحميد ورئيس التشريفات في رئاسة الجمهورية إبراهيم الولي.
وقبل ان أصف ما حدث امامي اشير الى ان روايات عديدة نشرت حول ما حدث ابرزها روايات الذين عاشوها ومنهم وزير الخارجية انذاك صبحي عبد الحميد ورئيس التشريفات في رئاسة الجمهورية ابراهيم ولي في مذكراته ومستشار السفارة الايرانية هاشم حكيمي، في مذكراته الشخصية لكن اخرين نشروا روايات عجيبة عن الذي حدث منها مثلا: أن الرئيس “عبدالسلام عارف” قد قذف وابلاً من الشتائم على “شاهنشاه إيران” وسفيره الجديد نازعاً حذاءه وضارباً إياه وراكضاً خلفه حتى أخرجه من القصر الجمهوري، قبل طرده من العراق.
** مخالفات للبروتوكول
مثل هذه الروايات غير المعقولة غير صحيحة وحسب ما شاهدته وما سمعته في ذلك اليوم فقد وقف السفير امام رئيس الجمهورية وهو يبحث في اوراق حقيبة كان يحملها فلاحظ الرئيس ذلك وقال ساخرا :- “يبدو أن السيد السفير قد نسي شيئاً لم يجلبه” وعندها إستدرك بيراسته الموقف فأسرع بإخراج أوراق إعتماده التي يجب أن يقدمها بيديه قبل أي شيء آخر، حتى وجه الرئيس كلامه إلى رئيس تشريفات الرئاسة بقوله:- “كان يجب أن يُلَقـَّن السيد السفير بعضاً من أسس البروتوكول الضرورية”.
كان بصحبة السفير عدد من اعضاء السفارة الايرانية ابرزهم المستشار هاشم حكيمي الذي كان يشغل منصب القائم بالأعمال الإيراني لاكثر من سنة والملحق العسكري العقيد معصومي، ومترجم.
وحسب مذكرات حكيمي فانه قبل المقابلة ابلغ السفير انه لا يجوز ان يحمل حقيبة في حفل تقديم اوراق الاعتماد لكن السفير اصر على ذلك.
وبعد ان قدم اوراق اعتماده للسفير أخرج اوراقا من حقيبته الدبلوماسية الكبيرة التي كان يحملها -على غير العادة المتبعة- وبدا يقرا كلمة مطولة خلافا للبروتوكول الى ان قال في تلك الكلمة العبارة التي كهربت الجو.
قال السفير “أن جلالة الشاهنشاه محمد رضا بهلوي المعظم يرفع إليك أسمى آيات السلام يا فخامة الرئيس ويتأمل منك الحرص على شيعة العراق”!!
** عارف للسفير: أرفض أوراق إعتمادك
انزعج الرئيس جدا وقال له على الفور بلهجة حادة " قف عند حدك. شيعة العراق عرب أقحاح، وهم مواطنونا وأهلنا وأعزاؤنا وفي قلوبنا، وليسوا بحاجة لكائن من كان ليصبح وصياً عليهم… وهذا الذي تفوهت به أعتبره تدخلاً في شؤوننا الداخلية لا نقبله من أحد… لذلك أرفض أوراق إعتمادك، فإستلمها وأخرج، وبلغ سلامي لشاهنشاهك ليبعث إلينا سفيراً أكثر أدباً وأصولاً. إنتهت المقابلة.
وقبل ان يخرج الرئيس من القاعة اذكر جيدا انه طلب من رئيس التشريفات اوراق اعتماد السفير وكتب عليها بخط يده "لا يصلح سفيرا"
بعد ذلك اللقاء العاصف بدا السفير يزمجر غاضبا ويطلب اعتذارا رسميا فورا لكن وزير الخارجية ورئيس التشريفات تكلما معه واخذاه الى جانب من القاعة حيث جلس الجميع وابلغوه ان طلبه الاعتذار مستحيل ويقول المستشار الايراني حكيمي في مذكراته (قلت له بأن ما يطالب به هو ضرب من الخيال لأنه لا يمكن لرئيس الدولة أن يعتذر لأي شخص بما ذلك السفراء.)
بقي السفير بيراسته في بغداد لمدة اسبوعين وحسب مذكرات الوزير صبحي عبد الحميد فان السفير بيراسته لم تتعرض له السلطات العراقية رغم علمها باتصالاته بالسفارة الأمريكية المتاخمة بمبناها الضخم للقصر الجمهوري واجتماعه بالعديد من موظفي وكالة المخابرات المركزية (C.I.A) داخل السفارة، وذلك قبل أن يعود إلى بلده بسيارة رسمية عبر منفذ “قصر شيرين” الحدودي.
** وساطة تركية باكستانية
وبعد 7 اشهر تقريبا ووساطة تركية باكستانية وسفيريهما في بغداد وافق العراق على عودة السفير بيراسته الى بغداد شريطة أن يتصرف بكل أدب بصفته “سفيرا".
عاد بيراسته الى بغداد أواخر عام (1964) ليقدم أوراق إعتماده ثانية للرئيس “عبدالسلام عارف” الذي بدوره طلب منه إعتذاراً عن تصرفه السابق وصراخه غير اللائق في أروقة القصر الجمهوري، فقدم السفير الاعتذار وفي حينه فهم المسؤولون العراقيون ان شاهنشاه إيران قد وبّخه حيال ذلك التصرف، لافتاً نظره (أن لكل مقام مقال)، وعلى من يتولى منصب السفير أن يكون “دبلوماسياً” قبل أي شيء.
_____________________________
*مقاله اليوم 6-8-2019 في صحيفة الزمان طبعة العراق والطبعة الدولية وفي شبكة الاعلام في الدنمارك 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...