درس العبارة المشؤومة في الموصل
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
ما حدث ظهر يوم الخميس الدامي 21-3-2019 في
الموصل ، كان حادثا مأساويا لم تشهده الموصل من قبل في كل تاريخها ؛ ففي هذا اليوم
سقط قرابة (120 ) إنسانا غريقا في نهر
دجلة بسبب انقلاب عبارة جزيرة أم الربيعين في غابات الموصل السياحية .
وحتى كتابة هذه السطور ، ثمة مفقودين لايزال
البحث عنهم جاريا مع وجود ناجين في حالة صحية ونفسية سيئة .
ذهب الشهداء الى بارئهم ، وهم يشكون ظلم
الانسان للانسان.. يشكون لله جشع وطمع
الانسان ..المستثمر الذي يشغل الجزيرة السياحية ، وهي متنفس سياحي للموصليين ولمن
يزور الموصل ، لم يراع أبسط شروط السلامة في العبارة ..لم يزودها بوسائل الانقاذ ،
ولم يتحقق من أسلاكها .كما انه لم يمتثل
لتحذير المسؤولين في الموارد المائية ، بأن ثمة اطلاقات مائية كبيرة في نهر دجلة
بسبب الامطار الغزيرة .
الجشع والطمع ، هو من كان وراء المصيبة
..الاستخفاف بأرواح الناس هو من كان سبب في المصيبة ، والا ما معنى ان يحشر( 287)
انسانا في عبارة لاتتسع إلا ل(50-60 )
راكبا ..ما معنى ذلك ؟ .والجواب ان
لامعنى لذلك الا لانه جشع يريد ان يجني اكبر كمية من المال والنتيجة التضحية
بأرواح الناس الابرياء الذين جاؤوا ليرفهوا عن انفسهم واهليهم قليلا .
من كان يركب في العبارة اطفال ونساء وشباب
ورجال اقتضت ظروف الربيع الذي جاء ان يخرجوا الى الهواء الطلق مع اولادهم وبناتهم
ليلقوا الموت امامهم والموت ببشاعة كان الله في عونهم وهم يعيشون تلك اللحظات
القاسية الصعبة .
لقد كشف حادث العبارة عن خلل كبير في وضعنا
الامني والاقتصادي والاجتماعي وكشف ان ثمة اهمالا لمرافقنا الخدمية والسياحية وان
هناك قوى لم يعد يهمها ان تزهق ارواح الناس ما يهمها هو الكرسي وما يهمها هو
المنصب وما يهمها هو الكسب والاثراء .كما كشف صدق ما كنا ننبه اليه وهو وجود عدة
مصادر للقرار في محافظة نينوى وان هناك صراعات على الكراسي وان هناك قوى
سياسية واقتصادية وراء ما يجري على ارض
الموصل لايهمها الا مصالحها السياسية والاقتصادية .
لذلك ثار الموصليون ، وغضبوا غضبة مضرية
وطردوا المحافظ ، واصروا على ان يخرج ويذهب الى حيث القت رحلها أم قشعم مع ما للتحقيق القضائي من اهمية
في ملاحقة كل اوجه الفساد . انتفاضة الموصليين يجب ان تدام وتتواصل من اجل تخليص
المحافظة من كل ضروب الفساد الاداري والمالي ولم يعد بإمكان الموصليين ، وهم
يفقدون اولادهم وبناتهم امامهم ، الا ان يثوروا على الظلم والفساد كما ثاروا على
الارهاب والظلام فالفساد و الارهاب صنوان
ومن أتى بالارهاب هم الفاسدون الذين لم
يعد يتورعوا عن بيع اهليهم ومحافظتهم لمن يدفع اكثر .
الامر الذي افرحني وانا اعيش حالة الحزن
والالم ان العراقيين في كل مدينة وكل قصبة من مدن وقصبات العراق تضامنوا مع الموصليين في مصابهم الاليم ووقفوا وقفات
تضامنية وتأبينية لاحقتها في صفحتي الفيسبوكية اولا بأول .
وهكذا فالعراقيون جسد واحد اذا اشتكى منه عضو
تداعت له اعضاء الجسم الاخرى بالسهر
والحمى .
الشيء الذي اريد ان اقوله ، وهذا العدد من
مجلتنا الحبيبة (زهرة البارون ) الالكترونية مكرسا للمصيبة مصيبة العبارة ، مصيبة
اهلنا الشيء الذي اريد ان اقوله ان على
الموصليين وعلى كل العراقيين ان ينتبهوا لوضعهم ، وان لايسكتوا على الظلم ، وان
يثأروا لانفسهم ويطالبوا بحقوقهم ولايسمحوا لمسؤول ان يستعرض عضلاتهم عليه وان
يفهموه انه خادمهم وهم من اجلسه على كرسي المنصب وهم بإستطاعتهم خلعه .
هل كنا بحاجة الى هذه المصيبة لكي نثور ؟نعم
المصائب محطات تساعد الانسان على الانتباه والتيقظ .كنا نتكلم ونتحدث عن ضرورة
مواجهة الفساد الاداري والمالي ولكن لم
يكن أحدا ينتبه الى ذلك وكنا نقول ان من جاؤوا بعد الاحتلال 2003 شكلوا طبقة
سياسية ذات نفوذ اقتصادي بذراع عسكري والمواجهة مع هذه الطبقة تحتاج الى ادوات
ووسائل وقرارات وقوانين تشريعية فضلا عن
التوعية السياسية والفكرية .
والامم بحاجة دوما الى هزة لتستيقظ وقد تكون
الهزة عنيفة بعنف المظالم وقوة الاستبداد وعظم التسلط وها نحن واجهنا الهزة التي
ينبغي ان تفيدنا في ان نبني ونعمر ونضع اسسا لمستقبل اولادنا واحفادنا ويقينا ان
على العاقل ان يتعظ وان يتعلم والتاريخ في واحد من دروسه هو ان يجعلنا نتعظ ونعتبر .
نعم غرق العبارة ليس الا بمثابة درس .. درس
لمن يريد ان يعرف ويتعلم درس يقول ان الظلم لايمكن ان يدوم وان الاستهتار بالناس
لايمكن ان يستمر وان تجاهل حقوق الناس لايمكن ان يظل وان لابد من الثورة ولابد من
الغضب الغضب على الظالمين واقتلاعهم من جذورهم وتقديمهم للمحاكم كي ينالوا جزاءهم
العادل (ولكم في الحياة قصاص يا اولي الاباب ) صدق رب العزة والجلال .
الرحمة والغفران لشهدانا الابرار ، وفي عليين
ومثواهم الجنة ومع الصديقين والشهداء والانبياء ان شاء الله .والشفاء العاجل لمن
اصيب في الحادث والعودة لمن هم في عداد المفقودين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق